الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك تعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكثير من الحوادث التي قضى فيها، وكثير من الأسئلة التي أجاب عليها، وكان صلى الله عليه وآله وسلم ينطق بالحق ويتكلم بالصدق، وقد قال الله له وعنه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: من الآية: 3 - 4).
ولذلك أقول: إن كل حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر شعارًا للإسلام، ويؤدي وظيفة مهمة إعلامية أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغها للأمة، وكان يشرح من خلال ذلك الآيات القرآنية، ويوجه الأمة الإسلامية إلى العقيدة الصحيحة والعبادات القويمة، وكيف أنها لا تقبل عند رب العزة والجلال إلا إذا اتبع المسلم فيها هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلماته ورسائله وأفعاله دعوة إعلامية إلى الخير وإلى الهدى وإلى النور وإلى الضياء، فهو صلى الله عليه وآله وسلم مثال حي للسلوك الحسن وللخلق القويم وللرجل النبيل -صلوات الله وسلامه عليه- فحياته عليه الصلاة والسلام نموذج إعلامي كبير.
والشاهد من كل ذلك هو: أنني أدعو عموم المسلمين وأدعو عموم الإعلاميين أن يعتنوا بكتاب الله تبارك وتعالى وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن تكون الوسيلة الإعلامية التي يقومون بها مستمدة من هدي هذين المصدرين الكريمين، وبالتالي سنقدم إلى العالم الإسلامي مادة سليمة صحيحة من خلال برامج إعلامية إسلامية متميزة.
أسأل الله تبارك وتعالى للجميع التوفيق والسداد، وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2 -
تابع الحديث عن وسائل الإعلام مع ذكر بعض ميادين الدعوة في التجمعات والمناسبات
الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه. وبعد:
فهذه المحاضرة: تابع الحديث عن وسائل الإعلام، مع ذكر بعض ميادين الدعوة إلى الله في التجمعات والمناسبات، وهذه المحاضرة تنقسم إلى العناصر التالية:
العنصر الأول: الإسلام في مواجهة الإعلام الكاذب، ويشتمل على النقاط التالية:
أ- الحرب الإعلامية ضد الإسلام:
تكلمت في اللقاء السابق عن الإعلام الإسلامي ومكانته وما يميزه، وأشرت إلى أبرز الوسائل التي يمكن أن نستفيد منها في تقديم الإسلام إلى الناس ودعوتهم إليه، وأشرت إلى ضرورة أن تكون وسائل الإعلام نظيفة خالية من الشبهات والشهوات، وأتكلم في بداية هذا اللقاء عما يواجهه المسلمون من حرب إعلامية فاسدة ضد الإسلام.
ولذلك أقول: نعيش اليوم في عصر الحروب الإعلامية والصراع البارد لنشر الأفكار والمبادئ، ولقد كان هذا من ثمرات الحرب العالمية الثانية واكتشاف الأسلحة الرهيبة الجديدة، ولقد عرف العالم منذ وجد الإنسان صراع الخير والشر والحق
والباطل، هذا الصراع الذي كان نتيجة لاختلاف البشر وتباين عقائدهم واختلاف مصالحهم، وحب كل منهم -إلا من رحم الله- للعلو في الأرض وتحصيل أكبر قد من الخير لنفسه ولو على حساب الآخرين، ورغبة كل منهم في إبعاد الشر عن نفسه ولو على رءوس الآخرين.
ولقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسله إلى أهل الأرض مبشرين ومنذرين ومعلمين للناس طريق ربهم تبارك وتعالى ليعبدوا الله وحده دون سواه؛ وليقيموا العدل فيما بينهم، وقام الصراع بين حق وباطل: قام الصراع بين حق الرسل وأتباعهم، وباطل المكذبين ومن على شاكلتهم، وسيظل هكذا إلى قيام الساعة، كما قال رب العزة والجلال سبحانه:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: من الآية: 118، 119).
ولقد حارب البشر بعضهم بعضًا؛ لاستلاب أموالهم واحتلال أراضيهم واستعبادهم، ولقد وجدوا أنفسهم في مأزق خطير بعد اختراع آلات الدمار الحديثة؛ ولذلك فكر هؤلاء الشياطين في حروب أخرى يصلون من خلالها إلى مآربهم، في استلاب خيرات الآخرين وعلوهم عليهم، وكانت هذه الحرب الجديدة هي الحرب الإعلامية؛ وهذه الحرب تزداد أهميتها يومًا بعد يوم للأمور التالية:
أولًا: أنها أصبحت بديلًا لا مفر منه للحروب التقليدية القديمة، فلقد كانت الحروب الساخنة هي الملجأ الذي يلجأ الأقوياء إليه؛ لفرض أفكارهم وعقائدهم أو سلطانهم أو احتلال أراضي الآخرين وسلب الخيرات التي بين أيديهم، ولقد تصارع الأقوياء في الأرض فيما بينهم تسابقًا على الفريسة وتسلطًا على الآخرين، واليوم وجد الأقوياء من الدولة الغاشمة أنهم على شفا الهلاك إن استخدموا ما بأيديهم من السلاح الذري وغيره ضد بعضهم البعض، في سبيل
الاستعمار والسيطرة ونشر المبادئ والأفكار والأنظمة؛ ولهذا كان الإعلام بديلًا عن الحروب.
ثانيًا: لقد توسعت معاني الحرية الشخصية والسياسية في حياتنا الراهنة، وتبع ذلك كثرة المذاهب والأفكار والعقائد، ووجد كل مذهب وعقيدة وفكرة نفسه مرغمًا إلى إجادة فن الإعلان والدعاية؛ ليجد لنفسه مكانًا تحت الشمس في هذا العالم، وبذلك أصبحت الحرب الإعلامية من الأفكار والمبادئ قائمة على قدم وساق؛ ولذلك ازدهرت سوق الإعلام والدعاية.
ثالثًا: أن توق الناس ولهفتهم إلى جديد من الاختراعات المادية عودهم التبرم بالقديم والثورة عليه، وهيأ نفوسهم إلى الاحتفال بالجديد دائمًا، وفي غمرة هذه الانقلابات الخلقية تجددت المفاهيم والقيم والعقائد تجدد النماذج الحديثة للمخترعات والسيارات والملابس، وهذا من ألوان وأنواع الحرب الإعلامية.
رابعًا: الوسائل الضخمة للإعلام التي يسرتها المخترعات الحديثة جعلت للدعاية والإعلام شيئًا آخر، فقد أصبح العالم الآن كقرية صغيرة أمام الموجات التي تنقل ليس الصوت فقط؛ بل الصوت الصورة؛ ولذلك تخطت الحروب الإعلامية الحدود السياسية، لتدخل إلى عقر دار المخالفين بل إلى مخادع الزوجات.
وهكذا خلقت الآلات الحديثة كالراديو والتلفاز والصحافة عالمًا جديدًا هو عالم الصراع الفكري والإعلامي؛ لأن كل واحد يقدم ما لديه، وقد أشرت سابقًا إلى أن الصراع بين الحق والخير أو بين الحق والباطل، والشر والخير قائمًا على قدم وساق.
والإسلام -كعقيدة ونظام يتصل بحياة الناس صغيرها وكبيرها- يجد اليوم نفسه في صراع رهيب مع هذه الأنظمة والعقائد والأفكار الكثيرة، التي تملأ الأرض شرقًا
وغربًا.
وقد سبق أعداء الإسلام إلى استخدام وسائل الإعلام المختلفة ضد دين الله تبارك وتعالى وقد تنبه المسلمون اليوم لذلك؛ فدخلوا في الميدان ولا بد من إتقان المواجهة ضد هؤلاء الأعداء: {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف: من الآية: 8).
ب- موقف المسلم من الحرب الإعلامية ضد الإسلام:
الشبهات والاعتراضات ضد الإسلام كثيرة ومتعددة، وهي مسموعة ومقروءة، ولأن هذه الشبهات والاعتراضات تشكل عند بعض الناس عقبة حقيقية، تمنعهم من الإذعان للإسلام والإيمان به والدخول في سلك المؤمنين؛ كان لا بد من رد علمي شامل لأصول هذه الشبهات، ولأن كثير من مثيري هذه الشبهات والاعتراضات لا يريدون بها إلا إشغال للمسلمين وإنهاكًا لقواهم وإهدارًا لإمكانياتهم ورفعتهم؛ كان الواجب أن يقابل هؤلاء بما أمر الله سبحانه وتعالى به حيث يقول:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (الفرقان: من الآية: 63).
وأعني بذلك أن إشغال الأوقات بالردود على كل جاهل مضيعة للوقت؛ ولذلك لا بد من مسلكين ضروريين لكل داع إلى الله عز وجل وهذان المسلكان يعبران عن موقف المسلم من الحرب العدائية والإعلامية ضد الإسلام.
المسلك الأول: هو الرد العلمي الذي يعتمد الدليل والبرهان على شبهات المضللين واعتراضات المعترضين.
الأمر الثاني أو المسلك الثاني: الصفح الجميل والإعراض بالحسنى عن جهالات الجهلاء، وسفاهة السفهاء، وكلا الموقفين ثابتان بالكتاب والسنة.
فدليل الموقف الأول: هو هذا الحشد الهائل من آيات القرآن الكريم؛ التي نزلت جميعها ردًّا على شبهات واعتراضات المشركين واليهود والنصارى، فلم يترك
رب العزة والجلال سبحانه وتعالى شبهة لهم إلا وكشف زيفها وبطلانها، ولا اعتراضًا إلا ودمغ القائلين به بالحق.
من هذا على سبيل المثال: اتهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بافتراء القرآن وقد قال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: {قُلْ فَأْتُوا بعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (هود: من الآية: 13) وقال -جل ذكره- للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مبينًا مكانته واستحالة أن يأتي بهذا الكتاب من عند نفسه؛ مشيرًا إلى بعض الأدلة التي يعرفها عنه من عرفه وعايشه وشاهده، وذلك فيما قال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: من الآية: 48) أي ما كنت قارئًا ولا كاتبًا حتى تنقل مثل هذه الإخبار عن الأمم السابقة.
وقال الله تبارك وتعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (يونس: الآية: 16) أي: كيف أمكث فيكم أربعين سنة من عمري لا أنطق بكلمة من هذا ثم أبدأ في الكذب المطلق والافتراء على الله تبارك وتعالى وقول هذه الآيات التي لم يكن عندي علم بشيء منها قط.
وهكذا نجد أن الله تبارك وتعالى لم يترك مناسبة إلا وردَّ فيها على هذا الاعتراض الذي يتوجه إلى صلب رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو من يشكك في أمانته وصدقه، وتحدى الله عز وجل المجادلين والمكذبين له أن يأتوا بدليل واحد يثبت دعواهم في كذب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك لم يعد أمامهم إلا الإذعان أو الكفر والنكران؛ ولذلك قال الله تبارك وتعالى عن المكذبين:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام: من الآية: 33).
وفي الاعتراض على البعث ناقشهم الله سبحانه وتعالى وآتاهم الدليل تلو الدليل لإثبات البعث والنشور؛ فقال لهم سبحانه وتعالى ما معناه أن البعث الذي تكذبون به لا يختلف عن النشأة الأولى التي تنسبونها إلى الله، وأن الذي تقرون له بخلق السموات والأرض -وهي أكبر من خلقكم- قادر على إعادتكم للحياة مرة ثانية بعد أن تموتوا، وأن إحياء الأرض بعد موتها لا يختلف عن خلق الحياة في الأجساد المَيْتَة، ثم أن الرب سبحانه وتعالى قد أعاد إلى الحياة أناسًا وبهائمَ وطيورًا بأعيانها إلى الحياة مرة ثانية: كقتيل بني إسرائيل.
وهكذا في كل الشئون العقائدية والإيمانية جادل القرآن الكريم أرباب الشبهات، ودمغ باطلهم، وصدق الله في قوله:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء: من الآية: 18).
وفي الأوقات التي يضعف فيها المسلمون يتعالى استهزاء الكفار بالإسلام وأهله، ويؤدبنا الله تبارك وتعالى في مثل هذه الأوقات بآداب الإسلام من الصفح الجميل والتذرع بالصبر والإعراض عن الجاهلين، والفزع إلى الصلاة والاستئناس في هذه الفرية بحب الله ومرضاته، وحسن التضرع إليه، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (الحجر: 85) وكون الساعة آتية يعني أن كل مستهزئ سيبلغ جزاءه، وقال تعالى أيضًا:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (المزمل: 10) وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199).
وكل من لم يعرف ربه وخالقه وخالق هذا الكون، وفيما خلق، وإلى أين يسير؛ فهو جاهل، وما أكثر هؤلاء الجهلة في عصرنا الحاضر، وإن كانوا أمام الناس يحملون شهادات عليا.
وهم في الحقيقة من أجهل الناس وأكفرهم، وذلك
بجحودهم لخالقهم سبحانه وتعالى وهل هناك أظلم قلبًا وأعمى فؤادًا ممن لم يعرف خالقه وربه، وهل هناك أشد غباوة وإثمًا مما لم يقدم شيئًا لآخرته ينجو به من عذاب الله وسخطه.
والشاهد أن مقابلة هؤلاء الجاهلين بالصبر والصفح الجميل أحيانًا، وبدمغ باطلهم والرد عليهم أحيانًا أخرى هو المنهج الرباني الذي يجب أن يلتزمه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاة أن يعلموا أن لكل حادث حديث، وبالتالي يظهر موقف الإسلام من الحرب الإعلامية الموجهة ضد الإسلام.
أنتقل إلى نقطة أخرى:
جـ- مسئولية المسلم الإعلامية:
إنني في الحقيقة لا أود أن أنتقل من هذا العنصر، ولا أن أنهي حديثي عن الإعلام إلا بذكر مسئولية المسلم الإعلامية؛ كي تقوم الأمة كلها بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخصص أناس للوعظ والإرشاد وآخرين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو للدعوة والتعليم، وإنما جعل من كل مسلم داعية ومعلمًا وآمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، وحمَّل أمانة تبليغ العلم لكل من حمل علمًا.
وبهذا عبأ صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين جميعًا إعلاميًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:((نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع)) وقال: ((بلغوا عني ولو آية)) وقال: ((من رأى منكم منكرًا؛ فيلغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)).
وجاء القرآن الكريم كتاب الله ليعلن للمسلمين أنهم جميعًا أمة مرسلة، وأن شأنهم هو الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فهم مسئولون عن تعليم الناس دين الله تبارك وتعالى كما قال -جل ذكره-:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
وقوله تعالى: {مِنْكُمْ} هنا: ليس معناه التبعيض؛ بل معناه: ابتداء الغاية، كما هو معلوم في القواعد، أي: لتكونوا أمة يدعون إلى الخير، كما أقول لك مثلًا: ليكن منك رجل صالح، أعني: لتكن أنت رجلًا صالحًا، وجاء أيضًا قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} أي: هذه صفتكم، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله.
ومعلوم أن الموصوف بصفة بها لا يكون موصوفًا بها؛ إلا إذا كانت ملازمة له، فإذا انفكت عنه؛ لم يوصف بهذا الوصف، ومعنى هذا: أن الأمة الإسلامية لا تكون خير أمة إلا بتحقيق هذه الأوصاف الثلاثة الآنفة.
وكذلك جاء قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} والشهادة على الناس من لوازمها العلم بما عند الناس وإقامة الحجة عليهم، ولا تقوم الحجة إلا بالعلم والدعوة والجهاد والصبر.
وهكذا عبأ القرآن الكريم المؤمنين جميعًا للجهاد والدعوة، وحمل كل مسلم أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم على الذي لا ينكر المنكر بوسيلة من وسائل الإنكار الثلاث: اليد واللسان والقلب، أنه ليس على شيء من الدين؛ بل جرده من أقل الإيمان المنجي من عذاب الله، وهو مقدار حبة الخردل، وبهذا جعل الله سبحانه وتعالى من كل فرد آمن مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داعية، ولم يحتج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يجعل فئة خاصة تتولى هذا الأمر.
وهذه التعبئة الإعلامية جعلت من كل فرد حارسًا للشريعة، وقائمًا بأمر الله سبحانه وتعالى ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن عليكم ذلًا فلا يرفعه عنكم؛ حتى تعودوا إلى دينكم)) فجعل الذل نتيجة ترك جهاد