الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافرًا مرتدًا عن الإسلام لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ويدفن؛ لئلا يؤذي الناس برائحته، ويتأذى أهله بمشاهدته.
أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا اللقاء، وهي بعنوان: متى فرض الصيام?
فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع سنين، وكان فرض الصيام على مرحلتين: المرحلة الأولى: التخيير بين الصيام والإطعام مع تفضيل الصيام عليه، المرحلة الثانية: تعيين الصيام بدون تخيير، فعن سلمة بن الأكوع -رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: من الآية: 184) كان من أراد أن يفطر، ويفتدي فعل، يعني حين نزلت الآية التي بعدها، فنسختها حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها، يعني ما جاء في قول الله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: من الآية: 185) فأوجب الله الصيام عينًا بدون تخيير، ولا يجب الصوم حتى يثبت دخول الشهر، فلا يصوم قبل دخول الشهر لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((لا يتقدمن أحدكم بصوم يوم، أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم)).
هذه بعض أركان الإسلام ذكرتها في هذا اللقاء، وتحدثت عن أمور مهمة تتعلق بها، فبدأت بشهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبينت معنى هذه الشهادة، وأن طاعته صلى الله عليه وآله وسلم واجبة، ثم تحدثت بعد ذلك في العنصر الثاني عن الركن الثاني من أركان الإسلام، وهو الصلاة، وتكلمت عن أهميتها وبينت مكانتها في الإسلام، ووجوب أدائها في بيوت الله عز وجل وأن ترك الصلاة كفر، والعنصر الثالث تحدثت فيه عن الزكاة وبينت أيضًا أهميتها، وأنه يجب على العبد أن يخرجها، وأشرت إلى شيء من فوائد هذه الزكاة حتى يقبل المسلم عليه، وبينت وعيد الله تبارك وتعالى لمن تساهل في إخراج الزكاة، العنصر الرابع من أركان الإسلام كان في الحديث عن الصيام وبينت وجوبه بدلالة القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الأمة، وبينت متى فرض الصيام في الإسلام، وأنه في البداية كان على التخيير، وذكرت ذلك حتى لا يتعلل أحد بأن الصيام ما زال باقيًا على التخيير، فكان هذا في أول الإسلام، ثم أوجب الله عز وجل بعد ذلك صيام شهر رمضان.
أسأل الله عز وجل للجميع التوفيق، والسداد، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
3 -
أركان الإسلام (3)، وبيان أثر الإيمان في تكوين الفرد والمجتمع
الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
عنوان هذه المحاضرة: تابع أركان الإسلام، وبيان أثر الإيمان في تكوين الفرد والمجتمع، ويتبع هذا العنوان العناصر التالية:
العنصر الأول: الركن الخامس من أركان الإسلام ألا وهو الحج، ويشتمل على النقاط التالية:
أ- فوائد الحج، والأدلة على وجوبه:
حج بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام، أمر الله به في كتابه، وكذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته، كما سيأتي بيان ذلك، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: من الآية: 97) وفرض الله الحج مرة واحدة في العمر،
ويجب على المسلم العاقل البالغ الحر المستطيع، ويصح من الصبي، ولكن لا يسقط عنه بذلك فرض الحج إذا بلغ واستطاع، والمرأة التي ليس لديها محرم يرافقها في الحج أو العمرة لا يجب عليها ذلك؛ لصحة الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن سفر المرأة بدون محرم.
والحج مؤتمر إسلامي يلتقي فيه المسلمون حيث يأتون إليه من كل فج عميق، ومن سائر أرجاء الدنيا من جنسيات مختلفة، وألوان متعددة، ولغات كذلك كثيرة، ومع هذا فهم يلبسون لباس واحدًا، ويقفون على صعيد واحد، والجميع يؤدي عبادة واحدة، لا فرق بين كبير ولا صغير، ولا غني وفقير، ولا أسود وأبيض، الناس سواسية -كما قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13).
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا:((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)).
قال سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تبارك وتعالى في كتابه (التحقيق والإيضاح): إن الله عز وجل أوجب على عباده حج بيته الحرام، وجعله أحد أركان الإسلام، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ثم ساق حديث الصحيحين السابقَ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- وقد جاء فيه أركان الإسلام، ومن هذه الأركان: حج بيت الله الحرام، ويجب على من لم يحج، وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)).
ولأن أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه، وهذا لظاهر قول الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: ((أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا)) ويسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعًا لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي نقطة ب- بعنوان: ماذا يجب على من يريد الحج، أو العمرة؟
طالما أنني أتحدث عن الحج، وقد سبق أن تحدثت عن أركان الإسلام، وهذا العنصر به وبنهايته تنتهي جميع أركان الإسلام، فأود أن أذكر كلمة في نهاية هذه الأركان تصلح للحج، وتصلح أيضًا لغير الحج، وهي ربما تكون لازمة للحج أكثر من غيره في بعض المواطن على اعتبار أن الحج لا يقوم به الإنسان، أو لا يجب عليه إلا مرة واحدة في العمر، فعلى الإنسان أن يتنبه لما سأذكره الآن، وما سأذكره يحتاج إلى كل عبادة يقف فيه العبد بين يدي ربه وموالاه:
أول أمر مما يجب على من يريد الحج، أو العمرة أن يخلص العمل لله تبارك وتعالى يجب على المسلم أن يعلم أن إخلاص العمل لله، ومتابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هما أساس قبول أي عمل، ولذا يجب عليه أن يجعل العبد رحلة الحج، أو العمرة، أو عبادة -كما ذكرت- خالصة لوجه الله تبارك وتعالى لا يريد بذلك رياء، ولا سمعة، ولا لقبًا بين الناس؛ لأن ذلك محبط للأعمال الصالحة، يقول الحق تبارك وتعالى مبينًا ما أمر به أهل الإيمان-:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5) وعدم الإخلاص لله عز وجل في العبادة يجعل العبادة معرضة للبطلان، والعياذ بالله تبارك وتعالى لأن عدم الإخلاص يوقع العبد في الرياء، وفي الشرك، والله تبارك وتعالى يقول:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65 - 66).
وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)).
أيضًا مما يجب على من يريد الحج لله تبارك وتعالى أن يبادر إلى التوبة النصوح، حيث يجب على المسلم أن يبادر إلى التوبة النصوح في كل وقت وفي كل حين، وإذا أراد الحج يكون ذلك أيضًا ألزم له؛ لأنه لا يدري هل يمد الله تعالى في عمره بعد
هذه الرحلة الربانية، أو لا وينتهي أجله، الله أعلم، وهذه التوبة تكون من جميع الذنوب صغيرها، وكبيرها لقول الله تبارك وتعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: من الآية: 31) وحقيقة التوبة: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، هذا إن كانت المعصية في حق الله تبارك وتعالى وأما إن كانت في حق الناس، فإنه يضاف إلى ما سبق رد المظالم إلى أهلها، وأن يطلب العبد السماح والعفو ممن أخطأ في حقهم بأهمية ذلك؛ حيث قد روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:((من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلل منها، فإنه ليس ثَمّ دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه)).
الأمر الثالث -الذي يجب على من يريد الحج-: أن يختار المال الحلال، إن أفضل ما ينفق فيه المسلم الأموال هو إنفاقها فيما يرضي الله تبارك وتعالى الذي وعدنا الله بإخلاف النفقة، والبركة في الرزق.
الله عز وجل وعدنا إن أنفقنا في سبيله أن ينفق علينا بخير وبركة يقول سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ: من الآية: 39) ولذا يجب على المسلم أن يختار لحجه، أو عمرته المال الحلال البعيد عن الشبهات، وذلك لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، والله تعالى لا يقبل من الصدقات إلا ما كان من مال طيب حلال، ولا يقبل كذلك من الأقوال إلا ما كان طيبًا.
الأمر الرابع -الذي يجب على من يريد الحج هو-: الوصية بتقوى الله تعالى، يجب على المسلم أن يوصي نفسه وأهله دائما بتقوى الله تعالى، واجتناب معاصيه خاصة عند السفر لأداء مناسك الحج، أو العمرة؛ لأنه أيضًا لا يدري هل يعود إلى أهله مرة أخرى، أو لا، وتقوى الله عز وجل هي وصيته سبحانه للأولين، والآخرين من بني آدم، قال الله في كتابه:
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (النساء: من الآية: 131) وتقوى الله سبحانه وتعالى هي وصية الله سبحانه للأولين، والآخرين من بني آدم، قال الله جل ذكره:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} وتقوى الله هي السبيل إلى جنة عرضها السماوات، والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
كذلك أيضًا من الأمور المهمة التي تجب على من يريد الحج، وتجب أيضًا على العبد في كل أمر مما أمر الله به وجوب معرفة مناسك الحج أو العمرة، أو ما فرضه الله سبحانه وتعالى عليه، وأنا هنا أتحدث عن مناسك الحج، وقلت بأنني ما سأذكره نحتاج إليه في كل العبادات التي نقوم بأدائها لله تبارك وتعالى كون العبد يعرف كيف يعبد الله تبارك وتعالى أمر مهم للغاية، فيجب على كل مسلم أن يعرف كيف يعبد الله تبارك وتعالى وأن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عبادته؛ لأن الأعمال كلها لا تقبل عند رب العزة والجلال إلا إذا كان العبد فيها موافقًا لهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبهذا أكون قد انتهيت من أركان الإسلام.
وقبل أن أنتقل إلى العنصر الثاني في هذا اللقاء أود أن أشير إلى أن للإسلام ركائز أخرى -وإن لم تكن من الأركان- لكنها تعين على وجوده حيَّا مطبقًا في، واقع المسلمين، فيجب أيضًا على المسلم أن يعرف ذلك، وأن يتعلم من أمور دينه ما يقوم به لله تبارك وتعالى فمن الركائز التي يحتاج إليها المجتمع، وهي ليست من أركان الإسلام الخمس، إلا أنها مهمة وضرورية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس؛ لأنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية: 110).
قال بعض السلف: من أراد أن يكون من خير هذه الأمة، فليؤد شرطها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليؤدي شرط هذه الخيرية، وهو أن يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، كذلك على العبد المسلم أن يجاهد بلسانه، وبنانه في سبيل الله تبارك وتعالى أن يبذل جهده في سبيل إعلاء دين الله عز وجل فيقول قول الحق، ويأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويجاهد في سبيل الله عز وجل لكي يقوم الإسلام، ولئلا يكون لأهل الضلال والباطل صولة على أهل الإيمان،