المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام - أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الدعوة وصلتها بالحياة وأثر الإسلام في الاجتماع

- ‌الأَحْوَالُ السياسيةُ قَبْلَ الإسْلامِ

- ‌أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ

- ‌خَصَائِصُ النِّظامِ السياسيِّ في الإسْلامِ

- ‌نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ

- ‌خَصائِصُ النِّظامِ الاجتماعيِّ في الإسلامِ

- ‌وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ

- ‌الدرس: 2 أثر الإسلام على الاقتصاد وكون الإسلام عقيدة وشريعة

- ‌تعريف الاقتصاد وأساسه

- ‌خصائص النظام الاقتصادي

- ‌دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي

- ‌تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها

- ‌معنى الشريعة والأسس التي بنيت عليها

- ‌التشريع حق لله وحده دون سواه

- ‌الدرس: 3 إلمامة بأركان الإيمان

- ‌مذهب السلف في الإيمان مع ذكر أركانه

- ‌الركن الأول من أركان الإيمان؛ الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني من أركان الإيمان؛ الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث من أركان الإيمان؛ الإيمان بالكتب

- ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

- ‌الركن الخامس من أركان الإيمان؛ الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس من أركان الإيمان؛ الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 إلمامة تحليلية بأركان الإسلام

- ‌تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به

- ‌الركن الأول من أركان الإسلام؛ شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شهادة أن محمدًا رسول الله

- ‌الركن الثاني من أركان الإسلام؛ الصلاة

- ‌الركن الثالث من أركان الإسلام؛ الزكاة

- ‌الركن الرابع من أركان الإسلام؛ الصيام

- ‌الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج

- ‌أثر الإيمان والعقيدة في تكوين الفرد والمجتمع

- ‌الدرس: 5 الإعجاز في القرآن الكريم طريق من طرق أصول الدعوة

- ‌المعجزة في زمانها ومكانها

- ‌المعجزة الخالدة القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 موقف الإسلام من العلم الكوني، والدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌العلاقة بين الإسلام والعلم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الدلالة على أن خالق الإنسان هو مكون الأكوان

- ‌الدرس: 7 المسجد والمدرسة ودورهما في الدعوة

- ‌المسجد، ورسالته بين المسلمين

- ‌دور المسجد في المجتمع المسلم

- ‌بعض وظائف المسجد

- ‌دعوة الطلاب إلى الله في المدارس والجامعات:

- ‌الدعوة إلى الله بين المدرسين، وأساتذة الجامعات

- ‌دور المدرسة في تحقيق أهداف التربية الإسلامية

- ‌الدرس: 8 أهم ميادين الدعوة والإعلام الإسلامي

- ‌مقدمات في الإعلام

- ‌الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصصة

- ‌الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب

- ‌الدعوة إلى الله في التجمعات الإسلامية والمناسبات المختلفة

- ‌الدرس: 9 الجهاد في سبيل الله تعالى

- ‌تعريف الجهاد وذكر أنواعه

- ‌مشروعية الجهاد وسببه ومراحله وفضله

- ‌فضل الجهاد، وثمراته

- ‌مسائل هامة تتعلق بالجهاد في سبيل الله

- ‌الدرس: 10 بعض مواقف الخلفاء الراشدين والصحابة وأثرها في الدعوة

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه

- ‌حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌الدرس: 11 دراسة بعض الدعوات ومناهجها في الدعوة

- ‌ جماعة أهل الحديث بالهند

- ‌جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌تابع الحديث عن جماعة أنصار السنة المحمدية

- ‌نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان والبلاد الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 12 تابع دراسة بعض الدعوات ومناهجها

- ‌حركة " الإخوان المسلمون

- ‌الحزب الإسلامي الكردستاني

- ‌الدرس: 13 ترجمتا الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام أحمد بن حنبل

- ‌سِيرَةُ الإمام عمر بن عبد العزيز الذاتية

- ‌في سيرة عمر بن عبد العزيز العلمية، وولايته

- ‌سيرة الإمام أحمد الذاتية

- ‌عقيدة الإمام أحمد ومحنته

- ‌الدرس: 14 ترجمتا شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سيرته

- ‌منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌تابع منهج ابن تيمية وعقيدته

- ‌ترجمة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌سِيرُتُه الذَّاتِيَّةِ

- ‌مُؤلفَاتُ الشيخِ، وعقيدتُه، وأثرُ دعوتِهِ في العَالَمِ الإسلَامِيِّ

الفصل: ‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

كله خير، ومن جاء إليه، وعمل به، واستفاد منه كان له من الخير بقدر ما استفاد من كتاب الله تبارك وتعالى.

‌الركن الرابع من أركان الإيمان؛ الإيمان بالرسل عليهم السلام

-

أنتقل بعد ذلك إلى العنصر الثاني في هذا اللقاء، وهو عن الركن الرابع من أركان الإيمان، وعنوانه: الإيمان بالرسل عليهم السلام ويشتمل هذا العنصر على النقاط التالية:

أ- تعريف النبي، والرسول، والفرق بينهم:

النبي في لغة العرب: مشتقٌ من النبأ، وهو الخبر، قال تعالى:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (النبأ: 1، 2) وإنما سُمي النبي نبيًّا؛ لأنه مخبِرٌ مخبَر، فهو مخبَرٌ أي: أن الله أخبره وأوحى إليه: {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} (التحريم: من الآية: 3) وهو مخبِرٌ عن الله تعالى أمره ووحيه، قال تعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الحجر: 49).

وأما عن تعريف الرسول، فأقول: الإرسال في اللغة التوجيه، فإذا بعثت شخصًا في مهمة فهو رسولك، قال تعالى حاكيًا قول ملكة سبأ:{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (النمل: 35).

وأود هنا بعد هذا التعريف للنبي والرسول أن أذكر الفرق بين النبي والرسول، فأقول: الشائع عند العلماء أن الرسول أعم من النبي، فالرسول هو من أوحي إليه بشرعٍ وأُمر بتبليغه، والنبيُّ من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ، وعلى ذلك فكل رسولٍ نبيٍّ وليس كل نبيٍّ رسولًا، هذا هو الشائع عند العلماء، والذي ذكروه هؤلاء بعيدٌ لأمور:

الأول: أن الله نص على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل، وذلك في قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} (الحج: من الآية: 52) فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فالإرسال يقتضي من النبي البلاغ أيضًا.

ص: 105

الثاني: أن ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى، والله عز وجل لا ينزّل وحيه ليُكتم ويُدفن في صدر واحدٍ من الناس، ثم يموت هذا العلم بموته.

الثالث: قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((عُرِضَتْ عليّ الأمم فرأيت النبيَّ ومعه الرهط، والنبيَّ معه الرجل والرجلان، والنبيَّ وليس معه أحد)) فدل هذا على أن الأنبياء مأمورون بالبلاغ، وأنهم يتفاوتون في مدى الاستجابة لهم.

ولهذا أقول بعد ما أشرت إليه من استدراكات على التعريف الشائع عند العلماء في الفرق بين النبي والرسول أقول: التعريف المختار هو: أن الرسول هو ما أوحي إليه بشرعٍ جديدٍ، والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله، وفي الحقيقة هذا التعريف ليست عليه هذه الاستدراكات السابقة، وهو راجحٌ -إن شاء الله تعالى- واختاره بعض أهل العلم، وهو ما أراه وأذهب إليه.

ب- أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان: وجوب الإيمان بالرسل عليهم السلام:

الإيمان بالرسل ضروريٌّ لا يتوقف على نظرٍ، ولا استدلال بالنسبة إلى المؤمنين بالله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي نبأهم وأرسلهم وأخبر عنهم، وأمر بالإيمان بهم وتصديقهم، والإيمان بالله تعالى مستلزمٌ بالإيمان بكل ما أمر الله الإيمان به، كالإيمان بالملائكة -كما سبق ذكره- وبالكتب، وبالرسل، والبعث، والجزاء، والقدر، والقضاء، وبكل غيبٍ أمر الله تعالى بالإيمان به، فيكفي المؤمن دليلًا أن يبلغه خبر الله تعالى وأمره بالإيمان بالرسل؛ فيؤمنُ ويُسَلّمُ مباشرةً.

وفي الأمر بالإيمان بالرسل قول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ} (النساء: من الآية: 136).

وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 285) فلهاتين الآيتين

ص: 106

وغيرهما يؤمن المؤمن برسل الله تعالى، ولا يُفرّق في الإيمان بهم بين رسول ورسول منهم كما فعل اليهود والنصارى؛ حيث أمن اليهود بأنبياء بني إسرائيل فقط، وكفروا بعيسى ابن مريم ومحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم والنصارى آمنوا بكافة الأنبياء، وكفروا بخاتمهم وإمامهم محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه.

وقد كفر الله تعالى وتوعد بالعذاب المهين ممّن يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض، وقد جاء هذا في سورة "النساء" في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (النساء: 150، 151).

هذا، ونظرًا لنسخ جميع شرائع الرسل عليهم السلام بشريعة خاتمهم محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لم يبق هناك ما يلزم المؤمن إيذاء أولئك الرسل بسوى الإيمان بهم، واعتقاد عصمتهم، وكمالهم، ووجوب تعظيمهم، واحترامهم، أما أن يتبع شيئًا ممّا جاءوا به في رسالتهم ممّا لم يأمر به الله، أو يأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يلزم المؤمن ذلك، ونحن اليوم نحذر من الرجوع إلى شيءٍ من التوراة أو الإنجيل، أو اتباع أي شريعة نبيٍّ أو رسولٍ سابق على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لأن هذه الشرائع قد نُسخت وغَيْرَهَا أيضًا أتباع هؤلاء الأنبياء وحرفوها وبدلوها، والله عز وجل أتم علينا نعمته ببعثة النبي الخاتم محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

جـ- ننتقل بعد ذلك إلى النقطة الثالثة من هذا العنصر، وهي بعنوان: وظائف الرسل عليهم السلام:

لقد بيّن الله لنا في القرآن الكريم كما بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في سُنته مهمة الرسل ووظائفهم، وسأحاول هنا أن أُبين شيئًا من ذلك فأقول: أول وظيفة عرفناها من القرآن والسُّنة

ص: 107

للأنبياء والمرسلين هي البلاغ المبين، فالرسل سفراء الله إلى عباده، وحملة وحيه، ومهمتهم الأولى هي إبلاغ هذه الأمانة التي تحملوها إلى عباد الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: من الآية: 67).

والبلاغ يحتاج إلى الشجاعة وعدم خشية الناس، وهو يبلغهم ما يخالف معتقداتهم، ويأمرهم بما يستنكرونه، وينهاهم عمّا ألفوه، قال تعالى:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَاّ اللَّهَ} (الأحزاب: من الآية: 39).

والبلاغ يكون بتلاوة النصوص التي أوحاها الله من غير نقصانٍ ولا زيادة مثل: {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ} (العنكبوت: من الآية: 45) وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} (البقرة: من الآية: 151).

فمهمة الرسل إذن الأولى هي: البلاغ الذي جاء من عند الله عز وجل ومن البلاغ أن يوضح الرسول الوحي الذي أنزل الله لعباده؛ لأنه أقدر من غيره على التعرف على معانيه ومراميه، وأعرف من غيره بمراد الله من وحيه، وفي ذلك يقول الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: من الآية: 44).

والبيان من الرسول للوحي الإلهي قد يكون بالقول، فقد بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمورًا كثيرًا استشكلها أصحابه، كما بيّن المراد من الظلم في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) فقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن المراد من الظلم الوارد في هذه الآية هو الشرك، وكما بيّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الآيات المجملة في الصلاة، والزكاة، والحج وغير ذلك بقوله.

وكما يكون البيان بالقول يكون بالفعل، فقد كانت أفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة، والزكاة، والصدقة، والحج وغير ذلك بيانًا لكثيرٍ من النصوص،

ص: 108

وعندما يتولى الناس ويعرضون عن دعوة الرسل، فإن الرسل لا يملكون غير البلاغ، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} (آل عمران: من الآية: 20).

الوظيفة الثانية من وظائف الرسل: الدعوة إلى الله تعالى: لا تقف مهمة الرسل عند بيان الحق وإبلاغه، بل عليهم أن يدعوا الناس إلى الأخذ بدعوتهم، والاستجابة لها، وتحقيقها في أنفسهم اعتقادًا وقولًا وعملًا، وهم في ذلك ينطلقون من منطلقٍ واحدٍ، فهم يقولون للناس: أنتم عباد الله والله ربكم وإلهكم، والله أرسلنا لنعرّفكم كيف تعبدونه، ولأننا رسل الله مبعوثون من عنده؛ فيجب عليكم أن تُطيعونا وتتبعونا، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: من الآية: 36).

وقد بذل الرسل في سبيل دعوة الناس إلى الله عز وجل جهودًا عظيمًا، وحسبك في هذا أن تقرأ سورة "نوح" لترى الجهد الكبير الذي بذله عليه السلام على مدار تسعمائة وخمسين عامًا، فقد دعاهم ليلًا ونهارًا سرًّا وعلانية، واستعمل أساليب الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وحاول أن يفتح عقولهم، وأن يوجهها إلى ما في الكون من آيات، ولكنهم أعرضوا، {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَاّ خَسَارًا} (نوح: 21).

الوظيفة الثالثة من وظائف الأنبياء والمرسلين: التبشير والإنذار: فدعوة الرسل إلى الله تقترن دائمًا بالتبشير والإنذار، ولأن ارتباط الدعوة إلى الله بالتبشير والإنذار وثيق جدًّا؛ فقد قصر القرآن مهمة الرسل عليهم في بعض آياته، قال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (الأنعام: من الآية: 48) وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه مثلًا في هذا، فقال: ((إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجلٍ أتى قومًا؛ فقال: يا قومي إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من

ص: 109

قومه فأدلجوا، وانطلقوا على مهاليهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل ما عصاني وكذب بما جئت به من الحق)).

وتبشير الرسل وإنذارهم دنيويّ وأخرويّ، فهم في الدنيا يُبشرون الطائعين بالحياة الطيبة:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل: من الآية: 97).

ويعدونهم بالعز، والتمكين، والأمن:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور: من الآية: 55).

ويخوفون العصاة بالشقاء الدنيويّ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 124).

ويحذرونهم العذاب والهلاك الدنيويّ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (فصلت: 13).

ويخوفون المجرمين والعصاة عذاب الله في الآخرة: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14).

ومن يطالع دعوات الرسل يجد أن دعوتهم قد اصطبغت بالتبشير والإنذار، ويبدو أن التبشير والإنذار على النحو الذي جاءت به الرسل هو مفتاح النفس الإنسانية، فالنفس الإنسانية مطبوعة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، فإذا بَصّرَ الرسل النفوس بالخير العظيم الذي يحصلونه من وراء الإيمان والأعمال الصالحة، فإن النفوس تشتاق إلى تحصيل ذلك الخير، وعندما تبين لها الأضرار العظيمة التي تصيب الإنسان من وراء الكفر والضلال، فإن النفوس تهرب من هذه الأعمال، ونعيم الله المُبشر به نعيمٌ يستعذبه القلب، وتلذه النفوس، ويهيم

ص: 110

به الخيال، اسمع إلى قول الله تعالى يصف نعيم المؤمنين في جنات النعيم:{عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلَاّ قِيلًا سَلامًا سَلامًا وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} (الواقعة: 15: 38).

وانظر إلى عذاب الكفرة في دار الشقاء، وما سينالهم إذا وقفوا وحشروا بين يد رب العزة والجلال سبحانه:{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} (الواقعة: 41: 45) إلى غير ذلك من الآيات التي جاء فيها تبشيرٌ، جاء فيه وعدٌ، وجاء فيها أيضًا تخويف وإنذار من رب العزة والجلال، وقد ساق الأنبياء والمرسلون كل ذلك عن الله تبارك وتعالى.

الوظيفة الرابعة من وظائف الأنبياء والمرسلين: إصلاح النفوس وتزكيتها: الله سبحانه وتعالى رحيمٌ بعباده، ومن رحمته أن يحيي نفوسهم بوحيه وينيرها بنوره:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (النور: من الآية: 52).

والله يخرج الناس بهذا الوحي الإلهي من الظلمات إلى النور، ظلمات الكفر والشرك والجهل إلى نور الإسلام والحق:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة: من الآية: 257).

وقد أرسل الله رسله بهديه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (النور: من الآية: 5)

ص: 111

وبدون هذا النور تعمى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور، وعماها ضلالها عن الحق، وتركها لما ينفعها، وإقبالها على ما يضرها، ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم، وإخراج الناس الرسل من الظلمات إلى النور لا يتحقق إلا بتعليمهم تعاليم ربهم، وتزكية نفوسهم بتعريفهم بربهم وأسمائه وصفاته، وتعريفهم بملائكته وكتبه ورسله، وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم.

وقد دلت الرسل البشر على السبيل التي توصل إلى محبة الله تبارك وتعالى وتعرف به وتدعو إلى عبادته، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2).

الوظيفة الخامسة: تقويم الفكر المنحرف، والعقائد الزائفة: كان الناس في أول الخلق على الفطرة السليمة يعبدون الله وحده ولا يشركون به أحدًا، فلما تفرقوا واختلفوا أرسل الله الرسل ليعيدوا الناس إلى جادة الصواب، وينتشلونهم من الضلال، قال تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (البقرة: من الآية: 213) أي: كان الناس أمة واحدة على التوحيد والإيمان وعبادة الله، فاختلفوا فأرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين، وقد كان كل رسولٍ يدعو قومه إلى الصراط المستقيم، ويبينه لهم، ويهديهم إليه، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه بين الرسل جميعًا، ثم كل رسولٍ يُقوّم الانحراف الحادث في عصره ومصره، فالانحراف عن الصراط المستقيم لا يحصره ضابط، وهو يتمثل في أشكالٍ مختلفة، وكل رسول كان يعتني بتقويم الانحراف الموجود في عصره، كما اهتم نوح عليه السلام بإنكاره على قومه عبادة الأصنام، وكذلك إبراهيم، وصالح عليه السلام أنكر على قومه الإفساد في

ص: 112

الأرض واتباع المفسدين، ولوط حارب جريمة اللواط التي انتشرت في قومه، وشعيب قاوم في قومه جريمة التطفيف في المكيال والميزان، وهكذا.

الوظيفة السادسة من وظائف الأنبياء والمرسلين: إقامة الحجة: لا أحد أحب إليه العذر من الله تعالى، فالله -جل وعلا- أرسل الرسل وأنزل الكتب كي لا يبقى للناس حجة يحتجون بها أمام الله يوم القيامة، قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء: من الآية: 165).

ولو لم يرسل الله الرسل إلى الناس لجاءوا يوم القيامة يخاصمون الله -جل وعلا- ويقولون: كيف تعذبنا وتدخلنا النار وأنت لم ترسل إلينا من يبلغنا مرادك منا، كما قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} (طه: 134).

وفي يوم القيامة يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين، ويأتي لكل أمة برسولها ليشهد عليها بأنه بلغها رسالة ربه، وأقام عليها الحجة:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (النساء: 41، 42).

ولذلك فإن الذين يرفضون إتباع الرسل ويعرضون عن هديهم لا يملكون إلا الاعتراف بظلمهم إذ وقع بهم العذاب في الدنيا، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} (الأنبياء: 11: 15).

ص: 113

الوظيفة السابعة من وظائف الأنبياء والمرسلين: سياسة الأمة: الذين يستجيبون للرسل يكونون جماعة واحدة، وهؤلاء يحتاجون إلى من يسوسهم ويقودهم ويدبر أمورهم، والرسل يقومون بهذه المهمة في حال حياتهم، فكانوا يحكمون بين الناس بحكم الله، كما قال الله لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} ونادى رب العزة والجلال داود قائلًا: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (ص: من الآية: 26).

وأنبياء بني إسرائيل كان يسوسون أمتهم بالتوراة، وفي الحديث:((كانت بني إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي قام نبيٌّ)) وقال الله عن التوراة: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} (المائدة: من الآية: 44).

فالرسل يحكمون بين الناس، ويقودون الأمة في السلم والحرب، ويقومون على رعاية مصالح الناس، هم في كل ذلك عاملين بطاعة الله تعالى، ولن يصل العبد إلى نيل رضوان الله ومحبته إلا بطاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذلك أقول: يجب أن يكون شعار المسلم الذي يعلنه دائمًا هو شعار السمع والطاعة، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (النور: من الآية: 51) والله عز وجل يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: من الآية: 31).

د- النقطة الرابعة في هذا العنصر، وهي بعنوان: ختم النبوات بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم:

إن الله تعالى قد ختم سائر النبوات بأخر نبوة، وهي نبوة محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبق من مطمعٍ لأحدٍ في أن يدعي النبوة أو يؤتاها بعد نبوة محمدٍ النبي الأمي أبدًا، ومن جَهَل هذه حقيقة، أو تجاهلها تضليلًا وخداعّا وادعى النبوة، فقد كذب على الله وأعظم الفرية عليه وكذّبه في قوله، وكذب نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخبر أيضًا عن نفسه بأنه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 114

ومن ادعى النبوة والرسالة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم افتضح أمره، ولعنه الناس كما حصل لمسيلمة الكذاب، وكما حصل لأحمد مرزا غلام صاحب القديانية الباطلة الكافرة، والله تعالى قد أخبر في كتابه بختم النبوات بنبوة محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فقال:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب: 40).

وإن الواجب عن كل إنسان في هذا الوجود البشري أن يؤمن بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وأن يتبع ما جاء به من الحق والهدى، وذلك لأمر الله تعالى بالإيمان به، وباتباع ما جاء به في مثل قوله:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} (التغابن: من الآية: 8).

ولتخصيص الرب تبارك وتعالى رحمته -وهي الجنة- بمن أمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 156) لمن هذه الرحمة التي ستكتبها يا رب؟ قال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157).

وأخيرًا فإن من الأدلة السمعية على ختم النبوة، وأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ما جاء في رواية الصحيحين عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:((إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)).

ص: 115