الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العربِ قبل الإسلام متفرقةً متناحرةً، كما أخبر المولى سبحانه وتعالى عنهم؛ ممتنًّا على رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:{لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: من الآية: 63).
ونحن نعلم ما كان عليه الحالُ بين الأوسِ والخزرجِ في المدينة، ولم تكن بقيةُ قبائلِ العرب بعيدةً عن هذا الواقِعِ، فقد كانتْ قلوبُهم شتَّى، تثور الحروبُ بينهم لِأتْفَهِ الأسبابِ.
أَبْرَزُ المَعالِمِ السياسيةِ الداخليَّةِ والخارجيةِ للدَّولةِ الإسلامِيةِ
أَنْتَقِلُ بعد ذلك إلى العنصر الثاني في هذا اللقاء، وهو بعنوان:"أَبْرَزُ المعالم السياسية الداخلية والخارجية للدولة الإسلامية" ويشتمل على النقاط التالية:
أ- النقطة الأولى: أبرز التشريعات السياسية للدولة الإسلامية:
بعد أن أشرتُ إلى الأحوال السياسية قبل الإسلام عند غير المسلمين قبل البعثة، وعند عربِ الجاهليةِ قبلَ الإسلامِ، يحسنُ بنا هنا أن نوردَ بعضَ ما تضمَّنَه وما جاء به الإسلامُ من سياسةٍ فريدةٍ أسعدتْ الأفرادَ والمجتمعاتِ.
وأَبْدأُ بأبرز التشريعاتِ في ذلك فأقول:
بدأت الدولةُ الإسلاميةُ تتخذ طابعَها وتتشكل تشريعاتُها السياسية في شُئونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، وكان صاحبُ السلطةِ فيها هو رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابتُه رضي الله عنهم هم أعوانُه ووزَراؤُه؛ شئونهم الداخلية والخارجية تحكمها الشريعةُ الإسلاميةُ، وكان من الصحابة -رضوان الله عليهم- الرضا والتسليم، وقد وصفهم ربُّهم- سبحانه وتعالى بذلك بقوله:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور: 51).
وصحابةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم ساداتُ المؤمنين، وجاء الشرعُ بما ينظم شئونَ الإنسانِ في كل المجالات، ومن ذلك ما يتعلق بالسياسة في كل مجالاتها الداخلية والخارجية،
يحددُ العلاقةَ بين الراعي والرعية، وبين أفرادِ الرعية مع بعضهم، يحدد لكلٍّ مسئولياته، ويعرفه بواجباته، فجاءتِ النصوصُ الشرعيةُ من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة ببيان هذه السياسةِ، ومنها على سبيل المثال:
قولُ الله- تبارك وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: من الآية: 38) وهذا فيه بيانٌ لطبيعة السلطة في الإسلام.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 123) وفي هذا بيان لنوعٍ من العلاقة الخارجية.
وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 179) وفي هذا حفظٌ للحدود، وإقامةٌ لها؛ كي تُحفظ النفسُ، ويُحفظ المالُ، وكلُّ ذلك في إطار تحقيق الأمن الداخلي للمجتمع.
هذه أبرز التشريعاتِ السياسيةِ للدولةِ الإسلاميةِ؛ وأعني بها: التشريعاتِ عمومًا.
ب- أَنْتَقِلُ بعد ذلك إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعُنوان: ملامحُ السياسة الداخلية للدولة الإسلامية:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستمدُّ سياستَه الداخلية لهذه الدولة الإسلامية من وحي الله سبحانه وتعالى ومن الصعب -في هذا اللقاء السريع- أن أحيطَ بجوانبِ السياسية الداخلية لهذه الدولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنظيمِها، ولكن يمكن الإشارةُ إلى شيء من هذه السياسة وهذا التنظيم، الذي كان يقوم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتعرف الأمة شيئًا عن السياسةِ الداخليةِ للدولةِ الإسلاميةِ في عهدِها الأولِّ، وما يجب أن تكون عليه الحكوماتُ بعد ذلك:
فمن ملامحِ هذه السياسة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بمهمة البلاغِ، فكان يتلقى الوحيَ ويبلغه للناس، وكان يدعو الناسَ للإسلام مع الحرص على التأليف بينهم، وكان
يحذِّرُهم صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك، وكان يتولَّى الفصلَ في المنازعاتِ، وتعيينِ الوُلاةِ، وجمعِ الأموال الزكوية ونحوِها، وإنفاقها في مصارفها.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستشير أصحابَه فيما يستجدُّ له من الأمور، فقد ثبتتْ مُشاورتُه لهم في أمورٍ كثيرةٍ، والمشاورة لم تكن قاصرةً على أمور الحرب، أو الجانب العسكري فحسب؛ بل كانت تتعدى إلى ما وراء ذلك.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستخلفُ على المدينة حين غيابِه، أو يؤمِّر على البعوث والسرايا ونحوها، إذا لم يخرج هو صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يحرص على توزيع مَهام الدولة توزيعًا دقيقًا، فكان هناك صاحبُ السر، وكان هناك الكتابُ -أعني: كتابَ الوحي- وكتاب الرسائل، وكتاب العُهود، والصلح والمواثيق، وكان هناك صاحبُ الخَتْم، وغير ذلك.
والنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم جعل مسئوليةَ حمايةَ البلدِ على كل قادر من أفراد الرعية، فلم يكن هناك جيشٌ محددٌ؛ بل كان صلى الله عليه وآله وسلم ينادي الناسَ بالجهاد، ثم يختار منهم مَن يصلح لذلك، مع اعتنائه صلى الله عليه وآله وسلم الكامل باختيار من يراه الأصلحَ؛ لخوض غِمار هذه الحروب، والمَهام العسكريةِ.
هذه أبرزُ الملامحِ السياسية الداخلية للدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
جـ- أَنْتَقِلُ إلى نقطة أخرى تحت هذا العنصر وهي بعنوان: العلاقاتُ الخارجيةُ للدولة الإسلامية:
تتمثل العلاقةُ الخارجيةُ للدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع غيرِها بمظاهرَ، منها:
أولًا: الدعوةُ والجهادُ: كانت العلاقاتُ الخارجيةُ للدولة الإسلامية مع غيرها من الدول مبنيةً على أساس الدعوةِ إلى الله سبحانه وتعالى ولم يكن من سياسةِ الدولة
الإسلامية اللجوءُ إلى الحرب إلا بعد عِدة مراحلَ، وكان من السياسة القتالية الإسلامية تحقيقُ الهدف بأدنى حد من الخسائر حتى في صُفوفِ العدوِّ، وذلك بالنهي عن قتل الشيوخ، والنساء، والأطفال، وعدم قطع الأشجار.
ويدل على ذلك أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أَمَّر أميرًا على جيش أو سَرية أوصاهُ في خاصتِه بتقوى الله، ومَن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال:((اغزوا بِسم الله في سَبيلِ اللهِ، قاتلوا مَن كَفَرَ باللهِ، اغْزوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا، ولا تَمْثُلُوا، ولا تقتلوا وَلِيدًا)) وهذا في الحقيقة مظهرٌ جميلٌ من مظاهر الإسلام، وحرصِه على عدم سَفْكِ الدماء.
وكان القتالُ في الإسلام -كما هو معلوم، وسيأتي حديثٌ لذلك مستقِلٌّ إن شاء الله تعالى- له أهدافٌ يحققها، وكانت من ورائه متطلباتٌ تدعو إليه، وإذا وقَعَ بعد استنفاذ الجَهد في ذلك، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في هذا الحديث- يحذرُ من الغدر والخيانة، أو التمثيل بالأعداء، أو قتلِ الأطفال والنساء والشيوخ، وهذا في الحقيقة من عَظَمة دينِ الله تبارك وتعالى ونحن نردُّ به على مَن يتهمون الإسلامَ بالإرهابِ، أو العنفِ، أو ما إلى ذلك.
أيضًا من مظاهر العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية إرسالُ الرسلِ والرسائل:
حيث كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يبعثُ مع بعضِ صحابتِهِ مِن الرسائل الدعوية إلى المُلوك وغيرهم، ومنها -مثلًا-: كتابه صلى الله عليه وآله وسلم إلى هِرقلَ عظيمِ الروم، الذي أرسل به دِحيةَ بنَ خليفةَ الكلبيَّ رضي الله عنه وكتابه أيضًا إلى كسرى عظيمِ فارس، الذي أرسل به عبدَ اللهِ بنَ حُذافةَ السُّهميَّ، وكتابه إلى النجاشي ملك الحبشة، الذي أرسل به
عمروَ بنَ أميةَ الضمريَّ، وكتابه إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية، الذي أرسل به حَاطِبَ بنَ أبي بلتعةَ، إلى غير ذلك من الكُتُب التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الملوك، وغيرهم.
وكان الهدفُ منها دعوةَ هؤلاء الناس إلى الله تبارك وتعالى وهذا أيضًا في الحقيقة بيانٌ لوظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في البلاغ، وأنه كان يتحرَّى بدعوته الناس جميعًا.
وهذا من العلاقات الخارجية في الحقيقة للدولة الإسلامية.
ومن العلاقات أيضًا الخارجية للدولة الإسلامية العهود والمواثيق:
فالعهودُ والمواثيقُ نوعٌ من العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية مع غيرها، فقد كانت تُعقد عهودٌ ومواثيقٌ في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما زال المسلمون -إلى يومنا هذا- يحتاجون إلى إجراء هذه العهود، وتِلْكُمُ المواثيقِ مع الدول الأخرى، والبلاد المختلفة.
وقد أجرى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم صلحًا مع كفارِ قريشٍ، وقد سمَّى الحق تبارك وتعالى هذا الصلحَ فتحًا، كما في قول الله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (الفتح: 1) رغم أنَّ الناظرَ في بنود هذا الصلح قد يجدُ أنَّ فيه إجحافًا بالإسلام والمسلمين، ولم يرْضَهُ في أول الأمر بعضُ الصحابة، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يتبع الوحيَ، وكان مؤيدًا بتأييد الله تبارك وتعالى له، أجرى هذا الصلحَ وهو يعلم أن لهذا الصلحِ -الذي أجراه- ثمارًا جليلةً عظيمةً، فقد كان صلحُ الحديبية بمثابةِ النصر للدولةِ الإسلاميةِ، وانتشارِ الإسلام بشكلٍ أوسعَ في الجزيرة العربية وما حولها.
ومن أبرز نتائجه:
أن هذا الصلحَ كان مقدمةً بين يدي الفتح الأعظم الذي أعز اللهُ به رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم وجندَه، وأيضًا من نتائجه: اعترافُ قريشٍ بمكانة المسلمين كفريق قوي، تُبرَمُ معه المعاهداتُ.