الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الرابع
(إلمامة تحليلية بأركان الإسلام)
1 -
إلمامة تحليلية عن أركان الإسلام (1)
تعريف الإسلام، وذكر أركانه، وما يتعلق به
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم، وسلك سبيلهم إلى يوم الدين.
المحاضرة بعنوان: إلمامة تحليلية عن أركان الإسلام، وهذه المحاضرة تشتمل على عدة عناصر؛ العنصر الأول: تعريف الإسلام، وذكر أركانه، والأدلة عليه:
الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وأركان الإسلام خمسة هي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا.
وفي الصحيحين عن ابن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) وهذا الحديث فيه إشارة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه الأركان، وفي نفس الوقت هو دليلٌ صحيحٌ عليها، وقد أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جبريل عليه السلام لما سأله عن الإسلام بهذا الجواب أيضًا، وذكر له هذه الأركان الخمسة.
وقد تحدثت فيما مضى عن الإيمان، وأركان الإيمان، وعرفت الإيمان فيما مضى، وانتهيت في اللقاء السابق من آخر محاضرة تتعلق بالركن السادس والأخير من أركان الإيمان، وهنا عرفت الإسلام، وأود قبل أن أتحدث عن أركانه كما تحدثتُ عن أركان الإيمان أن أذكر الصلة بين الإيمان والإسلام؛ لأن هذه المسألة اختلف فيها السلف رحمهم الله تبارك تعالى- نظرًا لاختلاف فهمهم لبعض النصوص التي وردت في هذا الموضوع، واختلافهم يدور حول آراء ثلاثة أذكرها هنا فأقول:
القول الأول: هو القول بالترادف بينهما، وأنهما اسمان لمسمًّى واحدٍ، وهذا الرأي -أعني: من قال بالترادف- رأي جماعة من السلف منهم: الإمام الجليل محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله فقد قال في صحيحه: باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة، وبيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:((جاء جبريل يعلمكم دينكم))
فجعل ذلك كله دينًا، وما بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوفد عبد القيس من الإيمان -وقد ذكرت هذا سابقًا- وهو أنه قال لهم:((آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟)) ثم ذكر صلى الله عليه وآله وسلم لهم أركان الإسلام، فبين ذلك أن الإسلام والإيمان يطلقان على شيءٍ واحدٍ.
هكذا ذهب الإمام البخاري رحمه الله تبارك وتعالى ومحصل كلامه كما ذكره ابن حجر في (فتح الباري): أن المصنف يرى أن الإيمان والإسلام عبارة عن معنًى واحدٍ، هذا عند الإمام البخاري وغيره رحمه الله تبارك وتعالى.
القول الثاني: التفريق بين مسمى الإسلام، والإيمان، وأن الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، وهذا قول جماعة من السلف منهم الزهري وحماد بن زيد، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله تبارك وتعالى كما ذكر ابن منده عن عبد الملك الميموني قال: سألت أحمد بن حنبل أتفرق بين الإيمان والإسلام؟ قال: نعم، وقال بهذا جماعة من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والحسن، ومحمد بن سيرين.
القول الثالث: وهو تحقيق مذهب السلف الذي تجتمع عليه النصوص الواردة في هذا الموضوع، وهو الرأي الراجح -إن شاء الله تبارك وتعالى وهو أن بين الإسلام والإيمان تلازمًا مع افتراق اسميهما، وأن حال اقتران الإسلام بالإيمان غير حال إفراد أحدهما عن الآخر، فمثل الإسلام من الإيمان كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى، فشهادة الرسالة غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيءٍ واحدٍ، كذلك الإسلام والإيمان لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المؤمن من إسلامٍ به يتحقق إيمانه، ولا يخلو المسلم من إيمانٍ به يصح إسلامه، وهذا في الحقيقة معنًى صحيح وسليم؛ لأن لكلٍّ الإيمان والإسلام حقيقة شرعية
مستقلة، كما أن لكلٍّ منهما حقيقة لُغوية مستقلة، وغاية ما يُقال أنهما متلازمان في الوجود لا مترادفان في الحقيقة والمعنى، ولقوة ارتباط كلٍّ منهما بالآخر فإنه إذ وُجِدَ أحدهما منفردًا في نصٍّ من النصوص لا يمكننا أن نتصوره وحده، فيكون الآخر داخلًا فيه على سبيل التلازم والارتباط، وتحقيق الهدف المراد من كلٍّ منهما مجتمعين.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- هذه الوجه بقوله: إذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روحٌ إلا مع البدن، ولا يوجد بدنٌ حيٌّ إلا مع الروح، وليس أحدهما الآخر، فالإيمان كالروح فإنه قائمٌ بالروح ومتصلٌ بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيًّا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان لا أن مسمى أحدهما هو الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت جسدٌ بلا روح، فما من بدنٍ حيٍّ إلا وفيه روح، ولكن الأرواح متنوعة، وهذه في الحقيقة كلام دقيق، وهذا الرأي هو الإسلام والأوجه -إن شاء الله تبارك وتعالى وذلك لأن النصوص تدل عليه دلالة واضحة، إلى جانب أن القول به يُعتبر جمعًا بين الآراء التي تقدم ذكرها.
ولا شك أن الإيمان والإسلام كما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بينهما من الترابط ومن التلازم الشيء الكثير، ولكن في الحقيقة يفترقان في الاسم، فإذا جمعنا بين الإسلام والإيمان في كلمة واحدة قلنا: الإسلام والإيمان، فسرنا الإسلام بما فسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جبريل، وفسرنا الإيمان أيضًا بما فسره أو ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جبريل، وإذا افترقا بمعنى قلنا: الإسلام فقط، أو قلنا: الإيمان فقط دخل أحدهما في الآخر؛ لأنه لا يُتصور إيمانٌ بلا إسلام، ولا إسلامٌ بلا إيمان،