الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الخصائصُ تجعل النظامَ السياسيَ في الإسلامِ في أعلى مَراتبِ الأنظمةِ في العَالَمِ كلِّهِ، وبالتالي نحن ندعو المسلمينَ جميعًا إلى أن يلتزموا -أولًا- بالنظامِ السياسيِّ في الإسلامِ، وندعو غيرَ المسلمين إلى أن يقفوا على جَمَالِ الإسلامِ بخصائِصهِ التي جاء بها.
وأَكْتَفَي بهذا، وَصِلِّ اللهمّ وسلِّمْ وبَاركْ على نبينا مُحمدٍِ، وعلى آلِهِ، وصحبِهِ، وسَلَّم.
2 -
أَثَرُ الإسلامِ في الاجتماعِ
نِظامُ المجتمَعِ في الإسلامِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه هي المحاضرة الثانية في سلسلة هذه المحاضرات، وهي تحت العنوان السابق:"الدعوةُ وصلتُها بالحياة".
وسأتكلمُ في هذه المحاضرة عن الموضوع الثاني تحت هذا العنوان الكبير، وهو:"أثرُ الإسلام في الاجتماع" وتنقسم هذه المحاضرة إلى عناصر متعددة:
العنصر الأول: نظام المجتمع في الإسلام؛ ويشتمل على النقاط التالية:
أ- أهمية النظام للمجتمع:
من الحقائق الثابتة التي أشار إليها العلامة ابنُ خلدون في مقدمته: أن الاجتماع الإنساني ضروري، وهو ما يُعبر عنه بقول بعضهم: الإنسان مدني بالطبع، ومعنى ذلك: أن المجتمع ضروري للإنسان وهو ما يؤيده الواقع، فالإنسان يُولد في المجتمع ويعيش فيه ويموت فيه، وإذا كان المجتمع ضروريًّا للإنسان ولا بد من وجوده، فإن النظام على أيِّ نحوٍ كان ضروريًّا للمجتمع، لا يُتصور وجوده بدونه؛ لأن الأفراد لا يمكنهم العيش بحرية مطلقة داخل المجتمع، وإلا كان في ذلك هلاكُهم أو اضطراب حياتهم، وانقلاب مجتمعهم إلى مجتمع حيوانات كالذي نشاهده في الغابات.
ولهذا كان لا بد من نظام للمجتمع يتضمن الحدود التي يجب أن يقف عندها الجميع، والضوابط العامة التي يجب أن يلتزموا بها في سلوكهم؛ حتى يستطيعوا العيشَ بأمان واستقرار.
وإذا كان لكل مجتمع نظام على نحوٍ ما، فإن هذا النظام لا بد له من أساس وأصول يرتضيها المجتمع، ويقوم عليها نظامه الذي يسير بموجبه، والنظام يكون صالحًا أو فاسدًا تبعًا لصلاح أو فساد أساسه وأصوله التي يقوم عليها؛ لأن الفرعَ يتبع الأصل في الصلاح والفساد، وإذا كان نظام المجتمع قد يكون صالحًا أو فاسدًا فإن صلاحه وفساده ينعكس على أفراده، ويتأثرون به، ويتحمَّلون تَبعاتَه فيسعدون به، أو يشقَون.
وعلى هذا فيجب على مَن يريد الخير لنفسه ولمجتمعه أن يبحث ويتحرى عن الأساس الصالح الذي يقوم عليه نظام المجتمع؛ ويسعى لتثبيت هذا الأساس، وإقامة نظام المجتمع عليه.
والواقع أن الإسلام كفانَا مئونةَ البحث والتحري عن هذا الأساس الذي يقوم عليه النظام الصالح والمجتمع؛ كما كفانا مئونة البحث عن طبيعة هذا النظام الصالح وخصائصه، مما يجعل الأمر سهلًا ميسورًا لبناء مجتمع صالح الذي يسعد به الناس جميعًا.
ب- وبناءً على ما قلتُ، أنتقل إلى النقطة التالية في هذا العنصر، وهي بعنوان: أساس نظام المجتمع في الإسلام؛ لأنه إذا كان المجتمع الصالح لا يسعد إلا إذا كان النظام صالحًا، وقد ذكرتُ أن الإسلام كفانا مئونة ذلك.
فلنتعرف الآن في هذه النقطة على: أساس نظام المجتمع في الإسلام:
إن أساس نظام المجتمع في الإسلام هو العقيدة الإسلامية؛ لأن المطلوب من كل إنسان أن يحمل هذه العقيدة، ليعرف مركزَه في الحياة، وعلاقته بالكون والغرض الذي من أجله خُلق، وهذه العقيدة هي الموجهة لأفكار الإنسان وسلوكه، وسائرِ تصرفاته، ولا يمكنه التخلي عنها في شأن من الشُئون.
وحيث إن الإنسان اجتماعيٌّ بالطبع -كما قلنا- فمنِ البَدهي أن تكون العقيدة الإسلامية هي الموجهة له في بناء هذا المجتمع، أو بكلمة أخرى يجب أن تكون العقيدة الإسلامية
هي الأساس لبناء المجتمع ونظامه؛ حتى يعملَ الأفراد في ضوء عقيدتهم كأفراد وأعضاء في المجتمع، كما يعمل المجتمع كجماعة منظمة في ضوء هذه العقيدة التي يحملها أفرادُه، ويترتب على ذلك أن كل من يحمل هذه العقيدة، ويدين بها ويلتزم بمقتضاها يكون أهلًا للانتماء إلى هذا المجتمع الإسلامي، فيصبح عُضوًا فيه، ويساهم في بقائه وتحقيق أغراضه، والتمتع بمزاياه، وتحمل تبِعاته، مهما كان جنسه، أو نوعه، أو لونه، أو لغته.
والحقيقة أن تقديم الإسلام هذا الأساسَ لإقامة المجتمع البشري كان حدثًا ضخمًا وفريدًا في التاريخ البشري، ما كان الناس يعرفونه ولم يخطر ببالهم؛ فالرومان واليونان والفرس والعرب قبل الإسلام أقاموا مجتمعاتِهم على أساس الجنس، أو القبيلة، أو السلالة، أو الإقليم، وبنَوْا على هذا الأساس أباطيلَ كثيرةً، تولَّد عنها الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان، فلما جاء الإسلامُ بهذا الأساس الجديد لبناء المجتمع ونظامه كان ذلك انقلابًا هائلًا في الحياة البشرية؛ تكريمًا للإنسان، ووضعًا للأمور في نِصابها.
فليس من اللائق بالإنسان بناءُ مجتمعه على أساس الجنس أو القبيلة أو الإقليم كما كانت تفعل المجتمعات الجاهلية قبل الإسلام؛ ذلك لأن أصل البشر واحد، ولا يمكنه حجبَ هذه الحقيقة لاختلاف الناس بالأنساب والأجناس؛ لأن أجناسهم وشعوبهم المختلفة كالأغصان للشجرة الواحدة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: من الآية: 1).
وفي الحديث الشريف: يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((كلكم لآدم، وآدمُ من تراب
…
)) وكذلك لا معنى لاتخاذ الإقليم أساسًا للمجتمع البشري؛ لأن الأرض خلقها الله للناس، فهي إقليمهم، وهي وطنهم المشترك، قال تعالى:{وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} (الرحمن: 10).