الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جماعة أنصار السنة المحمدية
أ- التعريف بها وبمؤسسها:
جماعة أنصار السنة المحمدية جماعة إسلامية سلفية قامت في مصر أولًا، ثم انتشرت في غيرها للدعوة إلى الإسلام على أساس من التوحيد الخالصة والسنة الصحيحة؛ لتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرافات، كشرط لعودة الخلافة ونهضة الأمة الإسلامية، وقد أسسها العلامة الشيخ محمد حامد الفقي -رحمة الله تبارك وتعالى عليه- وقد بدأ الشيخ محمد حامد الفقي حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم، حيث أتم حفظه في شهر رمضان من عام ألف وثلاثمائة واثنين وعشرين من الهجرة النبوية وكان عمره وقتذاك اثني عشر عامًا، وقد هيأه والده لتلقي العلوم بالأزهر على الطريقة التي كانت متبعة آنذاك، وقد بدأ دراسته بالأزهر، وكان يحب أن يقيد حنبليًّا إلا أنه لأسباب ما انتسب للأزهر حنفيًّا.
وبعد أن أمضى بالأزهر قرابة الست سنوات بدأ في دراسة الحديث والتفسير، ولما أمعن الشيخ في دراسة الحديث على الوجه الصحيح دعا إلى التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفظًا ومعنًى وروحًا، فالتف حوله نفر من إخوانه، واتخذوه شيخًا لهم، وهذا يدل على بلوغ الشيخ المبكر؛ حيث لم يتجاوز عمره في تلك الأثناء ثمانية عشر عامًا رحمه الله تبارك وتعالى.
وفي عام ألف وثلاثمائة وست وثلاثين من الهجرة النبوية تخرج رحمه الله في الأزهر؛ حيث نال شهادة العالمية وكان عمره خمسة وعشرين عامًا، وانقطع منذ تخرجه لخدمة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان رحمه الله عالمًا وباحثًا ومحققًا يغوص في جنبات المسألة العلمية ويذكر غورها، ويخرج منها، وقد ألمَّ بكل ما يعلق بها، وكان حريصًا على إتباع الكتاب والسنة، نابذًا للتقليد ومحذرًا عنه، وكان مفسرًا بارعًا محبًّا للقراءة، يعكف الساعات الطوال على الكتب كي ينقب ويبحث ويقارن وكان خطيبًا لسنًا يمتاز بصدق التعبير وجزالة الأسلوب وقوة وفصاحة المنطق وكانت دعوته رحمه الله تخالط شغاف القلوب وتلمع فكرته أمام العقل دون إيهام وشبهة.
وكان محبًّا للتراث الإسلامي ينقب عنه ويسعى جاهدًا إلى نشره، قال الشيخ فتحي أمين عثمان -وكيل جماعة أنصار السنة المحمدية سابقًا وعضو الجماعة الآن يقول عن الشيخ حامد رحمه الله: لقد كانت آخر آية فسرها: {وَيَدْعُو الْإِنْسَانُ بِالشَّرِ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولَا} (الإسراء:11).
وقد اعتنق الشيخ محمد أحمد أبو الفتوح مذهب السلف -رحمه الله تعالى- وذلك لاهتمامه بالقراءات لعلماء السلف من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الحافظ ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله تعالى- وغيرهم من علماء التوحيد وأئمة الهدى، وعني بكتبهم ومؤلفاتهم وطبعها ونشرها بين المسلمين؛ ولهذا ظهر ميول الشيخ لمذهب السلف وتأثر بعلمائه واتبع المنهج الحق الذي جاء من عند الله تبارك وتعالى.
وقد عبر الشيخ نفسه عن هذا التحول في حياته بقوله: "ولقد كنت في حياتي الأولى سالكًا مع السالكين، وملبسًا مع الملبسين، ومخرفًا مع المخرفين، وداعيًا إلى البدعة والجاهلية وعبادة الموتى والخشب والنصب مع الداعين، فهداني الله إلى نور الهدى، وكشف عن بصيرتي حجب الجهل والعمى، وبصرني بنور الحق من كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ووفقني بفضله إلى سبيل السلف الصالح
من الصحابة والتابعين، وانقذني بذلك من طريق الردى، فذقت من يومئذ حلاوة التوحيد الخالص والإيمان، وتحققت الفرق العظيم بين الحق والباطل والهدى والضلال، وبين توحيد الأنبياء والمرسلين وتوحيد المشركين والجهمية المعطلين، وغير آيات الله وحديثه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبين شبهات المبطلين وزخارف المفترين، وعرفت لله تعالى منته العظمى في تلك الهداية ونعمته الكبرى في هذا التوفيق".
وقد كانت للشيخ -مؤسس الجماعة- علاقة متميزة مع جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس الملكة العربية السعودية -رحمه الله تعالى- وما ذلك إلا لما رآه في الشيخ من غيرة وهمة لنشر مذهب السلف الصالح وما رآه من تأثره بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى وقد كان الملك عبد العزيز محبًّا لعقيدة السلف ساعيًا في نشرها مجاهدًا في الدفاع عنها.
وقد ذكر الشيخ حامد أنه كان يحضر بعض جلسات الملك عبد العزيز وقد عينه مديرًا لإدارة الطبع والنشر بمكة المكرمة عندما كان مقيمًا بأم القرى، يظهر كل ذلك فيما ألفه الشيخ محمد حامد الفقي في تلك الرسالة المسماه:"أزهار من رياض سيرة الإمام العادل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود".
كما كانت له علاقة متميزة مع علماء نجد وحجاز فكانوا يتبادلون النسخ النادرة من تراث السلف الصالح ومنهم على سبيل المثال الشيخ الفاضل محمد نصيف، رحم الله الجميع.
كما كان الشيخ حامد رحمه الله تبارك وتعالى وقفات جادة ومشاركات فعالة في القضايا الوطنية والقومية، فقد شارك مع أبناء مصر في المعارك ضد المحتل: يقول الأستاذ محمد رشدي خليل: وقد ساهم الشيخ حامد مع أبناء وطنه في المعارك التي خاضوها ضد المستعمر مطلع أيام الحرب العالمية الثانية، كان يقوم في جوف الليل بطبع المنشورات ضد الإنجليز والاحتلال البريطاني.
والشيخ رحمه الله تبارك وتعالى أسس لذلك جماعة أنصار السنة المحمدية التي سأتحدث عنها -إن شاء الله تعالى- بعد ذلك بشيء من التفصيل، ولكني أود الآن أن أختم الحديث عن مؤسس هذه الجماعة، وأنا أعرف به -رحمه الله تعالى- فأذكر وفاته، توفي الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى عند فجر الجمعة السابع من شهر رجب في سنة ألف وثلاثمائة وثمانٍ وسبعين من الهجرة النبوية؛ وذلك إثر عملية جراحية أجراها بمستشفى العجوزة، وبعد أن نجحت العملية أصيب بنزف حاد، وعندما اقترب أجله رحمه الله تبارك وتعالى طلب ماء للوضوء ثم صلى ركعتي الفجر بسورة الرعد كلها، وبعد ذلك طلب من إخوانه أن ينقل إلى دار الجماعة حيث توفي بها رحمه الله تبارك وتعالى.
وقد نعاه رؤساء وعلماء من الدول الإسلامية والعربية، وحضر جنازته واشترك في تشييعها من أصحاب الفضيلة وزير الأوقاف والشيخ عبد الرحمن تاج والشيخ محمد نور الحسن والشيخ محمد حسنين مخلوف والشيخ محمد محمد محيي الدين عبد الحميد، والشيخ أحمد حسين وكثيرٌ من مشايخ كليات الأزهر وأساتذتها وعلمائها وقضاة المحاكم.
وقد جاء نعيه في جريدة الشعب بعنوان: فقيد العروبة والإٍسلام الشيخ محمد الفقي، منوهين بجهوده في الدعوة إلى الله وحرصه على تعليم الناس سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع شئون حياتهم.
ب- أبرز الشخصيات في الجماعة:
الشخصيات في جماعة أنصار السنة المحمدية كثيرة وبعضهم تواكب على رئاستها بعض وفاة مؤسسها -رحم الله الجميع- ومن أوائل البارزين في هذه الجماعة فضيلة العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تبارك وتعالى الذي حصل على شهادة التخصص في الفقه وأصوله وهي تعادل الماجستير، ثم حصل على العالمية وهي تعادل الدكتوراة من جامعة الأزهر، وعمل مدرسًا في المعاهد العلمية الأزهرية، كما عاصر تأسيس الجماعة، ويعد الشيخ رحمه الله من كتاب العدد الأول في مجلة الهدي النبوي التي كانت تصدرها الجماعة، وهو واحد من هيئة كبار علمائها، واختير رحمه الله تبارك وتعالى ليكون نائبا أولًا لرئيس الجماعة في الوقت الذي كان يشغل رئيس الجماعة لفرع محرم بك بالإسكندرية.
ومن طلب خاص من مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى سافر الشيخ ومعه الشيخ محمد خليل هراس إلى السعودية
للتدريس بدار التوحيد بالطائف، وفي عام ألف وثلاثمائة وسبعين هجرية نقل للتدريس بالمعاهد العلمية وكلية الشريعة بالرياض، وفي الرابع والعشرين من شهر صفر من عام ألف ثلاثمائة وتسع وسبعين من الهجرة النبوية اختير الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تبارك وتعالى بالإجماع رئيسًا عامًّا للجماعة خلفًا للشيخ محمد حامد الفقيه بعد وفاته رحمه الله تبارك وتعالى.
ثم انتدب بعد ذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي مرة أخرى للتدريس في المملكة العربية السعودية، وتدرج في سلك التدريس إلى أن أصبح مديرًا للمعهد العالي للقضاء، كما شارك في اللجان المتخصصة لوضع مناهج التعليم بالمملكة رحمه الله تبارك وتعالى وفي عام ألف وثلاثمائة وواحد وتسعين من الهجرة النبوية نقل إلى الإدارة العام للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وعين نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مع جعله عضوًا في مجلس هيئة كبار العلماء للملكة العربية السعودية، والذي ظل يشغله حتى يوم وفاته في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول من عام ألف وأربعمائة وخمسة عشر من الهجرة النبوية.
أيضًا من العلماء البارزين والشخصيات المعروفة المعلومة في جماعة أنصار السنة المحمدية: الشيخ عبد الرحمن الوكيل، الذي تلقى تعليمه في الأزهر وحصل على الإجازة العالية من كلية أصول الدين؛ ولم يكمل دراسته العليا لمرض ألم به رغم ما يتمتع به من سعة الاطلاع وقوة اللغة ووضوح المعنى وجمال البلاغة، وقد التحق بجماعة أنصار السنة المحمدية بتزكية خاصة من السيدة نعمت صدقي صاحبة كتاب "التبرج" حيث شارك بعضها في أعمال الجماعة المختلفة إلى أن أصبح وكيلًا أولًا للجماعة.
وزادت مكانته الخاصة عند الشيخ محمد حامد الفقهي، وقد عرفه قراء مجلة الهدي النبوي التي كانت تصدرها الجماعة بقدرته الفائقة على الإقناع وإفحام خصومه من أصحاب الطرق وأهل الأهواء والفرق من قاديانية وبهائية وغيرهم
من خلال سلسلة الأبحاث التي كان يحررها تحت عنوان الطواغيت؛ ولذلك لقبه قراء المجلة بهادم الطواغيت مما عرضه ذلك للتحقيق أمام النيابة العامة بسبب شكاوى مشايخ الطرق الصوفية ضده، وقد رد على كل ذلك في كتابه "رسالة إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية" وقد صدر فيما بعد ذلك بعنوان "هذه هي الصوفية".
وقد انتدب الشيخ للعمل بالمعهد العلمي بالرياض، وبعد أن ترك الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تبارك وتعالى الجماعة لسفره إلى المملكة العربية السعودية، انتخب الشيخ عبد الرحمن الوكيل رئيسًا عامًّا للجماعة رحمه الله تبارك وتعالى وانتخب فضيلة الإمام محمد خليل حراس نائبًا له.
أيضًا من أبرز الشخصيات في الجماعة الشيخ محمد عبد المجيد الشافعي رحمه الله تبارك وتعالى المعروف برشاد الشافعي، ويعد الشيخ رشاد من المؤسسين للجماعة؛ حيث هو المؤسس الثاني للجماعة بعد أن أدمجت مع الجمعية الشرعية في فترة من الفترات فأعادها الشيخ رشاد الشافعي رحمه الله تبارك وتعالى وبالتالي يعد هو المؤسس الثاني للجماعة رحمه الله تبارك وتعالى وهو الذي أعاد إصدار أو أنشأ مجلة التوحيد رحمه الله تبارك وتعالى.
كذلك أيضًا من الشخصيات البارزة في الجماعة: فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم الذي تولى رئاسة الجماعة في حياة الشيخ رشاد الشافعي، وكذلك أيضًا الشيخ محمد صفوت نور الدين -رحمه الله تعالى- الذي انتخب رئيسًا للجماعة خلفًا للشيخ محمد علي عبد الرحيم بعد وفاته، وكان من العلماء المهتمين بالسنة النبوية وعلومها، وقد تميزت فترة رئاسته بالاهتمام بإنشاء المعاهد العلمية لتخريج الدعاة وتقديم الكفالات لطلاب العلم، كما توسعت الجماعة في إنشاء المساجد وتسيير القوافل الدعوية وإنشاء مراكز تحفيظ للقرآن الكريم وإقامة للأسابيع