الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابن تيمية (1) إلى جوازه إذا كان الثمن حالًّا.
الترجيح
الراجح أن إجارة المؤجر غير جائزة وباطلة.
سبب الترجيح: ما ذكر من الأدلة على المنع وعلى البطلان.
الفرع الثاني: إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة
.
صورة المسألة: إذا استأجر إنسانٌ أجيرًا ليقوم له بعملٍ معيَّنٍ -وهو الأجير المشترك- فهل للأجير أن يستأجر غيره ليقوم عنه بهذا العمل أو لا؟
الحكم:
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: جواز ذلك، إلا إذا شُرط عليه أن يعمل بنفسه فلا يجوز، فإن أطلق فله أن يستأجر من يعمل عنه، وهو مذهب الحنفية (2) والحنابلة (3) وابن حزم (4).
القول الثاني: ليس له ذلك إلا إذا شَرَطَ هو ذلك أو جرى به العرف، وهذا تخريجٌ على قول المالكية:(لا يجوز للراعي أن يأتي براع بدله حيث كان معينًا) فإنه لا يأتي براع بدله ولو كان أجيرًا له (5).
القول الثالث: إن كانت الإجارة على عملٍ معينٍ-مثل أن يستأجر رجلًا ليخيط له ثوبًا- فيلزمه أن يعمل بنفسه، وإن كانت الإجارة على عملٍ في الذمة-مثل أن يستأجر رجلًا ليحصِّل له خياطة ثوب- فله أن يستأجر غيره، وهو مذهب الشافعية (6).
الأدلة: أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن الأصل الجواز، ولم يقم دليل من نص أو إجماع أو معنى صحيح يمنع مِن إجارة الأجير مَن يقوم بعمله.
الدليل الثاني: القياس على جواز الوكالة في سائر ما تدخله النيابة من العبادات والعقود
(1) مجموع الفتاوى 19/ 506، الأخبار العلمية ص 193، ونص على تحريمه بثمن مؤجل خلاف ما نسبه إليه بعضهم: مجموع الفتاوى 29/ 429 - 430.
(2)
فتح القدير 7/ 163، خلاصة الدلائل 1/ 446، البحر الرائق 7/ 516.
(3)
نص على الجواز في: المغني 8/ 56 - 57، 10/ 103، كشاف القناع 9/ 73، وذكرُ الشرط في "فتح الملك العزيز" 4/ 114، و"التنقيح المشبع" ص 278.
(4)
المحلى 8/ 197.
(5)
المدونة 5/ 307، الذخيرة 5/ 440، 500، الفواكه الدواني 2/ 180.
(6)
المهذب مع تكملة المجموع 16/ 221، وينظر: نهاية المطلب 8/ 74، العزيز شرح الوجيز 6/ 143 - 144.
وغيرها.
الدليل الثالث: عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا» (1).
وجه الدلالة: أن الأصل في العقود والشروط الجواز، وإجارة الأجير غيرَه جائزة ما لم يوجد شرط يخالفها.
الدليل الرابع: أنه إذا شرط أن يعمل بنفسه لم يرضَ إلا بعمله، وإذا لم يشرط ذلك جاز؛ لأن العادة قد جرت أن الصناع يعملون بأنفسهم وبأجرائهم (2).
الدليل الخامس: أنه إذا شرط أن يعمل بنفسه صار المعقود عليه العمل في محل بعينه فيستحق عينه كالمنفعة في محل بعينه، وإذا لم يشرط صار المستحق العمل، ويمكن إيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره، فهو بمنزلة إيفاء الدين (3).
دليل القول الثاني:
يمكن الاستدلال لهم على جواز إجارة من يقوم مقامه في حال الشرط بما استدل به أصحاب القول الأول، وعلى جوازه في حالة دلالة العرف بعموم أدلة إعمال العرف، كقوله
(1) رواه الترمذي، أبواب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس (3/ 27 - 28)(ح 1352)، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب الصلح (3/ 440)(ح 2353)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 607)(ح 2856)، وأعلَّ بكثير، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أبو داود، كتاب الأقضية، باب في الصلح (4/ 216 - 217)(ح 3594)، وأحمد (14/ 389)(ح 8784) والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 606)(ح 2855)، واختلف في تصحيحه وتضعيفه، فرواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم في صحيحه، باب أجر السمسرة (3/ 92) وقال الترمذي عن الأول:(حسن صحيح). وصححه الحاكم (4/ 101)، والثاني صححه ابن حبان (ح 5091) والحاكم (4/ 101)، وقال ابن كثير:(إسناده جيد). واختلف في قول عبد الحق الإشبيلي ففي "الإرواء" أنه صححه وفي "بيان الوهم" و"التلخيص" أنه ضعفه، وأعل الثاني بكثير بن زيد، قال الذهبي:(منكر). وقال عن الأول: (واه). وضعفه ابن حزم، وقال ابن الملقن عن الأول:(واه بمرة بسبب كثير هذا). وضعفه ابن حجر، وأكثر العلماء على تضعيف كثير، ولكن قال ابن رجب في جامعه (ح 32): (كثير هذا يصحح حديثه الترمذي، ويقول البخاري في بعض حديثه: هو أصح حديث في الباب. وحسَّن حديثه إبراهيم بن المنذر الحزامي وقال: هو خير من مراسيل ابن المسيب. وكذلك حسنه ابن أبي عاصم وترك حديثه آخرون منهم الإمام أحمد وغيره
…
وقد قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبدالله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قويت). السنن 6/ 65، وقال ابن تيمية:(وهذه الأسانيد -وإن كان الواحد منها ضعيفًا- فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضًا) وقال الشوكاني: (لا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنًا). وصححه الألباني. مجموع الفتاوى 29/ 147، بيان الوهم والإيهام 3/ 526 البدر المنير 6/ 688، التلخيص الحبير 4/ 1788، فتح الباري 6/ 44، نيل الأوطار 4/ 156، الإرواء 5/ 143.
(2)
خلاصة الدلائل 1/ 446.
(3)
فتح القدير 7/ 163.
: صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)(1) وهو الدليل الثاني للقول الأول، ويستدل لهم على المنع فيما عدا ذلك بأن المستأجر الأول إنما تعامل مع هذا العامل أو الصانع لا مع أجيره.
المناقشة: إذا عُلم من دلالة الحال أن مقصود المستأجر العمل لا العامل، كما لو كانت الإجارة على عمل في الذمة أو دل العرف على أن العامل يؤاجر غيره فلا معنى لقولنا:(تعامل مع هذا العامل)؛ لأنه لم يقصده لذاته، ولعدم الدليل السليم على المنع من ذلك، وقياسًا على حالة وجود العرف أو الشرط.
دليل القول الثالث:
يُمكن أن يستدل لهم على المنع إذا كانت الإجارة على عملٍ معينٍ بما استدل به أصحاب القول الأول أن المعقود عليه حينئذٍ العمل في محل بعينه فيستحق عينه كالمنفعة في محل بعينه، أما إذا كانت الإجارة على عمل في الذمة فاستدلوا على جوازه بأن معنى ذلك في التحقيق: استحققت عليك هذا العمل، فقد طلب أن يوقع المخاطب عملًا في عينٍ له إما بنفسه وإما بغيره (2).
المناقشة:
أولًا: كل إجارة لا تكون على منفعة عينٍ فهي إجارة على عمل في الذمة، وجائز في هذه الحالة عندكم أن يؤجر الأجيرُ غيرَه.
ثانيًا: إذا كانت الإجارة على عملٍ معينٍ فلا نُسلِّم قياسه على إجارة العين، لأن المستأجر قد لا يكون له قصدٌ في تخصيص عامل العمل المعيَّن، بل مقصوده حصول العمل، فيكون كالإجارة على عملٍ في الذمة.
الترجيح
الراجح جواز إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة إلا إذا شُرِط خلاف ذلك أو دل العرف أو القرينة على خلاف ذلك، كالنسخ، فإن الخطوط تختلف فليس له أن يؤاجر غيره إلا بإذن المستأجر، وهذا قول الجمهور، فإنّ من لم يذكر حالة الشرط أو قيام دلالة العرف في المسألة نصًا يوافق عليها حكمًا (3).
(1) رواه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه (7/ 65)(ح 5364)، واللفظ له، ومسلم، كتاب الأقضية (5/ 129)(ح 4477).
(2)
نهاية المطلب 8/ 74.
(3)
المغني 8/ 36، 10/ 105.