المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر - أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع

- ‌الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ

- ‌أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ

- ‌خَصَائِصُ النِّظامِ السياسيِّ في الإسْلامِ

- ‌نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ

- ‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

- ‌وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ

- ‌الدرس: 2 أثر الإسلام على الاقتصاد وكون الإسلام عقيدة وشريعة

- ‌تعريف الاقتصاد وأساسه

- ‌خصائص النظام الاقتصادي

- ‌دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي

- ‌تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها

- ‌معنى الشريعة والأسس التي بنيت عليها

- ‌التشريع حق لله وحده دون سواه

- ‌الدرس: 3 إلمامة بأركان الإيمان

- ‌مذهب السلف في الإيمان مع ذكر أركانه

- ‌الركن الأول من أركان الإيمان؛ الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

- ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس من أركان الإيمان؛ الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 إلمامة تحليلية بأركان الإسلام

- ‌تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به

- ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شهادة أن محمدًا رسول الله

- ‌الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة

- ‌الركن الثالث من أركان الإسلام؛ الزكاة

- ‌الركن الرابع من أركان الإسلام؛ الصيام

- ‌الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج

- ‌أثر الإيمان والعقيدة في تكوين الفرد والمجتمع

- ‌الدرس: 5 الإعجاز في القرآن الكريم طريق من طرق أصول الدعوة

- ‌المعجزة في زمانها ومكانها

- ‌المعجزة الخالدة القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 موقف الإسلام من العلم الكوني، والدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌العلاقة بين الإسلام والعلم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌الدرس: 7 المسجد والمدرسة ودورهما في الدعوة

- ‌المسجد، ورسالته بين المسلمين

- ‌دور المسجد في المجتمع المسلم

- ‌بعض وظائف المسجد

- ‌دعوة الطلاب إلى الله في المدارس والجامعات:

- ‌الدعوة إلى الله بين المدرسين، وأساتذة الجامعات

- ‌دور المدرسة في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌الدرس: 8 أهم ميادين الدعوة والإعلام الإسلامي

- ‌مقدمات في الإعلام

- ‌الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصصة

- ‌الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب

- ‌الدعوة إلى الله في التجمعات الإسلامية والمناسبات المختلفة

- ‌الدرس: 9 الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌تعريف الجهاد وذكر أنواعه

- ‌مشروعية الجهاد وسببه ومراحله وفضله

- ‌فضل الجهاد، وثمراته

- ‌مسائل هامة تتعلق بالجهاد في سبيل الله

- ‌الدرس: 10 بعض مواقف الخلفاء الراشدين والصحابة وأثرها في الدعوة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه

- ‌حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌الدرس: 11 دراسة بعض الدعوات ومناهجها في الدعوة

- ‌ جماعة أهل الحديث بالهند

- ‌جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌تابع الحديث عن جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان والبلاد الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 12 تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها

- ‌حركة " الإخوان المسلمون

- ‌الحزب الإسلامي الكردستاني

- ‌الدرس: 13 ترجمتا الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام أحمد بن حنبل

- ‌سِيرَةُ الإمام عمر بن عبد العزيز الذاتية

- ‌في سيرة عمر بن عبد العزيز العلمية، وولايته

- ‌سيرة الإمام أحمد الذاتية

- ‌عقيدة الإمام أحمد ومحنته

- ‌الدرس: 14 ترجمتا شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سيرته

- ‌منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌تابع منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌ترجمة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سِيرُتُه الذَّاتِيَّةِ

- ‌مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ

الفصل: ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن ليّ أسماء أنا محمدٌ، وأنا أحمدٌ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بيّ الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي)) صلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين.

وبهذا ينتهي هذا اللقاء معكم أيها الإخوة الكرام، وختامًا أُصلى وأُسلم على النبي عليه الصلاة والسلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

3 -

أركان الإيمان (3)

‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:

الإخوة الكرام ألتقي بكم في سلسلة محاضرات أصول الدعوة وطرقها، وعنوان هذه المحاضرة: تابعوا أركان الإيمان، وتشتمل على العناصر التالية:

العنصر الأول في الركن الخامس من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان باليوم الآخر، ويشتمل على النقاط التالية:

أ- المراد باليوم الآخر ووجوب الإيمان به:

إن المراد من اليوم الآخر أمران: الأول فناء هذه العوالم كلها، وانتهاء هذه الحياة بكاملها، والثاني إقبال الحياة الآخرة وابتداؤها، فدلَّ لفظُ اليوم الآخر على آخر يومٍ من أيام هذه الحياة، وعلى اليوم الأول والأخير من الحياة الثانية؛ إذ هو يومٌ واحدٌ لا ثاني له فيها ألبتة، فالإيمان باليوم الآخر مقتضٍ للتصديق بأخبار الله تعالى بفناء هذه الحياة الدنيا، وبما يسبقه من أمارات، وما يتم فيه من أهوال واختلاف أحوال، كما هو مقتضٍ كذلك لتصديق الله تعالى في أخباره عن الحياة الآخرة، وما فيها من نعيمٍ وعذابٍ، وما يجري فيها من أمورٍ عظامٍ كبعث الخلائق، وحشرهم، وحسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم التي قاموا بها في هذه الحياة الدنيا.

وقد يسأل سائل فيقول: هل الفناء ممكن؟

وجوابنا على هذا السؤال أن أقول: نعم، الفناء ممكن؛ لأن العالم ليس أزليًّا أبدًًا، وما لم يكن أزليًّا فهو حادثٌ، وما كان حادثًا فالفناء من صفاته اللازمة له التي لا تنفك عنه بحال، وطروء الفناء على الحادثات مشاهدٌ في هذه الحياة لا يحتاج إلى دليل، إنه قد ثبت بالبراهين العقلية والمادية معًا ثبت حدوث هذا العالم، وإن التغير الجاري والمستمر على العوالم دالٌّ على حدوثها، وإن حدوثها دالٌّ على فنائها.

ص: 116

وهناك دليلٌ آخر وهو أن العالم كل له أجزاء، ونحن نشاهد الفناء يجري في أجزائه باستمرار، فمثلًا الحيوان والنبات يفنى أمامنا، وتحت سمعنا وبصرنا، ونفقد وجودهما باستمرارٍ ودون انقطاعٍ، وهما قطعًا أجزاءٌ من هذا العالم، كما أننا نرى الزلزال من الفينة إلى الفينة يُدمر مدنًا وقرًى كبيرةً، ويغير معالم الأرض في كثير من البلاد في العالم، فظاهرة الفناء إذن لأجزاء هذا العالم دالةٌ على فناء العالم كله؛ إذ ما أمكن الفناء في أجزائه أمكن فناء كله.

وبناء على هذا أقول: اليوم الآخر ممكن الوقوع، وهو مرتقبٌ جدًّا وقوعه حقيقة، وهو اليوم الذي لا يأتي بعده يوم من أيام هذه الحياة الدنيا، وذلك لخراب العالم وفنائه، والإيمان باليوم الآخر هو عبارة عن التصديق الجازم بانقلابٍ هائل يتم في الكون، ويكون انتهاء هذه الحياة الدنيا بكاملها، وابتداء حياة أخرى، وهي الدار الآخرة بكل ما فيها من حقائق مدهشة من بعث الخلائق، وحشرهم، وحسابهم، ومجازاتهم، هذا الإيمان ليس واجبًا فحسب، بل هو أحد أركان ستة عليها تبنى عقيدة المؤمن، فلا تتم إذن عقيدته إلا به، ولا تصح إلا عليه، قال تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (البقرة: من الآية: 177) فنصت الآية هنا على أن الإيمان باليوم الآخر ضروري، بل إنه أتى بعد الإيمان بالله تبارك وتعالى.

ولأهمية هذا المعتقد في حياة المؤمن، ولآثاره الكبرى في استقامة الفرد وصلاحه عنى القرآن الكريم به عناية لا تقل عن العناية بالإيمان بالله سبحانه وتعالى فقد ذكره ربُّنا عز وجل في كتابه في عشرات السور من القرآن الكريم، وفي مئات الآيات مرة بوصفه والحديث عنه كقوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: 13: 17).

ومرة بتقريره وتأكيد

ص: 117

مجيئه، كقوله تعالى من سورة "الحج":{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (الحج: 6، 7).

وممّا يؤكد أهمية هذا المعتقد، ويجعله كالصمام لحياة الاستقامة والطُهْرِ والخير، هو ذكره مقرونًا بالإيمان تبارك وتعالى وذلك كقوله تعالى من سورة "البقرة":{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: من الآية: 62) وكقول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (الطلاق: من الآية: 2).

إذن عرفنا المراد باليوم الآخر، وأنه يجب الإيمان به، وأهمية الإيمان بهذا اليوم العظيم الذي سيقف فيه العباد بين يدي رب العزة والجلال سبحانه وتعالى.

ب- أنتقل إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان: الأدلة على البعث والنشور:

لقد سلك القرآن الكريم في إثبات الميعاد والحياة الثانية مسالك متعددة، هي غاية في الوضوح والسهولة منها: أن الشيء إذا لم يكن ثم كان وأعدم كانت إعادته أيسر وأهون على من بدأه أول مرة ثم أعدمه وأفناه، فالذي بنى دارًا ثم هدمها، لا يستحيل عليه ولا في حقه إعادة بنائها كما كانت أو خيرًا ممّا كانت، والذي يصنع آلة من الآلات مخترعًا لها لا يستصعب عليها أن يعيدها كما كانت، إذا هو كسرها بإرادته وباختياره ليحولها إلى آلة أفضل منها قبل، وقد ورد هذا المسلك من الاستدلال في سورة "الروم" وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الروم: 27).

ص: 118

وأيضًا من مسالك القرآن الكريم في إقامة الأدلة على البعث والنشور: استدلاله بنوم الإنسان والحيوان واستيقاظهما، فالنوم يُعتبر موتًا مصغرًا، والاستيقاظ يُعتبر حياة مصغرة أيضًا، فكما تتم عملية النوم للإنسان والحيوان وعملية الاستيقاظ لهما، تتم أيضًا عملية الموت والحياة الكاملة لهم، جاء هذا الاستدلال في قول الله تعالى من سورة "الأنعام":{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأنعام: 60) فتأملوا هذه الآية حينما ذكر وفاتنا بالليل، وأنه يعلم ما كسبنا في النهار، أشار رب العزة والجلال إلى أنه كما يُنيمنا بالليل ويبعثنا في النهار يُرجعنا إليه سبحانه وتعالى وهذا دليلٌ واضحٌ.

وأيضًا من الأدلة: الاستدلال بالأرض الميتة بسبب طبيعتها أو الجدب أو القحط؛ حيث تنعدم فيها الحياة تمامًا، ثم يُنزل الله عز وجل عليها الغيث أو تسقى بالماء؛ فتعود إليها كما كانت وخيرًا ممّا كانت نماءً وازدهارًا، والذي يوحي الأرض بعد موتها يحيي الإنسان أيضًا إذا مات وتحلل، وفي ذلك يقول -جل ذكره- من سورة "فصلت":{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (فصلت: 39).

وقال تعالى من سورة "الحج": {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} (الحج: 5، 6) وكما أشار في الآية السابقة بعد ذكره سبحانه وتعالى أنه يُنزل الماء على الأرض الميتة فتهتز وتحيا، فكما يفعل ذلك بهذه الأرض الميتة يُخرج الإنسان بعد ذلك أيضًا من الأرض ويحييه ويبعثه؛ ولذلك أشار بعد قوله:{فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

أيضًا من الأدلة: الاستدلال بالقدرة الكافية التي بها خُلِقَ آدم عليه السلام من تراب، وذريته من نطفة على إمكان الميعاد والبعث وتقرير

ص: 119

وقوعهما، قال تعالى من سورة "الحج":{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} (الحج: 5).

ومن الأدلة أيضًا: الاستدلال بالقدرة على خلق العوالم على إمكان إعادة حياة الناس بعد موتهم وفناء أجسامهم، فالذي خلق العالم بكل ما فيه، وأخرجه من حيز العدم إلى الوجود، بل خلق ما هو أعظم وأكبر من الإنسان، أيعجز بعد ذلك أن يوجد هذا الإنسان الضعيف؟! وتأملوا مثلًا في خلق السماوات والأرض، وفي ذلك يقول -جل ذكره-:{لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (غافر: 57).

ولذلك رد الله عز وجل على من استبعد البعث، والنشور، وقام في ذهنه وعقله أن البعث بعيد، ومستحيل، استدل الله عز وجل بأدلة متعددة على البعث والنشور: منها خلقه لهذه العوالم أول مرة، ومنها أيضًا إنشاؤه لهذه الكائنات، وإخراجها من حيز العدم إلى الوجود، ثم خلق ما هو أكبر من خلق الإنسان، وفي آخر سورة "يس" رد رب العزة والجلال على المنكر المستبعد للبعث والنشور بأدلة -كما أشرت- ومنها: قوله سبحانه: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَاّقُ الْعَلِيمُ} (يس: 81).

وأيضًا من الأدلة: الاستدلال باختلاف سلوك الإنسان في هذه الحياة بالخير والشر، والصلاح والفساد على وجود حياة أخرى يجزى فيها كل عاملٍ بما عمل من خيرٍ

ص: 120

وشرٍّ، لعدم استكمال المجازاة في هذه الحياة الدنيا، فنحن نجد أن بعض الصالحين يُظلم في هذه الأرض، ولا يؤخذ حقه من الظالم، ويموت الظالم ولم يستوف منه الحق بعد، فكان ولا بد من حياة أخرى يقوم فيها الناس ليُجزى كل عامل بما قدم، وفي ذلك يقول رب العزة والجلال مشيرًا إلى هذا:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185).

وقال تعالى من سورة "الليل": {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} (الليل: 4: 11).

ولذلك كانت التكاليف الشرعية التي كلف الله عز وجل بها العباد تدل على وجود حياة أخرى يتم فيها الجزاء على القيام بتلك التكاليف، وعلى تركها وإهمالها؛ إذ لم يتوفر جزاءٌ كافٍ في هذه الحياة الدنيا على تلك التكاليف، قال سبحانه:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك: 1، 2).

وهناك آيةٌ صريحةٌ في ذلك، وهي قوله:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (المؤمنون: من الآية: 115، 116).

ومن أعظم الأدلة بعد ذلك على البعث والجزاء والحياة الآخرة: أخبار الله تعالى، وأخبار رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا يجد في نفسه بحال داعيًا للشك، ولا مسارًا للجدل، والنزاع في ثبوت الميعاد، وكل ما يتم فيه من حساب وجزاء؛ إذ أخبار الله تعالى كلها صدقٌ وحقٌّ، فقد أخبر تعالى بآلاف الأخبار، فلم تكن إلا وفق ما أخبر، كما أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بآلاف الأخبار، فلم يتخلف منها خبرٌ واحدٌ عن مدلوله، فكيف يٌعقل إذن أن يخبر الله تعالى، ويخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بمئات الأخبار عن ثبوت الحياة الثانية، وعن كل ما

ص: 121

يجري فيها من بعثٍ وحسابٍ وجزاءٍ، ثم لا يصح شيءٌ من ذلك ولا يثبت، اللهم ما إن هذا باطلٌ لا يصح، ومحالٌ لا يقبل ولا يعقل.

إن حتمية الفناء ووجود معادٍ كامل، وحياة أفضل تحوي نعيم للمحسنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجحيمًا للمسيئين الذين أشركوا وعملوا السيئات ممّا أخبر الله تعالى به وقرره في كل كتبه، وعلى ألسنة جميع رسله حقٌّ واقعٌ لا محالة، والشك فيه ضرب من الهبوط الشخصي، والمرض العقلي والعياذ بالله تبارك وتعالى وعلى الذين ينكرون الميعاد أي يرجعوا من قريب، وليعلموا أنهم سيقفون بين رب العزة، والجلال سبحانه وتعالى ليجازيهم على أعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.

ننتقل بعد ذلك إلى النقطة التي تلي هذه النقطة، وهي بعنوان: ذكر ما يكون في اليوم الآخر والأدلة عليه:

أود هنا أن أذكر بعض ما يكون في اليوم الآخر، وأذكر أيضًا الأدلة عليه؛ لأن القرآن الكريم أخبرنا عن مواقفٍ متعددةٍ ستكون في هذا اليوم، سأتحدث عنها -إن شاء الله- الآن تباعًا كما يلي:

أولًا: الحشر، ما هو الحشر؟ إن الحشر عبارة عن جمع الخلائق بعد بعثهم أحياءً في ساحةٍ واحدةٍ تُدعى عرصات القيامة، وذلك لفصل القضاء، وهو الحكم فيما بينهم من أجل مجازاتهم، فالناس إذا بُعثوا من قبورهم أحياء حفاةً عراةً غُرلًا، كما بدأ الله تعالى خلقهم أولًا يعيدهم ثانيًا، قال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: من الآية: 104).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث الصحيحين: ((يُحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلًا قلتُ: يا رسول الله (والقائلة هي أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها) قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)).

ص: 122

ويحشر الكافرين على وجوههم أعاذني الله، وإيّاكم من ذلك لقول الله تعالى:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خلْقًا جَدِيدًا} (الإسراء: 97، 98).

وفي الحديث المتفق عليه أنه: ((قيل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: كيف يُحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)) بلى سبحانه وتعالى قادر.

وممّا يكون في اليوم الآخر: فصل القضاء والشفاعة فيه، والمراد بفصل القضاء هو: أن الناس لما يحشرون إلى ربهم، ويبلغ العناء منهم مبلغًا عظيمًا، وذلك من شدة الهول وصعوبة الموقف يرغبون في أن يحكم الله تعالى فيهم أو بينهم بما هو أهله، وبما هم متهيئون له بحسب طهارة أرواحهم أو خبثها؛ حتى يستريحوا من شدة الموقف وأتعابه، ومصداق هذا جاء في قول الله تعالى:{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (المرسلات: 11: 15) ويقول سبحانه: {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (المرسلات: 35: 40).

ولما يطول موقفهم ويعظم قربهم يقول بعضهم: ((ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ فيأتون آدم عليه السلام ليشفع لهم عند الله تعالى فيعتذر لهم، ويقول: إن ربي قد غضب اليوم

ص: 123

غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري؛ فيأتون إلى المرسلين واحدًا واحدًا؛ يأتون إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى فيعتذر الكل، ويقول: نفسي نفسي حتى ينتهوا إلى خاتم الأنبياء وإمام المرسلين -صلوات الله وسلامه عليه- فيقول: أنا لها، فيأتي ربه فيخر ساجدًا تحت العرش ويلهمه ربه تعالى محامدًا يحمده بها، فلا يزال كذلك حتى يقول له الرب تبارك وتعالى:

ص: 124

ارفع رأسك وسل تُعط، واشفع تُشفع؛ فيرفع صلى الله عليه وآله وسلم رأسه، ويقول: يا رب أمتي، فيقال له: يا محمد ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب)) فهذا الحديث دل على الشفاعة العظمى أيضًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن فصل القضاء والشافعة فيه ستكون في يوم القيامة.

ومن المواقف التي ستحدث في هذا اليوم أيضًا: الحساب والميزان، الحساب يدور على محتويات الكتب التي يُعطاها كل فردٍ من أفراد الناس في ساحة فصل القضاء، ويقرؤها كل واحدٍ من أهل الموقف سواء من كان يقرأ منهم ومن لم يكن يقرأ، ويختلف إعطاؤهم تلك الكتب وتلقيهم لها؛ إذ منهم من يُعطى كتابه بيمينه ومن أمامه، ومنهم من يعطي كتابه بشماله ومن وراء ظهره، وبمجرد إلقاء نظرة على محتوى الكتاب يعلم صاحبه بمصيره، ويُعلن على الفور عن فوزه وفرحه وسروره، أو عن خيبته وحزنه وخسرانه، قال تعالى في بيان هذا وتقريره من سورة "الانشقاق":{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا} (الانشقاق: 7 - 12).

وبينما هم كذلك إذ تُوضع الموازين القسط، ويتقدم الناس واحدًا واحدًا للحساب، فمنهم من يحاسب يسيرًا، وهو العرض الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لعائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-: ((من حُوسِبَ يوم القيامة عُذب؛ فقالت له أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-: أليس الله عز وجل يقول: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فقال لها: ليس ذاك الحساب، إنما ذلك العرض، من نُوقِشَ الحساب يوم القيامة عذب)) ومنهم من يحاسب

ص: 125

حسابًا عسيرًا يُستنطق الفرد ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، فإن أجاب بالصدق والحق فيها وفيما عمل فبها ونعمت، وإن حاول الكذب أو الكتمان فإنه يُختم على فمه، وتستنطق جوارحه فتنطق بالذي عمل في دنياه، ولا تُخفي شيئًا.

ومن المواقف أيضًا: الصراط، إنه بعد وزن الأعمال والفراغ منها، وبيان السعيد من الشقي في الجملة يضطر الناس إلى المرور على الصراط، وهو جسرٌ دقيقٌ منصوبٌ على ظهر جهنم، والصراط عقبةٌ كأداء في طرق الذاهبين إلى دار السلام، وممر الخطير للغاية، يشهد لخطورته أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقف على جنباته والناس يمرون، وهو يدعو:((رب سلم سلم)) ويكون مرور الناس بحسب أعمالهم في الدنيا، فمنهم من يمر بسرعة مدهشة حتى لكأنه البرق الخاطف، ومنهم من يمر دون ذلك إلى أن ينجو من ينجو ولو حبوًا على يديه وركبتيه، ويهلك من يهلك بسقوط في جهنم دار الشقاء والهوان.

وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصراط في معرض حديثه عن الشفاعة العظمى والمقام المحمود الذي وعده به ربه تبارك وتعالى في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: من الآية: 79) وصفه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((بأن الأمانة والرحم تقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا؛ فيمر أول الناس كالبرق

)) إلى غير ذلك ممّا ذكر صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: ((وفي حافتي الصراط كلاليبٌ معلقة مأمورة بأخذ من أُمرت به فمخدوشٍ ناجٍ ومكدوس في النار)) أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

وبعد أن يجتاز المؤمنون الصراط بسلام وأمان من الوقوع في النار يقفون على قنطرة بين الجنة والنار لتهذيبهم وتطهيرهم من كل ما كان بينهم من عداوات أو شحناء، أو حقوق لبعضهم على بعض، ثم بعد ذلك يؤذن لهم بدخول الجنة فيدخلون، وقد روى حديث القنطرة الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه رحمه اللهتبارك وتعالى ونصه: ((يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون

ص: 126