الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحزب الإسلامي الكردستاني
أنتقل بعد ذلك إلى العنصر الثاني في هذا اللقاء، وهو بعنوان "الحزب الإسلامي الكردستاني" ويشتمل على النقاط التالية:
أ- التعريف بالحزب، والأرض التي يقع فيها:
أحب في الحقيقة أن أتكلم عن هذا الحزب؛ لِأُعَرِّفَ طالب العلم بوجود قوة للإسلام كبيرة، عليه أن يعرف عنها الكثير، وإن كان هناك لدي تحفظ على كلمة "حزب"؛ لأن الإسلام لا يعرف الأحزاب بمعناها المعاصر؛ لأن هذه الأحزاب الناس فيها يوالون على مبادئ الحزب، وقد تكون بعيدة عن كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعندنا أحزاب كثيرة كالحزب الناصري والاشتراكي والوفدي، وحزب التجمع والأهالي، وما إلى ذلك.
كل هذه الأحزاب لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ لأنها لا ترفع دين الله عز وجل ولا تحتكم إلى شريعته، وبالتالي فأنا أحب أن يُسْتَبْدَلَ أو أن تُسْتَبْدَلَ هذه الكلمة، ولكن هكذا سَمَّوْهُ.
وأبدأ الآن بتعريف هذا الحزب فأقول: الحزب الإسلامي الكردستاني: حزب سياسي إسلامي، يهدف إلى تكون دولة إسلامية في منطقة كردستان، ورفع الظلم والتمزق الواقع على الأكراد بخاصة، ومحاربة المخططات الاستعمارية تجاههم، وتقع كردستان -وهي أرض الأكراد- في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا والاتحاد السوفيتي السابق، وتبلغ مساحتها نصف مليون كيلو متر مربع تقريبًا، وعدد سكانها يزيد على أربعين مليونًا، يدين أكثرهم بالإسلام، وهم سُنَّةٌ في الغالب -يعني: من أهل السنة على العموم- وتوجد أقليات كردية في كل من باكستان وأفغانستان والسودان، وتمتاز كردستان بثروتها النفطية والمعدنية والحيوانية والمائية؛ إذ يَمُرُّ فيها أنهار دجلة والفرات
وآراس والخابور، ويتكلم الأكراد اللغة الكردية التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الإيرانية، التي تمثل فرعًا من أسرة اللغات الهندية.
وتضم هذه اللغات جماعة من الأكراد، واللغات كثيرة؛ فعندنا الكردية والفارسية، وكذلك لغة الباشتو، والطاجيكية، وتُكْتَبُ اللغة الكردية في إيران والعراق بالحرف العربي، وفي تركيا وسوريا بالحرف اللاتيني، وفي الدولة التي تسلل إليها الاتحاد السوفيتي سابقًا بالحرف الروسي، وقد قُسِّمَتْ كردستان بعد الحرب العالمية الأولى، و َ وُزِّعَتْ عَلَى العراق وسوريا وتركيا وإيران وروسيا، وقد اتبعت هذه الدول المذكورة فيهم -يعني: في الأكراد- سياسة التغريب والتفريس، مع محاولة القضاء على إسلامهم وشجاعتهم، وذلك بإثارة النزعات القبلية ونشر الأفكار الماركسية والعلمانية فيهم، ولم يخضع الأكراد لهم، فقامت هناك ثورات لم تنطفئ شعلتها حتى يومنا هذا.
ب- بعنوان تأسيس الحزب وأبرز شخصياته، أقول في تأسيس الحزب: بأنه قد اجْتَمَعَ بعض الإسلاميين الأكراد في موسم الحج، في الحادي عشر من شهر ذي الحجة سنة ألف وأربعمائة في مكة المكرمة، وتباحثوا في قضية شعبهم الكردي المسلم وما أصابهم من تمزق ودمار وهلاك على يد السلطات في البلاد الموزعين فيها، ومحاولة القضاء عليهم بكافة السبل وبمختلف الحجج الواهية، وتبع ذلك قيام حركات وطنية وقومية، غَلَبَ على كثير منها طابع العلمانية الاشتراكية، فكانت في حالة عداء للإسلام، وقد أدى هذا إلى تشويه سمعة الأكراد في النصف الثاني من هذا القرن، من خلال ما كانت تطرحه الأحزاب من إلحاد ومخالفات للدين واستخفاف به أو إهمال له، وكان من المحزن أن يضطر كثير من المتدينين إلى الالتحاق بتلك الأحزاب؛ بسبب عدم وجود البديل الإسلامي الكردي.
وقد وجد المجتمعون الحاجة ماسة بناء على ما سبق ذكره إلى إقامة حزب إسلامي في كردستان، يشعر بآلام الشعب الكردي المسلم، ويحل عقده، ويحمل عنه بعض همومه ومشاكله، ويبني الدولة الإسلامية التي تحمل شعار الإسلام دينًا ودولة، وتطبق الإسلام في جميع مجالات الحياة، وقرر المجتمعون تأسيس هذا الحزب، وعقب هذا الاجتماع عقدوا أربع مؤتمرات عامة للحزب خارج كردستان، وفي المؤتمر الأخير من هذه المؤتمرات قرروا المبادئ الأساسية لفكر الحزب وحركته، كما قرروا النظام الداخلي الذي اعتمد فتح مكاتب للحزب في أوربا وأمريكا الشمالية.
وقد تم -تبعًا لذلك- إصدار مجلة جودي الناطقة باسم الحزب باللغات العربية والتركية والكردية، و"جودي" هو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام وموطنه كردستان، ومن أبرز شخصيات هذا الحزب: الدكتور مُظَفَّر من العراق، والدكتور صالح كابوري من سوريا، وأسروان من الولايات المتحدة الأمريكية، والمهندس الكردي من السودان، والمهندس كذب شوتي من تركيا، أنتقل بعد إلى نقطة:
ج- وهي بعنوان "أفكار الحزب ومعتقداته": الشعب الكردي شعب مسلم، وهو جزء من الأمة الإسلامية الواحدة، وكردستان المسلمة جزء من دار الإسلام الكبرى، وهي وطن الشعب الكردي تاريخيا وجغرافيا، وتشمل تلك الأرض التي يكون الكرد غالبية سكانها، والشعب بيده السلطات الاجتهادية والتنفيذية والقضائية، ومصدر التشريع عندهم هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والشعب يقوم بسلطاته في مجلس الشورى، وذلك بتطبيق هذا كما يتمكن من التطبيق، والكليات التي تراها السلطات للمجتمع حفظًا وتكميلًا وتحسينًا هي الكليات الخمس التي جاءت بها الشريعة، وهي: الدين، والعقل، والعرض، والنفس، والمال.
ومن أفكار هذا الحزب: الدعوة لنشر الإسلام، ونشر الإسلام لا يكون إلا بإقناع العقول وتأليف القلوب، ولا إكراه في الدين، أما الجهاد في سبيل الله فهو القتال في سبيل الله لدفع الظالمين المتكبرين، والدفاع عن المظلومين المستضعفين، كما يرون -وقد أصابوا في ذلك- أن العلم حق عام، وأن العلم بأصول الدين فرض عين على المسلمين، وأن الحرية حق عام، وهي مصونة في التفكير والتعبير والمعتقد والتأليف والنشر، وتأليف التجمعات النقابية والنسائية، ما لم يتعارض شيء من ذلك مع الإسلام، ويرون أن المرأة كالرجل، تتساوى معه في الحقوق والواجبات، وفي بناء المجتمع وتوجيهه، وأما التمييز القائم بينهما كما جاء به الإسلام فهو حق يعملون به ويرونه بأنه من الفرائض الشرعية التي فرضها رب العزة والجلال سبحانه، وذلك بسبب التكوين الخِلْقِيِّ والوظيفة الاجتماعية للمرأة -كما هو معلوم من خلال هدي الإسلام.
ويرون أن الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع السليم، وينبغي دعم الأسرة وتقوية الروابط بين أفرادها والتشجيع على النسل والزواج بتيسير أسبابه وتوفير مطالبه، وعلى كلٍّ فالحزب الكردستاني الإسلامي يرجع في أصوله الفكرية والعقائدية إلى الإسلامِ السنيِّ بوجه عام، وإن كان يوجد بينهم من يخالف هذا المنهج، وأما أصولهم الحركية والدعوية فترجع إلى حركة "الإخوان المسلمين"، وهم في الفقه يتبعون مذهب الإمام الشافعي، ومذهب الإمام الشافعي هو مذهب عامة الأكراد تقريبًا.
والحزب الكردستاني -مع ذلك- ليس حزبًا قوميًّا كما يوحي اسمه، وإن كان هدفهم هو إنشاء دولة إسلامية كردية في منطقة كردستان، تحكم الإسلام في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينتشر الحزب الإسلامي في جميع مناطق كردستان في كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران.
ونسأل الله عز وجل لهم التوفيق والسداد، وأن يلتزموا تمامًا بمنهج الكتاب والسنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.