الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: إعتاق الرقيق
، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف العتق والرِّقِّ وحكمهما
.
تعريف العتق والرق
في اللغة العتق خلاف الرق، وهو الحرية (1)، وله معانٍ أخرى، والرق بكسر الراء الملك وهو العبودية (2)، والمراد عبودية خاصة وإلا فالعبودية المطلقة لله وحده -سبحانه-.
وفي الاصطلاح العتق تحرير الرقبة (3) أو قوة حكمية يصير بها أهلًا للتصرفات الشرعية (4) أو رفع الملك الحقيقي الكائن لمسلم عن آدمي حي من غير تحجير منفعته (5).
والرِّقُّ عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاءً عن الكفر (6).
حكم العتق والرق
أجمع العلماء على صحة العتق وأنه من القربات (7)، وشرع ربنا عز وجل العتق في كفارة القتل والأيمان والظهار والوطء في رمضان، وفيه فضلٌ عظيمٌ، ويَعرِض له أحكام أخرى، كما في "المغني"، والرق جائز؛ لأنه شرط وجود العتق.
المطلب الثاني: حكم إعتاق الرقيق
(8)، وفيه خمسة أفرع:
الفرع الأول: إعتاق القِنّ
.
صورة المسألة: القِنُّ هو العبد الخالص، فهل يجوز له أن يعتق؟
تحرير محل النزاع: أما إعتاق نفسه فقال في "المغني": (لا يملك العبد أن يعتق نفسه)(9)، ولا يُقبل خلافٌ في هذا، إلا أن يملِّكه سيده؛ لأن العتق من خصائص المالك، وعتق العبد لما لا يملك من الغصب، والعبد لا يملك نفسه، ونُقل الإجماع في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده (10)، وأما إعتاقُ العبدِ غيرَه فمبني على مسألة: هل يملك العبد؟ فعلى القول
(1) المحكم، مادة العين والقاف والتاء 1/ 177، تهذيب الأسماء واللغات ص 668.
(2)
مختار الصحاح، مادة رقق ص 231، المصباح المنير، مادة رقق ص 196.
(3)
مواهب الجليل 8/ 446، المغني 14/ 344.
(4)
التعريفات ص 150، دستور العلماء 2/ 216، القاموس الفقهي ص 242.
(5)
مواهب الجليل 8/ 446.
(6)
التعريفات ص 114.
(7)
المغني 14/ 344، المحلى 9/ 183، مراتب الإجماع ص 260، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 581.
(8)
المراد وقوع العتق من الرقيق، فخرج عتيق المولى؛ لأنه أصبح حرًا بالعتق، كما في مسألة القضاة، والعتق فرع الرق، ولكن الرق ليس بعقد فدخوله في البحث للشبه، فهو إعتاق ما من شأنه أن يُعتَق.
(9)
14/ 397.
(10)
التوضيح لابن الملقن 32/ 38، والأولى أن يقال: إنه عتق لا يقع أصلا فلا حاجة إلى إزالته، وملك السيد باق.
بأنه يملك له أن يعتق، وعلى القول بأنه لا يملك فليس له ذلك.
فأما إذا لم يملّكه سيده فجمهور أهل العلم على أن العبد لا يملك (1)، خلافًا للظاهرية، ومنهم ابن حزم (2).
واستدل الظاهرية بدخول العبد في عموم قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} البقرة: (29) وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتاع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع» (3).
وجه الدلالة أنه قال: «وله مال» فدل أن العبد يملك، وبأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأذن لعبيده في التسري (4)، ونقل في "الجوهر النقي":(ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف)(5)، ولولا أنهم يملكون لما جاز لهم التسري؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يبح الفرج إلا بنكاحٍ أو ملكِ يمينٍ.
ومناقشة هذه الأدلة أن عموم الآية الأولى مخصوص بالعبد، وأن الحديث يراد به ما بيد العبد من مال سيده، وأن إضافة الملك إليه مجاز كما يقال: غنم الراعي وسرج الدابة وباب الدار، بدليل قوله:«فماله للذي باعه» فكيف يكون له مال وماله بعينه في تلك الحال لسيده إذا باعه؟ وأما أثر ابن عمر ومن معه رضي الله عنهم فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما خلافه (6)، وعلى فرض جواز التسري فلا يلزم منه أن العبد يملك ملكًا تامًا، قال أبو العباس ابن تيمية: (وقول القائل: يملكه صاحبه أو لا يملكه. في ذلك وفي نظائره، كقوله: العبد يملك أو لا يملك
(1) بدائع الصنائع 2/ 373، الأم 4/ 53 قال:(كما كان محرمًا أن يملك العبد بشيء أبدًا) وقال: (ولا يكون العبد مالكًا بحال) السنن للبيهقي 7/ 152، الاستذكار 16/ 150، المغني 6/ 259، 7/ 193، 9/ 123، وعزاه لعامة أهل العلم.
(2)
المحلى 9/ 216، الاستذكار 16/ 149، المغني 6/ 259، وهو قول للمالكية. حاشية الدسوقي 4/ 363، الفواكه الدواني 2/ 217.
(3)
رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب الرجل يكون له ممر أو حائط في شرب أو نخل (3/ 115)
(ح 2379) واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 17)(ح 3905) وليس فيه (وله مال)، ولفظ:(من باع عبدًا وله مال) رواه أحمد (ح 4552) وأبو داود (ح 3433) والنسائي (ح 4636) والترمذي (ح 1244) وابن ماجه (ح 2211 - 2212).
(4)
رواه ابن أبي شيبة، كتاب النكاح، ما قالوا في العبد يتسرى من رخص فيه (9/ 109)(ح 16535)، ورواه عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ونافع والنخعي وعمر بن عبد العزيز والشعبي وعطاء، ورواه عن ابن عمر البيهقي، كتاب النكاح، باب ما جاء في تسري العبد (7/ 152).
(5)
7/ 152، المراد ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
(6)
رواه البيهقي، الموضع السابق، ونقل توجيه الشافعي لأثر ابن عمر وابن عباس، وينظر توجيه ابن عبد البر في "الاستذكار"(16/ 150)، وممن كره تسري العبد: الحكم وابن سيرين، وحماد والنخعي -في قولٍ عنه-. مصنف ابن أبي شيبة، كتاب النكاح، من كره أن يتسرى العبد (9/ 110)(ح 16545 - 16549) وينظر المغني 14/ 478 - 479.
وأهل الحرب هل يملكون أموال المسلمين أو لا يملكونها، والموقوف عليه هل يملك الوقف أو لا يملكه؟ إنما نشأ فيها النزاع بسبب ظن كون الملك جنسًا واحدًا تتماثل أنواعه، وليس الأمر كذلك، بل الملك هو القدرة الشرعية، والشارع قد يأذن للإنسان في تصرف دون تصرف، ويملكه ذلك التصرف دون هذا، فيكون مالكًا ملكًا خاصًا، ليس هو مثل ملك الوارث، ولا ملك الوارث كملك المشتري من كل وجه، بل قد يفترقان، وكذلك ملك النهب والغنائم ونحوهما قد خالف ملك المبتاع والوارث) (1)؛ لذا قال في "تقرير القواعد": (إن العبد يثبت له ملك قاصر بحسب حاجته إليه، وإذا لم يثبت له الملك المطلق التام
…
كما أثبتنا له في الأمة ملكًا قاصرًا يبيح التسري بها دون بيعها وهبتها على ما سنذكره، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين) (2) أي ابن تيميّة.
وأدلة الجمهور عديدة منها قوله سبحانه وتعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} النحل: (75)، وفي آية 71 نوعُ دلالةٍ كذلك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«فماله للذي باعه» ، وحصول الإجماع من الأمّة على أن لسيد العبد أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ومن غير كسبه (3)، ولأن سيده يملك عينه ومنافعه، فما حصل بذلك يجب أن يكون لسيده كبهيمته (4).
وقد استدل بعض الحنفية بحديث لا أصل له: (لا يملك العبد ولا المكاتب شيئًا إلا الطلاق)(5).
وأما إذا ملَّكه سيده فجمهور أهل العلم على أنه لا يملك أيضًا للأدلة السابقة، وذهب مالك في قولٍ والشافعي في القديم (6) وابن قدامة وابن شاقلا وابن عقيل من الحنابلة (7) إلى أنه يملك؛ لأن المانع من الملك هو حق سيده وقد أذن، ولأدلة قياسية كثيرة مع ما سبق من أدلة الظاهرية.
وعليه فليس للعبد القن أن يعتق عند الجمهور مطلقًا، وله أن يعتق عند الظاهرية مطلقًا،
(1) مجموع الفتاوى 31/ 243.
(2)
3/ 336.
(3)
الاستذكار 16/ 150.
(4)
المغني 6/ 259 - 260.
(5)
بدائع الصنائع 2/ 373، وذكره كثير من المصنفين من الحنفية، قال في "نصب الراية" (4/ 165) (ح 6950):(غريب).
(6)
الموطأ 1/ 384، 2/ 338، ونسبه لهما في "المغني" 6/ 260، وجاء في "الفواكه الدواني" 2/ 165 عن حديث (من باع عبدًا وله مال):(إسناد المال للعبد يقتضي أنه يملك، وهو كذلك) إلخ.
(7)
المغني 6/ 260، 11/ 106، تقرير القواعد 3/ 332.