الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة
أنتقل بعد ذلك إلى العنصر الثاني في هذا اللقاء، وهو بعنوان: الركن الثاني من أركان الإسلام: الصلاة.
تكلمت، أو انتهيت من الركن الأول بشقيه: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتناول بعد ذلك في هذا العنصر الركن الثاني، وهو الصلاة:
ويشتمل هذا العنصر على النقاط التالية: النقطة الأولى: منزلة الصلاة في الإسلام، الصلاة هي أهم وآكد الأركان بعد الشهادتين، إذ هي عمود الدين، وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وهي عبادة تؤدى في وقتها المحدد، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: من الآية: 103).
وأمرنا الله تبارك وتعالى بالمحافظة عليها، فقال:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: من الآية: 238) وهذا يدل على أن من الواجبات أن نحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها، وأن نعلم أن لها أوقاتًا معلومة تؤدى فيها، وقد توعد الله سبحانه وتعالى من يتهاون بها، ويؤخرها عن وقتها قال:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (مريم: 59) وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (الماعون: 4، 5) فتأخير الصلاة عن وقتها هو من تضييعه وليس معنى أضاعوها تركوها؛ لأن الترك كفر -والعياذ بالله تبارك وتعالى.
والصلاة هي العلامة المميزة بين الإسلام، والكفر والشرك، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال:((سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) وفي حديث بريدة
-رضي الله تعالى عنه- ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) قد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد رحمه الله تبارك وتعالى كما أخرجه أهل السنن، وإسناده صحيح.
الصلاة -أيها الإخوة الكرام- صلة بين العبد وبين ربه، قال صلى الله عليه وآله وسلم:((إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه)) وقال تعالى في الحديث القدسي: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) تأملوا هذا الفضل العظيم، وهو يبين مكانة، وأهمية الصلاة، إذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله له:((هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) يعني اطلب ما شئت، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: ((هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)).
الصلاة أيها الكرام روضة عبادات، فيها من كل زوج بهيج، فيها تكبير نفتتح به الصلاة، وقيام يتلو فيه المصلي كلام الله، وركوع يعظم العبد فيه ربه، ويقوم أيضًا من الركوع فيملأ فمه وقلبه بالثناء على الله، ويسجد فيسبح الله تعالى ويذكره، ويبتهل إليه في الدعاء، ويقعد للتشهد، ويدعو أيضًا، ثم بعد ذلك يسلم. أعمال كلها جليلة فاضلة، الصلاة عون في المهمات، ونهي عن الفحشاء والمنكرات، قال الله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (البقرة: من الآية: 45) وقال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمُ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: من الآية: 45).
الصلاة نور المؤمنين هي حقًّا نور لأهل الإيمان، نور في قلوبهم، نور في محشرهم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((الصلاة نور)) وقال فيما أخرجه أحمد وغيره: ((من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانا ونجاة يوم القيامة)) الصلاة سرور نفوس المؤمنين،
وقرة أعينهم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((جعلت قرة عيني في الصلاة)) الصلاة يمحو الله عز وجل بها الخطايا، ويكفر بها السيئات، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا)).
كذلك مثل الصلوات الخمس، يعني ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلًا في أنه كما أن الماء يطهرك من الوسخ، فكذلك الصلاة تطهرك يا عبد الله، النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر)) وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى، وهذه الصلوات الخمس من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه سيئة، ولقد رأيتنا -هذا كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولقد رأيتنا- وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
ومن الأمور التي أحب أن أنبه إليها هنا، وأنا أتحدث عن أهمية الصلاة، ومنزلتها، وحديثي عنها لأنها الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي آكد الأركان كما ذكرت، بل إن البعض يقول بأنها هي الركن الأول بعد الشهادتين، يحلو له أن يقول الركن الأول بعد الشهادتين؛ حتى يبرز أهميتها، مما أود أن ألفت النظر إليه هنا هو وجوب الخشوع في الصلاة، يعني أن يحضر الإنسان فيها بقلبه، وأن يحافظ عليها، والخشوع فيها أعني أن يكون الإنسان حاضرًا بقلبه وجوارحه.
قول الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1، 2) فالله عز وجل ذكر أن المحافظة على الصلاة، وأن الخشوع فيها يدخل العبد الجنة، ويحقق له الفلاح، الذين هم في صلاتهم خاشعون كما على العبد أيضًا أن يخلص لله تبارك وتعالى في الصلاة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)).
أنتقل بعد هذا الأمر المهم الذي تحدثت عنه إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان: وجوب أدائها في المسجد، أعني وجوب أداء الصلاة في المسجد، الواجب أن تؤدى الصلاة جماعة في المسجد لذلك من الفضل العظيم، فعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صلاة جماعة أفضل من صلاة الفذ -يعني الفرد- بسبع وعشرين درجة)) ولقد هم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم- بتحريق البيوت على رجال يتخلفون عن صلاة الجماعة، وذلك في الحديث المتفق عليه، وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم:((من سمع النداء فلم يأت، فلا صلاة له إلا من عذر)) وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يطمئن في صلاته أن يعيدها حتى يقف بين يدي الله تبارك وتعالى مؤديًا الصلاة مع الجماعة، ومطمئنا أيضًا فيها.
وهذه مسألة مهمة يجب أن ألفت النظر إليها الصلاة مهمة، وأيضًا شهود هذه الصلاة، وحضورها في بيوت الله تبارك وتعالى لأن مساجد الله عز وجل لم تبن إلا لذلك، والله أثنى على رجال يقومون لله تبارك وتعالى في بيوتهم:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (النور: 36، 37) فعلى المسلمين جميعًا أن يهتموا بهذه الصلاة، وأن يحرصوا على أدائها جماعة في بيوت الله تبارك وتعالى.
أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان: حكم ترك الصلاة: في الحقيقة من المنكرات الظاهرة في هذه الأزمان المتأخرة ترك الصلاة من كثير ممن يدعي الإسلام، وهذه أيضًا مسألة مهمة يجب أن أقف عندها لأحذر من التهاون في الصلاة، أو ترك الصلاة بالكلية، خاصة ممن ينطق بلسانه: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أن ترك الصلاة كفر، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:((بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة)) وقال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) ومن ضيع الصلاة، فهو لما سواها أضيع، فهي عمود الإسلام، ولا دين، ولا إسلام لمن ترك الصلاة.
وترك الصلاة -أيها الإخوة الكرام- من أسباب دخول النار تأملوا ترك الصلاة من أسباب دخول النار قال الله تعالى عن جماعة: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (المدثر: 42، 43) وقال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الروم: من الآية: 31) وقال تعالى: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (الأنعام: 72) وقال سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (التوبة: من الآية: 11) وقد أصبح حال كثير من الناس اليوم -وللأسف الشديد- لا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس، والعياذ بالله تبارك وتعالى والبعض أيضًا يؤخر العصر عن وقتها، والبعض يهمل أيضًا في بقية الصلوات، وإن من إضاعة الصلاة ترك الجماعة مع القدرة على ذلك.
ولا يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها إلا كذلك، كما قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- ومن إضاعة الصلاة تخفيفه وعدم الطمأنينة فيها في الركوع، والسجود، ومسابقة الإمام فيها، فمن سابق الإمام، فما وحده صلى، ولا بإمامه اقتدى، ناصيته بيد الشيطان، وتخفيف الصلاة وعدم الطمأنينة فيها، ومسابقة الإمام مناف للخشوع الذي هو ثمرة الصلاة وروحها، فعلى عموم المسلمين أن يشهدوا صلاة الجماعة في المساجد، وأن يحذروا ترك الصلاة؛ لأن ترك الصلاة كفر، وأنا لا أود هنا أن أتعرض للخلاف القائم بين الفقهاء: هل الكفر هنا مخرج من الملة أم لا؟ ولكن إذا نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتدبرناه، فأوجب علينا ذلك أن نحذر ترك الصلاة، أو أن نتهاون، أو أن نضيع الصلاة؛ لأن الأمر جد خطير، سواء كان الكفر الوارد كفرًا ينقل من الملة، أو لا ينقل من الملة، يكفي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن ترك الصلاة كفر، والعياذ بالله تبارك وتعالى فعلى أهل الإيمان أن يهتموا أيضًا بهذا الركن العظيم من أركان الإسلام.