المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع - العقود المضافة إلى مثلها

[عبد الله بن طاهر]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيدتعريف العقود والأصل في حكمها وقواعد إضافة العقود إلى مثلها

- ‌المبحث الأول: تعريف العقود

- ‌المبحث الثاني: الأصل في العقود

- ‌المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها

- ‌المطلب الأول: الأصل في العقود التي يجوز أن يقوم فيها غير المعقود معه مقامه

- ‌المطلب الثاني: قاعدة نقل المِلك بنفس العقد المستفاد به المملوك

- ‌المطلب الثالث: قاعدة نفي الضرر

- ‌المطلب الرابع: قاعدة سد الذريعة

- ‌المطلب الخامس: ضابط فقهي

- ‌الفصل الأولعقود المعاوضات المضافة إلى مثلها

- ‌المبحث الأول: بيع المبيع

- ‌المطلب الأول: تعريف البيع وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المبيع

- ‌الفرع الأول: بيع البائع للمبيع

- ‌الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع

- ‌المبحث الثاني: الإجارة على الإجارة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإجارة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم إجارة المؤجِر العين المؤجرة وإجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة

- ‌الفرع الأول: إجارة المؤجِر العين المؤجَرة

- ‌الفرع الثاني: إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة

- ‌المطلب الثالث: حكم إجارة المستأجر العين المؤجرة

- ‌الفرع الأول: إجارتها لغير المؤجر

- ‌الفرع الثاني: إجارتها للمؤْجِر

- ‌الفرع الثالث: إجارة المستأجر منافع الأجير

- ‌المبحث الثالث: إقالة الإقالة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإقالة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم إقالة الإقالة

- ‌المبحث الرابع: مضاربة المضارب

- ‌المطلب الأول: تعريف المضاربة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: مضاربة المضارب

- ‌الفرع الأول: مضاربة المضارب (العامل) بدفع رأس المال لآخر

- ‌الفرع الثاني: مضاربة المضارب (العامل) بتقبل رأس المال من أجنبي

- ‌المبحث الخامس: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي

- ‌المطلب الأول: تعريف المزارعة والمساقاة وحكمهما

- ‌الفرع الأول: تعريف المزارعة وحكمها

- ‌الفرع الثاني: تعريف المساقاة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم مزارعة المزارع ومساقاة المساقي

- ‌الفرع الأول: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بدفع الأرض أو الزرع لآخر ليقوم بذلك

- ‌الفرع الثاني: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بتقبل أرض أو زرعٍ من أجنبي

- ‌المبحث السادس: استصناع الصانع (الاستصناع الموازي)

- ‌المطلب الأول: تعريف الاستصناع وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم استصناع الصانع

- ‌المبحث السابع: مقاولة المقاول (المقاولة من الباطن)

- ‌المطلب الأول: تعريف المقاولة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم المقاولة من الباطن

- ‌المبحث الثامن: الجعالة على الجعالة

- ‌المطلب الأول: تعريف الجعالة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم الجعالة على الجعالة

- ‌المبحث التاسع: إحالة المحال

- ‌المطلب الأول: تعريف الحوالة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم إحالة المحال

- ‌المبحث العاشر: السَّلَم المُوَازي (المتوازي)

- ‌المطلب الأول: تعريف السَّلَم وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم السلم الموازي (المتوازي)

- ‌الفرع الأول: إسلام المسلَم فيه بعينه

- ‌الفرع الثاني: الإسلام في مثل المسلَم فيه

- ‌المبحث الحادي عشر: تورُّق المتورِّق (إعادة التورُّق)

- ‌المطلب الأول: تعريف التورق وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم تورق المتورِّق (إعادة التورق)

- ‌الفصل الثانيعقود التبرعات المضافة إلى مثلها

- ‌المطلب الأول: تعريف الدين وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم استدانة المدين

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون

- ‌الفرع الثالث: استدانة المدين المعسر لقضاء دين الغرماء

- ‌الفرع الرابع: إقراض القرض

- ‌المبحث الثاني: توكيل الوكيل

- ‌المطلب الأول: تعريف الوكالة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم توكيل الوكيل

- ‌الفرع الأول: توكيل الوكيل إذا نهاه موكله عن التوكيل

- ‌الفرع الثاني: توكيل الوكيل إذا أذن له موكله في التوكيل

- ‌الفرع الثالث: توكيل الوكيل إذا أطلق موكله الوكالة

- ‌المبحث الثالث: إبضاع المبضَع

- ‌المطلب الأول: تعريف الإبضاع وحكمه

- ‌المطلب الثاني: إبضاع المبضَع

- ‌المبحث الرابع: إعارة المعار

- ‌المطلب الأول: تعريف الإعارة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم إعارة المعار

- ‌المبحث الخامس: إيداع الوديعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيداع وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم إيداع الوديعة

- ‌المبحث السادس: وقف الوقف

- ‌المطلب الأول: تعريف الوقف وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم وقف الوقف من قِبل الموقوف عليه

- ‌المبحث السابع: هبة الموهوب

- ‌المطلب الأول: تعريف الهبة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: هبة الموهوب

- ‌المبحث الثامن: إيصاء الوصي (الموصَّى) وتوصية الموصى له والموصي

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيصاء والوصية وحكمهما

- ‌المطلب الثاني: حكم إيصاء الوصي وتوصية الموصى له والموصي

- ‌الفرع الأول: إيصاء الوصي

- ‌الفرع الثاني: توصية الموصى له

- ‌الفرع الثالث: حكم توصية الموصي بالوصية

- ‌المبحث التاسع: إعتاق الرقيق

- ‌المطلب الأول: تعريف العتق والرِّقِّ وحكمهما

- ‌المطلب الثاني: حكم إعتاق الرقيق

- ‌الفرع الأول: إعتاق القِنّ

- ‌الفرع الثاني: إعتاق المبعَّض

- ‌الفرع الثالث: إعتاق المكاتب

- ‌الفرع الرابع: إعتاق أم الولد

- ‌الفرع الخامس: إعتاق المُدَبَّر وتدبيره

- ‌المبحث العاشر: مكاتبة المكاتب

- ‌المطلب الأول: تعريف المكاتبة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: حكم مكاتبة المكاتب

- ‌المبحث الحادي عشر: إقطاع المقطَع

- ‌المطلب الأول: تعريف الإقطاع وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم إقطاع المقطَع

- ‌الفصل الثالثعقود التوثقة المضافة إلى مثلها

- ‌المبحث الأول: رهن المرهون

- ‌المطلب الأول: تعريف الرهن وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم رهن المرهون

- ‌الفرع الأول: رهن المرهون من طرفٍ ثالثٍ

- ‌الفرع الثاني: رهن المرهون من المرتهن (الزيادة في الدين)

- ‌المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن)

- ‌المطلب الأول: تعريف الكفالة والضمان وحكمهما

- ‌الفرع الأول: تعريف الكفالة وحكمها

- ‌الفرع الثاني: تعريف الضمان وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم كفالة الكفيل وضمان الضمين

- ‌المبحث الثالث: إعادة التأمين

- ‌المطلب الأول: تعريف التأمين وحكمه

- ‌المطلب الثاني: حكم إعادة التأمين

- ‌خاتمة

- ‌ثبت تراجم الأعلام

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث والآثار

- ‌فهرس الإجماعات

- ‌فهرس الفوائد

الفصل: ‌الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع

‌الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع

، وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: بيع المشتري المبيعَ بعد قبضه.

صورة المسالة: إذا اشترى شخص سلعة شراءً تامًّا، وقبض السلعة، فهل يحق له أن يبيعها لطرفٍ ثالثٍ؟

الحكم:

لا تردُّد في جواز ذلك، فإن البائع قد انقطعت عُلَقه من المبيع، ومقتضى عقد البيع انتقال السلعة من البائع إلى المشتري وانتقال الثمن من المشتري للبائع، وتمامُ ملك المشتري للسلعة وتمام ملك البائع للثمن (1)، ويلزم منه إطلاق التصرف المباح لهما في ما آل إليهما، ولا يخالف في ذلك أحد، وعموم أدلة جواز البيع تشمله، والاستدلال لمثل هذا بآحاد الأدلة لا حاجة له.

وليس يصح في الأذهان شيءٌ

إذا احتاج النهار إلى دليل

المسألة الثانية: بيع المشتري المبيع قبل قبضه.

صورة المسألة: إذا اشترى شخص سلعة ولم يقبضها، فهل يجوز له أن يبيعها سواء كان المشتري الجديد هو البائع أو طرفٌ ثالثٌ؟

تحرير محل النزاع:

أجمعوا على تحريم بيع الطعام قبل قبضه (2)، واختلفوا في بيع المشتري غير الطعام قبل قبضه، وذلك على صورتين:

الصورة الأولى: بيع غير الطعام على بائعه قبل قبضه، وفيه قولان:

القول الأول: أنه لا فرق بين بيع المبيع قبل قبضه لبائعه أو لغيره، فما حرم بيعه لغير البائع حرم للبائع، وعليه فقهاء المذاهب الأربعة (3).

(1) ينظر مثلًا: المغني 6/ 39، 166 - 167.

(2)

نقله ابن المنذر والخطابي وابن عبد البر وابن رشد الحفيد، ونقله عن ابن المنذر جمع منهم النووي وابن قدامة وابن تيمية. الأوسط 10/ 146، الإشراف 6/ 50، معالم السنن 5/ 130، التمهيد 16/ 520 - 521، بداية المجتهد 7/ 228، المجموع 10/ 413، المغني 6/ 183، تهذيب السنن 5/ 131، ونُسب لعثمان البتي جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا، وعُدَّ ذلك شذوذًا وخرقًا للإجماع. المعلم بفوائد مسلم 2/ 165، التمهيد 16/ 530، المنهاج شرح صحيح مسلم 6/ 21، بداية المجتهد 7/ 228، تهذيب السنن 5/ 131، فتح الباري 5/ 598، ونُسب لعطاء. المحلى 8/ 520، ولم أجده عند غيره.

(3)

بدائع الصنائع 5/ 296 - 297،494، حاشية ابن عابدين 7/ 384، التمهيد 16/ 521،531 - 532، الكافي ص 319، المنهاج مع نهاية المحتاج 4/ 45 - 46، مغني المحتاج 2/ 90، المغني 6/ 191، الشرح الكبير 11/ 509، شرح منتهى الإرادات 3/ 320 - 321.

ص: 33

القول الثاني: جواز ذلك، وهو وجه عند الشافعية (1) ورواية عن أحمد (2) واختيار أبي العباس ابن تيمية (3) وابن قيم الجوزية (4).

وأطلقوا القول بالجواز ولم يخصوه بغير الطعام.

وقبل ذكر الأدلة ما موقف أصحاب القول الثاني من الإجماع المنقول السابق؟

يحتمل أحد أمرين:

الأول: تخصيص جواز بيع المبيع من بائعه بغير الطعام؛ لمحل الإجماع، فجميع من نقل الإجماع من المتقدمين لم يخصّوا المنع بكون البيع لغير البائع.

الثاني: أن محل الإجماع هو بيع الطعام قبل قبضه لغير بائعه؛ لأن علة المنع ألا يربح المشتري في ما لم يضمن، وبيعه على بائعه بمثابة الإقالة، والاحتمال الثاني هو المذكور في كلام أبي العباس ابن تيمية: (

وكذلك نقل غير هؤلاء عن أحمد، وهذه الرواية أكثر في نصوص أحمد، وهي أشبه بأصوله، فإن علته في منع بيع دين السلم كونه مبيعًا فلا يباع قبل القبض، وأحمد في ظاهر مذهبه لا يمنع من البيع قبل القبض مطلقًا، بل له فيه تفصيل وأقوال معروفة، ولذلك فرق بين البيع من البائع وغيره، وكذلك مذهب مالك يجوِّز بيع المسلم فيه إذا كان عوضًا من بائعه بمثل ثمنه وأقل، ولا يجوز بأكثر، ولا يجوز ذلك في الطعام، وقال ابن المنذر: ثبت أن ابن عباس قال: (إذا أسلفت في شيء فحل الأجل، فإن وجدت ما أسلفت فيه، وإلا فخذ عوضا بأنقص منه) وهذا ابن عباس لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه. قال: ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام) (5) ثم قال: (ومالك لم يجوِّز بيع دين السلم إذا كان طعامًا؛ لأنه بيع، وأحمد جوَّز بيعه، وإن كان طعامًا أو مكيلًا أو موزونًا من بائعه، إذا باعه بغير مكيل أو موزون؛ لأن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه هو في الطعام المعين، وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء

فنهيه عن بيع الطعام قبل قبضه يريد به بيعه من غير البائع، فيه نزاع. وذلك أن من علله بتوالي الضمان يطرد النهي، وأما من علل النهي بتمام الاستيفاء وانقطاع علق البائع حتى لا يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى

(1) نهاية المحتاج 4/ 46، قال: (ومحل الخلاف إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع

فيصح).

(2)

الإنصاف 11/ 497.

(3)

الأخبار العلمية (الاختيارات) ص 188، الإنصاف 11/ 497، وينظر: مجموع الفتاوى 29/ 513، وسيأتي.

(4)

تهذيب السنن 5/ 137.

(5)

مجموع الفتاوى 29/ 505 - 506.

ص: 34

المشتري قد ربح فيه: فهو يعلل بذلك في الصبرة قبل نقلها، وإن كانت مقبوضة، وهذه العلة منتفية في بيعه من البائع، وأيضًا فبيعه من البائع يشبه الإقالة، وفي أحد قولي العلماء تجوز الإقالة فيه قبل القبض، والإقالة هل هي فسخ أو بيع؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، فإذا قلنا: هي فسخ لم يجز إلا بمثل الثمن، وإذا قلنا: هي بيع ففيه وجهان، ودين السلم تجوز الإقالة فيه بلا نزاع، فعلم أن الأمر في دين السلم أخف منه في بيع الأعيان، حيث كان الأكثرون لا يجوزون بيع المبيع لبائعه قبل التمكن من قبضه، ويجوزون الإقالة في دين السلم، والاعتياض عنه يجوز كما تجوز الإقالة، لكن إنما يكون إقالة إذا أخذ رأس ماله أو مثله، وإن كان مع زيادة، أما إذا باعه بغير ذلك فليس إقالة، بل هو استيفاء في معنى البيع لما لم يقبض، وأحمد جوز بيع دين السلم من المستسلف؛ اتباعًا لابن عباس، وابن عباس يقول:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه. ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام) فابن عباس لا يجوِّز البيع قبل القبض، وجوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح، ولم يفرق ابن عباس بين الطعام وغيره، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما؛ لأن البيع هنا من البائع الذي هو عليه، وهو الذي يقبضه من نفسه لنفسه، بل ليس هنا قبض، لكن يسقط عنه ما في ذمته، فلا فائدة في أخذه منه ثم إعادته اليه، وهذا من فقه ابن عباس، ومالك جعل هذا بمنزلة بيع المعين من الأجنبي، فمنع بيع الطعام المسلف فيه من المستلف، وأحمد لم يجعله كبيع الطعام قبل القبض من الأجنبي، كما قال مالك، بل جوزه بغير المكيل والموزون، كما أجازه ابن عباس، وأما بالمكيل والموزون، فكرهه؛ لئلا يشبه بيع المكيل بالمكيل من غير تقابض إذا كان لم توجد حقيقة التقابض من الطرفين) (1).

ولذات العلة أجاز بيع المبيع قبل قبضه توليةً (2).

(1) مجموع الفتاوى 29/ 512 - 514.

(2)

وهي البيع برأس المال بلا ربح ولا خسارة. الروض المربع 6/ 166، واختيار ابن تيمية في "الإنصاف" 11/ 499، و"الأخبار العلمية" ص 187 - 188، وقد وافقه ابن عثيمين في جواز بيع المبيع قبل قبضه لبائعه، ولم يوافقه في جوازه توليةً. الشرح الممتع 8/ 368 - 370، وجوازه توليةً هو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة ومالك. مصنف ابن أبي شيبة (11/ 148)، القبس 16/ 519.

ص: 35

الأدلة:

أدلة القول الأول:

أدلة الجمهور بالإضافة للإجماع السابق هي النصوص المانعة من بيع المبيع قبل قبضه، فإنها بعمومها تشمل البيع للبائع، وهي:

الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه»

قال ابن عباس: (وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام)(1) وفي رواية عنه: (ولا أحسب كل شيء إلا مثله)(2).

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يقبضه» (3)

وفي لفظ: «فلا يبعه حتى يستوفيه ويقبضه» (4).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله» (5).

وعنه رضي الله عنه قال: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى (6).

الدليل الرابع: عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا ابتعت طعامًا فلا تبعه حتى تستوفيه» (7).

أدلة القول الثاني:

استدل من أجاز ذلك بأدلة أبرزها ما تقدم في كلام أبي العباس ابن تيمية، وهي:

(1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يُقبض وبيع ما ليس عندك (3/ 68)(ح 2135)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 7)(ح 3838).

(2)

وهو لفظ البخاري.

(3)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يُذكر في بيع الطعام والحكرة (3/ 68)(ح 2133)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 8)(ح 3845) بالرفع.

(4)

رواية لمسلم، الموضع السابق (5/ 9)(ح 3844).

(5)

رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 8 - 9)(ح 3848).

(6)

رواه مسلم، الموضع السابق (5/ 9)(ح 3849).

(7)

رواه مسلم، الموضع السابق (5/ 9)(ح 3850).

ص: 36

الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا أسلفت في طعام فحلَّ الأجل فلم تجد طعامًا فخذ منه عرضًا بأنقص ولا تربح عليه مرتين)(1)، وعنه -كما سبق- مرفوعًا:«من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه» ثم قال: (ولا أحسب كل شيء إلا مثله).

وجه الدلالة: أنه رضي الله عنه منع بيع المبيع قبل قبضه وأجازه في دين السلم؛ لأنه على بائعه، وليس في ذلك محذورٌ أصلًا؛ لأن علة النهي الربح في ما لم يضمن وتعلُّق البائع بالمبيع الذي لم يقبض، فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه.

المناقشة: التسليم بكون هذه العلة هي علة الحكم أو جزء العلة، ولكن بعض الأصوليين يقول: إن العلة المستنبطة إذا عادت على أصلها بالتخصيص بطلت (2)، فإن فائدة تخريج المناط (استنباط العلة) إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق في الحكم، وليس تقييد محل الحكم وإخراج بعض أفراده، وأما أثر ابن عباس فقد خالفه ابن عمر رضي الله عنهم فقال:(إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلفت فيه)(3)، والإسناد إليهما صحيح، ومعنى أثر ابن عمر رضي الله عنهما أنه ليس له إلا إنجاز السلم أو الإقالة منه، أما بيع المسلم فيه قبل قبضه لبائعه بعرض ونحوه فلا.

الدليل الثاني: أن بيع المبيع قبل قبضه من بائعه يشبه الإقالة، والإقالة جائزة في الجملة، أي سواء كان بالثمن الأول أم أكثر.

المناقشة: أن الإقالة فسخ ورجوع للعقد الأول -على ما سيأتي (4) - والبيع عقد، وقال ابن عبد البر:(ولم يختلف فقهاء الأمصار غير مالكٍ وأصحابه في أن الشركة والتولية في الطعام لا تجوز قبل أن تستوفى)(5)، فمن جعل الإقالة بيعًا فهو أولى بالمنع لدخوله في عموم أدلة المنع السابقة.

الصورة الثانية: بيع المبيع من غير الطعام على غير بائعه قبل قبضه، والبيع على غير البائع

(1) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلعة يسلفها في دينار، هل يأخذ غير الدينار؟ (8/ 16)(ح 14120)، واللفظ له، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم ان يصرفه في غيره (11/ 32)(ح 21243).

(2)

ينظر: البحر المحيط 5/ 152، شرح الكوكب المنير 4/ 82.

(3)

رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يسلف في الشيء هل يأخذ غيره؟ (8/ 14)(ح 14106)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (11/ 32)(ح 21245)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (6/ 30 - 31) قال ابن حجر:(بإسناد جيد) الدراية 2/ 160، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة في الموضع نفسه.

(4)

ص 73

(5)

التمهيد 16/ 533، وينظر سياق كلامه، وقد سبق عزو هذا القول لبعض التابعين.

ص: 37

هو المقصود عند إطلاق بيع المبيع قبل قبضه، وفي المسألة أقوال كثيرة (1)، أشهرها ما يلي:

القول الأول: لا يصح ولا يجوز بيع المبيع قبل قبضه إلا العقار، وهو مذهب الحنفية (2).

القول الثاني: صحة وجواز بيع المبيع قبل قبضه إلا في الطعام -لأنه محل إجماع في الجملة-، وهو مذهب المالكية (3)، والأوزاعي في قولٍ (4)، وأبي ثور وابن المنذر (5).

القول الثالث: لا يصح ولا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا، وهو قول ابن عباس (6) وجابر (7) رضي الله عنهم.

(1) سبقت الإشارة لقولٍ شاذٍّ بالجواز مطلقًا.

(2)

المبسوط 13/ 10 - 11، بدائع الصنائع 5/ 296 - 298، تبيين الحقائق 4/ 79، البحر الرائق 6/ 193 - 194، حاشية ابن عابدين 7/ 383.

(3)

الموطأ (2/ 169 رواية يحيى) قال مالك رحمه الله: (الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه من اشترى طعامًا

فإن المبتاع لا يبيع شيئًا من ذلك حتى يقبضه ويستوفيه)، التمهيد 16/ 521،531، شرح الخرشي 5/ 163، الفواكه الدواني 2/ 120، وهذا يعم المأكولات والمشروبات، وفي رواية عن مالك استثناء الماء. التمهيد 16/ 521، 531، الفواكه الدواني 2/ 120.

(4)

التمهيد 16/ 521 - 522.

(5)

الإشراف 6/ 51.

(6)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يُقبض وبيع ما ليس عندك (3/ 68)(ح 2135)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 7)(ح 3836).

(7)

رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يشري الشيء مما لا يكال ولا يوزن هل يبيعه قبل أن يقبضه؟ (8/ 44)(ح 14235) من رواية أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وأحاديث أبي الزبير عن جابر صحيحة حيث وُجدت سواء صرَّح بالسماع والتحديث أو لم يصرِّح حتى يثبت أنه دلّسه عن غير مقبول، وقال عنه في "مراتب المدلسين":(مشهور بالتدليس) والصحيح قوله في "التقريب": (صدوق إلا أنه يدلس)، والمنهج الراجح في التعامل مع أحاديث المدلسين: أن المدلس إذا لم يكن محتجًا به لم يقبل حديثه؛ لضعفه وتدليسه، وإذا كان محتجا به، كقتادة والأعمش، فإلم يكن مكثرًا من تدليس الإسناد -بمعنى الإرسال وإسقاط الرواة- فإن حديثه عمن عُرف بالرواية عنه مقبول محمول على الاتصال، ولو لم يصرِّح بالسماع، إلا في ما دلَّسه فعلًا، فيرد ولو صرَّح فيه بالسماع، ويعرف تدليسه بالفعل بالاعتبار -جمع الطرق وسبرها- أو نصِّ أهل الشأن، وإنما ينظر في الصيغة والتصريح بالسماع:1.إذا كان مكثرًا من التدليس 2.لمعرفة ثبوت اللقي بمن يروي عنه، وهذا الثاني يشمل جميع الرواة، والراجح اشتراطه وعدم الاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقي خلافًا لمسلم، وهو مذهب الجمهور والمحققين، منهم الشافعي وأحمد وابن المديني والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وحكاه ابن عبد البر عن العلماء، واختاره ابن الصلاح والنووي والذهبي وابن حجر ينظر: شرح علل الترمذي 1/ 365 - 377، صيانة صحيح مسلم ص 61 سير أعلام النبلاء 12/ 573، والمنهج المذكور في أحاديث المدلسين هو مذهب أهل هذه الصنعة كابن المديني وابن معين، فقد سألهما يعقوب بن شيبة السدوسي: أفيكون المدلس حجة في ما روى أو حتى يقول حدثنا وأخبرنا؟ قال ابن معين: (لا يكون حجة في ما دلس) وقال ابن المديني: (إذا كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول حدثنا) الكفاية ص 400، وقال أحمد عن هشيم:(ثقة إذا لم يدلس) بحر الدم ص 441 ولم يقل إذا لم يعنعن، وقال مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 26):(وإنما كان تفقُّد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس) وهو قول عبد الله بن الزبير الحميدي وابن حزم وغيرهم. الكفاية ص 412، الإحكام 1/ 136 وإن كان ابن حزم وافق في التأصيل وخالف في التفريع، وأدلة ترجيحه تُذكر في موطنها. أما أبو الزبير فالأدلة على قبول ما رواه عن جابر بالعنعنة كثيرة، ألخص أهمها:1.أنه معروف بالرواية عنه بل جاء في الجامع للخطيب البغدادي (1/ 238،233) عن أبي الزبير قوله: (كان عطاء يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث) وعن عطاء قوله: (كنا نكون عند جابر بن عبد الله فيحدثنا، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه. قال: فكان أبو الزبير أحفظنا للحديث) ورواه الدارمي (ح 639)، فينبغي أن يكون حديثه عن جابر أصح حديثه. 2.أنه لم يصفه بالتدليس إلا النسائي وصفًا مجملًا، وقد ترجم له البخاري ومسلم وابن معين والعجلي وابن سعد وابن أبي حاتم والعقيلي والدولابي وابن حبان وابن عدي، ومنهم من هو قبل النسائي ومنهم من هو بعده، ولم يصفوه بالتدليس مطلقًا، وكان شعبة يقول: (لا يحسن يصلي) (رأيته يزن ويسترجح في الميزان) تهذيب الكمال 26/ 407، ولو علمه مدلسًا لما سكت عن ذلك، مع كونه لا يستحل السكوت عمن علم فيهم ضعفًا ومع قوله: (لأن أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس) الكفاية ص 393، ورد على شعبة جمع منهم ابن حبان في "الثقات" وابن عبد البر في "الاستغناء" والذهبي-كما سيأتي-، وكل من قدح في أبي الزبير غير النسائي لم يذكر فيه تدليسًا غير المتأخرين، بل قال أبو عبد الله الحاكم: (معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس، وهي متصلة بإجماع أئمة النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس، مثال ذلك) ثم أسند حديثًا مرفوعًا من رواية غير الليث عن أبي الزبير عن جابر وقال: (هذا حديث رواته بصريون ثم مدنيون ومكيون وليس من مذاهبهم التدليس، فسواء عندنا ذكروا سماعهم أولم يذكروه، وإنما جعلته مثالًا لألوفٍ مثله) معرفة علوم الحديث ص 188 - 190، وذكره الذهبي في "ذكر أسماء من تُكلم فيه وهو موثوق" وقال: (تكلم فيه شعبة، وقيل: يدلس) (ص 170) وهذا من دقته (ومن دقته تعليقه في السير عن عنعنة أبي الزبير 5/ 383). 3.أن النسائي نفسه روى له في سننه الصغرى 89 حديثًا بالعنعنة ونحوها عن جابر رضي الله عنه من أصل 102 حديثًا رواها عنه، وهو مشهور بشدة شرطه وببيان علل الحديث، ولم يُعلَّ منها حديثًا. 4.رواية مسلم لأبي الزبير عن جابر ما صرَّح فيه بالتحديث وما لم يصرِّح اعتمادًا واعتضادًا دون تفريق، حتى بلغ عدده 191 حديثًا، مع اشتراطه الصحة، ولم يكن ذلك محل استشكال عند المتقدمين -غير ابن حبان في مقدمة صحيحه-؛ لذلك صحح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم هذه السلسلة، وإنما استشكلها من جاء بعدهم فقالوا: إنها ثبتت من طرق أخرى بالسماع، وهذه كما قال ابن المرحل: (دعوى لا دليل عليها) ونحو ذلك لابن دقيق العيد. النكت على ابن الصلاح 2/ 635. 5.أن الدارقطني لم يستدرك في ما استدركه على مسلم حديثًا واحدًا من هذا الطريق بل قال: (وبقي على مسلم من تراجم أبي الزبير حديث كثير) التتبع ص 370، وقد جاء الأثر المذكور مصرحًا فيه بالسماع عند عبد الرزاق (8/ 43)(ح 14229).

ص: 38

والشعبي وعطاء (1) وزفر (2) والثوري (3) ومحمد بن الحسن (4) وابن حبان (5)، وهو مذهب الشافعية (6)، ورواية عن أحمد (7)،

(1) رواه عنهما ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من قال إذا ابتعت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه (11/ 151 - 152)(ح 21748،21750).

(2)

بدائع الصنائع 5/ 298.

(3)

التمهيد 16/ 526.

(4)

الموطأ برواية محمد بن الحسن ص 270، تبيين الحقائق 4/ 79، البحر الرائق 6/ 193 - 194.

(5)

صحيحه 11/ 360،358.

(6)

الأم 3/ 69 - 70، المجموع 10/ 405، المنهاج مع نهاية المحتاج 4/ 45 - 46، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 211.

(7)

المغني 6/ 189، قال في "مجموع الفتاوى" 29/ 506:(وهي رواية ضعيفة عن أحمد).

ص: 39

واختارها ابن عقيل (1)، وهو قول ابن حزم (2) وابن العربي (3) وابن تيمية (4) وابن قيم الجوزية (5).

القول الرابع: لا يجوز ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه إذا كان مكيلًا أو موزونًا، وهو قول عثمان رضي الله عنه والنخعي وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين، وعطاء في قولٍ، والحكم وحماد ابن أبي سليمان (6)، والأوزاعي في قولٍ (7)، وإسحاق (8)، وهو مذهب الحنابلة، وزادوا المذروع والمعدود (ضابطه عند الحنابلة ما بيع بتقديرٍ: كيل أو وزن أو عدٍّ أو ذرع) (9).

الأدلة:

دليل القول الأول: استدلوا على المنع في المنقول -غير العقار- بما سبق من أدلة، واستدلوا للجواز في العقار بأن الأصل في ركن البيع إذا صدر عن الأهل في المحل الصحة، والمنع لعارض الغرر، وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه، ولا يُتوهم هلاك العقار، فلا يتقرر الغرر، فبقي بيعه على حكم الأصل، وهو الجواز (10).

المناقشة: أن المنع لما في ذلك من ربح ما لم يضمن، ومن استياء البائع إذا رأى الربح في سلعته يؤول لغيره (11)، وهذا موجود في العقار.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن النصوص والإجماع محلهما الطعام، فدل على أن ما عدا الطعام يجوز بيعه قبل قبضه.

المناقشة:

(1) المغني 6/ 189، تقرير القواعد 1/ 376.

(2)

المحلى 8/ 518، وعزاه لعمر رضي الله عنه 8/ 520.

(3)

القبس 16/ 519.

(4)

الأخبار العلمية (الاختيارات) ص 187.

(5)

تهذيب السنن 5/ 132.

(6)

رواه عنهم إلا الحسن: ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، في بيع ما لا يكال ولا يوزن قبل أن يقبض (11/ 463 - 465)(ح 22919 - 22927)، ورواه عن الحسن وغيره ممن ذُكر عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يشري الشيء مما يكال ويوزن هل يبيعه قبل أن يقبضه؟ (8/ 43 - 44)(ح 14230 - 14236).

(7)

الإشراف 6/ 51، معالم السنن 5/ 133.

(8)

الإشراف 6/ 51، المغني 6/ 181.

(9)

المغني 6/ 181 - 182، الإقناع 2/ 234 - 235، شرح منتهى الإرادات 3/ 320 - 321، الروض المربع 6/ 185 - 187

(10)

بدائع الصنائع 5/ 298، العناية 5/ 266.

(11)

مجموع الفتاوى 29/ 508 - 513،511، تهذيب السنن 5/ 136 - 137.

ص: 40

1.

أن هذا من الاستدلال بمفهوم اللقب، وهو ضعيف (1)، أو بالبراءة الأصلية في المسكوت عنه، وقد ذكر المخالف أدلةً ترفع حكم البراءة الأصلية.

2.

أنه إذا نهي عن بيع الطعام قبل قبضه مع كثرة الحاجة إليه وعمومها، فغير الطعام بطريق الأولى، وهذا من مفهوم الموافقة الأولوي، وهو أقوى من مفهوم اللقب (2).

3.

أن تخصيص الطعام بالذكر في هذه الأحاديث مع وجود الأحاديث العامة من باب ذكر فردٍ من أفراد العام بما يوافق حكم العام، وذلك لا يقتضي التخصيص.

4.

أن ذكر الطعام خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له؛ لأن غالب التجارة حينئذ بالمدينة كانت فيه، فليس المراد تخصيص الحكم به (3).

الدليل الثاني: القياس على العتق، فقد أجمعوا على أنه لو اشترى مملوكًا فأعتقه قبل أن يقبضه أن ذلك جائز (4)، وذلك أن السلعة ليست من الطعام فكذلك البيع، ويدل عليه كون الملك للمشتري بمجرد العقد وقبل القبض في غير الطعام.

المناقشة:

1.

تشوف الشارع إلى العتق يقتضي ذلك، ولا يوجد مثل هذا المعنى في البيع (5).

2.

أن الشارع جعل للعتق من القوة والسراية والنفوذ ما لم يجعل لغيره (6).

3.

أن البيع من المعاوضات التي من شأنها الربح، فيقع بذلك في ربح ما لم يضمن، وفي إضرار البائع الأول، وليس كذلك العتق.

أدلة القول الثالث:

الدليل الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ابتعت زيتًا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع

(1) التحبير شرح التحرير 6/ 2945، ومفهوم اللقب من أنواع مفهوم المخالفة (دليل الخطاب)، فالطعام لقب، قال ابن قدامة –كما في التحبير-:(ولو كان مشتقًّا، كالطعام)، ومعنى مفهوم المخالفة: المعنى المستفاد من حيث السكوت اللازم للفظ، المخالف لحكمه. شرح الكوكب المنير 3/ 489،473، وينظر الإحكام للآمدي 3/ 83 - 84، 89.

(2)

تهذيب السنن 5/ 133، وينظر في مفهوم الموافقة المراجع السابقة.

(3)

تهذيب السنن 5/ 133، وينظر ما بعدها.

(4)

الإشراف 6/ 51 - 52.

(5)

فتح الباري 5/ 598.

(6)

تهذيب السنن 5/ 134.

ص: 41

السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (1).

وجه الدلالة: أن السلع تشمل المطعوم والمكيل والموزون والعقار والمنقول وغيرها، وقد نهي عن بيعها بنص الحديث قبل الحيازة.

المناقشة:

1.

أن ابن عمر رضي الله عنهما ممن روى أحاديث الباب فكيف يخفى عليه الحكم، فلا يخلو إما أنه خاص بالطعام؛ لأن المبيع كان زيتًا لذلك رواه ابن عمر بلفظ الطعام وإما أن الحديث ضعيف.

الجواب: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والسبب هنا سبب الرواية لا سبب الورود، أي سبب إيراد راوي الحديث واستشهاده به لا سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم له، واللفظ الذي نقله زيد س عام، والصحابي قد ينسى فإذا ذُكِّر تذكّر.

2.

تخصيص «السلع» بالطعام لما في الأحاديث الأخرى، وهي أصح.

الجواب: نفي التعارض الداعي للترجيح بالأصحية، أو للجمع بالتخصيص، فإنه -كما سبق- ذكر فردٍ من أفراد العام بما يوافق حكم العام لا يقتضي التخصيص.

الدليل الثاني: عن حكيم بن حزام رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعًا فما يحل لي منها وما يحرم عليَّ؟ قال:«فإذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه» (2).

(1) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى (5/ 358)(ح 3499)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 580)(ح 2794)، والحاكم، كتاب البيوع (2/ 40)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب قبض ما ابتاعه جزافًا بالنقل والتحويل (5/ 314)، وبنحوه رواه أحمد (35/ 522)(ح 21668)، وابن حبان، كتاب البيوع، ذكر الخبر المصرح أن حكم الطعام وغيره من الأشياء المبيعة فيه سواء (11/ 360)(ح 4984)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 580)(ح 2792 - 2793)، صححه ابن حبان والحاكم والنووي، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده جيد)، وقد أعله ابن حزم بجهالة أحمد بن خالد الوهبي، راويه عن ابن إسحاق، وجوابه من وجهين: أن أحمد قد وثقه ابن معين وغيره، وقد توبع، تابعه إبراهيم بن سعد الزهري، كما عند أحمد وابن حبان. وأعل بعنعنة ابن إسحاق، وجوابه من أوجه: أولًا أنه صرَّح بالسماع عند أحمد وابن حبان، ثانيًا أنه متابع، تابعه جرير بن حازم وغيره، كما عند الدارقطني، ثالثًا لو لم يفرض شيء من ذلك فالعنعنة بذاتها لا تقتضي تضعيف حديث ابن إسحاق حتى ينفرد بما يستنكر، والأصل أن حديثه حسن، ينظر سير أعلام النبلاء (7/ 48،41)، وأعله بعض المشايخ من المعاصرين بأن عبيد بن حنين لم يسمع من عبد الله بن عمر، ولم يعزه إلى أحد، ولم أجد من ذكر ذلك غيره. المحلى 8/ 524، المجموع 10/ 420، تنقيح التحقيق 4/ 56.

(2)

رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الطعام حتى يستوفى (4/ 39)(ح 14214)، وأحمد (24/ 32)(ح 15316)، وابن الجارود (ح 602 المنتقى مع غوث المكدود)، وابن حبان، كتاب البيوع، ذكر الخبر الدال على أن كل شيء بيع سوى الطعام حكمه حكم الطعام (11/ 358)(ح 4983)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 576)(ح 2783)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام (5/ 313)، فيه عبد الله بن عصمة الجشمي، قال عنه ابن حزم:(متروك) وقال عبد الحق الإشبيلي: (ضعيف جدًا) وضعفه ابن القطان، ولكن قال ابن عبد الهادي:(وكلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عبد الله بن عصمة هذا بالنصيبي أو غيره ممن يسمى عبد الله بن عصمة، والله أعلم) وقال ابن حجر: (وهو جرح مردود، فقد روى عنه ثلاثة واحتج به النسائي) والحديث قال عنه البيهقي: (إسناد حسن متصل) واستدركه ابن التركماني بما سبق عن عبد الحق ومن معه، وتقدم ما فيه، كما حسنه النووي، واحتج به ابن حزم، فقد أجاب عن علله، ومن منهجه ألا يحتج إلا بالحديث الصحيح عنده، وقال ابن عبد البر:(وهذا الإسناد وإن كان فيه مقال ففيه لهذا المذهب استظهار). التمهيد 16/ 528، المحلى 8/ 524،519، المجموع 10/ 420، بيان الوهم والإيهام 2/ 323، تنقيح التحقيق 4/ 55، التلخيص الحبير 4/ 1728، الجوهر النقي 5/ 313، نصب الراية 4/ 32، وينظر في عبد الله بن عصمة النصيبي: الكامل 5/ 352.

ص: 42

وجه الدلالة: أن (بيعًا) نكرة في سياق النهي فيعم كل بيع.

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتاب بن أسيد: «إني قد بعثتك إلى أهل الله وأهل مكة فانههم أن يبيعوا ما لم يقبضوا» (1).

الدليل الرابع: ما ثبت من النهي عن بيع ما لم يُضمن، وسيأتي ذكره وتخريجه -إن شاء الله- (2)، وما لم يقبضه المشتري فهو من ضمان البائع (3)، إلا إذا مكّنه من القبض وفرَّط المشتري في ذلك، وما لم يدخل في ضمان المشتري فليس له أن يربح فيه، والبيع مظنة الربح.

الدليل الخامس: قال ابن عبد البر في "التمهيد": (ومن حجة من ذهب هذا المذهب أن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه» وأفتيا جميعًا ألا يباع بيعٌ حتى يقبض، وقال ابن عباس: (كل شيء عندي مثل الطعام) فدلَّ على أنهما فهما من النبي صلى الله عليه وسلم المراد والمعنى) (4).

المناقشة: أن عثمان رضي الله عنه خالفهما في هذا الفهم.

الجواب: أنه رضي الله عنه لم يرو النهي مرفوعًا، وقول ابن عباس وجابر رضي الله عنهم قرينة على صحة فهم العموم، وليس حجةً على غيرهما من الصحابة.

أدلة القول الرابع:

الدليل الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه (5)، وفي رواية: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اشترى طعامًا بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى

(1) رواه البيهقي، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام (5/ 313) وقال:(تفرد به يحيى بن صالح الأيلي، وهو منكر بهذا الإسناد).

(2)

ص 57.

(3)

التمهيد 16/ 528، ومراده ببيع ما لم يضمن أي الربح في ما لم يضمن.

(4)

المرجع السابق.

(5)

رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى (5/ 356)(ح 3495)، والنسائي، كتاب البيوع، النهي عن بيع ما اشترى من الطعام بكيل حتى يستوفى (7/ 286)(ح 4604)، وفيه المنذر بن عبيد المديني، قال عنه ابن القطان:(مجهول الحال) وقال الذهبي: (وُثق) وقال ابن حجر: (مقبول). تقريب التهذيب مع الكاشف (رقم 6889 وينظر أصله).

ص: 43

يقبضه» (1).

وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث أن من ابتاع الطعام بغير الكيل أو الوزن فإنه لا يشترط قبضه.

المناقشة: أننا نقول بهذا الحديث وبما استدللنا به من أدلة، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، مع كون أحاديث المنع المطلق من هذا القيد أصح من هذا الحديث وأكثر، وهذه الزيادة يمكن حملها على الغالب والمعتاد، فلا يكون إعمال مفهوم المخالفة فيها صحيحًا، بدليل فهم ابن عباس وجابر رضي الله عنهم وأغلب التابعين والفقهاء.

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ما أدركت الصفقة حيًّا مجموعًا فهو من مال المبتاع)(2).

وجه الدلالة: أن معنى الأثر أن ما وقع عليه العقد وهو لم يتغير عن حالته فهو من ضمان المشتري، وعليه فتملُّكه له حصل قبل قبضه، فجاز له بيعه.

المناقشة:

1.

أن هذا يدل على عدم اشتراط القبض مطلقًا، والمستدل يشترطه في المكيل والموزون.

2.

أن دخول المبيع في ملك المشتري لا يلزم منه جواز بيعه له قبل القبض؛ لذا سبق ذكر الإجماع على جواز عتق المملوك المشترى قبل قبضه.

3.

أنه لو تلف لكان من ضمان البائع عند المستدل (3)، وهذا ترك لظاهر الأثر مع الاستدلال به في غير محله.

كما أنه لا ملازمة بين جواز التصرف والضمان (4).

الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر رضي الله عنه جمله ووهبه له قبل القبض (5).

(1) رواه أحمد (10/ 139)(ح 5900)، وفيه ابن لهيعة، والراجح ضعفه مطلقًا، لكنه يعتبر به، وهوقول أحمد وابن معين وأبي زرعة وأبي حاتم والقطان والجوزجاني وابن حبان والنسائي وغيرهم، تهذيب الكمال 15/ 487. و (لا) نافية بمعنى النهي.

(2)

رواه البخاري تعليقًا بلفظ: (من المبتاع)، كتاب البيوع، باب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض (3/ 69)، ووصله الدارقطني، كتاب البيوع (2/ 652)(ح 2973).

(3)

المراد الحنابلة: المغني 6/ 184،181، الروض المربع 6/ 189، وينظر فتح الباري 5/ 602.

(4)

مجموع الفتاوى 30/ 276.

(5)

حديث جمل جابر رضي الله عنه رواه البخاري في مواضع، منها: كتاب البيوع، باب شراء الدواب والحمير (3/ 62)(ح 2097)، ومسلم، كتاب الرضاع (4/ 177)(ح 3641)، وتأتي بعض ألفاظه.

ص: 44

وجه الدلالة: أن الجمل ليس موزونًا ولا مكيلًا؛ لذا جاز التصرف فيه قبل القبض.

المناقشة:

1.

عدم التسليم بأن هذا التصرف كان قبل القبض، فقد استلم جابر الثمن وقال:(فانطلقتُ حتى ولَّيتُ) وفي رواية: (فجعل -يعني النبي صلى الله عليه وسلم يطيف بالجمل ويقول: «الجمل جملنا») ثم وفاه الثمن (1).

2.

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبع ما اشتراه بل وهبه، وإنما النهي عن بيع ما لم يقبض.

الترجيح

الراجح أنه لا يصح ولا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا.

أسباب الترجيح:

1 -

ما تقدم من أدلة ومناقشات.

2 -

أن حديث ابن عمر مع زيد رضي الله عنهم يتقوى بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه وبعموم النهي عن ربح ما لم يضمن، فيترجح الأخذ بدلالتهما.

3 -

أن إعمال كل الأدلة أولى من إهمال بعضها، وبهذا القول يتحقق ذلك.

4 -

أن الخروج من الخلاف في هذه المسألة يحصل بهذا القول، وهو من الخلاف المعتبر، فالبائع بعد القبض مسلَّم بصحة بيعه، والبائع بعد القبض معرَّض بيعه للبطلان على قول، ولا أحد يوجب عليه البيع قبل القبض ولا يستحبه.

تنبيهات:

الأول: المرجع في تحديد القبض إلى العرف، فقبض كل شيء بحسبه عند الجمهور (2)، وعند أبي حنيفة بالتخلية (3).

(1) ينظر ما رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من ضرب دابة غيره في الغزو (4/ 30)(ح 2861).

(2)

المجموع 10/ 425، المغني 6/ 186 - 188، فائدة: قال القرافي: (العوائد لا يجب الاشتراك فيها بين البلاد خصوصًا البعيدة الأقطار، ويكون المفتي في كل زمان يتباعد عما قبله يتفقد العرف، هل هو باقٍ أم لا؟ فإن وجده باقيًا أفتى به وإلا توقف عن الفتيا، وهذه هي القاعدة في جميع الأحكام المبنية على العوائد

فتأمل ذلك، فقد غفل عنه كثير من الفقهاء، ووجدوا الأئمة الأُوَل قد أفتوا بفتاوى بناءً على عوائد لهم، وسطروها في كتبهم بناء على عوائدهم، ثم المتأخرون وجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها وقد زالت تلك العوائد فكانوا مخطئين خارقين للإجماع، فإن الفتيا بالحكم المبني على مدرك بعد زوال مدركه خلاف الإجماع) الفروق 3/ 958، الفرق 161، وينظر نهاية المطلب 11/ 388، وقريبٌ من هذا قاعدةُ الفتوى التي نبَّه الأستاذ ابن لُب عليها الشاطبيَّ كما في "الإفادات والإنشادات" ص 152 - 154.

(3)

بدائع الصنائع 5/ 394 - 395، وعليه فالفرق بين قول الحنفية والشافعية في بيع المبيع قبل قبضه يسير؛ لأنه محصور في العقار، وقبض العقار عند الجميع بالتخلية والتمكين، وهو مشترط عند الجمهور.

ص: 45

فعلى القول الأول -وهو قول الجمهور- فالقيد المصرفي قبض للمبلغ المقيَّد، وقبض السلع البحرية بقبض بوليصة الشحن، وقبض الأسهم بدخولها في المحفظة، وقبض المعادن الدَّولية بقبض شهادات التعيين، وقبض السيارة إما أن يكون قبضًا تامًّا حقيقيًّا بإخرجها من مكانها إلى حوزة المشتري، وإما أن يكون قبضًا حكميًا بأحد هذه الأمور:

1: قبض استمارتها أو قبض عقد بيعها أو نقل ملكيتها، ولو بقيت في مكانها.

2: استلام البطاقة الجمركية الأصلية.

3: التعيين التام بإرسال مندوب أو نحوه من طرف المشتري مع امتناع المالك الأول بعد التعيين من التصرف فيها ولو كانت بحوزته حسًّا.

الثاني: الشراء والبيع الموازي للعملات: إجراء عمليات مؤقتة بين عملتين في السوق الحاضرة أو إجراء عمليات متزامنة في الوقت نفسه في السوق الآجلة لبيع العملة التي سبق شراؤها بسعر يتفق عليه حاضرا، أو شراء العملة التي سبق بيعها في السوق الحاضرة مع تحديد السعر للعملة العاجلة وفقا للسعر النقدي السائد، وللآجلة وفقا لسعر الفائدة بين العملتين، وهو غير جائز؛ لأنه لا يخلو من أمور: عدم التقابض بين العملتين، وهو شرط في صحة بيع وشراء العملات؛ لاتفاقها في علة الربا، أو المواعدة الملزمة بين طرفي عقد الصرف (1).

الثالث: بيع المشتري المبيع بثمن حالٍّ، وقد كان اشتراه بثمن مؤجل: يأتي في مبحث مستقل -بإذن الله-، وهو تورق المتورق (2).

(1) المعايير الشرعية، معيار المتاجرة في العملات ص 13،6، البند 2/ 9.

(2)

ص 163.

ص: 46