الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث: أن الكفالة بالنفس فيها ضمانٌ لما عليه في الذمة بعقد فلم يصح للغرر.
المناقشة: أن إحضار المكفول أمر معلوم مضبوط، ولو كان فيه جهالة فهي مغتفرة؛ لأنها يسيرة (1)، فإن تعذر إحضاره ضمن ما في ذمته (2)، وضمان المال (وتسمى كفالة غرم وأداء) مجمع عليه كما سيأتي (3).
الترجيح
الراجح جواز وصحة الكفالة؛ لما تقدم من الأدلة ولأنه قول الأئمة الأربعة، واجتماعهم مرجِّح وإلم يكن حجة.
الفرع الثاني: تعريف الضمان وحكمه
.
تعريف الضمان
الضمان لغةً الالتزام والكفالة والغرامة (4)، أصلها من الضمن وقيل من الضم، فعلى الأول قال في "مقاييس اللغة": (الضاد والميم والنون أصل صحيح، وهو جعل الشيء في شيءٍ يحويه
…
والكفالة تسمى ضمانًا من هذا) (5) واختاره في "المطلع"؛ لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، ولأن ذمة الضامن تصير في ضمن ذمة المضمون عنه، وعلى الثاني فذمة الضامن تنضم إلى ذمة المضمون عنه (6).
والضمان اصطلاحًا:
الضمان في اصطلاح أهل الشرع له إطلاقان: إطلاقٌ عام، وهو بمعنى إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات أو قيمته إن كان من القيميات لأسبابٍ معلومةٍ (7)، أو التزامٌ بتعويض مالي
(1) نظرية الضمان الشخصي ص 228،225.
(2)
الروض المربع 6/ 447.
(3)
ص 249.
(4)
المحكم، مادة ضمن 8/ 214، المصباح المنير، مادة ضمن ص 297، القاموس المحيط، مادة ضمن ص 1212.
(5)
مادة ضمن 3/ 372.
(6)
المطلع ص 297 - 298.
(7)
المادة رقم 416 من مجلة الأحكام العدلية، درر الحكام 1/ 448. فائدة: وضابط المثلي والقيمي عند الحنفية وابن تيمية أن كل ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت يعتدُّ به: فهو مثلي، وما ليس كذلك فقيمي، ونحوه عن الزهري والعنبري وداود، وعند الجمهور أن المثلي كل مكيل أو موزون يصح فيه السلم، وليس فيه صنعة مباحة، والقيمي ما ليس كذلك. درر الحكام 1/ 121، حاشية ابن عابدين 9/ 310 - 311، التمهيد لابن عبد البر 5/ 129، حاشية الدسوقي 3/ 446، معالم السنن 3/ 178، المغني 7/ 344، 361، شرح منتهى الإرادات 4/ 158، مجموع الفتاوى 30/ 332، الإنصاف 15/ 259.
عن ضررٍ للغير (1).
وإطلاق خاص، وهو بهذا المعنى باب من أبواب الفقه، وهو المراد بالبحث، فالضمان العام يكون بعقدٍ وبغير عقد بسبب من أسباب الضمان المعروفة، فيدخل في العقود بمعناها العام، والضمان الخاص عقد من العقود، وبعض الفقهاء يطلق الضمان والكفالة على كلٍّ من الضمان بالمال وبالنفس دون تفريق، وبعضهم يخص الضمان بالمال والكفالة بالنفس، وهذا يوافق قول أبي هلال العسكري:(الفرق بين الكفالة والضمان: أن الكفالة تكون بالنفس والضمان يكون بالمال، ألا ترى أنك تقول: كفلتُ زيدًا. وتريد إذا التزمتَ تسليمه، وضمنتُ الأرض. إذا التزمتَ أداء الأجر عنها، ولا يقال: كفلتُ الأرض؛ لأن عينه لا تغيب فيحتاجَ إلى إحضارها، فالضمان التزام شيء عن المضمون، والكفالة التزام نفس المكفول به، ومنه كفلتُ الغلام إذا ضممتَه إليك لتعوله، ولا تقول: ضمنتُه؛ لأنك إذا طولبت به لزمك تسليمه، ولا يلزمك تسلُّم شيءٍ عنه، وفي القرآن: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ولم يقل ضمنها، ومن الدليل على أن الضمان يكون للمال والكفالة للنفس أن الإنسان يجوز أن يضمن من لا يعرفه ولا يجوز أن يكفل من لا يعرفه؛ لأنه إذا لم يعرفه لم يتمكن من تسليمه، ويصح أن يؤدي عنه وإلم يعرفه)(2).
وتعريف عقد الضمان:
1 -
عند الحنفية: ضم ذمة الكفيل-أي الضامن- إلى ذمة الأصيل في المطالبة (3).
2 -
عند المالكية: شغل ذمةٍ أخرى بالحق (4).
3 -
عند الشافعية: التزام دين أو إحضار عينٍ أو بدنٍ (5).
4 -
عند الحنابلة: التزام ما وجب على غيره مع بقائه، وما قد يجب (6).
حكم الضمان
الضمان عقد جائز صحيح؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} يوسف: (72)(7)، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها فقال:«هل عليه من دين» قالوا:
(1) المدخل الفقهي العام 2/ 1035، وسبق التنبيه على دخول (ال) على (غير) ص 174.
(2)
الفروق اللغوية ص 233.
(3)
فتح القدير 5/ 389 وهو تعريف للضمان والكفالة، ينظر 5/ 429،311.
(4)
مختصر خليل مع مواهب الجليل 7/ 30.
(5)
حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 323، وهو تعريف للضمان والكفالة.
(6)
الروض المربع 6/ 426.
(7)
سبق كلام القرطبي وابن كثير في كونه أصلًا في الضمان.