الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث: إجارة المستأجر منافع الأجير
.
صورة المسألة: إذا استأجر مستأجرٌ أجيراً؛ ليعمل له، فهل له أن يؤجره لغيره؟
المسألتان السابقتان في منافع العين، وسبب إفراد منافع الأجير بالبحث أنّ بعضَ من يجيز إجارة المستأجر منافع العين يمنعه من إجارة منافع الأجير، أما على القول بالجواز فيدخل في الخلاف السابق من حيث تأجيره بمثل أجرته أو أقل أو أكثر، وهذه الصورة تشمل الأجير المشترك، وهو الأجير على عمل، والأجير الخاص، ويسمى الأجير الواحد، وهو الذي يؤجر نفسه مدةً معلومةً يستحق المستأجر النفع في جميعها.
الحكم:
في هذه المسألة قولان:
القول الأول: جواز إجارة منافع الأجير، وهو مذهب المالكية (1)، وأكثر الشافعية (2) وابن حزم (3) وأجازه الحنفية في العبد، ولم أجد لهم نصًّا في الحر (4).
القول الثاني: المنع من إجارة منافع الأجير، وهو مذهب الحنابلة (5) وبعض الشافعية (6).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: عدم الدليل المانع من ذلك، والأصل الجواز (7).
الدليل الثاني: أن منافع الأجير مملوكة للمستأجر بمقتضى عقد الإجارة، فجاز له التصرف المباح فيها، كسائر ما يملكه.
المناقشة: التسليم بذلك في الأجير المملوك؛ لأنه مملوك ومنافعه مملوكة، أما الأجير الحر فلا تدخل منافعه في يد المستأجر وضمانِه إلا عند وجودها (8).
الجواب: أن مراد الفقهاء بذلك أن منافع الحر لا تضمن بالتفويت، بل تضمن بالاستعمال
(1) المدونة 5/ 275، 300، البيان والتحصيل 8/ 464 - 465، التاج والإكليل 7/ 522.
(2)
العزيز شرح الوجيز 5/ 417، روضة الطالبين 4/ 104 - 105، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352 - 354.
(3)
المحلى 8/ 197
(4)
البحر الرائق 7/ 517، حاشية ابن عابدين 9/ 46، وينظر المبسوط 16/ 29 - 30.
(5)
التنقيح المشبع ص 275، كشاف القناع 9/ 72، الشرح الممتع 10/ 5.
(6)
العزيز شرح الوجيز 5/ 417، روضة الطالبين 4/ 104 - 105، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352 - 354.
(7)
ينظر المحلى 8/ 197.
(8)
ينظر الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352.
والتناول، كأن يستخدمه في عملٍ كُرهًا، مع أن في أصل المسألة خلافًا (1).
الدليل الثالث: أنه لا يلزم مستأجر العين أن يستوفي المنفعة بنفسه، فكذلك منافع الأجير، له أن يستوفيها بنفسه أو بمن يقوم مقامه، كأن يؤجرها.
المناقشة: أن الناس يتفاوتون في استخدام الأجير تفاوتًا كثيرًا، ومن شروط إجارة المستأجر للعين أن يكون الثاني مثله أو دونه في الانتفاع والضرر.
الجواب: قال في "المبسوط": (الاستخدام له حدٌّ معلومٌ بالعرف، فإذا كلَّفه فوق ذلك امتنع العبد منه، سواء كان المستأجر هو الذي يستخدمه أوغيره)(2)، ولا فرق بين الحر والعبد في ذلك.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -ذكر منهم-: ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه» (3).
وجه الدلالة: أنه كما لا يجوز أن يبيعه فيأكل ثمنه، فكذلك لا يجوز أن يؤجره فيأكل أجرته.
المناقشة: أن بيع الحر محرَّمٌ لذاته، ولما فيه من الكذب والخداع، وظلم الحرِّ المباع، وجعله عبدًا بذلك، وإجارة منافع الأجير ليس فيها شيءٌ من ذلك، وإنما هي إجارة لمنفعة ملكها المستأجر بطريقٍ مباحٍ.
الدليل الثاني: كراهة ابن عمر رضي الله عنهما لذلك وقوله: (الفضل للأول)(4).
المناقشة: أثر ابن عمر رضي الله عنهما خاص بما لو آجره بأكثر مما استأجره به، ويدل مفهومه على الجواز إذا آجره بمثل أجرته أو أقل.
الدليل الثالث: أن الحر لا يدخل تحت اليد، أو لا تثبت يد غيره عليه (5)، وعليه فالأجير الحر لا تدخل منافعه في تصرف المستأجر، فلا يملك أن يتصرف فيه بإجارته لغيره.
المناقشة: أن هذه القاعدة ليست محل اتفاق؛ لذا قال بعض الشافعية: (صرح به الأصحاب في مواضع كثيرة، ولم أجد في كلام الأصحاب ولا في الشريعة دليلًا عليه) ثم قال: (فالأرجح
(1) المرجع السابق، المغني 7/ 429 - 430، الروض 6/ 197.
(2)
16/ 30.
(3)
سبق تخريجه ص 48.
(4)
سبق تخريجه ص 61.
(5)
الأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 284، كشاف القناع 9/ 72.
عندي -والعلم عند الله- أن الحر يدخل تحت اليد) (1)، وقال بعض الحنابلة:(وإن قلنا تثبت صح)(2)، وقال بعضهم:(وحكى صاحب "التلخيص" وجهًا بثبوت اليد على منافع الحر دون ذاته، ورتّب عليه صحة إجارة المستأجر للأجير الخاص، وجزم الأزجي في "النهاية" بصحته)(3)، وعلى القول بصحة القاعدة فاليد إنما تثبت على منافع الحر فقط.
الدليل الرابع: أن العين المستأجرة جاز للمستأجر إجارتها؛ لأن أصلها مملوك، وكذلك العبد، أما الحر فليس مملوكًا، فكذلك منافعه.
الترجيح
الراجح جواز إجارة المستأجر منافع الأجير بالشروط السابقة في إجارة العين (4).
سبب الترجيح: الموازنة بين أدلة القولين وما ورد من مناقشات عليها.
تنبيهان:
الأول: من الصور المعاصرة لهذه المسألة إجارة الخدم والسائقين والعمّال؛ لأنهم أجراء خاصّون.
الثاني: مصطلح الإجارة المضافة مغاير للإجارة المضافة إلى مثلها، وصورتها أن تكون مدة الانتفاع بالعين المؤجرة لا تلي عقد الإجارة، مثل أن يستأجر بيتًا يسكنه في شهر رمضان، ويكون العقد بين الطرفين قد تم في شهر محرم من ذلك العام (5).
(1) الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352 - 354
(2)
تصحيح الفروع 7/ 229 - 230، الإنصاف 14/ 339 - 340.
(3)
تقرير القواعد 2/ 327، القاعدة الحادية والتسعون.
(4)
ص 59.
(5)
مجموع الفتاوى 30/ 158، مغني المحتاج 20/ 435.