الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهلاك والضيق والضنك، وما إلى ذلك، ويصبح المجتمع بهذا مجتمعًا سليمًا عفيفًا طاهرًا نظيفًا نقيًّا، وهذا ما يريده الإسلام، ويدعو إليه.
وُجُوبُ الاجتماعِ على الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونبذُ الاختلافِ والفُرْقَةِ
العنصر الثالث في هذا اللقاء بعنوان: وجوب الاجتماع على الكتاب والسنة، ونبذ الاختلاف والفرقة؛ ويشتمل على العناصر التالية:
أ- الأدلة على وجوب إتباع الكتاب والسنة:
يجب على المؤمنين أن يلتزموا بكتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أمر الله عز وجل في كتابه بالاجتماع على كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذلك: ما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: من الآية: 103).
وقد وردت آياتٌ كثيرة في كتاب الله عز وجل بهذا المعنى، وهي تأمر المؤمنين وتحثهم على لزوم الجماعة والائتلاف، وتبين لهم أنَّ الأمةَ الإسلاميةَ أمةٌ واحدةٌ، ولا سبيلَ إلى هذا الاجتماع إلا بإقامة الدين لله وحدَه، وتوحيده، وإتباع هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والبعد عن الشرك بكل أنواعِه وفروعِه وألوانِه، والبعد كذلك عن البدع؛ لأنه لا يوجد في الإسلام:"بِدْعَةٌ سَيِّئَةٌ أو بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ" وكَيْفَ ذَلِكَ؟! والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولُ ويخبرُ بأن: ((كل بدعة ضلالة
…
)).
فالآيةُ التي معنا -وهي قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} - دعوةٌ إلى الاجتماع على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ورد عن السلف في معنى كلمة: "الحبل" الوارد في الآية السابقة أنه هو القرآن، والإخلاص لله وحدَه، والإسلام.
وقد دلت السنة النبوية على ما دل عليه القرآن؛ ففي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تَعبُدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا مَن ولَّاه الله أمرَكم)).
ب- النقطة الثانية في هذا العنصر، وهي بعنوان: الأدلةُ على ذَمِّ التفرق والاختلاف:
الجماعةُ هي الأصل، وملازمتُها هو الواجبُ والمطلوبُ، أما مفارقة الجماعة فأمر طارئ وحادث، وهو مع ذلك أمر خطير وشنيع، ويؤدي إلى الهلاك والدمار -والعياذ بالله تبارك وتعالى لأن التفرق يُضعف الأمة، ويذهب بهيبتها، ولذلك جاءت الآيات الكثيرة تحذِّر منه، وتحمل في ثناياها الوعيدَ الشديدَ لمَن ترك الجماعة وفارقها.
ومن ذلك: ما جاء في قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران: 105: 107).
وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "يوم تبيض وجوه أهلُ السنة، وتسود وجوه أهلُ البدعة".
ولو تأملت هذه الآيةَ مرةً أخرى، ونظرت إلى قوله تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} والخطابُ موجه لجماعة المؤمنين، وفيه تحذير شديد، ونهي كبير عن التفرق والاختلاف بعدَ مَا جاءنا من عند الله عز وجل وبعد ما جاءتنا البينات الواضحات التي أتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد بينت الآية أن التفرق والاختلاف مآلُ أصحابه إلى النار وبئس القرار، أما اتِّباع الكتاب والسنة فمآلُ أصحابه إلى الجنة ونعم القرار والمصير؛ والله عز وجل نهى في آيات كثيرة عن التفرق -أيضًا- والاختلاف، وهذا كما جاء في قوله:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونََ} (الأنعام: من الآية: 153).
ولعل الملاحظ من هذه الآية: أن الله تبارك وتعالى أفردَ الصراط هنا بالذكر، حينما ذكر الصراطَ ذكره مفردًا، قال:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} لأن الطريق إلى الله واحد؛
ولأن الصراطَ المستقيمَ صراطٌ واحد يؤدي إلى الله تبارك وتعالى وهو اتباع الكتاب والسنة؛ أما السبل الأخرى فهي سُبل منحرفة، سبلُ أهل التفرق والخلاف والشقاق -والعياذ بالله تعالى- والله عز وجل قد جمع هذه السبلَ؛ لأنها كثيرة، بخلاف الصراط الواحد، ولهذا نهانَا عن سلوك صراطها، أو اتباع منهجها ومسلكها، فقال:{وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونََ} .
ويقول أيضًا سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام: 159) وهذه -أيضًا- آية مخيفة إذا قرأها الإنسان وتأمل معناها ووقف على حقيقة هذا المعنى، أدرك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريء من الذين فرقوا دينَهم، واختلفوا فيه، فخرجوا عن كتابه الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولِمَا لا يتبرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هؤلاء ورب العزة والجلال سبحانه وتعالى يقول في كتابه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115).
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذ في النار)) فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا يبين حقيقةَ أن: ((يد الله مع الجماعة)) وأن الخارج عن الجماعة شاذٌّ: ((ومن شذ شذ في النار)).
فعلينا إذن معشر أهل الإيمان أن نقيم نظامَ اجتماعِنا على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن ندرك أن النظام الاجتماعي في الإسلام نظامٌ فريدٌ قائمٌ على الحق، قائم على العدل، قائم على الخير؛ لأنه من عند الله تبارك وتعالى وعلى المسلمين أن يكونوا أمةً واحدةً على هذا الدين، ضمن هذا النظام الذي جاء به الإسلام من ضمن الأنظمة السديدة التي جاءت من عند الله رب العباد سبحانه وتعالى.
وإذا سلك المسلمون هذا الطريقَ فازوا برضوان الله تبارك وتعالى وسعدوا في دُنياهم وفي حياتهم، وأصبح مجتمعُهم مجتمعًا نظيفًا قائمًا على العفة، والكرامة، والطُّهر.
أسال الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين في مجتمعاتهم لكل خير، وأن يقيموا هذه المجتمعاتِ على البر والتقوى والمعروف.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.