الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للموصي وإذنه معتبر.
أدلة حالة الإطلاق:
دليل القول الأول: أن الموصي أقامه مقام نفسه فجاز له أن يوصي كالأب إذا انتقلت له الولاية.
المناقشة: انتقال الولاية من الابن إلى الأب له مستند شرعي ظاهر، فهو أقرب العصبة، وأعلمهم-غالبًا- بمصلحة المولى عليه، ولا يوجد مثل هذا في وصي الوصي، مع مخالفته للأصول-كالوكالة ونحوها-.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن الوصي يتصرف بإذن من الموصي فلا يملك الإيصاء بدونه كالوكيل.
الدليل الثاني: أن الوصي لم يرض بتصرف الثاني.
دليل القول الثالث: يمكن أن يستدل له بأن تصرفات الوصي مقيدة بالنظر والمصلحة لمن في وصايته، فإذا كان الإيصاء من مصلحتهم جاز وإلا لم يجز؛ لعموم القواعد الشرعية وأدلة اعتبار المصالح واجتناب المفاسد.
الترجيح
الراجح أن الأصل عدم جواز إيصاء الوصي إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، بناء على نظر الوصي.
سبب الترجيح: -مع ما تقدم من الأدلة- أن نظر الوصي معتبر، ولا توجد أدلة قاطعة مانعة، وإنما هو ترجيح، والترجيح نسبي، ولكل حادثة أحكامها.
الفرع الثاني: توصية الموصى له
.
صورة المسألة: إذا أوصى لرجل بشيء من ماله فهل للموصى له أن يوصي بهذا الشيء لغيره؟ وهذا فيما إذا كانت الوصية لمعيّن يمكن صدور القَبول منه.
الحكم: حكم هذه المسألة مبني على أن التوصية لا تكون إلا بما يملك أن يوصي به، وعلامَ يثبت ملك الوصية؟ وقد اختلف العلماء في حصول ملك الموصى له المعيّن للوصية (الشيء الموصى به) على أقوال:
القول الأول: أن ملك الموصى له يثبت بالقبول بعد الموت، وهو مذهب الحنفية (1)
(1) الهداية 8/ 432، نتائج الأفكار والعناية 8/ 430، الاختيار 5/ 65، مجمع الأنهر 2/ 693، وعزاه ابن قدامة في "المغني" 8/ 419 لأهل العراق.
والحنابلة (1)، وهو قولٌ للمالكية (2) وقولٌ للشافعية (3).
القول الثاني: أن الملك موقوف مراعى بعد الموت، فإن قَبِلَ الموصى له تبيّنا أن الملك حصل بالموت، وإن رَدّ تبينا أن الملك لم يحصل، وهو مذهب المالكية (4) والشافعية (5) ووجه عند الحنابلة (6).
القول الثالث: أن الملك يحصل بالموت، وهو قول للمالكية (7) وقول للشافعية (8) ووجه عند الحنابلة (9)، وقول زفر (10).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن الوصية تمليك عينٍ لمعينٍ فيفتقر إلى القبول، فلا يسبق الملك القبول كسائر العقود (11).
الدليل الثاني: أن القبول من تمام سبب الملك، والحكم لا يتقدم سببه (12).
الدليل الثالث: أن القبول معتبر بالاتفاق، إنما الكلام في أثره وفائدته، وكل تمليك اعتُبر القبول فيه وجب أن يكون القبول مؤثرًا في تحصيل الملك فيه؛ حتى لا يتقدم حصول الملك عليه، وإدخال الأشياء قهرًا في أملاك الناس من غير ولايةٍ بعيدٌ عن قاعدة الشريعة، وإن ثبت
(1) المغني 8/ 419، الإنصاف والشرح الكبير 17/ 239، شرح منتهى الإرادات 4/ 451.
(2)
حاشية الدسوقي 4/ 224.
(3)
المهذب 17/ 406.
(4)
الذخيرة 7/ 152، عقد الجواهر الثمينة 3/ 411، التاج والإكليل 8/ 517، حاشية العدوي 2/ 226، منح الجليل 4/ 645.
(5)
نهاية المطلب 11/ 204 - 205، المهذب 17/ 406، نهاية المحتاج 6/ 71.
(6)
المغني 8/ 419.
(7)
نص خليل في " مختصره ": (وقبول المعيّن شرطٌ بعد الموت فالملك له بالموت) وهذا يحتمل القولين الأول والثاني، وقال بعض المالكية بالثالث كما في "حاشية الدسوقي" 4/ 424، و"مواهب الجليل" 8/ 518، وقد حصل اضطراب في نسبة مذهب الحنفية والمالكية إليهما في هذه المسألة، وهذا ما ظهر لي -والله أعلم-، يقارن بالموسوعة الفقهية الكويتية 43/ 269، الروض المربع بتحقيق المشايخ 7/ 557، وإنما استثنى الحنفية مسألةً واحدةً: أن يموت الوصي ثم يموت الموصى له قبل القَبول فيدخل الموصى به في ملك ورثة الموصى له استحسانًا والقياس أن تبطل. مجمع البحرين ص 827، نتائج الأفكار 8/ 432.
(8)
نهاية المطلب 11/ 204.
(9)
الإنصاف 17/ 239، نص عليه أحمد.
(10)
بدائع الصنائع 8/ 220.
(11)
شرح منتهى الإرادات 4/ 451.
(12)
شرح منتهى الإرادات 4/ 451.
لهم الخيار في الرد (1). وفي ذلك تعريض بالقول بأن الوصية كالميراث تُملك قهرًا، وهو نصٌّ عن أحمد ووجه لأصحابه، وهو القول الثالث في المسألة (2).
الدليل الرابع: أن الموصى له لو مات قبل موت الموصي بطلت الوصية، ولو كانت تثبت بمجردها لانتقلت لورثته، وهذا قول جمهور العلماء (3)، خلافًا للحسن وعطاء (4)، ودليل الجمهور أن الوصية عطية بعد الموت.
وما سبق من الأدلة -الأول والثاني والثالث- في اعتبار القبول، وهذا الدليل -الرابع- في اعتبار كونه بعد الموت مع حياة الموصى له.
دليل القول الثاني: ما سبق من أدلة القول الأول، ولكن القبول في الوصية ليس على قياس القبول في سائر العقود، وللموت أثرٌ بيّن في اقتضاء تحصيل الملك، فالمتوجه ربط الملك بالقبول في معرض التبين والاستناد لا في حقيقة الملك.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: أنه ملك يقتضيه الموت مع تقدم الإيصاء، فشابه الملك الذي يقتضيه التوريث، غير أنا نسلط الموصى له على الرد إن أراده حتى لا يدخل على اللزوم في ملكه ما لا يريده (5).
المناقشة:
1.
أن هذا بعيد عن قواعد الشريعة -كما سبق-، والميراث مستثنى من القياس، وما خرج عن القياس فعليه غيرُه لا ينقاس، والمقصود أن الموت له أثرٌ ولكنّ الأصلَ في كل تمليك عدا الإرث وجودُ القَبول.
2.
وجود فارق بين الفرع والأصل بأن ملك الوارث للتركة حصل بإلزام من له ولاية الإلزام، وهو الله سبحانه وتعالى، فدخلت التركة ملكه من غير قبول، وهذا الإلزام لا وجود له في الوصية، فلابد فيها من قبول.
الدليل الثاني: أن القبول لو كان له أثر لوجب أن يتصل بالإيجاب، فلما لم يكن كذلك، بل كان القبولُ المتصل بالإيصاء في حياة الموصي ساقطَ الأثر، دل على أن عماد الملك الموت بعد
(1) نهاية المطلب 11/ 205.
(2)
الإنصاف 17/ 239 - 240.
(3)
بطلان الوصية، حاشية ابن عابدين 10/ 355، مواهب الجليل 8/ 518، المهذب 17/ 407، الإنصاف 17/ 241.
(4)
المغني 8/ 413.
(5)
نهاية المطلب 11/ 205، فائدة: مما يوافق الميراث في هذا الحكم: نصف الصداق، فإنه يدخل في مِلك المطلق قبل الدخول حكمًا عند الجمهور. المغني 10/ 122، نهاية المطلب 13/ 42.
الإيصاء (1).
المناقشة: أن اشتراط اتصال القبول بالإيجاب هو الأصل، ولكن حق الموصى له لا يثبت بالموت نظرًا لطبيعة العقد، فالوصية تمليك بعد الموت، وقياسًا على العقود التي اختُلف في اشتراط اتصال القبول بالإيجاب فيها، وهي: الوقف على معين والوكالة والكفالة والحوالة والجعالة والضمان (2).
الترجيح
الراجح ثبوت الملك بالقبول بعد الموت، وأنقل كلام الشيخ ابن عثيمين في هذه المسألة من "الشرح الممتع":(والمسألة محتملة، فكلام المؤلف رحمه الله له قوة (3)؛ لأن ملك الموصى له للموصى به ملك مراعى، فإن قبل فهو ملكه من حين زال ملك الموصي عنه، وملك الموصي يزول عنه بالموت، والمذهب له وجهة نظر أيضًا؛ لأنه لم يثبت ملكه إياه إلا بالقبول، فكيف يكون نماء ملك غيره له؟ فالمسألة مترددة بين هذا وهذا، والقاضي إذا تحاكم الورثة والموصى له عنده يرجح ما يراه راجحًا، والأولى والأحسن والأحوط أن يصطلح الورثة والموصى له في مثل هذه الحال) (4).
وعليه فيجوز للموصى له أن يوصي بما أُوصي له به بعد القبول، ومما يرجح هذا القول أن في الأخذ به خروجًا من الخلاف، فإنه على كل احتمال إذا أوصى بعد الموت والقبول فقد أوصى في ما يملك، إلا أن يقال: الوصية تتضمن قبولًا حكميًا، وبه يتبين سبب الترجيح.
تنبيه:
إذا قلنا بأن الملك لا يثبت إلا بالقبول، فلمن يكون الملك بعد الموت وقبل القبول؟ على قولين: الأول: يكون للورثة، وهو مذهب الحنابلة (5) ووجه للشافعية (6)، والثاني: يبقى الملك للميت وهو وجه للشافعية وللحنابلة (7).
(1) نهاية المطلب 11/ 205.
(2)
ينظر صيغ العقود في الفقه الإسلامي ص 414 - 440.
(3)
وهو أن الملك مراعى كما قال الشافعية، حيث قال:(ويثبت الملك به -أي بالقبول- عقب الموت) وينظر: الروض المربع 7/ 558، ويحتمل أن يكون قول صاحب الزاد موافقًا لمذهب الحنابلة.
(4)
الشرح الممتع 11/ 149.
(5)
شرح منتهى الإرادات 4/ 451.
(6)
نهاية المطلب 11/ 206.
(7)
المرجع السابق، وتقرير القواعد 3/ 372، ومن المسائل التي نُصَّ فيها على ثبوت مِلكٍ لميت: ملك الميت للكفن، عند بعض الفقهاء. البيان 12/ 450، المغني 12/ 456، الإنصاف 26/ 525.