الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم الرحيم
الدرس الثاني عشر
(تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها)
حركة " الإخوان المسلمون
"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
وعنوان هذا اللقاء: "تابع دراسة بعض الدعوات ومنهاجها في الدعوة إلى الله". وهذا العنوان هو امتداد لمحاضرات سبق أن قلتها، وقد تحدثت فيما مضى عن جماعة أهل الحديث في شبه القارة الهندية، كما تكلمت عن جماعة أنصار السنة المحمدية، وذكرت في البداية حديثي عن هذه الاتجاهات: أنني حينما أتحدث عنها سأتحدث عنها مراعيًا الترتيبَ الزمنيَّ في ذلك.
واليوم -إن شاء الله تعالى- وتحت عنوان هذه المحاضرة أيضًا عناصر؛ العنصر الأول: بعنوان: "الإخوان المسلمون" ويشتمل على النقاط التالية:
أ- التعريف بالجماعة ومؤسسها؛ الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، تنادي بالرجوع إلى الإسلام، وتدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في واقع الحياة، وقد وقفت متصدية لسياسة فصل الدين عن الدولة ومنابذة موجة المد العلماني في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، ومؤسس هذه الدعوة هو الشيخ حسن البنا رحمه الله تبارك وتعالى الذي مات في عام ألف وتسعمائة وتسع وأربعين ميلاديًّا.
وقد ولد الشيخ في إحدى قرى البحيرة بمصر، ونشأ نشأة دينية في أسرة تركت بصماتها واضحة على كل حياته؛ فأبوه رحمه الله تبارك وتعالى كان من المشتغلين بعلم الحديث النابهين فيه، وكما هو معلوم قد شرح (مسند الإمام أحمد) رحمه الله تبارك وتعالى فأبوه في الحقيقة من أئمة أهل العلم، وإلى جانب ذلك نال تعليمه الديني في المسجد أيضًا، فكان والده في المنزل كما كان يذهب إلى المسجد.
وقد درس في مدارس الحكومة حتى التحق بدار العلوم بالقاهرة وتخرج فيها عام ألف وتسعمائة وسبعة وعشرين من الميلاد؛ عُيِّنَ مدرسًا في إحدى مدارس الإسماعيلية الابتدائية، وهناك بدأ نشاطه الدعوي بين الناس، وخاصة في المقاهي وبين عمال قناة السويس حتى إذا كان شهر ذي القعدة من عام ألف
وثلاثمائة وسبعة وعشرين هجريًّا الموافق ألف وتسعمائة وثمانية عشرين ميلاديًّا تم تأسيس النواة الأولى من الإخوان.
وفي عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين ميلاديًّا، انتقل الشيخ حسن البنا إلى القاهرة، وانتقلت قيادة الحركة معه إليها.
وفي عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثلاثين من الميلاد تم إصدار جريدة (الإخوان المسلمين) الأسبوعية، واختير الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله تبارك وتعالى مديرًا لها ثم صدرت بعد ذلك مجلة (النذير) ثم (الشهاب)، وتوالت بعد ذلك المجلات والجرائد الإخوانية.
تكونت أول هيئة تأسيسية للحركة في عام ألف وتسعمائة وواحد وأربعين من الميلاد، وذلك من مائة عضو اختارهم الشيخ البنا بنفسه، وقد شارك الإخوان في حرب فلسطين في عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين من الميلاد؛ حيث دخلوا بقوات خاصة بهم، وقد سَجَّلَ ذلك بالتفصيل كامل الشريف من قادة الإخوان المتطوعين، ووزير أردني سابق في كتابه (الإخوان المسلمون في حرب فلسطين).
وفي نفس العام الذي شارك فيه الإخوان في حرب فلسطين اغتيل النقراشي، واتُّهِمَ الإخوان بقتله، وهتف أنصار النقراشي في جنازته بأن رأسه برأس البنا الذي اغتيل فعلًا في فبراير من عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين من الميلاد، ولما جاءت وزارة النحاس في سنة ألف وتسعمائة وخمسين، وكان قد ضُبِطَ واعْتُقِلَ بعض الإخوان المسلمين أفرجت هذه الوزارة عن الجماعة بناء على حكم مجلس الدولة الذي نص على أن أمر الحل باطل من أساسه؛ لأن الجماعة حلت بعد اغتيال الشيخ البنا رحمه الله.
وفي عام ألف وتسعمائة وخمسين من الميلاد اختير المستشار حسن الهضيبي رحمه الله مرشدًا للإخوان، وهو واحد من كبار رجال القضاء المصري، وقد اعْتُقِلَ عددًا من المرات، وصدر ضده عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين ميلادية حكم بالإعدام، ثم خُفِّفَ إلى المؤبد، وأفرج عنه آخر مرة في سنة ألف وتسعمائة وواحد وسبعين، وفي الثالث والعشرين من شهر يوليو من عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين من الميلاد قامت مجموعة من الضباط المصريين، بزعامة اللواء محمد نجيب بثورة، وقد آزرتهم الإخوان في ذلك، ووقفت إلى جوار هؤلاء الضباط، لكن الإخوان بعد ذلك رفضوا الاشتراك في الحكم.
وقد اعتبر جمال عبد الناصر وقتئذ هذا الرفض نوعًا من فرض الوصاية على الثورة، ودخل الطرفان سلسلة من الجدل والخصومة، تطورت حتى قامت الحكومة في عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين من الميلاد باعتقال الإخوان وتشريد الألوف منهم، بحجة أنهم حاولوا الاعتداء على حياة عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، وأعدمت الحكومة وقتئذ أيضًا ستة منهم، هم: الشيخ عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، والشيخ يوسف طلعت، والشيخ هنداوي دوير، والشيخ إبراهيم الطيب، والشيخ محمود عبد اللطيف.
هؤلاء الستة أعدمتهم الحكومة عند حادث المنشية الذي وقع في الإسكندرية وفي عام ألف وتسعمائة وستة وستين تكرر اعتقال الإخوان بتهمة تشكيل جهاز سري، يهدف إلى قلب نظام الحكم، وَقَامَتِ الْحُكُومَةُ بشن حملات السجن والتعذيب، وقد أعدمت هذه المرة ثلاثة من أعضاء الجماعة، هم الشيخ سيد قطب رحمه الله الذي يعد المفكر الثاني في الجماعة بعد البنا، وقد ألقي القبض عليه، وأمضى في السجن عشر سنوات، وكان ذلك عقب حادثة المنشية، ثم أُفْرِجَ عنه
بتدخل من الرئيس العراقي عبد السلام عارف، لكنه ما لبث أن أعيد إليه مرة أخرى؛ ليواجه حكمًا بالإعدام.
كذلك أيضًا أعدم الشيخ يوسف هواش والشيخ عبد الفتاح إسماعيل، وفي هذه الأزمة أصبحت الجماعة تعمل بشكل سري حتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك في عام ألف وتسعمائة وسبعين من الميلاد، وفي عهد أنور السادات -رحم الله الجميع- تم الإفراج عن من سجنهم عبد الناصر على مراحل.
ب- فهم كما يلي:
الشيخ عمر التلمساني رحمه الله وقد اختير مرشدًا عامًّا بعد الهضيبي، وقد طالبت قيادة الإخوان في عهده بحقوق الجماعة كاملة، وعودة جميع ممتلكاتها المصادرة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وسلك المرشد العام للإخوان في هذه الحقبة -سلك بهم- طريقًا يجنبهم المصادمات مع الحكومة، وَكَرَّرَ دَائِمًا أَنَّ الدَّعْوَةَ إلى الله ينبغي أن تَعْمل بالحكمة وأن تنبذ العنف والتطرف.
وأيضًا من شخصيات الجماعة البارزة: الشيخ محمد حامد أبو النصر الذي اختير مرشدًا بعد الأستاذ التلمساني، وسار على طريقته وأسلوبه.
وأيضًا من الشخصيات البارزة في جماعة "الإخوان المسلمين" الشيخ مصطفى مشهور رحمه الله وهو أحد قيادات النظام الخاص للجماعة في فترة الأربعينات وبداية الخمسينات، وقد اختير مرشدًا عام للإخوان المسلمين خلفًا للأستاذ محمد حامد أبو النصر، وذلك بعد وفاته في عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين من الميلاد، وَيُعَدُّ الْأُسْتَاذُ مصطفى مشهور من أَنْشَطِ قِيَادَاتِ الْجَمَاعَةِ في
فترة ما بعد السبعينيات من هذا القرن الذي مضى؛ حيث ظَهَرَ لَهُ الْعَدِيدُ مِنَ الْكُتُبِ وَالْمَقَالَاتِ الصحفية، بالإضافة إلى جهوده البارزة في إنشاء المراكز الإسلامية في الغرب، وهذه المراكز الإسلامية كانت تسمى عند جماعة الإخوان بـ"الشُّعَب"، وكانت في مِصْرَ كَثِيرَةً، ثم بعد ذلك تَوَسَّعَتْ أَيْضًا فِي عَهْدِ الْأُسْتَاذِ مُصْطَفَى مشهور، فوجد منها -أعني: من الشُّعَب في الغرب الكثير.
وهناك كثيرون مشهورون من جماعة الإخوان في داخل مصر، وإلى جانب ذلك فهناك أيضًا عدد من الشخصيات الإخوانية التي ظَهَرَتْ خَارِجَ مِصْرَ، أذكر منها مثلًا ما يلي: الشيخ محمد محمود الصواف رحمه الله الذي كان مؤسسًا ومراقبًا عامًّا للإخوان المسلمين في العراق، ويُفْهَمُ من ذلك أن جماعة الإخوان كان لها وجود في العراق من فترة سابقة، والشيخ محمد محمود الصواف من أبرز دعاة الإخوان هناك، وله عدد من المؤلفات، وكان له دور نشط في نشر الإسلام في إفريقيا بعد هجرته من العراق واستقراره في مكة المكرمة.
وأيضًا من شخصيات الإخوان البارزة في خارج مصر الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تبارك وتعالى وهو أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سوريا، والدكتور مصطفى السباعي نال درجة الدكتوراه في كلية الشريعة بالأزهر، وذلك في عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين من الميلاد، وقد قاد كتائب الإخوان إلى فلسطين، كما رشح نفسه نائبًا عن دمشق في عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين من الميلاد، وكان رحمه الله خطيبًا مُفَوَّهًا لا يُبَارَى.
أسس كلية الشريعة بدمشق في عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين من الميلاد وكان أول عميدٍ لها، وله كتاب (قانون الأحوال الشخصية) وغير ذلك من الكتب.
أنتقل بعد ذلك إلى نقطة تالية في هذا العنصر وهي النقطة:
ج- بعنوان أفكار ومعتقدات الجماعة: سأسرد أفكار ومعتقدات الجماعة من خلال ما كتبوه هم، ثم أعقب على ذلك بعنصر لا بد منه، سيأتي إن شاء الله تبارك وتعالى.
أما أفكار ومعتقدات جماعة الإخوان المسلمين فهي كما يلي:
أولًا: يؤمن الإخوان بالإسلام عقيدةً تحكم توجهات المسلمين، ومنهجًا شاملًا لكل جنبات الحياة، وينادون بإقامة الدولة الإسلامية التي تسعى لإعلاء كلمة الله في الأرض، ويوضح الشيخ حسن البنا رحمه الله تبارك وتعالى هذا المعنى بقوله:"الإسلام عبادة وقيادة ودين، ودولة وروحانية وعمل وصلاة وجهاد، وطاعة وحكم ومصحف وسيف، لا ينفك واحد من هؤلاء عن الآخر".
وقد حرص الإخوان منذ نشأة الجماعة على توسيع دائرة عملهم حتى تكون حركتهم عالمية النطاق، ويضمن لها الاستمرار بحكم تعدد المراكز، وقد نجح الإخوان في ذلك نجاحًا باهرًا، فأصبحت لهم مراكز موجودة وقوية في معظم أنحاء العالم، ومن أفكار ومعتقدات الجماعة أيضًا ما ذكره الشيخ حسن البنا رحمه الله عن هذه الدعوة في قوله:"إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية".
ولي ملاحظة إن شاء الله تعالى حول هذا النص سآتي إليها في العنصر التالي -بإذن الله تبارك وتعالى ويؤكد الأستاذ البنا أن سمات حركة الإخوان هي البعد عن مواطن الخلاف، البعد عن هيمنة الأعيان والكبراء، البعد عن الأحزاب والهيئات، العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات، إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات، شدة الإقبال من الشباب، سرعة الانتشار في القرى والبلاد.
ويذكر أن أخص خصائص دعوة الإخوان هي -كما ذكروه هم- أنها ربانية؛ لأن الأساس الذي تدور عليه أهدافهم أن يتقرب الناس إلى الله تبارك وتعالى وأنها
عالمية؛ لأنها موجهة إلى الناس كافة؛ لأن الناس في حكمها إخوة أصلهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل، وأنها إسلامية؛ لأنها تنتسب إلى الإسلام.
ويقرر الشيخ البنا -رحمه الله تعالى-: مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق، ويوضحها في كلمات، وأنا في الحقيقة حينما أذكر ذلك إنما أود أن أبرز شيئا من فكر الإخوان المسلمين من خلال ما قاله مؤسس هذه الدعوة؛ فقد ذكر الشيخ أن مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق هي:
إصلاح نفسه؛ حتى يكون قوي الجسم وأن يكون متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، وإلى جانب إصلاح النفس تكوين البيت المسلم بأن يحمل الرجل أهله على احترام فكرته والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، وإرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي؛ سواء كان ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو ما إلى ذلك.
ومن الأفكار التي اعتنى بها الإخوان كثيرًا: إصلاح الحكومات حتى تكون إسلامية بحق، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وذلك بالسعي في تحرير أوطانها وإحياء مجدها؛ لأن الإسلام ودعوة الإسلام -لا شك- أنها دعوة عالمية يجب أن يتبعها غيرها، وقد قسم البنا رحمه الله مراحل الدعوة إلى ثلاث: ذكر بأنها "التعريف والتكوين والتنفيذ " وهذه أمور لتنظيم سياسة العمل داخل الجماعة.
ولهذا التنظيم -ومن أسبابه حقيقة- أنه جعل للجماعة سيطرة واضحة على النقابات المهنية، وقد ظهر الإخوان على الساحة السياسية المختلفة، وأصبح لهم
وجود قوي ونفوذ كبير في داخل المجتمع، ومع ذلك كله فالحكومة المصرية التي نشأت الإخوان في بلدها لا تسمح حتى الساعة بقيام حزب للإخوان المسلمين، وقد اضطرهم ذلك -أي: عدم موافقة الحكومة على أن يكون لهم كيان معترف بهم؛ قد اضطرهم ذلك- إلى التحالف مع أحزاب المعارضة السياسية القائمة، وإلى تشكيل تحالف يسمح لهم بدخول مجلس الشعب المصري.
وقد استقطب هذا التحالف وبعض ممارسات الجماعة الأخرى بعضَ النقد من بعض مؤيديها ومعارضيها في أكثر من مناسبة، وهذا ما سأبينه إن شاء الله تبارك وتعالى.
د- المآخذ على جماعة الإخوان: المآخذ على جماعة الإخوان المسلمين كثيرة، لم تقتصر على المواقف السياسية فحسب -وإن كان هذا الموقف هذا الموقف السياسي أو المواقف السياسية التي يسلكها الإخوان بين الحين والآخر عليها ملاحظات كثيرة- فأولًا: تصادمهم مع الحكماء والحكام، والخروج عليهم بمظاهرات ومناوشات، والنقد اللاذع على الملأ بكثرة وبشدة، كل ذلك أمور يجب ألا يَسْلُكَهَا الإنسان في الأمر والنهي عن المنكر؛ لأن المظاهرات التي يخرج فيها النساء وتعم فيها الفوضى ليست مظهرًا إسلاميًّا صحيحًا، ولم تكن يومًا ما نقطة إصلاح بحال من الأحوال، بل إن سلبيات المظاهرات كثيرة، ولا أود أن أقف عند ذلك كثيرًا، وقد أفتى سماحة الوالد الشيخ الْعَلَّامَة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تبارك وتعالى بأن هذه المظاهرات لا تجوز، وهذا أمر معلوم.
إلى جانب أيضًا الجوانب السياسية أو المآخذ على الجوانب السياسية هناك مآخذ على الجوانب العقائدية والمنهجية؛ فمن الناحية العقائدية أُخِذَ على الشيخ البنا وجماعته -رحم الله الجميع- ما
ذكره البنا رحمه الله من أن دعوته أيضًا حقيقة صوفية، والحقيقة: معلوم أن التصوف ليس من الإسلام، فهو دعوة باطلة، وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان، والتصوف الموجود اليوم وقبل اليوم الذي يدعو أربابه إلى تعظيم وتقديس الأشخاص وبناء المساجد على القبور ونشر البدع الكثيرة المختلفة -كالأعياد والمناسبات؛ كيوم عاشوراء والاحتفال بالإسراء والمعراج وبالمولد النبوي، وما إلى ذلك- كل هذه الأفكار التي وقعت فيها الصوفية تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وإن جماعة الإخوان المسلمين حينما أدخلوا التصوف عليهم أفسدوا جماعتهم في الحقيقة، وفسدت لديهم التربية الصحيحة، وإن كان لديهم نظام متميز إلا أنني أعني بالتربية: التربيةِ القائمة على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أخذ على الجماعة أيضًا: عدم التسليم لأسماء الله وصفاته، بل من المعلوم أن كثيرًا من الإخوان يؤولون أسماء الله وصفاته؛ كتأويلات المعتزلة والجهمية والأشاعرة المؤولين، ولقد سار على ذلك كتاب الإخوان بصورة عامة، ولم يهتموا بمنهج السلف في ذلك؛ فالشيخ سيد قطب رحمه الله وقع في التأويل وأبو الأعلى المودودي وقع في التأويل، وقيادات الإخوان بصورة عامة، بل إن الشيخ حسن البنا يعتبر التفويض هو منهج السلف، والتفويض في المعنى ليس منهجًا للسلف بحال؛ السلف رحمهم الله فوضوا في كيفية الصفات، أما معاني الصفات وما تدل عليه فالسلف يعرفونها ويعلمونها.
كما أن جماعة الإخوان في الحقيقة هَوَّنُوا كثيرًا من أمر البدع، فكانوا لا يهتمون بنشر السنة والقضاء على البدع، وكان الأمر المهم لديهم أن يجتمع الناس أولًا، ولا يثيروا -كما يزعمون- قضايا تجعل الناس لا يلتفون حولهم.
ونحن نقول بأن الاجتماع مهما كان على غير كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو اجتماع باطل، لا تكون له ثمرة صحيحة، ولا فائدة ناجحة ولا بد من أن أقول كلمة في هذا المقال أيضًا بِأَنَّ ما سلكه الإخوان من طرق سياسية -ولا أعني ذلك بأن الدين بعيد عن السياسة، بَلْ إِنَّ الدِّينَ جَاءَ لِيَحْكُمَ الدُّنْيَا والدين والآخرة، وَلَا بُدَّ أن يسير العباد وفق شريعة الله ومنهجه سبحانه وتعالى.
ولكن الإخوان إذا تحالفوا مع بعض الأحزاب العلمانية كي يصلوا إلى زعامات، وكي يتبوءوا مراكز ومناصب، أو أن يدخلوا في مجلس الشعب مثلًا، فهذا لا يجوز بحال.
إن مثل هذا التنازل في العقيدة بعيد عن روح الإسلام -إن كنا نفهم الإسلام- فلقد سبق وأن دخل الإخوان، وعقدوا حلفًا مع حزب الوفد؛ حتى يدخلوا من خلاله إلى مظلة مجلس الشعب، وفي الحقيقة نحن يجب علينا أن نسلك الطرق الصحيحة المؤدية إلى النتائج السليمة؛ فَلَا ينبغي مثلًا -لأننا نحرص على الوصول إلى الحكم- أن نتنازل عن مبادئنا وعن عقيدتنا، وأن نمد أيدينا لمن لا يأبهون بديننا، ولا يتمسكون بهدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أخذ أيضًا على بعض أتباع جماعة الإخوان المسلمين -أخذ عليهم- الغلوُّ الشديد في إعجابهم بمشائخهم وقادتهم؛ فكانوا يظهرون بين الحين والآخر غلوًّا شديدًا في الشيخ حسن البنا رحمه الله كما أيضًا غالوا في الشيخ سيد قطب رحمه الله تبارك وتعالى وفي أبي الأعلى المودودي وغير ذلك، ولا يقبلون بحال من مسلم ناصح لدينه أن يذكر شيئًا من السلبيات التي وقع فيها واحد من هؤلاء، ونحن ندين للَّهِ عز وجل أن جميع البشر -عدا الأنبياء والمرسلين- معرضون للخطأ والصواب؛ فكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي فلا يمكن أن نَقْبَلَ كُلَّ مَا قَالَهُ الشيخ حسن البنا، ولا الشيخ سيد قطب، ولا أبو علي المودودي، ولا غير هؤلاء من الأئمة والعلماء، وإنما نقيس أقوال هؤلاء على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والصحيح: أَنْ يَلْزَمَ الجميع منهج الإسلام المتمثل في الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم-
بفهم السلف الصالح، والإسلام قد نهى عن الغلو حتى في شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وكيف نقبل كل ما يقوله هؤلاء وفي الحقيقة أن هناك أقوالًا واجتهادات نُسِبَتْ إلى الشيخ التلمساني والشيخ سعيد حوا لا يجيزها الفهم الصحيح للإسلام؛ فكيف نقبل ذلك؟!
ولا يغضب أحد من الإخوان إذا كنا ننتقد هذا الوضع القائم الآن؛ لأننا إذا أردنا أن نقيم شرع الله حقًّا لا بد من تربية صحيحة على عقيدة سلف هذه الأمة، فلا بد من الرجوع إلى العقيدة الصحيحة -إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفهم السلف الصالح- وأن نحذر البدع ومن الوقوع فيها، وألا نهتم بتجميع الناس من حولنا، وهذا يدفعنا إلى أن نتنازل للناس كثيرًا عن مبادئ ديننا.
ولا شك أن الدعوة التي تتنازل للعامة عن بعض الأمور الضرورية يمكن أن تجد قبولًا عند الناس، ولكنها لا تجد عند الله تبارك وتعالى القبولَ التامَّ الذي يرضي رب العزة والجلال سبحانه وتعالى وقد تعاطف الناس كثيرًا مع الإخوان المسلمين، بسبب ما ابتلوا به في حياتهم من السجن والضرب والإيذاء والقتل والتشريد، وقد دفع ذلك -كما ذكرت- إلى التعاطف معهم والوقوف إلى جوارهم.
أنتقل بعد ذلك إلى آخر نقطة في هذا العنصر، وهي بعنوان "انتشار الجماعة وأماكن نفوذها":
بدأت الحركة -كما ذكرت آنفًا- في مدينة الإسماعيلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القاهرة، وَانْتَقَلَتْ أَيْضًا إلى معظم بلاد وقرى مصر، وقد بلغ عدد شُعِبِ الإخوان في أواخر الأربعينات في مصر ما يقرب من ثلاثة آلاف شعبة، وقد تضمنت هذه الشعب وضمت أعدادًا كبيرة من الأعضاء، ثم ما لبثت الحركة أن انتقلت إلى سائر الأقطار العربية الأخرى،
وأصبح لها وجود قوي في سوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق واليمن والسودان وغيرها.
كما أن للجماعة اليوم أتباعًَا في معظم أنحاء العالم، وهذا في الحقيقة نتيجة الترتيب والتنظيم لدى هذه الجماعة، وأنا من هذا المنبر -ومن باب النصيحة لله تبارك وتعالى ولعلمي أن هؤلاء يسعون إلى تطبيق الشَّرِيعَة، ولهم جهود في ذلك مشكورة، وأيضًا لهم جهود مشكورة في متابعة وتتبع الحركات العلمانية واليهود والنصارى وما يكيدونه للإسلام، لهذا كله أدعو أتباع هذه الجماعة إلى أن يلتزموا المنهج الصحيح والأصل المتين، وذلك بالرجوع الحق إلى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يتعامل العبد معهما من خلال فهم سلف هذه الأمة.
ولذلك يجب علينا جميعًا أن نعظم النصوص الواردة عن السلف في الدين، وأن نعتني بها وأن نَهْتَمَّ بها، وأن نترك الغلو في الأشخاص، وأيضًا وأن نترك الغلو في إطلاق كلمة التكفير على المجتمعات؛ لأن هذا قد صدر من بعض قادة الإخوان، وكان له أثر كبير في ما وقع فيه المسلمون اليوم من مواجهة للحكام بالحق والباطل، وتكفير للحكومات وهذا فيه خطأ عظيم، وتطاول كبير، وبُعْدٌ عن منهج سلف هذه الأمة الصالحين، وإنما العبد عليه أن يسمع ويطيع لولي الأمر المسلم الذي يشهد لله بالواحدانية ولِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة فيما أحب وفيما كره، ولا يعصي الله تبارك وتعالى فعلى العبد أن يطيع هؤلاء في المعروف، وعليه ألا يطيعهم في معصية الله عز وجل ولكنه مع ذلك لا يخرج عليهم، ولا يسل السيف عليهم، ولا ينبذ يدًا من طاعتهم؛ لأن في ذلك فتنة كبيرة.
قد جرب الناس الخروج على الولاة والحكام فما نالوا من وراء ذلك إلا الشر -والعياذ بالله تبارك وتعالى والخروج على الحكام فيه ضعف للأمة؛ يجعل الأمة في موضع ضعيف، ويدعو الأمم من حولها إلى التكالب عليها؛ لأنها ستشعر بالتمزق الذي ظهر فيها ووقع من خلال أفرادها.