الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يحتاج إليه الناس خاصة يحتاج الدعاة إليه في هذا الزمان، حتى يتمكنوا من الوصول إلى قلوب الناس، وقد ذكرت فيما مضى أن عمر -رضي الله تعالى عنه- شهد المشاهد والغزوات مع رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- شهد الغزوات والمشاهد فشهد بدرًا وغيرَها وما إلى ذلك، ومع هذا، كان له في الجهاد في سبيل الله وفي الفتوحات الإسلامية الشيءُ الكثير والعظيم، فقد فتح الله عز وجل على يديه كثير من البلاد، سواء كان ذلك في بلاد خراسان أو في بلاد الشام. وكل ذلك كان وراءه رجل شهم قوي مجاهد في سبيل الله تعالى، ألا وهو عمر بن الخطاب تنقل -رضي الله تعالى عنه.
وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تبارك وتعالى في سياق حديثه عن فتح بيت المقدس، يقول ابن كثير رحمه الله: لما فرغ أبو عبيدة -رضي الله تعالى عنه- من دمشق كتب إلى أهل إيليا يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، أو يبذلون الجزية، أو يؤذنوا بحرب فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في جنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد، ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم، حتى أجابوا إلى الصلح بشرط -تأملوا هذا الشرط- أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فكتب إليه أبو عبيدة بذلك، فاستشار عمر الناس في ذلك، فأشار عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- بأن لا يركب إليهم ليكون أحقر لهم وأرغم لأنوفهم، ولكن عمر ذهب رضي الله عنه إلى هناك وصالح نصارى بيت المقدس وافتتحه وصلى فيه، وكان ذلك نصرًا للإسلام وعزًّا للمسلمين، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح على المسلمين بيت المقدس اليوم وأن يرزقنا رجالًا يجاهدون في سبيل الله تبارك وتعالى والأمة بفضل الله عز وجل فيها من الخير ما فيها، ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
عثمان بن عفان رضي الله عنه
-.
عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- ويشتمل على النقاط التالية:
أ- التعريف به وذكر بعض مناقبه:
عثمان بن عفان رضي الله عنه هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية من قريش، أمير المؤمنين ذو النورين رضي الله عنه نعم، إنه ذو النورين عثمان بن عفان، ذلكم الرجل الذي إذا جاءت سيرته وجدنا
بين سطورها ريح الحياء والتواضع والجود والكرم والخشية، ولد بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح، وكان ربعة حسن الوجه، رقيقة البشرة، عظيم اللحية، بعيد ما بين المنكبين، كان رضي الله عنه في أيام الجاهلية من أفضل الناس في قومه، فهو عريض الجاه، ثريًّا متواضعًا، شديد الحياء، عذب الكلمات، ولذلك كان قومه يحبونه أشد الحب ويوقرونه -رضي الله تعالى عنه- لم يسجد في الجاهلية لصنم قط، ولم يقترف فاحشة قط، ولم يظلم إنسانًا قط -رضي الله تعالى عنه- وكان كغيره من أهل المروءة في أشد الشوق ليد حانية تأخذ بنواصي العباد من تلك الجاهلية التي عمت البلاد إلى شواطئ النجاة، وما هي إلا فترة يسيرة حتى بعث الحبيب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عثمان رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام الذين أسلموا قبل دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم.
أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان: مواقف من حياته وجهاده في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى:
أقول: على الرغم من مكانته بين قومه ومحبتهم له، إلا أنه ما إن أعلن إسلامه رضي الله عنه واستعلى بإيمانه حتى سلطوا عليه الأذى، فلما يئسوا من عودته إلى الشرك وارتداده عن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أطلقوا سراحه، فهاجر إلى الحبشة ومعه زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله تعالى عنها- وهناك اشتد الحنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعاد عثمان وزوجه رضي الله عنهما مرة أخرى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن أذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالهجرة إلى المدينة النبوية، فكان عثمان وزوجه مع المهاجرين، وبذلك يكون رضي الله عنه قد هاجر الهجرتين وهذه منقبة عظيمة وأمارة رائعة واضحة على جهاده في سبيل الله تبارك وتعالى ومع هذا فقد شهد عثمان رضي الله عنه المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عدا غزوة بدر، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج إلى بدر خلفه على ابنته رقية يمرضها، فقد كانت مريضة ولم يكن معها أحد، ولما عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
الغزوة علم أن ابنته رقية قد لحقت بجوار ربها، فحزن صلى الله عليه وآله وسلم حزنًا شديدًا وواسى عثمان رضي الله عنه فضرب له بسهمه وأجره فكان كمن شهد بدرًا، ثم زوجه من ابنته الثانية أم كلثوم، وقال:((لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان)) وسمي ذي النورين لجمعه بين بنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذه أيضًا منقبة أخرى جليلة لأمير المؤمنين عثمان -رضي الله تعالى عنه- ولذلك أبادر وأسارع وأوجه خطابي إلى الرافضة فأقول: ماذا تنقمون على هذا الإمام، أمير المؤمنين الورع الزاهد التقي النقي -رضي الله تعالى عنه- الذي تزوج ببنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل بعد ذلك من فضل يمكن أن نتحدث عنه لمثل هذا الرجل -رضي الله تعالى عنه.
ومن جهاده أنه لما جاءت غزوة تبوك رضي الله عنه والناس في عسرة شديدة، حيث قد طابت الثمار وأحب الناس الظلال، عندئذ حض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين على الجهاد ورغبهم فيه، وأمرهم بالصدقة، فحملوا صدقات كثيرة، وكان أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- أول من حمل بماله كله أربعة آلاف درهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:((هل أبقيت لأهلك شيئًا)) فقال: الله ورسوله، ثم جاء عمر بنصف ماله، وحمل العباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مالًا، وحمل عبد الرحمن بن عوف إليه مائتي أوقية، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه إليه مالًا، وكذلك محمد بن مسلمة رضي الله عنه وتصدق عاصم بن عدي رضي الله عنه بتسعين وسقًا من التمر، والنساء يعن بكل ما قدرن عليه. قالت أم سنان الأسدية رضي الله عنها: لقد رأيت ثوبًا مبسوطًا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها فيه مَسَكٌ، مسك: يعني أساور وخلاخيل، من القرون والعاج، ومعاضد وخلاخل: وهي الحلية التي تلبسها المرأة في الرجل- وأقرطة -وهو ما يعلق في شحمة الأذن- وخواتيم، وقد مُلِئَ مما بعث به النساء يُعِنَّ به المسلمين في جهازهم، وأنا أذكر ذلك لأبين لأبنائي الطلاب أن هؤلاء جميعًا كانوا يجاهدون في سبيل الله تبارك وتعالى لإعلاء دين الله عز وجل-
ولدعوة الناس إلى الله، كل هؤلاء لما دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه الغزوة وحض وحث المسلمين على التبرع لها، والإنفاق في سبيل الله عز وجل فعل هؤلاء ما فعلوا، أما والحديث عن عثمان رضي الله عنه فأذكر هنا ما قاله عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن عثمان بن عفان جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقلبها في حجره ويقول:((ما ضر عثمان ما فعل -أو ما عمل- بعد اليوم، ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم))، إنها كلمات جميلة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبين مدى فرحة النبي عليه الصلاة والسلام بهؤلاء الرجال الأطهار الأبرار.
عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- عرف عنه أنه جهز جيش العسرة، وأنه أتى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بألف دينار في كمه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع على جبين الدهر كله هذه الكلمات الرائقة الرائعة:((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)) وكررها صلى الله عليه وآله وسلم مرتين؛ لأنه رضي الله عنه قام بتجهيز الجيش كله حتى لم يتركه بحاجة إلى خطام أو عقال. وفي ذلك يقول ابن شهاب الزهري -رضي الله تعالى عنه- قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيرًا وستين فرسًا أتم بها الألف.
ويقول حذيفة -رضي الله تعالى عنه-: ((جاء عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقلبها بيده ويقول: غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة)) وهذا أيضًا وفاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان ودعوة مباركة متقبلة لهذا الإمام، لهذا الخليفة الزاهد الورع -رضي الله تعالى عنه- الذي مات شهيدًا في سبيل الله حينما قتله الظلمة الخارجون على الإسلام وعلى المسلمين، قتلوا أمير المؤمنين الخليفة، الزاهد، الورع، التقي -رضي الله تعالى عنه- وهذا الخليفة هو الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة)).
ولما آلت الخلافة إليه -رضي الله تعالى عنه- وهذا موقف آخر يذكر لأمير المؤمنين عثمان -رضي الله تعالى عنه- ويتبين لنا من خلال الجهاد الضخم الذي قام به في سبيل تبارك وتعالى لما آلت الخلافة إلى عثمان -رضوان الله تعالى عليه- فتح الله على يديه أرمينية والقوقاز، تأملوا هذه البلاد كلها، نصر الله المسلمين وسودهم على خراسان وكرمان وسجستان وقبرص، وطرف غير قليل من إفريقيا، وكل ذلك كان في عهد أمير المؤمنين -رضي الله تعالى عنه-
ولقي الناس في عهده من الثراء ما لم يحظ به شعب على ظهر الأرض في مثل هذه الفترات. إنها بسبب الدعوة إلى الله عز وجل كل ذلك بسبب الجهاد والإخلاص، والرغبة في أن يذكر اسم الله تبارك وتعالى وحده على الأرض دون سواه، وأن يعبد الله تبارك وتعالى وحده دون سواه، وكل ذلك بسبب فضل الله عز وجل أولًا على هؤلاء الصحب الكرام، ثم بعنايتهم بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى والجهاد في سبيل الله عز وجل.
ومع ذلك أذكر كلمة ويؤسفني أن أقولها: إن الطغمة من المجرمين في الحقيقة قتلوا أمير المؤمنين رضي الله عنه مع حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم له وثناءه عليه وشهادته له بأنه في الجنة، قتلوا الشيخ الكبير وخرجوا عليه، الباطنية ومن تبعهم من الروافض، فعلوا هذه الفعلة، وكانت ثلمة حقيقة في الإسلام بدأت بعدها الفتن على المسلمين تدخل عليهم من جانب، وأمير المؤمنين رضي الله عنه كان ورعًا زاهدًا، سار كسيرة أبي بكر رضي الله عنه وعمر -رضي الله تعالى عنه- وكان محتسبًا صابرًا مجاهدًا في سبيل الله عز وجل ارتفعت في عهده الرايات الإسلامية على كثير من بلاد المسلمين، ولذلك لما جاء النفر من الخوارج ليقتلوه رضي الله تعالى عنه- سلم لهم، ودعا من حوله من القوم أن لا يدخلوا معهم في حرب أو قتال؛ لأنه لا يرغب في أن يراق دم واحد أمام هذه الطغمة الباغية، وقد علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بشره بالجنة على بلوى تصيبه -رضي الله تعالى عنه- وقد كان. قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- ومات شهيدًا بعد أن قدم للإسلام والمسلمين ما قدم، ورضي الله إذن عن جميع صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
والعبد يأسف غاية الأسف عندما نجد قومًا -إلى اليوم- يطعنون على أمير المؤمنين عثمان وعلى علي، ويطعنون على عمر وعلى أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- والكثير من الرافضة أو الرافضة اليوم لا يرفعون شأنًا إلا لأمير المؤمنين علي -رضي الله تعالى عنه- ومعه نفر قليل من الصحابة، ثم يسبون بقية أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نحبهم جميعًا ونثني عليهم جميعًا، ونشهد لمن شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة.
وأختم هذا اللقاء بذلك، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.