الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1.
ما تقدم من الأدلة مع مناقشة دليل القول الآخر.
2.
أنّ في هذا القول سدًّا لذريعة النزاع والاختلاف المتوقع بين المرتهنين.
3.
تفاوت الذمم، والراهن لم يرضَ بذمة المرتهن الجديد.
الفرع الثاني: رهن المرهون من المرتهن (الزيادة في الدين)
.
صورة المسألة: إذا رهن زيد عقارًا عند سعد، فزيد المدين هو الراهن، وسعد الدائن هو المرتهن، فهل لزيد أن يستدين دينًا آخر من سعد ويجعل ذلك العقار بعينه رهنًا عن الدين الجديد الثاني، فيضمُّه إلى الأول في الاستيثاق بالرهن الأول؟
الحكم:
فيه قولان:
القول الأول: لا يجوز رهن المرهون للمرتهن، ولو كانت قيمة الرهن كافية للدينين، ولو كانا من جنس واحد، فإن فعل فيبطل الثاني دون الأول، وهو مذهب الحنفية (1) والشافعية (2) والحنابلة (3) وابن حزم (4).
القول الثاني: يجوز رهن المرهون للمرتهن، فيكون رهنًا للدينين، وهو مذهب المالكية (5) والقول القديم عند الشافعية (6) وقول أبي يوسف (7) والمزني (8) وابن قيم الجوزية (9).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن هذا رهنُ مرهونٍ، ورهن المرهون لا يجوز، قياسًا على ما لو رهنه لطرفٍ آخر (10).
المناقشة: بالمنع من إلحاق الفرع بالأصل، فليست العلة في منع رهن المرهون لطرف آخر
(1) العناية 8/ 241، حاشية ابن عابدين 10/ 149 - 150.
(2)
الأم 3/ 154، نهاية المطلب 6/ 132، البيان 6/ 34.
(3)
كشاف القناع 8/ 153، الروض المربع 6/ 396.
(4)
المحلى 8/ 101.
(5)
حاشية الدسوقي 3/ 237، بشرط تساوي الأجلين ورضا الحائز للرهن سواء كان المرتهن الأول أو أمينًا غيره.
(6)
الحاوي الكبير 6/ 88، نهاية المطلب 6/ 132.
(7)
الأوسط 10/ 542، العناية 8/ 241، الاختيار 2/ 66.
(8)
نهاية المطلب 6/ 132.
(9)
الفروسية ص 299 - 300، ونُسب لابن تيميّة. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية 7/ 75.
(10)
نهاية المطلب 6/ 132.
كونه رهنًا لمرهون، بل لتفاوت الذمم، وحفظًا لحق المرتهن الأول، فإذا كان هو المرتهن الجديد فالذمة واحدة، والتوثق موجود، ولا منازع له في الوثيقة (1).
الدليل الثاني: أنه تعلق بجملة الرهن كل جزءٍ من أجزاء الدين الأول، فلم يبق فيه موضعٌ لتعلُّق حقٍّ آخر بخلاف الضمان، فإن محله الذمة، وهي متسعة لكل دينٍ يَرِد عليها (2)، ودليله أنه لو قضى الحق الأول إلا جزءًا يسيرًا لتعلق به الرهن.
المناقشة:
1.
أن هذا الحكم ليس متفقًا عليه، فعن أبي حنيفة رواية أنه إذا رهن شيئين بحق فتلف أحدهما كان الباقي رهنًا بما يقابله من الحق لا بجميعه (3).
الجواب: أن أبا حنيفة ليس ممن يعهد عنه روايتان (4)، وأن هذا مخالف للإجماع (5).
الرد: لأبي حنيفة رحمه الله روايتان في عدد من المسائل، كما هو حال سائر الأئمة (6).
2.
أنه لا أثر للفرق بينهما بسعة الضمان وضيق الرهن؛ لأن لهما أن يوسّعاه أضعاف ما هو متعلق به بأن يُغير الرهن (7).
3.
أن الحق الثاني لا ينافي الحق الأول، فيمكن أن يتعلق الحقان بهذا المرهون.
الدليل الثالث: أنها زيادة لا تلحق بالعقد فلا تصح، قياسًا على الزيادة في الثمن بعد لزوم البيع (8).
المناقشة: أنه تعليل بمحل النزاع، فللمخالف أن يقول: إنها زيادة تلحق بالعقد فتصح قياسًا على زيادة الرهن (9)، وهذا أصلٌ أقرب من القياس على البيع.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن للراهن أن يزيد المرتهن رهنًا مع رهنه أو
(1) الفروسية ص 301 - 302.
(2)
الفروسية ص 300، وفيه جواب عن دليل أو إيراد مقدر: قياس الرهن على الضمان.
(3)
الفروسية ص 300.
(4)
الواضح لابن عقيل 2/ 219.
(5)
الأوسط 10/ 541، أن من أدى بعض المال وأراد إخراج بعض الرهن فليس له ذلك .... إلخ
(6)
وكلام ابن عقيل في "الواضح" لعله أغلبي، ومن أمثلة نسبة الروايتين لأبي حنيفة: حاشية ابن عابدين 6/ 370، 10/ 156 - 157، شرح النووي على مسلم 3/ 435 - 436، 6/ 222، الإعلام لابن الملقن 5/ 54، المغني 11/ 423، 447، 512، 12/ 269.
(7)
الفروسية ص 300.
(8)
كشاف القناع 8/ 153.
(9)
يتضح بالدليل الأول للقول الثاني.
رهونًا) (1)، فكذلك يجوز أن يزيد المرتهن الراهن دينًا مع دينه أو ديونًا، قال الجويني في"نهاية المطلب":(فإذا لم يمتنع هذا في أحد الجانبين-وحكم العقود التساوي- لم يمتنع في الجانب الآخر، ولما منعنا الزيادة في الثمن بعد لزوم العقد منعناها في المثمن)(2) أي في عقد البيع.
المناقشة: أن الدين مستغرق للرهن وليس الرهن مستغرقًا للدين، بدليل سقوط الدين بكل الرهن وسقوط الرهن لا بكل الدين، ولذلك جاز دخول رهنٍ ثانٍ على أولٍ في دين واحد، ولم يجز دخول دينٍ ثانٍ على أولٍ في رهنٍ واحدٍ (3).
الجواب: عدم التسليم بالمقدمة الأولى، فالاستغراق المذكور حكمي، والنظر في الاستغراق الحقيقي الخارجي، فإن كانت قيمة الرهن أكبر من قدر الدين الأول فليس الدين مستغرقًا للرهن حينئذٍ، ولو لم يستغرقهما معًا، يكفي أن يكون توثقةً لجزء من الدين الجديد.
الدليل الثاني: قال ابن قيم الجوزية: (لما ملكا تغيير العقد ورفعه ثم جعل الرهن وثيقة بالدينين مَلَكَا أن يجعلاه وثيقة بهما مع بقاء العقد، وأي فائدة أو مصلحة حصلت لهما بتغيير العقد وفسخه وتعريض الحق للضياع بإبطال الرهن، ومعلوم أن الشارع لا يشرع ما هو عبث لا مصلحة فيه، فيقول إذا أردتما الزيادة في الدين فافسخا عقد الرهن وأبطلاه ثم زيدا فيه، فتغيير صفته أسهل عليهما وأقل كلفةً وأبين مصلحةً)(4).
الترجيح
الراجح جواز رهن الرهن من المرتهن ولو لم يفِ الرهن بالدينين معًا.
أسباب الترجيح:
1.
قوة الأدلة ومناقشة ما يعارضها.
2.
استناده للأصل في العقود والمعاملات.
3.
أن الشارع لا يشرع ما هو عبث لا مصلحة فيه، مثل أخذ الرهن ثم إعادته ليكون عن الدينين -كما يقوله أصحاب القول الأول-، وهذا مثل خلع الخف الأيمن ثم لبسه إذا أدخله قبل أن يغسل قدمه اليمنى (5)، ومثل رد اللقمة إلى السفرة ثم أخذها إذا قدمها له ضيف
(1) الأوسط 10/ 541، الإجماع ص 138، ومخالفة زفر قد تكون لاحقة للإجماع وقد تكون سابقة.
(2)
6/ 132.
(3)
الحاوي الكبير 6/ 90.
(4)
الفروسية ص 301.
(5)
الروض المربع 1/ 320 - 321.
آخر دون إذن المضيف (1).
تنبيه:
يشتبه بهذه المسألة ما لو كان للمدين الراهن رهنٌ بدين عند الدائن المرتهن، فطلب منه دينًا آخر فاشترط الدائن رهنًا آخر يستوعب ثمنه الدينين أو عرض المدين ذلك عليه، فمن العلماء من أجازه؛ لعموم أدلة مشروعية الرهن، ومنهم مَن منعه لشبهة الربا، جاء في"المدونة":(أرأيت إن ارتهنت من رجل جارية، قيمتها خمسمائة درهم بخمسمائة درهم أسلفته إياها، ثم جاءني بعد ذلك فقال: أسلفني خمسمائة أخرى. فقال: لا، إلا أن ترهنني جاريتك فلانة الأخرى بجميع الألف -وقيمتها ألف درهم- قال مالك: لا خير في هذا؛ لأن هذا قرض جر منفعة؛ ألا ترى أنه أقرضه على أن زاده في سلفه الأول رهنا)(2) وجاء في"المغني": (إذا كان له على رجل ألف فقال: أقرضني ألفًا بشرط أن أرهنك عبدي هذا بألفين. فنقل حنبل عن أحمد أن القرض باطل، وهو مذهب الشافعي؛ لأنه قرض يجر منفعة، وهو الاستيثاق بالألف الأول، وإذن بطل الرهن، فإذا قيل: أليس لو شرط أنه يعطيه رهنًا بما يقترضه جاز؟ قلنا: ليس هذا قرضًا جر منفعة؛ لأن غاية ما حصل له تأكيد الاستيفاء لبدل ما أقرضه وهو مثله، والقرض يقتضي وجوب الوفاء، وفي مسألتنا شرط في هذا القرض الاستيثاق لدينه الأول فقد شرط استيثاقًا لغير موجب القرض، ونقل أن القرض صحيح، ولعل أحمد حكم بصحة القرض مع فساد الشرط كيلا يفضي إلى جر المنفعة بالقرض، أو حكم بفساد الرهن في الألف الأول وحده وصححه فيما عداه)(3).
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 332.
(2)
6/ 359، وينظر 6/ 353،215.
(3)
6/ 508، الشرح الكبير 12/ 470، وبنحوه في "الحاوي الكبير" 6/ 246.