الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونطقه بلا إله إلا الله، وقد نص أهل العلم على أنه لا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وأكتفي بهذا، وأكمل -إن شاء الله- الحديث عن الجزء أو الشق الآخر من شهادة أن لا إله إلا الله، وهو أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اللقاء القادم.
أستغفر الله سبحانه وتعالى وأتوب إليه، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2 -
أركان الإسلام (2)
شهادة أن محمدًا رسول الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
أبنائي الأعزاء، عنوان محاضرة هذا اللقاء: تابع أركان الإسلام، ذلك أنني تكلمت في اللقاء السابق عن الشطر الأول من الركن الأول من أركان الإسلام، ألا وهو شهادة أن لا إله إلا الله، فشهادة أن لا إله إلا الله هي الركن الأول من أركان الإسلام، وتحدثت عنها في اللقاء السابق، وفي هذا اللقاء -إن شاء الله تبارك وتعالى أتابع الحديث حول أركان الإسلام، والعنصر الأول في هذا اللقاء هو الشق الثاني، أو الشطر الثاني من الركن الأول، ألا وهو شهادة أن لا إله إلا الله، ذلك أن شهادة أن لا إله إلا الله يتبعها في الأصل والأساس أن يشهد العبد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك سأتحدث في العنصر الأول حول شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشتمل هذا العنصر على النقاط التالية:
أ- معنى شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معنى هذه الشهادة -كما قال شيخ الإسلام الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى: قال: معنى شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألَّا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله عليه وآله وسلم فطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من طاعة الله، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: من الآية: 31) وقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (آل عمران: من الآية: 32) وتصديق
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأخبار الماضية والمستقبلة مما كان من أمور الغيب من أوجب الواجبات، واجتناب ما ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا من أوجب الواجبات، كما قال سبحانه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: من الآية: 7) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)).
ومعنى ألا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني: ألا يعبد العبد ربه إلا بما جاء على لسان وهدي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا كان من شرطَي قبول العمل أمران مهمان: الأول: متابعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيضًا: الإخلاص لله عز وجل في العبادة، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رد)).
وهذه الشهادة تقتضي -أيها الأخوة الكرام- أن يعترف العبد بالرسالة والنبوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأيضًا أن يعتقد عبوديته صلى الله عليه وآله وسلم لربه، فهو بشر رسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قال هو عن نفسه:((إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) فلا يرفع صلى الله عليه وآله وسلم فوق منزلته عليه الصلاة والسلام، فيكون له خصيصة من خصائص الألوهية، فيعتقد العبد مثلًا أنه يعلم الغيب، أو ينفع ويضر، أو أنه يقضي الحاجات، ويفرج الكربات، كل هذا ليس من خصائص نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وآله وسلم فهو عبد لله سبحانه، وصفه ربه بالعبودية في أشرف المقامات، في إنزال القرآن الكريم، قال:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1) وفي مقام الإسراء قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (الإسراء: من الآية: 1) وفي مقام الحفظ وكفاية الله له، قال الله:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (الزمر: من الآية: 36).
ومع هذا فهو رسول يجب أن يصدق، وأن يطاع، وأن يتبع -صلوات الله وسلامه عليه- وهذا ما أود أن أشير إليه في النقطة، أو الفقرة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان:
وجوب طاعته ونصرته صلى الله عليه وآله وسلم.
بعد أن ذكرت معنى شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أود أن أشير إلى أمر مهم؛ لأنه ليس الهدف أو القصد أن ينطق العبد بأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، أو أن يعتقد بنبوته ورسالته، ثم لا يقوم بعد ذلك بما أوجبه الله عليه تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك أقول: طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام واجبة بنص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الأمة.
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستفيدون أحكام الشرع من القرآن الكريم الذي يتلقونه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكثيرا ما كانت تنزل الآيات القرآنية المجملة من غير تفصيل، أو مطلقة من غير تقييد، كالأمر بالصلاة مثلًا جاء مجملًا، لم يبين في القرآن عدد ركعاتها، ولا هيئاتها، ولا أوقاتها، وكالأمر بالزكاة جاء مطلقًا لم يقيد بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة، ولم تبين مقاديرها، ولا شروطها، وكثير من الأحكام التي لا يمكن تنفيذها دون الوقوف على شرح ما يتصل بها من شروط، وأركان، ومفسدات، فكان لا بد له من الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعرفة الأحكام معرفة تفصيلية واضحة.
وقد أخبر الله في كتابه الكريم عن مهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة للقرآن، وأنه مبين له، وموضح لمراميه وآياته، فقال تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: من الآية: 44) فهذه الآية أسندت بيان القرآن لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله لما قال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} أتبعه بقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فالذكر نزل من عند الله عز وجل وبيان هذا الذكر أسند أمره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما بين الله تعالى أن من مهمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس، قال تعالى:{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: من الآية: 64)
وأوجب الله تبارك وتعالى النزول على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل خلاف، والتسليم المطلق له لما يأتي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65) فهذه الآية بينت أنه يجب أن ننزل على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس هذا فحسب، بل علينا ألا يكون في صدورنا أدنى حرج من حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن من خالف ذلك، فليس من أهل الإيمان، كما قال سبحانه:{فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} ، وقد أوتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن والحكمة؛ ليعلم للناس أحكام دينهم، ويخبرهم صلى الله عليه وآله وسلم بما أوجب الله عليهم، قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: 164). وقد ذهب جمهور العلماء المحققين إلى أن الحكمة شيء آخر غير القرآن، وهي ما أطلع الله رسول صلى الله عليه وآله وسلم عليه من أسرار دينه، وأحكام شريعته، ويعبر عنها العلماء بالسنة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تبارك وتعالى في (الرسالة) فذكر الله الكتاب -وهو القرآن- وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتفسير الحكمة هنا بأنها السنة وجيه؛ لأن الله تعالى عطفها على الكتاب، والعطف يقتضي المغايرة؛ لأنها في معرض المنة من الله علينا بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب ربنا علينا إلا اتباع القرآن، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتعين أن تكون الحكمة هي: ما صدر عنه عليه الصلاة والسلام من أفعال، وأقوال، وتقديرات في معرض التشريع،
وإذا كان، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي القرآن، وشيئًا آخر معه يجب اتباعه فيه.
وقد جاء مصرحًا في قول الحق تبارك وتعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: من الآية: 157) وما دام اللفظ عاما، فهو شامل لما يحله، ويحرمه مما مصدره القرآن، أو مصدره وحي يوحيه الله تعالى.
وقد روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ألا وإني أوتيت الكتاب، ومثله معه، ويدل على ذلك أن الله أوجب على المسلمين اتباع الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأمر به، أو ينهى عنه، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: من الآية: 7) وقرن الله تعالى طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بطاعته في آيات كثيرة من القرآن، فقال تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (آل عمران: 132) وحث على الاستجابة لما يدعو إليه، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: من الآية: 24) واعتبر طاعته طاعة لله، واتباعه حبًّا لله، فقال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء: من الآية: 80) وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: من الآية: 31).
كما حذرنا الله عز وجل من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: من الآية: 63) بل أشار القرآن الكريم إلى أن مخالفته صلى الله عليه وآله وسلم كفر، فقال:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية: 32) وهذا محمول -أعني الكفر محمول- على رد ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكذيبه، وأما مجرد المعصية، فلا تبلغ درجة الكفر على ما هو معروف من مذهب أهل السنة، والجماعة.
ولم يبح رب العزة، والجلال لأحد من أهل الإيمان أن يخالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36) واعتبر الله عز وجل من علامات النفاق الإعراض -انتبه الإعراض- عن تحكيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن الخلاف قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} (النور: 47، 48) إلى ما جاء في قوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور: 51) بل جعل الله عز وجل من لوازم الإيمان ألا يذهب الصحابة حيث يكونون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يستأذنوا منه، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 62).
قال ابن القيم رحمه الله: فإذا جعل الله من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبًا إذا كانوا مع إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه صلى الله عليه وآله وسلم وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه. ومن هنا أقول: لا بد لنا من الرجوع إلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنتعلم ونعرف أحكام القرآن الكريم، وكيف نعمل به، وكيف نطبق كتاب الله تبارك وتعالى ولا يكون ذلك إلا من خلال ما جاءنا عن رسول الهدى والرحمة صلى الله عليه وآله وسلم قد كان صحابة النبي عليه الصلاة والسلام يرجعون إليه في كل أمر يحتاجون إليه، كانوا يرجعون إليه فيفسر لهم أحكام القرآن، ويبين لهم مشكلات القرآن، ويحكم بينهم في المنازعات، ويفصل في الخصومات، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يلتزمون حدود أمره، ونهيه، ويتبعونه في أعماله، وعباداته،
ومعاملاته، إلا ما علموا منه أنه خاص به صلى الله عليه وآله وسلم فكانوا يأخذون منه أحكام الصلاة، وأركان الصلاة، وهيئات الصلاة نزولًا عند أمره صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال لهم:((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
وأخذوا عنه مناسك الحج، وشعائره امتثالًا لأمره أيضًا حيث قال لهم:((خذوا عني مناسككم)) إلى آخر ما جاء من هذه التعليمات الرشيدة، سواء كان في القرآن الكريم، أو في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلها تأمر وتوجب اتِّباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألَّا يخرج العبد عما جاء عنه عليه الصلاة والسلام.
وأختم هذه النقطة بحديث جليل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه وفيه يقول: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) تأملوا كلمات هذا الحديث: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)).
واستكمالا لذلك أقول: إذا أوجب الله علينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، فيجب أن نعلم أيضًا أن نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من لوازم الإيمان، وقد ضمن الله تعالى الفلاح لمن آمن برسوله صلى الله عليه وآله وسلم ونصره، قال تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: من الآية: 157) فالذين عزروه هم الذين وقروه، والذين نصروه هم الذين أعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهاده، ونصب الحرب لهم.
وقد مدح الله تعالى المهاجرين الذين نصروا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وشهد لهم بالصدق في إيمانهم، فقال:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحشر: 8). كما شهد الله تبارك وتعالى لمن آوى المهاجرين، ونصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم هم المؤمنون حقا، فقال سبحانه:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال: 74) فكان البذل والعطاء
في سبيل الله، سواء بالهجرة، أو بالنصرة، كان كل ذلك دليل على الإيمان الحق بالله تبارك وتعالى.
وقد أخذ الله تعالى الميثاق على من تقدمنا من الأمم بنصرة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فما أتعس قوما أخذ عليهم الميثاق بنصرته عليه الصلاة والسلام فإذا هم يسخرون، ويستهزئون منه، ولا يؤمنون ويسلمون برسالته صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى في أخذه الميثاق على من سبق من الأمم:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران: 81) فأخذ الميثاق على النبيين كلهم، وأممهم تبع لهم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد بين الله تعالى -وأقول هذا لأشرح صدور أهل الإيمان بين الله عز وجل أنه ناصر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأن رسوله عليه الصلاة والسلام ليس في حاجة إلى نصرة هؤلاء المكذبين برسالته، والمسلم عندما ينصر الرسول عليه الصلاة والسلام فإنما يسعى لخير نفسه، وإذا تقاعس عن ذلك فلن يضر إلا نفسه، وقد نصر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أحلك الظروف، وأصعب الأوقات عندما هاجر صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة، وكانت قريش تطارده بخيلها ورجلها، وترجو، وتأمل العثور عليه صلى الله عليه وآله وسلم لكن الله تبارك وتعالى نصره وأنجاه منهم مع ضعف الإمكانات، وقلة الزاد وقتئذ، قال الله تعالى مبينًا ذلك:{إِلَاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 40).
فمن تقاعس عن نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلا يذري إلا بنفسه، وهي منزلة من العز والشرف قد حرم منها من تقاعس، أو سب، أو استهزأ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.