المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام - أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع

- ‌الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ

- ‌أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ

- ‌خَصَائِصُ النِّظامِ السياسيِّ في الإسْلامِ

- ‌نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ

- ‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

- ‌وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ

- ‌الدرس: 2 أثر الإسلام على الاقتصاد وكون الإسلام عقيدة وشريعة

- ‌تعريف الاقتصاد وأساسه

- ‌خصائص النظام الاقتصادي

- ‌دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي

- ‌تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها

- ‌معنى الشريعة والأسس التي بنيت عليها

- ‌التشريع حق لله وحده دون سواه

- ‌الدرس: 3 إلمامة بأركان الإيمان

- ‌مذهب السلف في الإيمان مع ذكر أركانه

- ‌الركن الأول من أركان الإيمان؛ الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

- ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس من أركان الإيمان؛ الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 إلمامة تحليلية بأركان الإسلام

- ‌تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به

- ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شهادة أن محمدًا رسول الله

- ‌الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة

- ‌الركن الثالث من أركان الإسلام؛ الزكاة

- ‌الركن الرابع من أركان الإسلام؛ الصيام

- ‌الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج

- ‌أثر الإيمان والعقيدة في تكوين الفرد والمجتمع

- ‌الدرس: 5 الإعجاز في القرآن الكريم طريق من طرق أصول الدعوة

- ‌المعجزة في زمانها ومكانها

- ‌المعجزة الخالدة القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 موقف الإسلام من العلم الكوني، والدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌العلاقة بين الإسلام والعلم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌الدرس: 7 المسجد والمدرسة ودورهما في الدعوة

- ‌المسجد، ورسالته بين المسلمين

- ‌دور المسجد في المجتمع المسلم

- ‌بعض وظائف المسجد

- ‌دعوة الطلاب إلى الله في المدارس والجامعات:

- ‌الدعوة إلى الله بين المدرسين، وأساتذة الجامعات

- ‌دور المدرسة في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌الدرس: 8 أهم ميادين الدعوة والإعلام الإسلامي

- ‌مقدمات في الإعلام

- ‌الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصصة

- ‌الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب

- ‌الدعوة إلى الله في التجمعات الإسلامية والمناسبات المختلفة

- ‌الدرس: 9 الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌تعريف الجهاد وذكر أنواعه

- ‌مشروعية الجهاد وسببه ومراحله وفضله

- ‌فضل الجهاد، وثمراته

- ‌مسائل هامة تتعلق بالجهاد في سبيل الله

- ‌الدرس: 10 بعض مواقف الخلفاء الراشدين والصحابة وأثرها في الدعوة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه

- ‌حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌الدرس: 11 دراسة بعض الدعوات ومناهجها في الدعوة

- ‌ جماعة أهل الحديث بالهند

- ‌جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌تابع الحديث عن جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان والبلاد الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 12 تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها

- ‌حركة " الإخوان المسلمون

- ‌الحزب الإسلامي الكردستاني

- ‌الدرس: 13 ترجمتا الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام أحمد بن حنبل

- ‌سِيرَةُ الإمام عمر بن عبد العزيز الذاتية

- ‌في سيرة عمر بن عبد العزيز العلمية، وولايته

- ‌سيرة الإمام أحمد الذاتية

- ‌عقيدة الإمام أحمد ومحنته

- ‌الدرس: 14 ترجمتا شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سيرته

- ‌منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌تابع منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌ترجمة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سِيرُتُه الذَّاتِيَّةِ

- ‌مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ

الفصل: ‌خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام

وأيضًا فإن الجنس والقبيلة والسلالة لا يصلح واحد منها أن يكون أساسًا للمجتمع البشري؛ لأنه بطبيعته ضيق لا يمكنه أن يسعَ الناس جميعًا، فليس بمقدور أحد أن يكون من هذا الشَّعب أو القبيلة أو الجنس بعد أن خلقه الله من غيرها، وإنما الممكن المقدور للإنسان أن يعتنق العقيدة الإسلامية، فيكون من أعضاء المجتمع الإسلامي، ومن يرفض اعتناق هذه العقيدة فإن الإسلام والعقيدة الإسلامية والمجتمع الإسلامي لا يرفض قَبوله فيه إذا رغب هو في الانتماء إليه؛ بشرط إعلان ولائه له، وخضوعه لنظامه عن طريق عقد الذمة، وفي هذه الحالة سيجد غيرُ المسلم مكانًا أمينًا في هذا المجتمع الفكري، ويتمتع بحقوق العامة والخاصة، وبحماية تامة لنفسه وماله وعرضه.

وعلى هذا، فقول البعض: إن إقامة المجتمع على أساس العقيدة الإسلامية بغير اضطهاد غير المسلمين، وإكراههم على تبديل دينهم قولُ باطل هو من قبيل التشويش والتضليل والجهالة؛ لأن الإسلام يقرر:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} (البقرة: من الآية: 256) والفقهاء يقررون قاعدةَ: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا".

‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

أنتقلُ بعد ذلك إلى العنصر الثاني من عناصر هذه المحاضرة، وهو بعنوان: خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام، ويشتمل هذا العنصر على النقاط التالية:

أ- المعالم البارزة لخصائص النظام الاجتماعي:

بعد أن بينت أساس النظام الاجتماعي في الإسلام، وما يترتب على هذا الأساس، أود أن أبين هنا خصائص هذا النظام، أو معالمه البارزة، وهذا أمر مهم للغاية، والواقع أن خصائصه مشتقة من أساسه، أو قائمة عليه، وهي كثيرة، أهمها:

مراعاة الأخلاق، والالتزام بمعاني العدالة، والعناية بالأُسرة، وتحديد مركز المرأة في المجتمع، وتحميل الفرد مسئولية إصلاح المجتمع.

ص: 27

وسأتكلم -إن شاء الله تعالى- عن هذه الخصائص أو المعالِمِ بشيءٍ من الإيجاز:

أولًا: مراعاة الأخلاق؛ تعلمون جميعًا أن للأخلاق منزلةً رفيعةً في الإسلام، ولها آثار ظاهرة في مختلف أنظمتِه، ومنها النظام الاجتماعي، فهذا النظام يمتاز بحرصِه الشديد على طَهارة المجتمع ونظافته من القبائح والرذائل، فالزنا محرم وعقوبته الجَلد والتغريب، أو الرجم على ما هو معلوم في حالاته.

والقذف -وهو رمي الغير بالزنا- محرم، وعقوبته الجلد؛ لئلا تعتاد الألسنة على هذا القول البذيء فَتَأْلَفُهُ، وفي هذا تلويثٌ للمجتمع، وتسهيل لوقوع الفاحشة؛ ولهذا كان عقابه غليظًا، ولكنه عادل، ويتفق ورعاية الأخلاق الفاضلة، وبَذاءة اللسان مثل السّباب والشتم محظورةٌ في الإسلام، وعقوبته التعزير.

والقمار بأنواعه محرم في شرع الإسلام، ولا يقره المجتمع الإسلامي، وشهادة الزور من الكبائر، والتجسس، والغَيبة، والنميمة، وكل ما يُوقع العداوةَ والبغضاءَ بين أفراد المجتمع منكراتٌ لا يقبلها النظام الاجتماعي في الإسلام.

والمعاملات يجب أن تقوم على الطُّهر، وحسن النية، والأمانة، فلا يجوز الخداع، والتضليل، والغش، والكذب في أيةِ معاملةٍ بين الناس، والمنكرات لا يجوز إقرارها في المجتمع أبدًا؛ لأنها كالجراثيم، إن بقيت انتشرت وصارت كالوباء؛ ولهذا يشدد الإسلام النَّكيرَ على مَن يظهر هذه المنكرات، أو يتكلم بها إذا جرَّه الشيطان إليها، ويجعل إعلانها والتحدث بها جريمة ثانية.

فقد جاء في الحديث: ((أيها الناس، من ارتكب شيئًا من هذه القاذورات فاستتر فهو في سِتر الله، ومن أبدى صفحتَه أقمنَا عليه الحد)).

وفي النظام الاجتماعي الإسلامي جملةٌ من الوسائل الوِقائية التي تقي المجتمع من الأسواء والمنكرات، وتسدُّ المنافذَ والثغراتِ في وجه الشيطان، وهذه الوسائل لازمة، ولا يجوز تجاوزُها، فلا يجوز للمرأة -مثلًا- أن تخلوَ برجل غير زوجها أو من محارمها، وإذا خرجتْ من بيتها فيجب أن يكون لباسُها شرعيًّا.

ص: 28

ومن مظاهر مراعاة الأخلاق في النظام الاجتماعي الإسلامي التوادد والتراحم والتعاطف بين أفراده، فإن الإسلام دعا إليها، وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حالَ المؤمنين في التراحم بمثَلٍ عظيم، فقد جاء في الحديث:((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتعاطفِهِم وتراحمِهِم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى)) وفي الحديث الآخر: ((الراحمون يرحمُهم الله تعالى، ارحموا مَن في الأرض يَرْحَمْكُم مَن في السماء)).

وفراغ القلب من معاني الرحمة علامةٌ على شِقوة الإنسان، جاء في الحديث:((لا تُنزع الرحمةُ إلا من شقي)).

والشفقة على الصغار والأولاد من علامات عمارة القلب والرحمة؛ جاء عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: ((قَبَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحسنَ بنَ عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- وعنده الأقرعُ بن حابس، فقال الأقرعُ: إن ليَ عشرةً من الوَلَد، ما قبَّلت منهم واحدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَن لا يَرحم لا يُرحم)).

وفي القرآن الكريم في وصف صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: من الآية: 29).

فالتراحمُ بين المؤمنين من الصفات الأصلية فيهم، وتجعل المجتمع الإسلامي كالأُسرة الواحدة، والحق أنَّ مجتمعًا يصل فيه التراحمُ إلى هذا الحد لمجتمعٌ سعيدٌ حقًّا، ومع الرحمة تعاون نظيف على الخير، وأيد كريمة تمتد إلى كل ما هو محتاج؛ لأن الإسلام دعا إلى التعاون، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: من الآية: 2).

وهذا التعاونُ المطلوبُ يشمل الأسرةَ، والجيرانَ، والأصحابَ، والرفيقَ في السفر، والمنقطعَ، والغريبَ، واليتيمَ، والمسكينَ، وكلَّ ذي حاجة في المجتمع الإسلامي، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

ص: 29

وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (النساء: من الآية: 36).

وفي السنة النبوية جملةٌ من الأحاديث في باب التعاون؛ منها: ((مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربة فرج الله عنه كربةً من كرب يومِ القيامةِ)) وفي الوصية بالجار ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه)).

والتعاون المطلوب لا يقف عند حد إعانة المحتاجين فقط، وإنما يتجاوزه إلى آفاق واسعة ومجالات مختلفة؛ لأن دائرتَه أعمالُ الخير وهي واسعة جدًّا، فالتعاون على تشييد مسجد، أو فتح مدرسة، أو إنشاء مستشفى، أو بناء قَنطرة، أو طَبْعِ كتابٍ نافعٍ يخدم الإسلام، والتعاون على إزالة منكر، أو فساد، أو ظلم، أو صد عدوان، ونحو ذلك، كلُّه من التعاون المطلوب؛ لأنه تعاونٌ على البر، وتعاون على إزالة الفساد والمنكرات، وبالتالي، إقامة الأخلاق ومراعاتها.

أيضًا من خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام أو معالمه البارزة: الالتزام بمعاني العدالة:

والالتزام بمعاني العدالة من أنواع الأخلاق الفاضلة؛ بل في ذِروتها، وإنما أفردْتُها هنا بالذكر؛ لأهميتها، ولتشعبها، وتعددِ مظاهرها، وبروزها في النظام الاجتماعي الإسلامي.

ومما يدل على أهمية العدل في الإسلام ورود الآيات الكثيرة فيه بالدعوة إليه بصورة عامة أو خاصة؛ فمن الآيات التي تأمر بالعدل بصورة عامة قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90).

ومن الآيات التي أمرت بالعدل في مسائل معينة:

ص: 30

العدل في القول، وذلك كما جاء في قوله:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (الأنعام: من الآية: 152).

والعدل في الكتابة كما جاء في قوله: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} (البقرة: من الآية: 282).

والعدل في الحكم: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: من الآية: 58).

ومن هنا كان الحسابُ يوم القيامة -أيضًا- بالعدل؛ لأن اللهَ هو الحَكَمُ العَدْلُ، فلا تُظلم نفس شيئًا، قال تعالى:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (يونس: من الآية: 54) وقال سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الأنبياء: من الآية: 47).

وإذا نظرنا إلى هذه الآيات الناهية عن الظلم، تبين لنا أهمية العدل في الإسلام، حتى يمكن أن يُقال دون مبالغة: بأن الإسلام هو دين العدالة في كل شيء.

إن تأكيد الإسلام على معاني العدل، وضرورة الالتزام به والنهي عن الظلم وضرورة تجنبه تترتب عليه نتائج خطيرة، ذلك أن المجتمع الذي يشيع فيه العدل يحس أفراده بالاطمئنان على حقوقهم؛ لأن القانون يكون مع المحق وإن كان ضعيفًا، لا مع المبطل وإن كان قويًّا، وبعكس ذلك، إذا شاع الظلم ونَدُرَ العدل أحس الأفراد بالقلق الدائم على حقوقهم، وزال عنهم الاطمئنان والاستقرار، وكان ذلك إيذانًا بدمار هذا المجتمع.

وقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أثر التفريط بالعدل، وكيف يؤدي بالأمة إلى الهلاك، وقد جاء في الحديث:((إنما أُهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سَرَقَ الشريف تركوه، وإذا سرق الضيعف أقاموا عليه الحدَّ، وأيم الله، لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقت لقطعت يدَها)).

ص: 31

وتعليل هلاك الأمم بسبب الظلم أن الظلم كالنار يحس بوطأتها المظلومون، فإذا شاع الظلم وغارت معاني العدل كثر المظلومون الذين لا يرَون في هذا المجتمع حمايةً لهم ولا حفظًا لحقوقهم، وإنما يرون فيه هضمَ حقوقِهم، وهذا يجرهم إلى عدم الاهتمام به، وببقائه وهذا في الحقيقة يؤدي إلى دمار المجتمع وهلاكه، فالعدل والالتزام به يحمي المجتمع وهو دَعامة من الدعامات القوية التي يقوم عليها بناؤه.

أيضًا من المعالم البارزة للنظام الاجتماعي في الإسلام: العناية بالأسرة:

الأسرة هي أساس كيان المجتمع؛ لأن من مجموعها يتكون المجتمع، فهي بالنسبة له كالخلية لبدن الإنسان، ويترتب على ذلك أن الأسرة إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع؛ ولهذا اعتنى النظام الاجتماعي الإسلامي بالأسرة عناية كبيرة، تظهر في الأحكام الكثيرة بشأنها، وأكثر هذه الأحكام وردت بها آيات في القرآن الكريم، يتعبد المسلمون بتلاوتها في صلاتهم وفي خارج صلاتهم؛ فضلًا عن الأحاديث النبوية الكريمة الواردة في موضوع الأسرة.

وليس من شأني هنا أن أفصل القول في أحكام الأسرة، فهذا أمر يطول، ولا تتسع له دراستنا، ولا هو مطلوبنا هنا، وإنما يكفينا أن نشير إلى معالم التنظيم الإسلامي في موضوع الأسرة، وأنا أتكلم عن النظام الاجتماعي في الإسلام وهو من صميم النظام الإسلامي، وما أود أن أشير إليه هنا الزواج وإجراءاته، وحقوق الزوجة، وحقوق الزوج، وحقوق الأبوين والأولاد، كل هذه أنظمة جاء بها الإسلام، هي من أبرز معالم النظام الاجتماعي فيه.

أيضًا تحديد مركز المرأة في المجتمع مَيزة رابعة، وخاصية من خصائص النظام الاجتماعي الإسلامي:

فالمرأة في المجتمع حدد الإسلام لها وضعًا بتحديدٍ دقيقٍ ومفصلٍ وصريحٍ، حتى لا تدخل الأهواء في هذه المسألة الخطيرة جدًّا، وحتى تتحقق للمجتمع طهارته ونظافته، وعفته، واستقامته، وتنشأ فيه الأجيال القوية الأمينة، فيبقى المجتمع على صلاحه واستقامته، ويسعد أفراده، وقد تناول

ص: 32

القرآن الكريم بآيات كثيرة شئون المرأة وتحديد مركزها الاجتماعي، وما لها وما عليها، وكذلك فعلت السنة النبوية، ولا شك أن معالجة موضوع المرأة في القرآن بآيات كثيرة وفي السنة بأحاديث كثيرة يدل دلالة قاطعة على أهمية هذا الموضوع.

والواقع أن حالة المرأة في المجتمع ومدى ما لها وما عليها من الحقوق والواجبات، ونوع الضوابط التي تحكم سلوكها، كل ذلك كان ولا يزال من أعظم المؤثرات في سَير المجتمع، وفي مدى صلاحه وفساده؛ ولهذا كله فقد أولى الإسلام مسألةَ المرأة كل ما تستحق من عناية وتوضيح، حتى تستبين الأمور، ويعرف الناس المسلكَ السديدَ في معالجة هذه المسألة على الوجه الصحيح.

وأنا هنا لا أريد الإحاطة بكل جزئيات الموضوع، وإنما أود أن أذكر نقاطًا بارزةً فيه، على وجه يعطي فكرة جيدة عن مركز المرأة في المجتمع في نظر الإسلام؛ ومن ذلك:

أن المرأة تتمتع بحق الحياة؛ لأنها نفس معصومة كالرجل، ولهذا حرم الإسلام وأدَ البنات، وأوجب القصاص في قتلها عمدًا كما هو الحكم بالنسبة للرجل، والقرآن الكريم لَامَ وشنَّعَ على العرب كثيرًا، وبيَّن سوء منهجهم البشع عندما كانوا يقتلون البنت وهي حية، وهذا يبين شيئًا من مكانة المرأة في الإسلام.

وأيضًا المرأة أهل للتكريم؛ لأنها إنسان، والله تعالى يقول:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: من الآية: 70).

وأيضًا للمرأة حق اكتساب الأموال بالطرق المشروعة؛ لأن لها ذمة صالحة لاكتساب الحقوق المالية وغير المالية، فهي فيه كالرجل، ومن أسباب اكتساب الأموال الميراث، وقد أثبته الشرع الإسلامي للمرأة بعد أن حَرَمَها منه الجاهليون، قال الله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (النساء: 7) وللمرأة إذن

ص: 33

حق التصرف في أموالها كما تشاء، دون حاجة إلى إذن أحد ما دامتْ عاقلةً رشيدةً.

والمرأة أيضًا لها حق المهر في عقد النكاح؛ قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النساء: من الآية: 4) قال: {وَآتُوا النِّسَاءَ} فإذن هذا حق من حقوقها، وحق النفقة على الزوج، قال تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: من الآية: 233) وحق النفقة على أولادها باعتبارها أمًّا.

وللمرأة أيضًا حق تعلم العلوم النافعة لها بالكيفية المناسبة لطبيعتها، وبشرط الالتزام التام بالآداب الإسلامية اللازمة لها، وأعظم ما ينفعها في ذلك أن تتعلم شريعةَ الإسلام، وما فيها من حلال وحرام، وأن تتعلم كيف تربي أبناءَها، وما إلى ذلك؛ وأما العلوم الدُّنيوية المباحة فإذا شاءت المرأة أن تتعلمَ منها شيئًا فلا بأسَ، ولكن بالشرط الذي أشرت إليه سابقًا وهو الالتزام بالآداب وبالكيفية المناسبة لها، والمحافظة على عفتها وكرامتها.

كما ينبغي عليها في هذا الصدد أن تتعلم ما يلائم طبيعتها، ويقوي اختصاصها الفطري في تربية الأولاد، ورعاية البيت، فتتعلم فنون الخياطة، والطبخ، وأصول تربية الأولاد، ونحو ذلك.

وأيضًا من خصائص النظام الإسلامي: تحميل الفرد مسئولية إصلاح المجتمع:

من خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام تحميل الفرد مسئولية إصلاح المجتمع؛ بمعنى: أن كل فرد فيه مطالب بالعمل على إصلاح المجتمع، وإزالة الفساد منه على قدر طاقته ووسعه، والتعاون مع غيره لتحقيق هذا المطلوب، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: من الآية: 2).

ومن أعظم التعاونِ التعاونُ على إصلاح المجتمع، وإذا كان الفرد مَطَالَبًا بإصلاح المجتمع، فمن البَديهي أنه مطالب بعدم إفساده، وعلى هذا لا يجوز إعطاء الرِّشوة

ص: 34

كما لا يجوز أخذها، ولا يجوز إعطاء الربا كما لا يجوز أخذه، جاء في الحديث:((لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه)) وفي حديث آخر: ((الراشي والمرتشي والرائش بينهما)).

هذه هي أبرز المعالم الواضحة لخصائص النظام الاجتماعي في الإسلام.

ب- أنتقل بعد ذلك إلى نقطة أخرى في هذا اللقاء، وهي بعنوان: ضرورة قيام المجتمع الصالح:

وأنا أتحدث عن النظام الاجتماعي في الإسلام أدعو هنا إلى ضرورة قيام المجتمع الصالح؛ لأن المطلوب من المسلم تحقيق الغرض الذي خُلق من أجله، وهو عبادة الله وحدَه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: من الآية: 56) والعبادة: اسم جامع لِمَا يحبه الله تعالى من الأقوال، والأفعال، والأحوال الظاهرة والباطنة، وهذا المعنى الواسع للعبادة يقتضي أن يجعلَ المسلم أقوالَه وأفعالَه وتصرفاته وعلاقاته مع الناس على وِفق ما جاءت به الشريعة.

والمسلمُ لا يستطيع أن يصوغ حياتَه هذا الصياغة الإسلامية، إلا إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه منظمًا على نحو يَسهُل عليه هذه الصياغة، أي: أن يكون مجتمعًا إسلاميًّا صحيحًا، فإن لم يكن كذلك بأن كان مجتمعًا جاهليًّا صِرفًا، أو مجتمعًا مشوبًا بمعاني الجاهلية، فإن المسلم لا يستطيع فيه أن يحيا الحياة الإسلامية المطلوبة، أو يتعذر عليه ذلك.

ولهذا يأمر الإسلام بالتحول من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي، ما دام عاجزًا عن إزالة جاهليته، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 97).

ص: 35

ولهذا يجب على كل مسلم أن يتعهد المجتمعَ الذي يعيش فيه، وأن يزيل المنكرات حالَ ظهورها أو وقوعها، وألا يستهينَ بذلك؛ لأن المنكرات كالجراثيم التي تُؤثر في الجسد قطعًا، وإذا لم تمرض البعض فإنها تضعف مقاومته، فيسهل عليها فيما بعد التغلب عليه.

ولهذا كانت أولى مهمات الدولة الإسلامية إقامة هذا المجتمع الإسلامي الفاضل، وإزالة المنكرات منه، قال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (الحج: 41).

وقيام الأفراد بإصلاح المجتمع ينجيهم، وينجي المجتمعَ من الهلاك الجماعي، أو العقاب الجماعي، أو الضيق، والضنك، والقلق، والشر الذي يصيب المجتمع، وتوضيح هذه الجملة يحتاج إلى شيء من التفصيل؛ لأهمية الموضوع وخطورته، فأقول:

من سنة الله تعالى: أن المجتمع الذي يشيع فيه المنكرُ، وتُنتهك فيه حرماتُ الله، وينتشر فيه الفسادُ، ويسكت الأفراد عن الإنكار والتغيير، فإن الله تعالى يَعمُّهم بمِحنٍ غِلاظٍ قاسيةٍ تعم الجميعَ، وتصيب الصالح والطالح، وهذه في الحقيقة سنة مخيفة، وقانون رهيب، يدفع كل فرد لا سيما مَن كان عنده علم وفقه أو سلطان إلى المسارعة والمبادرة فورًا لتغيير المنكر؛ دفعًا للعذاب والعقاب عن نفسه، وعن مجتمعه.

والدليل على ما نقول من القرآن والسنة: قول الله تعالى في كتابه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25) قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في هذه الآية: "أمَرَ الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم العذاب" فمقصود الآية إذن: واتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح.

ص: 36

وقد جاءت السنة النبوية بما جاء به القرآن؛ ففي (صحيح الإمام البخاري) رحمه الله تبارك وتعالى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((مثلُ القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلَها، وكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مروا على مَن فوقَهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقَنا، فإن تركوهم وما أرادوا هَلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجوا جميعًا)).

في هذا الحديث دليلٌ على تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه استحقاق العقوبة للجماعة كلها عند ظهور المعاصي، وانتشار المنكر، وعدم التغيير، وأنه إذا لم تُغير المنكرات وترجع الأمور إلى حكم الشرع وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران ذلك البلد، ويمكن القول أيضًا: أن في هذا الحديث الشريف دلالة أخرى، وهي: أن الانحراف عن المنهج الصحيح والمسلك السديد يؤدي إلى الهلاك والضرر، ولا ينفع في دفعهما عن الجماعة كون المنحرفين حسنِ النية والقصد؛ لأن الذين أرادوا خرقَ السفينة، إنما أرادوا بخرقها عدم إيذاء مَن فوقهم، فنيتهم حسنة، ولكن لم تغنِ عنهم حسن نيتهم ومقصدهم؛ لأن فعلَهم خروجٌ على النهج السديد في معالجة ما يَهم الجميع.

وجاء عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال: ((يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: من الآية: 105) وإني سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الناس إذا رأَوا الظالمَ، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه)).

فهذا يدل على أن وقوع الفساد في المجتمع والسكوت عليه وعدم تغييره سببٌ للعقاب الجماعي.

ولذلك أدعو -وأنا أتحدث في هذا المكان- إلى أهمية وضرورة قيام المجتمع الصالح؛ لأن قيام المجتمع الصالح الذي يتعاون فيه الأفراد على البر والمعروف والتقوى ينجيهم جميعًا من الفوضى، ومن عذاب الاستئصال

ص: 37