المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة - أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع

- ‌الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ

- ‌أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ

- ‌خَصَائِصُ النِّظامِ السياسيِّ في الإسْلامِ

- ‌نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ

- ‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

- ‌وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ

- ‌الدرس: 2 أثر الإسلام على الاقتصاد وكون الإسلام عقيدة وشريعة

- ‌تعريف الاقتصاد وأساسه

- ‌خصائص النظام الاقتصادي

- ‌دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي

- ‌تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها

- ‌معنى الشريعة والأسس التي بنيت عليها

- ‌التشريع حق لله وحده دون سواه

- ‌الدرس: 3 إلمامة بأركان الإيمان

- ‌مذهب السلف في الإيمان مع ذكر أركانه

- ‌الركن الأول من أركان الإيمان؛ الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

- ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس من أركان الإيمان؛ الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 إلمامة تحليلية بأركان الإسلام

- ‌تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به

- ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شهادة أن محمدًا رسول الله

- ‌الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة

- ‌الركن الثالث من أركان الإسلام؛ الزكاة

- ‌الركن الرابع من أركان الإسلام؛ الصيام

- ‌الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج

- ‌أثر الإيمان والعقيدة في تكوين الفرد والمجتمع

- ‌الدرس: 5 الإعجاز في القرآن الكريم طريق من طرق أصول الدعوة

- ‌المعجزة في زمانها ومكانها

- ‌المعجزة الخالدة القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 موقف الإسلام من العلم الكوني، والدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌العلاقة بين الإسلام والعلم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌الدرس: 7 المسجد والمدرسة ودورهما في الدعوة

- ‌المسجد، ورسالته بين المسلمين

- ‌دور المسجد في المجتمع المسلم

- ‌بعض وظائف المسجد

- ‌دعوة الطلاب إلى الله في المدارس والجامعات:

- ‌الدعوة إلى الله بين المدرسين، وأساتذة الجامعات

- ‌دور المدرسة في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌الدرس: 8 أهم ميادين الدعوة والإعلام الإسلامي

- ‌مقدمات في الإعلام

- ‌الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصصة

- ‌الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب

- ‌الدعوة إلى الله في التجمعات الإسلامية والمناسبات المختلفة

- ‌الدرس: 9 الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌تعريف الجهاد وذكر أنواعه

- ‌مشروعية الجهاد وسببه ومراحله وفضله

- ‌فضل الجهاد، وثمراته

- ‌مسائل هامة تتعلق بالجهاد في سبيل الله

- ‌الدرس: 10 بعض مواقف الخلفاء الراشدين والصحابة وأثرها في الدعوة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه

- ‌حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌الدرس: 11 دراسة بعض الدعوات ومناهجها في الدعوة

- ‌ جماعة أهل الحديث بالهند

- ‌جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌تابع الحديث عن جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان والبلاد الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 12 تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها

- ‌حركة " الإخوان المسلمون

- ‌الحزب الإسلامي الكردستاني

- ‌الدرس: 13 ترجمتا الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام أحمد بن حنبل

- ‌سِيرَةُ الإمام عمر بن عبد العزيز الذاتية

- ‌في سيرة عمر بن عبد العزيز العلمية، وولايته

- ‌سيرة الإمام أحمد الذاتية

- ‌عقيدة الإمام أحمد ومحنته

- ‌الدرس: 14 ترجمتا شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سيرته

- ‌منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌تابع منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌ترجمة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سِيرُتُه الذَّاتِيَّةِ

- ‌مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ

الفصل: ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

وقد حدثنا تبارك وتعالى عن سعة علمه، وضرب لنا المثال، كما حدثنا عن عظيم قدرته، ولكننا لا نعلم الكيفية، فالتفويض الذي عليه السلف، إنما يكون في كيفية الصفات، لا في معاني الصفات، وبعض الذين يفوضون يظنون أن التفويض يكون في الصفات، وهذا ليس بصواب.

وأكتفي في حديثي عن هذا العنصر، بما ذكرت وخاصة فيما يتعلق بالإيمان بأسماء الله تبارك وتعالى وصفاته.

‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

ننتقل بعد ذلك إلى العنصر الثالث في هذا اللقاء، وهو بعنوان الركن الثاني من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة:

ويشتمل هذا العنصر على النقاط التالية:

النقطة الأولى وهي "أ" الملائكة عالم غيبي، يجب أن نؤمن به، الكون كله ينقسم إلى غيب وشهادة؛ فالغيب ما غاب من الموجودات، عن أعين الناظرين، والشهادة خلاف الغيب، وهو كل ما كان من الموجودات، أمام نظر الإنسان، يشاهده ويراه، أو كان بحيث يدركه بإحدى حواسّه، التي هي السمع والبصر، واللمس، والشم، والذوق، والإنسان بحكم طبيعة الحياة، مقدر له الإيمان بالغيب، مفروض عليه، لا يستطيع التخلص منه بحال اللهم إلا إذا سفه نفسه، وأراد التخلي عن كرامته الآدمية، وعن شرفه الإنساني؛ ليصبح بعد ذلك حيوانًا هابطًا لا خير فيه، أو آلة صماء لا وعي لها ولا إدراك، وذلك؛ لأن الإنسان كائن متحيز، متى وجد في مكان استحال عليه أن يوجد في مكان آخر، مع بقائه في مكانه الذي هو فيه.

ومن هنا ستصبح سائر الأمكنة التي تخلو منه، وهو بعيد عنها غيبًا له، وليست بشهادة عنه، ولا بد له من أن يؤمن بها، وبما فيها من أشياء، جواهر وأعراض، متى وجدت أثار تدل على ذلك، أو أخبار صادقة تنبئ به.

النقطة الثانية: في هذا العنصر وهي "ب" بعنوان: الأدلة على وجوب الإيمان بالملائكة:

الأدلة على وجود وجوب الإيمان بالملائكة كثيرة، وهي أخبار، وآثار والأخبار تنقسم إلى قسمين:

ص: 89

أخبار الله تبارك وتعالى وقد أخبر الله عنه في كتابه وكفى بما يخبر الله تعالى به دليلًا، إذ الخالق سبحانه أعلم بما خلق، ومن أخبار الله تبارك وتعالى عن الملائكة، ما جاء في قوله -جل ذكره-:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (البقرة: من الآية: 30) فقد تضمن هذا الخبر وجود الملائكة ومخاطبة الله تعالى لهم، ومخاطبتهم له سبحانه وتعالى وهو دليل قاطع على وجود الملائكة، وقال تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} (الزخرف: من الآية: 19) وفي هذا الخبر ينكر تعالى، ويعيب على المشركين دعواهم أن الملائكة إناث؛ حيث قالوا ما ليس لهم بهم علم. فهل يعقل أن يعاب أو ينكر على غير موجود.

وقد قال تعالى أيضًا: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (النجم: 26) ففي هذا الخبر أن كثيرًا من الملائكة لا تغني شفاعتهم عن أحد شيئًا، وهل يشفع أو لا يشفع غير موجود.

وأخيرًا فهل هذه الأخبار الإلهية عن الملائكة -وهي كثيرة جدًا، وكلها تتحدث عن صفاتهم، وأحوالهم، وعبادتهم، وأعمالهم- لا تدل على وجود الملائكة دلالة تكسب اليقين، اللهم بلى. لا شك تدل دلالة واضحة، وتجعل الإنسان على يقين من وجود الملائكة، كما أخبر بذلك رب العالمين.

ذكرت قبل قليل أخبار الله تبارك وتعالى أما أخبار الرسل عليهم -الصلاة والسلام- عن الملائكة، فهي أيضًا كثيرة جدًّا، ولنكتفي هنا بما تواتر عن خاتم هؤلاء الرسل جميعًا، ألا وهو نبينا محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- فقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:((لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب، ولا صورة)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)) وهذه الأخبار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا شك أننا نؤمن بها، ونسلم بها، بأنها وحي من عند الله تبارك وتعالى.

ص: 90

أما دلالة الآثار على وجود الملائكة: فهي أيضًا كثيرة جدًّا نكتفي بطرف منها فنقول:

هذا القرآن الكريم كتاب الله تبارك وتعالى بين أيدينا، سوره العديدة، وآياته الكثيرة، وعلومه ومعارفه، وإعجازه، لا شك أن كل ذلك أثر من آثار الملائكة، إذا تلقاه المُنَزَّلُ عليه صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة ولم يكن من الله مباشرة، فما هي الواسطة؟ إنها جبريل عليه السلام كما أخبر بذلك مرسله، ومنزله، في قوله:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 192 - 195) وهذا ملك الموت الذي يتخطفنا يوميًّا؛ فيأخذ أرواحنا، وينهي بأخذها حياتنا، ويفصلها عن أجسامنا؛ فتعدم الحياة، فهل يشترط للتصديق به رؤيتنا له، وآثار فعله ظاهرة فينا، لا تنكر، اللهم لا، ولو سألنا خالقنا، وقلنا من يتوفانا؟ لكان الجواب:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة: 11).

وملك الموت حقًّا هو الذي يقبض أرواح العباد، ولكنه بأمر الله تبارك وتعالى ولذلك أيضًا صح نسبة الوفاة إلى رب العزة والجلال سبحانه وتعالى.

إذن الأدلة على وجود الملائكة -كما ذكرت- كثيرة جدًّا؛ أخبار وآثار والأخبار: هي أخبار رب العالمين، وأخبار الأنبياء والمرسلين، وقد استدللت بخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما عن الآثار الدالة على وجود الملائكة، فهي كثيرة وقد أشرت إلى بعضها الآن.

أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي "ج" بعنوان: المادة التي خلقت منها الملائكة.

الملائكة: خلق عظيم، خلقهم الله من النور، وطبعهم على الخير، فهم لا يعرفون الشر، ولا يأمرون به، ولا يأتونه، ولا يفعلونه؛ فلذا هم لربهم مطيعون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يسأمون من عبادة الله، ولا هم عنها يستكبرون، أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن مادة خلقهم، فقال:((خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لك)).

ص: 91

النقطة التالية في هذا العنصر، وهي نقطة "د" بعنوان: بعض أعمال الملائكة:

إن ما يقوم به الملائكة من أعمال لكثير جدًّا، ومختلف متنوع إلى حدٍّ كبير، وهذا بيان مجمل عما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، من وظائف الملائكة وأعمالهم، التي أرادها الله تعالى بهم عبادة لهم وطاعة.

وأبدأ برئيس الملائكة: ألا وهو جبريل عليه السلام ويسمى روح القدس، وصفه الله عز وجل بالقوة والأمانة، في قوله من سورة التكوير:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} (التكوير: 19 - 21) وخص ربه بأشرف وظيفة، وهي السفارة بينه تعالى، وبين رسله عليهم السلام فكان ينزله الوحي، كما قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رافقه في أعظم رحلة تمت في الوجود، وهي إسراء النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه، فرافقه عليه السلام من مكة إلى المسجد الأقصى، ومنه إلى سدرة المنتهى بالملكوت الأعلى.

ومن الملائكة أيضًا "ميكائيل"، ومن أعماله، أنه موكل بالقطر النازل من السماء.

ومن أعمال الملائكة أيضًا، ما يقوم به "إسرافيل" عليه السلام ووظيفته التي وكل بها النفخ في الصور، وذلك سيكون لا محالة، كما أخبر الله إن شاء الله في يوم القيامة.

ملك الموت: وهو موكل بقبض الأرواح، وله أعوان من الملائكة، قال تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} (الأنعام: من الآية: 61).

ومن أعمال الملائكة أيضًا، ما يقوم به حملة العرش. حملة عرش الرحمن عز وجل وقد أخبر الله عنه في كتابه، فقال:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (غافر: من الآية: 7) وقال سبحانه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: 17).

ص: 92

وكذلك هناك خزنة للجنة، وخزنة للنار، فخزنة الجنة يكونون فيها، ومع أهلها، ولهم أعمال يسندها رب العزة والجلال سبحانه وتعالى إليهم، ورئيسهم رضوان عليه السلام.

وللنار أيضًا ملائكة وهم الزبانية، وهم تسعة عشرة ملكًا، وكلهم الله تعالى بالنار، فهم خزانها، يعذبون فيها أهلها، قال تعالى:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَاّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} (المدثر: 26 - 31) ورئيس هؤلاء الخزنة يدع مالكًا.

قال تعالى في الحديث عن أهل النار: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (الزخرف: 77 - 78).

أيضًا الكرام الكاتبون، وعملهم كتابة أعمال البشر، وإحصائه عليه؛ فعلى يمين كل مكلف ملك يكتب صالح أعماله، وعن يساره مالك يكتب سيئات عمله، قال الله تبارك وتعالى في كتابه:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (الانفطار: 10 - 12).

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا قام أحدكم إلى صلاة، فلا يبزق أمامه، فإنه يناجي الله تعالى، ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكًا، ليبزق عن يساره، أو تحت قدمه)).

كذلك أيضًا من أعمال الملائكة، حفظ الإنسان من الجن، والشيطان، والعاهات والآفات، قال تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (الرعد: من الآية: 11) قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في تفسير الآية: ملائكة يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه.

ص: 93

وقال مجاهد رحمه الله: يحفظونه في نومه، ويقظته من الجن، والإنس والهوام.

كذلك أيضًا هناك ملك موكل بالرحم؛ لحديث البخاري ومسلم -واللفظ لمسلم-: ((إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكًا، فيقول: أي ربي نطفة، أي ربي علقة، أي ربي مضغة، فإذا أراد الله أن يقضيَ خلقًا، قال: قال الملك: أي ربي ذكر أو أنثى، شقي أو سعيد، فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكْتَب كذلك في بطن أمه)).

أيضًا هناك ملك للجبال: وهو ملك وكله الله عز وجل بها، لحديث البخاري ومسلم: ((فنادني ملك الجبال، فسلم عليَّ، فقال: يا محمد، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت

)) إلى آخر الحديث.

أيضًا للملائكة أعمال أخرى، منها أن هناك ملائكة سياحون في الأرض، يبلغون سلام أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم للنبي عليه الصلاة والسلام لحديث أحمد -وهو صحيح الإسناد -:((إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)) وهذا ثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم.

وهناك ملائكة تعرج بأرواح العباد بعد الموت، لحديث مسلم:((إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان فيصعدانها)) قال حماد -راوي الحديث-: فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك، قال: ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى ما كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل، وذكر الكافر عكس ذلك.

وهناك ما يعرف بمنكر ونكير، وعملهما سؤال العباد في قبورهم عن الرب تعالى، والدين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أي: يقولان لمن يقبر من ربك؟ وما دينك؟ وما

ص: 94

نبيك؟ وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نؤمن بما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وإذا تتبعنا الآثار الواردة في أعمال الملائكة، ملاحظين الآيات القرآنية الدالة على الملائكة، وأعمالهم مثل قول الله تعالى:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} (الصافات: 1) ومثل قول الله تبارك وتعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} (النازعات: 1) أو {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} (المرسلات: 1) لقلنا: في صدق إن الكون كله علويه وسفليه، قد أُنِيْطَ أمر تدبيره بالملائكة. وذلك بإذن الله تبارك وتعالى.

ويضاف إلى ذلك أيضًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع، إلا عليه ملك واضع جبهته ساجدًا لله تبارك وتعالى).

انتقل بعد ذلك إلى النقطة الأخيرة في هذا العنصر: وهي نقطة "هـ" بعنوان: بعض صفات الملائكة:

من خلال الأخبار الصادقة، التي هي الدليل الشرعي عند أهل السنة والجماعة؛ تحصلنا على عدد كبير من صفات الملائكة منها: حياؤهم:

إن الملائكة تستحي استحياء يليق بحالها؛ إذ قد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) ويعني بذلك الرجل: عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- ففي هذا الخبر الصادق الصحيح، دليل على صفة الحياء للملائكة.

أيضًا من صفات الملائكة، أنهم يتأذون مما يتأذى منه الإنسان، وذلك لحديث مسلم:((من أكل من الثوم والبصل والكرّاث، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)) ولحديث الصحيحين أيضًا: ((إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة)) فعدم دخولهم البيت الذي فيه كلب أو صورة؛ كراهية منهم لهما، يعني: كراهية منهم للدخول، وفي هذا دليل على تأذيهم من هذا المكروه.

ص: 95

أيضًا من صفات الملائكة: تنزههم عن الأعراض البشرية، إن الملائكة منزهون عن الأعراض البشرية كالجوع والمرض والأكل والنوم والتعب

وما إلى ذلك، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، بدلالة الالتزام؛ إذ أخبر الله تعالى عنهم فقال:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء: 20) ولازم ذلك أنهم لا ينامون، ولا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتعبون.

ومن صفات الملائكة أيضًا: خوفهم من الرب تبارك وتعالى وقد أثبت ذلك ربنا سبحانه وتعالى في كتابه، ومن ذلك قوله سبحانه:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل: 49 - 50) وقد تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء: 28) فهذه الآيات أثبتت الخوف، والإشفاق من الملائكة لرب العزة والجلال سبحانه.

ومن صفاتهم أيضًا: طاعتهم لله تبارك وتعالى لا يعصونه بحال من الأحوال، وذلك لقول الله -جل ذكره-:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: من الآية: 6).

ومن صفاتهم أيضًا: حبهم لمن يحب الله تبارك وتعالى حبًّا يليق بحالهم، وحسب ذواتهم، وهذا أمر غيبي عنّا، لا نعلمه، ولكن الدليل الشرعي قد دل على أنهم يحبون، ففي حديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:((إن الله تعالى إذا أحب عبدًا، نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء، إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض)).

أيضًا من صفات الملائكة: أنهم يدعون الله تبارك وتعالى ويسألونه، كما قال تعالى عنهم:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِْ} (غافر: 7).

ص: 96