الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا. فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى فقال:«هل عليه من دين» قالوا: نعم. قال: «صلوا على صاحبكم» قال أبو قتادة: عليَّ دينُه يا رسول الله. فصلَّى عليه (1).
فضمن أبو قتادة رضي الله عنه دين الميت، ولما تقدم من أدلة مشروعية الكفالة وجوازها، ولانعقاد الإجماع على ذلك (2).
المطلب الثاني: حكم كفالة الكفيل وضمان الضمين
.
صورة المسألة: أما كفالة الكفيل فأن يكفل الأول الثاني، فالأول كفيل والثاني مكفول، فيكفل الثالثُ الأول، فالثالث كفيل الكفيل، وهكذا، أما ضمان الضمين -فعيلٌ بمعنى فاعل- فمثل ذلك.
الحكم:
كفالة الكفيل وضمان الضمين جائزان صحيحان في المذاهب الأربعة (3).
قال في"حاشية ابن عابدين": (يصح كفالة الكفيل)(4)، وقال في "شرح الخرشي":(وصح ضمان الضامن وإن تسلسل)(5)، وقال في "العزيز شرح الوجيز":(وتجوز الكفالة ببدن الكفيل كما يجوز ضمان الضامن)(6)، وقال في "المغني": (وإن ضمن الضامن ضامن آخر صح
…
والكفالة كالضمان في هذا المعنى جميعه) (7).
فإن كان الكفيل الثاني أو الضامن الثاني هو المكفول الأول أو المضمون عنه الأول بنفس الدين فقد أجازه الحنفية (8) وذهب المالكية إلى التفصيل (9)،
(1) رواه البخاري، كتاب الكفالة، باب من تكفل من ميت دينًا فليس له أن يرجع (3/ 96)(ح 2295).
(2)
الإجماع لا بن المنذر ص 141، مراتب الإجماع ص 113 - 114، مجمع الأنهر 2/ 130، بداية المجتهد مع الهداية 8/ 99، الفواكه الدواني 2/ 373، نهاية المحتاج 4/ 275، تكملة المجموع 14/ 369، المغني 7/ 71، كشاف القناع 8/ 225.
(3)
المبسوط 19/ 203، فتح القدير 5/ 436، مجمع الأنهر 2/ 143، حاشية الدسوقي 3/ 343 - 344، بلغة السالك 2/ 160 - 161، المهذب 14/ 403 مع تكملة المجموع، كشاف القناع 8/ 236، شرح منتهى الإرادات 3/ 385، 397.
(4)
7/ 596.
(5)
6/ 23.
(6)
5/ 163، 166.
(7)
7/ 87 - 88.
(8)
فتح القدير 5/ 436، مجمع الأنهر 2/ 143.
(9)
الشرح الكبير 3/ 341، وفيه:(أن يتداين رجلان دينا من رجل أو رجلين ويضمن كل منهما صاحبه فيما عليه لرب الدين فيمنع إذا دخلا على ذلك بالشرط لا على سبيل الاتفاق، إذ لا تلوم، واستثنى من المنع قوله (إلا في اشتراء شيء) معين (بينهما) شركة، ويضمن كل منهما الآخر في قدر ما ضمنه فيه فإنه جائز، (أو) في (بيعه) أي بيع شيء معين بينهما، كما لو أسلمهما شخص في شيء وتضامنا فيه، (كقرضهما) أي اقتراضهما نقدا أو عرضا بينهما على أن كل واحد منهما ضامن لصاحبه فيجوز (على الأصح)؛ لعمل السلف، بشرط أن يضمن كل صاحبه في قدر ما ضمنه الآخر فيه وإلا منع).
أما الشافعية (1) والحنابلة (2) فلا يجوزون ذلك.
الأدلة:
الدليل الأول: أن الدين ثابت في ذمة الضامن الأول فصح ضمانه، وجاز قياسًا على سائر الديون (3)، وكذلك الكفالة بالنفس في الدين.
الدليل الثاني: أن الدين ثابت في ذمة الضامن الأول فصح ضمانه وجاز قياسًا على الضمان الأول (4)، وكذلك الكفالة.
الدليل الثالث: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، ولم يرد ما يمنع ذلك من نص أو إجماع أو قياس، ولا يزيد ذلك العقد إلا توثيقًا.
أما الصورة الثانية، والتي يكون فيها طرفان كلٌّ منهما كفيل أو ضامن للآخر فأدلتها:
أدلة القول بالجواز:
أولا: الأدلة السابقة، فهي تشمل بعمومها هذه الصورة.
ثانيا: أن كل واحد منهما أصيل في نصف الدين وضامن في النصف الآخر، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وما عليه بالضمان، فالأول دين والثاني مطالبة (5).
أدلة القول بالمنع:
أولا: أن الضمان يقتضي إلزامه الحق، والحق لازم له فلا يتصور إلزامه ثانيا (6).
ثانيا: أن المضمون عنه والمكفول به أصل، فلا يجوز أن يصير الأصل فرعًا والفرع أصلا (7).
ثالثا: القياس على الشهادة، حيث لا يقبل من شاهد الأصل أن يكون أحد شاهدي الفرع؛ لأن الأضعف لا يَرِدُ على الأقوى.
(1) المهذب 14/ 403.
(2)
المغني 7/ 88، ونصَّ على أنه إن ضمن عنه دينًا آخر أو كفله في حق آخر جاز؛ لأنه ليس فرعا له في ذلك، كشاف القناع 8/ 230.
(3)
المغني 7/ 87.
(4)
المهذب 14/ 403.
(5)
فتح القدير 5/ 436.
(6)
المغني 7/ 88.
(7)
المغني 7/ 88،89، المهذب 14/ 403.
تنبيهات:
الأول: اختلف العلماء فيما يتعلق ببراءة المكفول عنه والمضمون عنه عند تعدد الكفلاء والضامنين (1).
الثاني: لو تكفل بالرجل كفيلان جاز أن يكفل كل واحد منهما صاحبَه، فيكون كفيلا عن المكفول به وعن الكفيل الآخر، فيكون فيها ثلاثة أطراف، أما في الضمان فلا يجوز، والفرق بينهما أن الكفالة التزام بإحضار بدنه لا بما في ذمته، فيلزمه إحضار المكفول به والكفيل، أما الضمان فإنه يستفاد به حق المطالبة، ولا فائدة في هذا الضمان لأن الحق ثابت في ذمته بالضمان الأول الذي عن الأصيل (2).
الثالث: من الصور المعاصرة لكفالة الكفيل وضمان الضمين تعزيز الاعتماد المستندي والاعتماد الظهير، والاعتماد المستندي هو تعهد مصرفي بالوفاء مشروط بمطابقة المستندات للتعليمات (3)، وتعزيز الاعتماد هو ضم ذمة المصرف إلى ذمة المصرف المصدر للاعتماد، من حيث التزام المصرفين أمام المستفيد بشروط الدفع في الاعتماد (4)، والاعتماد الظهير هو الاعتماد الصادر بضمان اعتماد آخر (5)، عندما يصدر للعميل الاعتماد المستندي من المصرف لصالح طرف ثالث، وهو المستفيد، فإن المصرف يكون وكيلًا وضامنًا للعميل، وبالتعزيز يقوم مصرف آخر بضمان هذا المصرف.
ومنها خطاب الضمان الخارجي، سواء قيل إنه وكالة وضمان كالاعتماد المستندي أو ضمان فقط، وخطاب الضمان تعهد من المصرف بكفالة العميل (ضمانه) ضمانًا لوفاء العميل بالتزامه أمام طرف ثالث (6)، فإذا ضم المصرف إليه خطابًا آخر فهو خطاب الضمان الخارجي، وهو من ضمان الضمين.
(1) ينظر بالإضافة للمراجع السابقة: المدونة 6/ 249، الموسوعة الفقهية 34/ 309، نظرية الضمان الشخصي ص 492، الكفالات المعاصرة 1/ 128.
(2)
المغني 7/ 88 - 89، تكملة المجموع 14/ 406.
(3)
المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للاعتمادات المستندية ص 240، البند رقم 2/ 1، المعاملات المالية المعاصرة لشبير ص 280.
(4)
المعايير الشرعية ص 255، ملحق ج، وجاء في ص 250: (مستند جواز التعهد من البنك المعزز
…
أنه من قبيل ضمان الضامن (كفالة الكفيل) وهي صحيحة).
(5)
المعايير الشرعية ص 241، البند رقم 2/ 3/2.
(6)
ينظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 641، فقه النوازل لبكر أبو زيد، خطاب الضمان 1/ 201.