الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول.
وعند تناول مجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة لموضوع السلم وتطبيقاته المعاصرة تطرق العلماء المشاركون والأعضاء لمسألة السلم الموازي تطرُّقًا جزئيًّا؛ لذا خلا القرار الصادر في ذلك، من تعريف للسلم الموازي أو بيان حكمه، وجاء في آخره:(يوصي المجلس باستكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة)(1)، والمقصود الأول بذلك السلم الموازي، فقد قال مقرر جلسة المناقشة:(فكمقرر أرجو من الإخوة العلماء أن يولوا هذه المسائل المختلفة بالذات: (السلم الموازي) الجهد اللازم لهذه المسألة حتى تستبين الصورة في أذهاننا، وأن يقعِّدوها التقعيد اللازم حتى نستطيع أن نصدر فيها قرارًا سليمًا، وأراه من المسائل المعاصرة التي تحتاج إلى قرار من مجمعنا هذا إن شاء الله. وبالله التوفيق والهداية) (2).
ويأتي حكم كل صورة من الصورتين في فرع مستقل:
الفرع الأول: إسلام المسلَم فيه بعينه
.
للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال، ومن لم ينص على السلم نص على بيع المسلم فيه:
القول الأول: عدم جواز إسلام المسلم فيه مطلقًا، وهو مذهب الحنفية (3) والشافعية (4) والحنابلة (5)، وهو قولٌ لأبي العباس ابن تيمية (6).
القول الثاني: جواز إسلام المسلم فيه إلا أن يكون طعامًا، وهو مذهب المالكية (7).
(1) قرار رقم 85 (2/ 9) بتاريخ 1 - 6/ 11/1415. فقه النوازل 3/ 234.
(2)
ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، السلم وتطبيقاته المعاصرة للدكتور نزيه حماد ع 9، ج 149، ص 603، قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 79 - 85، المعايير الشرعية المعيار الشرعي للسلم، البند 6/ 1، ص 162،170، يلاحظ أن بعض العقود التي يظهر لها اسم جديد تجعل بعض الناظرين في حكمها يصنفها ضمن العقود المستحدثة، والنوازل المعاصرة، وهذا يرجع أولًا لتعيين المقصود بمسمى العقود المعاصرة، ثم للتصور الصحيح لها، ثم لسعة الاطلاع على المدونات المتقدمة، وبالنظر لهذا العقد نجد أن صورته الأولى منصوص عليها في مسألة إسلام المسلم فيه، أو بيع المسلم فيه، وأن صورته الثانية نصَّ عليها الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من المصنفين، وإن كانت الصورة الأولى أشهر وأظهر، ولكن تخصيص السلم الموازي بالصورة الثانية عند المعاصرين أكثر.
(3)
بدائع الصنائع 5/ 299،349، خلاصة الدلائل 1/ 378، فتح القدير 5/ 345، حاشية ابن عابدين 7/ 394.
(4)
نهاية المطلب 6/ 21، البيان 5/ 444، مغني المحتاج 2/ 92.
(5)
المستوعب 2/ 167، الإنصاف 12/ 292، كشاف القناع 8/ 118، وفي رواية عن أحمد جوازه من بائعه، وهو المسلم إليه. المغني 6/ 416، واختارها ابن قيم الجوزية بشرط أن يكون بقيمته أو أقل. تهذيب السنن 5/ 111 - 117.
(6)
مجموع الفتاوى 29/ 500.
(7)
الموطأ 2/ 189، المدونة 4/ 429 - 430، الكافي ص 342، التاج والإكليل 6/ 523، شرح الخرشي 5/ 227، واشترطوا: أن يعجل البدل، وأن يكون مما يباع المسلم فيه يدًا بيد، ومما يجوز أن يسلم فيه رأس المال، وألا يكون طعامًا.
القول الثالث: جوازه إذا كان بقيمته أو أقل، وهي رواية عن أحمد (1)، واختيار أبي العباس ابن تيميّة (2).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (3).
وجه الدلالة: أن بيع المسلم فيه مِن صرفه إلى غير عقد السلم، أما إذا قبضه وتم عقد السلم جاز له ذلك؛ لأنه حينئذ لم يصرفه إلى غيره.
المناقشة: قال أبو العباس ابن تيمية: (عنه جوابان: أحدهما: أن الحديث ضعيف، والثاني: المراد به ألا يجعل السلف سلمًا في شيء آخر، فيكون معناه النهي عن بيعه بشيء معين إلى أجل، وهو من جنس بيع الدين بالدين؛ ولهذا قال: «لا يصرفه إلى غيره» أي لا يصرف المسلم فيه إلى مسلم فيه آخر)(4).
الدليل الثاني: الإجماع، قال ابن قدامة:(أما بيع المسلم فيه قبل قبضه) يعني على غير المسلَم إليه (فلا نعلم في تحريمه خلافًا)(5).
المناقشة: قال أبو العباس ابن تيميّة: (وأما ما ذكره الشيخ أبو محمد في مغنيه
…
فقال رحمه الله بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلِف كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عند أحمد) (6) وقال ابن قيم الجوزية:
(1) الإنصاف 12/ 292.
(2)
مجموع الفتاوى 25/ 513، الإنصاف 12/ 292.
(3)
رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء ثم حوَّله إلى غيره (5/ 339)(ح 3468)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (3/ 385)(ح 2283)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 640 - 641)(ح 2945)، قال ابن حجر:(وفيه عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف، وأعله أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق وابن القطان بالضعف والاضطراب). وإنما أعله أبو حاتم بالوقف، وممن ضعفه المنذري وابن تيميّة وابن قيم الجوزية والألباني، وقال عنه الترمذي:(وهو حديث حسن). علل الترمذي الكبير ص 195، كتاب العلل لابن أبي حاتم (ح 1158)، مختصر السنن وتهذيب السنن 5/ 113،117، مجموع الفتاوى 29/ 519، التلخيص الحبير 4/ 1794، الإرواء 5/ 215، وجاء موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما، كما سيأتي ضمن أدلة القول الثالث.
(4)
مجموع الفتاوى 29/ 517،519، والجواب الثاني يؤيد القول الأول.
(5)
المغني 6/ 415، الشرح الكبير 12/ 292 - 293، وينظر نهاية المطلب 6/ 21.
(6)
مجموع الفتاوى 29/ 506، ثم قال ص 511:(ومالك استثنى الطعام؛ لأن من أصله أن بيع الطعام قبل قبضه لا يجوز، وهي رواية عن أحمد).
(وأما قولكم: إن المنع إجماع. فكيف يصح دعوى الإجماع مع مخالفة حبر الأمة ابن عباس وعالم المدينة مالك بن أنس؟ فثبت أنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس)(1).
الدليل الثالث: أحاديث النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن (2)، وأحاديث النهي عن بيع المبيع قبل قبضه (3).
وجه الدلالة منها: أن المسلَم فيه ثابت في ذمة المسلم إليه داخل في ضمانه، ولا يدخل في ضمان المسلم إلا بعد استيفائه، فلا يجوز أن يسلم فيه قبل ذلك، والسلم بيع، ولا أن يربح فيه؛ لأنه لم يضمنه.
المناقشة: أن النهي عن بيع المبيع قبل قبضه إنما هو في المعين أو المتعلق به حق توفية، أما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء (4).
الجواب: هذا صحيح فيما لو كان بيع دين السلم على مَن هو عليه، أي على المسلَم إليه المدين، ولكن محل البحث في بيع دين السلم على غير مَن هو عليه، والجمهور يمنعون الأمرين.
الدليل الرابع: أن المشغول لا يُشغل (5)، ومحل العقد مشغولٌ بالعقد الأول فلا يشغل بالثاني.
الدليل الخامس: نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر (6)، وبيع دين السلم من بيع الغرر؛ لأنه غير مستقر، ذلك أن وجوده محتمل وليس متحققًا، والمدين -المسلم إليه- غير قادر على تسليمه قبل أجله، كما أنه ليس دينًا في ذمة الطرف الجديد فيكونَ مقبوضًا له حكمًا.
دليل القول الثاني: أن أحاديث النهي عن بيع ما لم يقبض خاص بالطعام، فدل على جواز ذلك فيما عداه.
المناقشة:
1.
ورود أحاديث عامة في النهي عن بيع المبيع قبل قبضه، تشمل الطعام وغيره (7).
2.
أن النهي عن ربح ما لم يضمن نهيٌ عامٌّ، فيشمل كلَّ مسلَم فيه من طعام وغيره.
(1) تهذيب السنن 5/ 117.
(2)
سبق تخريجها ص 57.
(3)
سبق تخريجها ص 36.
(4)
تهذيب السنن 5/ 114.
(5)
الأشباه والنظائر 1/ 334.
(6)
سبق تخريجه ص 109.
(7)
سبق تخريجها ص 41 - 43.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا أسلفت في طعام فحلَّ الأجل فلم تجد طعامًا فخذ منه عرضًا بأنقص، ولا تربح عليه مرتين)(1).
المناقشة: أنه خالفه ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلفت فيه)(2)، ومعنى أثر ابن عمر أنه ليس له إلا إنجاز السلم أو الإقالة منه، أما بيع المسلم فيه قبل قبضه لبائعه بعرض ونحوه فلا، فغير بائعه بالمنع أولى.
الجواب: قد لا يكون هناك تعارض بين الأثرين، فالمقصود عدم الزيادة.
الرد: بينهما فرق ظاهر، فالأول يجيز أخذ شيء من غير جنس المسلم فيه تكون قيمته أنقص، والثاني يمنع من ذلك.
الدليل الثاني: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، وليس في المسألة ما يقتضي المنع، كالربا والغرر ونحوهما، كما أنه إذا باع المسلَم فيه بقدر القيمة لم يربح في ما لم يضمن.
الدليل الثالث: القياس على العوض الآخر في السلم، وهو الثمن المقدَّم.
والقياس على بدل القرض والثمن في المبيع، بجامع أن كلًّا من دين المسلم فيه وهذه الأصول دينٌ ثابتٌ، فيجوز الاعتياض عنه (3).
المناقشة: أن الثمن المقدم في السلم ليس بدين، بخلاف المسلم فيه، فهو دين السلم، فافترقا، ومن أوجه الحكمة في تجويز السلم الإرفاق بالعامل الذي لا يجد رأس المال، فكان لا بد له من مالٍ للتصرف به، وكذلك ثمن المبيع الآجل والبدل المقبوض قرضًا ليسا دينًا، بل كلٌّ منهما عين، فلا يقاس عليها دين السلم، إذ هو دين، وأما بدل القرض المؤجل فمحل خلاف مقرر في مكانه، ثم هو دين مستقر بخلاف دين السلم.
منشأ الخلاف:
الخلاف في هذه المسألة فرعٌ عن الخلاف في مسألة بيع المبيع قبل قبضه.
(1) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلعة يسلفها في دينار، هل يأخذ غير الدينار؟ (8/ 16)(ح 14120)، واللفظ له، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (11/ 32)(ح 21243)، قال عنه ابن المنذر:(وثبت عن ابن عباس). مجموع الفتاوى 29/ 505 - 506.
(2)
رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يسلف في الشيء هل يأخذ غيره؟ (8/ 14)(ح 14106)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (11/ 32)(ح 21245)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (6/ 30 - 31)، قال ابن حجر:(بإسناد جيد). الدراية 2/ 160، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة في الموضع نفسه.
(3)
مجموع الفتاوى 29/ 519.