الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ويشتمل على النقاط التالية:
أ- التعريف به وذكر بعض مناقبه -رضي الله تعالى عنه-:
عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- معروف ومعلوم، فهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وبعد إسلامه كان من أشد الناس على الكفار، ولقد أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه في أكثر من موضع -كما سيمر بنا ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى قال الزبير: وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشًا كانت إذا وقعت بينهم حربًا وبين غيرهم بعثوا سفيرًا، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافرًا ومفاخرًا.
قال علماء السير: شهد عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدرًا وأحدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنين، وغيرها من المشاهد، رضي الله عنه، وكان أشد الناس على الكفار. قال عبد الله بن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر، ولقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير موضع، ووضع على صدره رضي الله عنه كثيرًا من الأوسمة، ولقد كثرت الروايات التي تروي قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأكثر تلك الروايات ضعيفة، ولكنها مشهورة، وذلك كالقصة التي يرويها أكثر الناس عن دخوله على أخته وزوجها سعيد بن زيد، وكذا استماعه القرآن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو خلف أستار الكعبة.
وقد ذكر الإمام الترمذي -رضي الله تعالى عنه- في كتابه "السنن" في باب المناقب، وباب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ذكر أن السبب في إسلام عمر هو دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له عندما قال:((اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك؛ بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب)) قال: وكان أحبهما إليه عمر. وعندما أراد عمر رضي الله عنه أن
يهاجر خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف أمام المشركين موقفًا أذل فيه أنوفهم، وأظهر عجزهم، وألقى الرعب في قلوبهم. وتأملوا ما قاله الإمام الحبر عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما علمت أن أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، واختصر عنزته -العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئًا، واختصرها: يعني أمسكها بيده رضي الله تعالى عنه- ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف رضي الله عنه سبعًا متمكنًا ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس -يعني: الأنوف- من أراد أن تثكله أمه ويرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي رضي الله عنه فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه -رضي الله تعالى عنه.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص -جمع قميص- فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علَيّ عمر وعليه قميص اجتره -قميص اجتره: يعني أنه أنزل من غيره- قالوا: فما أولته يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الدين)).
وقد استشكل هذا الحديث بعض الناس، وذهبوا إلى أن بذلك عمر رضي الله عنه أفضل من أبي بكر الصديق، والجواب عن ذلك بأن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل هذه الأمة، ولذلك أجيب عن هذا الحديث بأن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- يخصص من قول النبي عليه الصلاة والسلام:((عرض علي الناس)) فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- وأن كون عمر عليه قميص يجره، لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- قميص أطول منه وأسبغ، وقد ذكر ذلك الإمام الحافظ بن حجر رحمه الله تبارك وتعالى ولقد كان عمر رضي الله عنه حريصًا كل الحرص على طلب العلم، بل كان من أصحاب الهمم العالية فيه.
يقول عمر رضي الله عنه كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أمية بن زيد، -وهم من عوالي المدينة- وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من وحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك.
ولعمر -رضي الله تعالى عنه- منقبة جليلة وعظيمة للغاية، ويا لها من منقبة عظيمة جليلة، حيث أنه وافق ربه في كثير من المواقف، وأنزل الله عز وجل القرآن موافقًا لرأي عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وفي ذلك ما رواه لنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث -قال الحافظ في "الفتح" في قوله: وافقت ربي في ثلاث، أي ثلاث وقائع، والمعنى: وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه أو أشار به إلى حدوث رأيه، رضي الله تعالى عنه، وهذا من الأدب- فقلت:((يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: من الآية: 125) وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله! صلى الله عليه وآله وسلم لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت هذه الآية)).
وأذكر لكم هنا موقفًا جليلًا للفاروق رضي الله عنه يوضح مدى ثقته في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول الله! صلى الله عليه وآله وسلم لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا من الإبل فأكلنا وادهنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: افعلوا. قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله! صلى الله عليه وآله وسلم إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم فليأتوا بفضل أزوادهم، ثم ادع لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنطع فبسطه -والنطع: هو بساط متخذ من أديم- ثم دعا بكسرة حتى
اجتمع من ذلك النطع شيء يسير، ثم دعا صلى الله عليه وآله وسلم بالبركة، ثم قال: خذوا في أوعيتكم، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملئوه، فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يلقى الله بها عبدًا غير شاك فيحجب عن الجنة)).
هذه النقطة في الحقيقة تبين مواقف من حياة أمير المؤمنين عمر، وجهاده في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وعنوانها إذن:
ب- مواقف من حياته وجهاده في الدعوة إلى الله عز وجل:
كان الفاروق -رضي الله تعالى عنه- لا ينسى أبدًا كل من قدم للإسلام شيئًا ولو كان صغيرًا، ويا له من وفاء نحتاج إليه في هذا الزمان الذي انعدم فيه الوفاء عند أكثر الناس إلا من رحم الله، والوفاء في الحقيقة وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والمشهد كما يلي:
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقال: يا أمير المؤمنين! هلك زوجي وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا -ما ينضجون كراعًا: يعني ما هو دون كعب الشاة، يعني: لا يستطيعون أن يكفوا أنفسهم بشيء- ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع -والضبع يعني السنة المجدبة، يعني: تهلكهم- وأنا بنت خفاف بن إماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقًا وثيابًا، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين! أكثرت لها. قال عمر: ثكلتك أمك، والله، إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحناه ثم أصبحنا نستفيء سِهْمَانَنا فيه -يعني أنصباءنا من الغنيمة من هذا الفيء الذي كان بسبب هؤلاء الناس- وهذا موقف جميل