الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
أذكر فيها أبرز النتائج لهذا البحث، فأقول -وبالله التوفيق-:
إن العقود لها إطلاقان -شرعًا واصطلاحًا-، إطلاق عام، بمعنى الالتزام، وإطلاق خاص، بمعنى ارتباط الإيجاب بالقبول أو ما يقوم مقامهما بمثله.
الأصل في العقود الجواز والصحة، وهذه القاعدة الأولى التي ترجع لها عامة العقود المضافة إلى مثلها.
من القواعد التي يمكن أن يُردَّ إليها أغلب العقود المضافة إلى مثلها:
1.
أن الأصلَ في العقود اللازمة تحصيلُ العمل المعقود عليه ولو قام به غير المعقود معه، والأصل في العقود الجائزة أن يقوم المعقود معه بالعمل بنفسه.
2.
أن الملك التام يُسوِّغ مطلق التصرف، أما الملك الناقص (ملك المنافع) فيسوِّغ نقل الملك فيها بمثل العقد الأول إذا كان لازمًا -كالإجارة-، بشرط ألا يكون المتعاقد الجديد أكثر ضررًا في الاستيفاء.
3.
إذا تضمن العقد الثاني المضاف إلى مثله ضررًا بالمتعاقد الأول الذي لم تنقطع عُلَقُه بالمعقود عليه لم يجز ولم ينفذ إلا بإذنه أوبتدارك الضرر بالضمان ونحوه.
4.
كل عقد أضيف إلى مثله وكان حيلة على محرم فهو محرم.
5.
كل عقد أضيف إلى مثله يشترط لصحته ما يشترط لصحة العقد الأصلي.
العقود المضافة إلى مثلها على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: العقود الجائزة أو ما كان الأصل فيها الجواز، إما بالإجماع وإما على الراجح بعد الدراسة، والترجيح نسبي:
فبيع المشتري للمبيع بعد القبض جائز، وإقالة الإقالة -بمعنى العودة إلى العقد- جائزة، واستصناع الصانع والمقاولة من الباطن الأصل فيهما الجواز بشروط مفصَّلة في البحث، ومن ذلك جواز إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه إلا مع وجود شرط أو قرينة على خلاف ذلك، ويجوز للمستأجر أن يؤْجِر الشيء المستأجَر بمثل أجرتها أو أقل أو أكثر، فإن أَجَرَها على المُؤْجِر اشترط ألا يكون حيلةً على بيع العينة؛ لأن بيع المنافع عينةً كبيع الأعيان، ويجوز أن يضارب بتقبّل رأس مالٍ من طرف ثالث إذا لم يتضرر الأول، ويجوز أن يساقي أو يزارع طرفًا ثالثًا إذا لم يتضرر الأول، ويجوز لكلٍّ من المحال والمحيل أن يحيل على دين الحوالة؛ لأنه دينٌ ثابت مستقر، ويجوز للمتورِّق أن يتورق من البائع الأول أو من غيره، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون التورق الثاني من البائع الأول بقصد سداد الدين الأول بحيث ينتج
عن ذلك زيادة في الدين، ومنها: جواز استدانة المدين مطلقًا، سواء أكان موسرًا أم معسرًا، لحاجة نفسه أوغيره، محجورًا عليه أو غير محجور، ولا يجب عليه أن يستدين لقضاء حق الغرماء، وله أن يُقرِض المال المقتَرَض، كما يجوز إبضاع المبضَع إذا أذن له رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، بشروط مذكورة في البحث، وتجوز هبة الموهوب، ويجوز للموصى له أن يوصي بما أوصي له به بعد القَبول، كما يجوز للموصي أن يوصي بعد الوصية زيادةً على الوصية الأولى، سواء أوصى للأول، أم لآخر فيشتركان في الثلث، ويجوز للإمام أن يقطع المقطع إذا استرجعه من الأول بحق بشروط مفصّلة في البحث، وتجوز الزيادة في دين الرهن، وهو رهن الرهن من المرتهن، ولو لم يفِ الرهن بالدَّينَين، ويجوز ضمان الضمين كما تجوز كفالة الكفيل.
الضرب الثاني: العقود الممنوعة أو ما كان الأصل فيها المنع، إما بالإجماع وإما على الراجح بعد الدراسة، والترجيح نسبي:
بيع البائع للمبيع غير جائز مطلقًا، قبل لزوم البيع وبعده، وبيع المشتري للمبيع قبل قبضه غير جائز مطلقًا، وإجارة المؤجِر العين المؤجَرة غير جائزة ولا تصح، ومن ذلك عدم جواز مضاربة المضارب بدفع رأس المال لطرف ثالث إلا بإذن رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، ولا تجوز مساقاة المساقي ولا مزارعة المزارع بدفع الأرض لطرفٍ ثالث يعمل بدلًا عنه إلا بإذن رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، ولا يجوز أن يسلم في المسلَم فيه بعينه قبل قبضه، مع جواز أن يسلم في مثله بشرط عدم الربط بين العقدين، والأصل عدم جواز إعارة المعار إذا أطلق المعير الإعارة؛ لأنها إباحة، فإن صرَّح بالإذن أو المنع عُمل بمقتضى التصريح، ومنه عدم جواز إيصاء الموصى (الوصي) إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، وعدم جواز رهن المرهون لطرف جديد (ثالث) وعدم صحته، سواء في ذلك الراهن والمرتهن وسواء أكان الدين الأول أقل من قيمة المرهون أم لم يكن، وسواء أكان الرهن بيد المرتهن أم لم يكن إلا إذا أذن المرتهن للراهن بالرهن فيجوز ويفسخ الرهن الأول.
الضرب الثالث: العقود التي في حكمها تفصيل، وإن كانت العقود السابقة لا يخلو بعضها من تفصيل لكنَّ الأصل فيها ما ذُكر:
وهي الجعالة على الجعالة وتوكيل الوكيل وإيداع الوديعة ووقف الموقوف وإعادة التأمين، أما جعالة على الجعالة فإن كان العمل المتعاقد عليه جعالةً يراد به استحداث نتيجة جديدة كتعليم علم وبناء حائط وخياطة مخيط فإن كان لمعين تعيينًا مقصودًا فلا تصح الجعالة الثانية على هذا العمل، وإن كان لغير معين أو كان التعيين غير مقصود فتصح، وإن كان العمل المتعاقد عليه مما يراد إيجاده بإطلاق من غير تعيين فاعل كرد الضائع فتصح الجعالة على الجعالة
فيه، وأما توكيل الوكيل فمتى اقترن بالوكالة تصريح بالنهي أو الإذن في التوكيل عُمل بمقتضى التصريح، وإذا أطلق وقامت قرينة الإذن مثل ألا يكونَ الوكيل ممن يباشر عمل الوكالة بنفسه عادةً فيجوز له التوكيل، وإن كان -مع الإطلاق- يعجز عن مباشرة العمل بنفسه جاز له التوكيل في ما يعجز عنه، فإن كان قادرًا وهو ممن يباشر مثله هذا العمل فلا يجوز له التوكيل، وأما إيداع الوديعة عند غير من يحفظ مال المودِع أو المودَع عادةً فإن كان لغير عذر فليس للمودع أن يودع وإن كان لعذر كخوف الغرق والحرق فإن قدر على رد الوديعة لصاحبها أو وكيله المأمون فليس له أن يودع، وإلم يقدر فله أن يودع، ويقدّر الأصلح فيمن يودعها عنده، وأما وقف الموقوف من قبل الموقوف عليه فإما أن يرجع للعين الموقوفة، أي: الأصل، فلا يجوز ذلك؛ لأن المشغول لا يشغل، وإما أن يراد ثمرة الوقف وغلته فيجوز للموقوف عليه المعيَّن أن يقفها بحيث لا ينافي الوقف الأول وشروطه، وأما إعادة التأمين فيجوز إن كان التأمين الأصلي تعاونيًا وكانت إعادته كذلك، أما إن كان أحدهما تجاريًا فلا يجوز.
فتلخص لنا واحد وعشرون عقدًا جائزًا، وعشرة عقود ممنوعة، وخمسة عقود فيها تفصيل، فهذه ستةٌ وثلاثونَ بالتفصيل، وترجع في الإجمال إلى خمسةٍ وعشرينَ عقدًا.
هذا، ولله در ابن الوردي رحمه الله إذ يقول:
فالناس لم يُصنِّفوا في العلمِ
…
حتى يكونوا هدفًا للذمّ
ما صنَّفوا إلا رجاءَ الأجرِ
…
والدعواتِ وجميلِ الذكر
لكن فديتُ جسدًا بلا حسدْ
…
ولن يُضيعَ اللهُ حقا لأحدْ
واللهُ عند قولِ كل قائلِ
…
وذو الحِجا من نفسه في شاغل
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.