الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول بعض الفقهاء بعدم جواز إبضاع المضارب برأس المال إلا بإذن رب المال فيظنه عامًا أو في أصل حكم الإبضاع (1)، وليس كذلك؛ لأن معناه أن عقد المضاربة لا يُخوِّل العامل أن يبضع رأس المال، لا أن الإبضاع في ذاته ممنوع.
المطلب الثاني: إبضاع المبضَع
.
صورة المسألة: إذا دفع رجلٌ مالًا لعامل ليتجر به ويردَّ المال وربحه له، فهل يجوز للعامل أن يدفع هذا المال لثالثٍ ليتجر به ويرده وربحه أو يلزم العامل أن يتجر بنفسه؟
الحكم:
1.
إذا لم يأذن رب المال في إبضاع العامل فيحتمل احتمالان:
الاحتمال الأول: عدم الجواز.
وهو مقتضى قول فقهاء المذاهب الأربعة، تخريجًا على المضاربة (2) والوكالة (3).
الاحتمال الثاني: الجواز.
2.
وإن أذن له أن يبضع إذنًا صريحًا جاز، فإن أذن له إذنًا حكميًا أو عامًا -كأن يطلق له الحرية في التصرف- فيحتمل احتمالان تخريجًا على المضاربة:
الاحتمال الأول: الجواز، تخريجًا على قول الحنفية (4) والحنابلة (5).
الاحتمال الثاني: عدم الجواز، تخريجًا على قول الشافعية (6).
الأدلة:
أولًا: دليل عدم الجواز إذا لم يأذن رب المال -سواء صرح بالنهي أو لم ينه ولم يسمح- قول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: (29)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» (7)، وقياسًا على المضاربة.
ثانيًا: دليل الجواز مع عدم الإذن: أن العامل متبرع، فإذا لم ينهه رب المال جاز له أن
(1) الإنصاف 14/ 33، وغيره.
(2)
المبسوط 22/ 9، بدائع الصنائع 6/ 150، المدونة 6/ 26 - 28، التاج والإكليل 7/ 455، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 44، نهاية المطلب 7/ 494، المغني 7/ 158، كشاف القناع 8/ 485، 505.
(3)
الحاوي الكبير 6/ 518، المغني 7/ 207.
(4)
بدائع الصنائع 6/ 150.
(5)
المحرر 2/ 15 - 16، الشرح الكبير 14/ 94.
(6)
المضاربة للماوردي (من الحاوي) ص 199.، ويمكن تخريج المسألة على توكيل الوكيل أيضًا، فيجوز بلا خلاف.
(7)
سبق تخريجه ص 176.
يتصرف بما يراه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} التوبة: (91)، ولأن الغالب أن المتبرع لا يتصرف إلا بالأحظ لرب المال.
المناقشة:
1.
كون العامل متبرعًا لا يسقط حق رب المال وحرمة ماله، فإنه إذا لم تطِب نفسه بدفع المال لآخر فإن هذا يكون تصرفًا في مال غير المتصرف بغير ما يقتضيه الإذن.
2.
عدم التسليم بأن العامل المتبرع لا يتصرف إلا بالأحظ لرب المال، فإن عدم حصوله على شيء من الربح قد يحمله على التساهل وعدم النصح، فربما أبضعه لمن لا يحسن أو من تضعف أمانته أو لا يتحرى في إبضاعه.
ثالثًا: دليل الجواز إذا أذن له إذنًا صريحًا: أن الحق دائرٌ بين رب المال والعامل المتبرع، وقد أذن رب المال في التصرف في حقه بالإبضاع، والإبضاع جائز في الأصل فيجوز في التبع.
رابعًا: دليل الجواز إذا أذن له إذنًا حكميًا: القياس على الإذن الصريح بجامع الإذن في كلٍّ.
خامسًا: دليل المنع إذا لم يكن الإذن صريحًا: أن الأمانة تتفاوت فقد لا يرضى رب المال بذمة المبضع الثاني، ولا يُعلم رضاه إلا بصريح الإذن؛ لأن التفويض العام تفويض في العمل بنفسه لا بغيره.
المناقشة: يشترط للجواز أن يكون المبضَع الثاني أمينًا.
الترجيح
الراجح جواز إبضاع المبضَع إذا أذن له رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، بهذه الشروط:
1 -
أن يكون المبضَع الثاني أمينًا.
2 -
أن يكون العامل أهلًا للتصرف.
3 -
أن يكون رأس المال معلومًا.
أسباب الترجيح:
1.
الأدلة المذكورة.
2.
أن الأصل في المعاملات الصحة والجواز، فإذا لم يأذن رب المال فإن الأصل في الأموال المملوكة للآخرين الحرمة والاحترام.