الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: إحالة المحال
، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحوالة وحكمها
.
تعريف الحوالة
الحوالة في اللغة مشتقة من التحول، قال في "فتح الباري":(بفتح الحاء وقد تكسر)(1)، وهو التنقل من موضع إلى موضع؛ سميت بذلك لأنها تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه (2).
والحوالة في الاصطلاح:
1 -
عند الحنفية: نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه (3).
2 -
عند المالكية: طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى لامتناع تعلق الدين بما هو له (4). أو نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ بها الأولى (5).
3 -
عند الشافعية: عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة (6).
4 -
عند الحنابلة: انتقال مال من ذمةٍ إلى ذمةٍ بلفظها أو معناها الخاص (7).
وهذه تعاريف متقاربة في الجملة، وكلها تدور حول النقل.
وقد اختلف الفقهاء في حقيقة الحوالة هل هي بيع ومعاوضة أو استيفاء أو عقد إرفاق مستقل؟ على أقوال (8):
القول الأول: أن حقيقة الحوالة أنها بيع دين بدين جُوِّز للحاجة، وهو مذهب المالكية (9) والشافعية (10).
(1) 6/ 63.
(2)
مختار الصحاح، مادة حول ص 155، لسان العرب، مادة حول 13/ 202، المطلع ص 299، المصباح المنير، مادة حول ص 136.
(3)
اللباب 3/ 399، وزاد في التعريفات ص 98 نقل الدين وتحويله
…
إلخ، درر الحكام 2/ 5 مادة 673 من مجلة الأحكام العدلية.
(4)
شرح حدود ابن عرفة ص 423، مواهب الجليل 7/ 21.
(5)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3/ 325.
(6)
مغني المحتاج 2/ 251، نهاية المحتاج 4/ 267، تكملة المجموع 14/ 311 - 315.
(7)
المبدع 4/ 270، شرح منتهى الإرادات 3/ 398، كشف المخدرات 1/ 325.
(8)
ومعرفة حقيقة العقد جزء من تعريفه الاصطلاحي.
(9)
الذخيرة 9/ 250،242، حاشية الدسوقي 3/ 325، التاج والإكليل 7/ 21.
(10)
المهذب مع التكملة 14/ 318 - 319، كفاية الأخيار ص 315، مغني المحتاج 2/ 251. وقد عزوا هذا القول للحنفية في "الموسوعة الفقهية" 18/ 172 - 175 وللظاهرية في تحقيق "الروض المربع" 6/ 450، وقد قال ابن نجيم: (وخرج عن تمليك الدين لغير من هو عليه الحوالة، فإنها كذلك مع صحتها، كما أشار إليه الزيلعي). الأشباه والنظائر ص 309.
القول الثاني: أنها عقد إرفاق مستقل بنفسه، وهو مذهب الحنابلة (1).
القول الثالث: أنها استيفاء أو استيفاء وقرض، وهو قول للشافعية (2).
القول الرابع: أنها عقد توثقة، وهو قول للحنفية (3).
القول الخامس: أنها بيع عينٍ بعينٍ.
القول السادس: أنها بيع عينٍ بدينٍ.
القول السابع: أنها ضمانٌ بإبراء.
وهذه أقوال للشافعية (4).
القول الثامن: أنها مركبة من الاستيفاء والمعاوضة، وهو قول بعض الشافعية: كالبغوي (5) والجويني (6) والغزالي (7)، وهو قول أبي العباس ابن تيمية (8).
الأدلة (9):
دليل القول الأول: أن الدين الذي في ذمة المحيل يعتاض به عن الدين الذي في ذمة المحال عليه، فيسقط عنه الدين الذي للمحال بإسقاط الدين الذي له في ذمة المحال عليه، وكلاهما دينٌ، ولكنه جوِّز رخصة للحاجة وإن كان القياس منعه، ومن جهة أخرى أن المحال يبذل ما له في ذمة المحيل بما للمحيل في ذمة المحال عليه، وذلك حقيقة البيع.
دليل من قال إنها ليست معاوضة (10): أن الحوالة لو كانت بيعًا لما جازت لكونها بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض؛ لأنه بيع مال بجنسه، ولجازت بلفظ البيع، ولجازت بين جنسين كالبيع كله، ولأن لفظها يشعر بالتحول لا بالبيع، فعلى هذا لا يدخلها خيار، وتلزم
(1) المغني 7/ 56، شرح منتهى الإرادات 3/ 386، كشف المخدرات 1/ 325.
(2)
نهاية المطلب 6/ 511 - 512، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 793، مغني المحتاج 2/ 251، وعزاه الأخير لمنصوص "الأم" ولم أجده فيه، ينظر "الأم" 3/ 228 - 229، بل نص على القول الأول، كما في " الأم" 3/ 73.
(3)
بدائع الصنائع 6/ 30، الهداية مع فتح القدير 5/ 446، مجمع الأنهر 2/ 146.
(4)
نهاية المطلب 6/ 512، الأشباه والنظائر ص 793، وجعل الأقوال عشرة.
(5)
تكملة المجموع 14/ 319.
(6)
نهاية المطلب وعزاه لوالده 6/ 512 مع المقدمة ص 179.
(7)
تكملة المجموع 14/ 319.
(8)
مجموع الفتاوى 20/ 512 - 513، وأشار في شرح منتهى الإرادات 3/ 398 لشبه الحوالة بالمعاوضة والاستيفاء.
(9)
وأقتصر على أدلة أشهر الأقوال.
(10)
كالإبراء والإرفاق.
بمجرد العقد (1)، قال أبو العباس ابن تيمية:(وصاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاءً، فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي له في ذمة المحيل، ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحوالة في معرض الوفاء، فقال في الحديث الصحيح: (مطل الغني ظلم وإذا أُتبِع أحدكم على مليء فليتبع)، فأمر المدين بالوفاء ونهاه عن المطل، وبين أنه ظالم إذا مطل، وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليء، وهذا كقوله تعالى:{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} البقرة: (178) أمر المستحق أن يطالب بالمعروف وأمر المدين أن يؤدي بإحسان، ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص، وإن كان فيه شوب المعاوضة، وقد ظن بعض الفقهاء أن الوفاء إنما يحصل باستيفاء الدين بسبب أن الغريم إذا قبض الوفاء صار في ذمته للمدين مثله، يتقاص ما عليه بماله، وهذا تكلف أنكره جمهور الفقهاء، وقالوا: بل نفس المال الذي قبضه يحصل به الوفاء، ولا حاجة أن نقدر في ذمة المستوفي دينًا، وأولئك قصدوا أن يكون وفاء الدين بدين، وهذا لا حاجة إليه، بل الدين من جنس المطلق الكلي والمعين من جنس المعين، فمن ثبت في ذمته دين مطلق كلي فالمقصود منه هو الأعيان الموجودة، وأي معين استوفاه حصل به المقصود من ذلك الدين المطلق) (2).
الترجيح
الراجح أنها عقدٌ فيه معنى الاستيفاء ومعنى الإرفاق ومعنى التوثقة، ولا تنافي بينها، وفيها شوب معاوضة، كما في القول الأخير.
سبب الترجيح: أن عقد الحوالة على وفق القياس كسائر العقود (3)، وهذا يستبعد اعتبارها من بيع الدين بالدين، وإن كان منه صورٌ جائزةٌ، ولا يخفى تضمنه لهذه المعاني، بل قال الجويني:(وحاصل الخلاف أن الغالب على الحوالة معنى المعاوضة ومعنى الاستيفاء، فأما تضمنها المعنيين فلا خلاف فيه)(4).
حكم الحوالة
الحوالة جائزة، والأصل في جوازها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد استدل في "الذخيرة" لها بأدلة عامة فقال:(قوله-تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} المائدة: (2)، وهي
(1) المغني 7/ 56، وينظر تكملة المجموع 14/ 319.
(2)
مجموع الفتاوى 20/ 512 - 513.
(3)
إعلام الموقعين 3/ 172.
(4)
نهاية المطلب 6/ 512، وينظر في ثمار الخلاف الأشباه والنظائر للسيوطي ص 366.