الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن)
(1)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الكفالة والضمان وحكمهما
، وفيه فرعان:
الفرع الأول: تعريف الكفالة وحكمها
.
تعريف الكفالة
الكفالة لغةً التحمل والالتزام والضمان (2).
واصطلاحًا:
1 -
عند الحنفية: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة مطلقًا (3)، وقالوا: ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة (4)، والأول أوضح والثاني سالم من الدور.
2 -
عند المالكية: إحضار ذات المدين وقت الحاجة إليه (5).
3 -
عند الشافعية: التزام إحضار المكفول أو جزءٍ شائعٍ منه أو ما لا يبقى بدونه كرأسه أو قلبه أو روحه حيث كان المتكفل بجزئه حيًا (6).
4 -
عند الحنابلة: التزام رشيد إحضار مَن عليه حق مالي لربه (7).
5 -
ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عنه في التزام إحضاره (8).
حكم الكفالة من حيث الأصل (9).
فيه قولان:
القول الأول: جواز الكفالة وصحتها، وهو مذهب عامة أهل العلم ومنهم الأئمة
(1) ومثلها في الحكم كفالة المكفول إذا كان في حق واحد، وقد قال في "القبس" (18/ 564) في أثناء مفاقهة:(الكفالة تبرعٌ باتفاق) ولاشك أن الكفيل متبرع بكفالته-في الأصل- ولكن كون العقد توثقة أمرٌ ظاهر، فليست تبرعًا محضًا، بل فيها المعنيان جميعًا، قال في "الاختيار"2/ 166:(وهي عقد وثيقة وغرامة)، وقال في "المدخل الفقهي العام"1/ 646: (تصنف العقود بهذا النظر صنفين أيضًا: عقود أصلية
…
وعقود تبعية
…
كالرهن والكفالة، فالرهن والكفالة كلاهما توثيق لغيره، فلا ينعقدان ابتداءً إذا لم يكن في مقابلهما حقٌّ آخر ثابت أو متوقع).
(2)
المطلع ص 298، المصباح المنير، مادة كفل ص 437، القاموس المحيط، مادة كفل ص 1053.
(3)
حاشية ابن عابدين 7/ 589.
(4)
الهداية 5/ 389.
(5)
الفواكه الدواني 2/ 374، ويسمونها حمالة.
(6)
نهاية المحتاج 4/ 283.
(7)
الروض المربع 6/ 441.
(8)
نظرية الضمان الشخصي ص 219.
(9)
أي كفالة النفس بغض النظر عن نوع الحق (موضوع الكفالة).
الأربعة (1).
القول الثاني: منع وبطلان الكفالة بالبدن، وهو قولٌ للشافعي (2) وقول الظاهرية (3).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قول الله سبحانه وتعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يوسف: (66) وجه الدلالة: التزم أبناء يعقوب عليه السلام بإحضار أخيهم وهذا معنى الكفالة بالنفس، قال القرطبي:(هذه الآية أصل في جواز الحمالة بالعين والوثيقة بالنفس)(4) وقد استدل بها كثير من أهل العلم (5).
الدليل الثاني: قوله سبحانه وتعالى: {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يوسف: (78) وجه الدلالة: أن إخوة يوسف عليه السلام طلبوا منه أن يأخذ واحدًا منهم مكان أخيهم، وذلك في معنى الكفالة بالنفس إذا قيل إنهم أرادوا إرجاع أخيهم ليوسف عليه السلام فطلبوا ما طلبوا ليثق بهم، كما أفاده القرطبي ثم قال:(وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس)(6).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: (ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدًا. قال: فائتني بالكفيل. قال: كفى الله كفيلًا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى)(7).
وجه الدلالة: قال في"فتح الباري": (وفيه طلب الشهود في الدين وطلب الكفيل به
…
ووجه الدلالة منه على الكفالة تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقريره له، وإنما ذكر ذلك ليُتأسى به
(1) بدائع الصنائع 6/ 8، مختصر القدوري ص 181، الذخيرة 9/ 191، التاج والإكليل 7/ 57، كفاية الأخيار ص 321، نهاية المحتاج 4/ 283، وفيهما:(المذهب صحة كفالة البدن)، المغني 7/ 96 - 97، كشاف القناع 8/ 248.
(2)
المهذب 14/ 434، 435 مع تكملة المجموع، نهاية المطلب 7/ 16، نهاية المحتاج 4/ 283.
(3)
المحلى 8/ 119 - 122 أما الكفالة الجائزة عندهم فهي الكفالة بالمال (الضمان) 8/ 110.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 9/ 191.
(5)
الذخيرة 9/ 191، المغني 7/ 97، كشاف القناع 8/ 248، نظرية الضمان الشخصي ص 221.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 9/ 204.
(7)
رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، كتاب الكفالة، باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها (3/ 95)(ح 2291)، ووصلها في الأدب المفرد (ح 1128)، وأحمد (ح 8587)، وابن حبان (ح 6487).
فيه، وإلا لم يكن لذكره فائدة) (1).
الدليل الرابع: عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: «الزعيم غارم» (2).
وجه الدلالة: أن الزعيم الكفيل (3).
الدليل الخامس: حكي الإجماع عليه (4)، وقال في "المبسوط":(وعليه عمل القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا)(5).
الدليل السادس: القياس على الضمان في التوثيق، والقياس على الهبة والقرض والعارية في الإحسان والمعروف.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن الكفالة اشتراط لما ليس في كتاب الله وهو باطل (6).
المناقشة: الأصل في الشروط الجواز والصحة، وليس في كتاب الله سبحانه وتعالى ما يمنعها، وهذا من باب التنزل فقد سبق ذكر أدلة الجمهور.
الدليل الثاني: أنه إذا أُلزِم الكفيلُ الغرامةَ عن المكفول الغائب فهذا ظلم وجور؛ لأنه لم يلتزم ذلك، وإلم يلزم بطل معنى الكفالة (الضمان بالنفس)(7).
الجواب: أننا نطالبه بإحضاره ونلزمه بذلك، فإلم يحضره لزمه ما عليه من دين؛ لأنه التزمه بعقد الكفالة إلا إذا اشترط خلاف ذلك (8).
(1) فتح الباري لابن حجر 6/ 76.
(2)
رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية (5/ 417)(ح 3565)، والترمذي، أبواب البيوع، باب ما جاء في أن العارية مؤداة (2/ 544)(ح 1265)، وابن ماجه، أبوب الصدقات، باب الكفالة (3/ 482)(ح 2405)، وأحمد (36/ 628) (ح 22294) قال الترمذي:(حسن) وصححه ابن حبان والقرطبي والألباني، وحسنه البيهقي وابن الملقن، وقال ابن حجر:(وضعفه ابن حزم بإسماعيل، ولم يصب) وقال ابن كثير: (هذا من أصح أحاديث إسماعيل بن عياش؛ لأن شيخه في هذا شامي، وهو حجة إذا روى عن الشاميين عند الجمهور). تفسير القرطبي 1/ 341، البدر المنير 6/ 707، إرشاد الفقيه 2/ 58، التلخيص الحبير 4/ 1873، الإرواء 5/ 245.
(3)
البدر المنير 6/ 710، وفي الباب أحاديث أخرى، ينظر ما علقه البخاري في الموضع السابق.
(4)
الاختيار 2/ 166، فتح القدير 5/ 389، الذخيرة 9/ 191.
(5)
المبسوط 19/ 196، قال ابن قيم الجوزية:(وهذه قاعدة من قواعد الشرع عظيمة النفع أن كل ما يعلم أنه لا غنى بالأمة عَنه ولم يزل يقع في الإسلام ولم يعلم من النبي صلى الله عليه وسلم تغييره ولا إنكاره ولا من الصحابة فهو من الدين) بدائع الفوائد 4/ 1423، ودليله ما رواه مسلم (1/ 9) مرفوعًا:(سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم).
(6)
المحلى 8/ 119.
(7)
المحلى 8/ 119.
(8)
المدونة 6/ 240، الروض المربع 6/ 447 - 448.