الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني: تعريف المساقاة وحكمها
.
تعريف المساقاة
المساقاة لغة مفاعلة من السقي (1) قال في "مقاييس اللغة": (السين والقاف والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ، وهو إشراب الشيء الماء وما أشبهه)(2).
وعرفها في "لسان العرب" تعريفًا اصطلاحيًا: (والمساقاة في النخيل والكروم على الثُّلُثِ والرُّبُع وما أَشبهه، يقال: ساقى فلان فلانًا نخله أو كرْمَه إذا دفعه إليه واستعمله فيه على أَن يَعْمُرَه ويَسقِيَه ويقومَ بمصلحته من الإبارِ وغيره، فما أَخرج الله منه فللعامل سهمٌ من كذا وكذا سَهْمًا مما تُغِلُّه والباقي لمالِكِ النخل وأَهل العراق يُسَمُّونَها المعاملة)(3).
قال في "نتائج الأفكار": (ومفهومها اللغوي هو الشرعي)(4).
والمساقاة اصطلاحًا:
1 -
عند الحنفية: عقد على دفع الشجر إلى من يصلحه بجزءٍ من ثمره (5).
2 -
عند المالكية: عقد على مؤنة النبات بقدرٍ لا من غير غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل (6).
3 -
عند الشافعية: معاملة مالك النخيل والكروم (7) من يحسن العمل فيها؛ ليقوم بسقيها وتعهدها، ويشترط للعامل جزاءً معلومًا مما يخرج من الثمر (8).
4 -
عند الحنابلة: دفع شجر له ثمر مأكول -ولو غير مغروس- لآخر ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزءٍ معلومٍ من ثمره (9).
وتعريف الحنفية والمالكية والحنابلة بمعنى واحد، أما تعريف الشافعية ففيه قصر المساقاة على النخل والكرم، وهذا من مفرداتهم.
(1) المطلع ص 314.
(2)
مادة سقي 3/ 84.
(3)
لسان العرب، مادة سقى 19/ 118.
(4)
8/ 46.
(5)
نتائج الأفكار 8/ 46، الدر المختار 9/ 476 - 477، التعريفات ص 211.
(6)
التاج والإكليل 7/ 467، الفواكه الدواني 2/ 193.
(7)
جمع كرم، وهو العنب، وجاء في الحديث:(لا يقولنَّ أحدكم للعنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم) وفي رواية: (الكرم قلب المؤمن) رواه البخاري (8/ 42)(ح 6183)، ومسلم (7/ 45 - 46) واللفظ الأول لمسلم.
(8)
نهاية المطلب 8/ 5، تكملة المجموع 16/ 129، كذا:(جزاء).
(9)
الشرح الكبير 14/ 181، الروض المربع 7/ 57.
حكم المساقاة
تحرير محل النزاع: اتفق فقهاء المذاهب الأربعة -وقال ابن قدامة: (بغير خلاف)(1) - على أن المساقاة إذا كانت معينة بالنسبة إلى الأرض أو السقي أو الحصة تكون محرمة كالمزارعة والمضاربة (2).
واختلفوا في المساقاة على قدرٍ مشاعٍ معلومٍ من الخارج، وذلك على قولين:
القول الأول: جواز المساقاة، وهو قول الخلفاء الراشدين (3)، وسعيد المسيب وسالم والثوري والأوزاعي وإسحاق وداود وأبي ثور (4)، والليث والحسن بن حي وابن أبي ليلى ومن الحنفية أبو يوسف ومحمد بن الحسن (5)، وهو مذهب مالك (6) والشافعي (7) وأحمد (8) وأصحابهم.
القول الثاني: عدم جواز المساقاة، وهو قول أبي حنيفة وزفر (9)، ونقلت كراهته عن النخعي والحسن (10).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع، وفي روايةٍ: أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما خرج منها (11).
وجه الدلالة: أن خيبر واسعة، ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مزارعة ومساقاة، ولهذا استدل به
(1) المغني 7/ 533، 551.
(2)
المبسوط 23/ 102، المدونة 5/ 487، الذخيرة 6/ 103، نهاية المطلب 8/ 20، المهذب 6/ 145، الشرح الكبير 14/ 196، 294، وعزاه في "الأوسط" 11/ 125 للأوزاعي وأبي ثور.
(3)
الإشراف 6/ 273 - 274، المغني 7/ 527، وتقدم تخريجها ص 100.
(4)
الإشراف 6/ 273، المغني 7/ 530، وتقدم تخريج الآثار عن بعضهم ص 100.
(5)
بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 602، العناية على الهداية 8/ 46، وهو المفتى به. حاشية ابن عابدين 9/ 477.
(6)
المدونة 5/ 477، الإشراف للقاضي عبد الوهاب مع الإتحاف 3/ 1256، الفواكه الدواني 2/ 193.
(7)
الأم 4/ 11، نهاية المطلب 8/ 5، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 128.
(8)
المغني 7/ 527، الإنصاف 14/ 182، كشاف القناع 9/ 6.
(9)
بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 602، العناية على الهداية 8/ 46، التمهيد 17/ 536.
(10)
الأوسط 11/ 109، المحلى 8/ 229.
(11)
سبق تخريجه ص 100.
جل العلماء على جواز المساقاة أيضًا (1).
الدليل الثاني: الإجماع، ونقله ابن قدامة (2).
الدليل الثالث: أن الحكمة والمصلحة الشرعية تقتضي جوازه، فإن كثيرًا من أهل النخيل والشجر يعجزون عن سقيه، ولا يمكنهم الاستئجار عليه، وكثير من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر، ففي تجويز المساقاة دفعٌ للحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئتين (3).
الدليل الرابع: القياس على المضاربة بالأثمان، وهي جائزة بالاتفاق، كما سبق (4)، بجامع أنهما عقدٌ على العمل في مال ببعض نمائه.
أدلة القول الثاني (5):
الدليل الأول: عن رافع بن خديج رضي الله عنهما أنهم كانوا يؤاجرون محاقلهم على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تفعلوا)(6).
وجه الدلالة: في الحديث نص على النهي عن مؤاجرة الأرض، والمساقاة استئجار للأرض ببعض الخارج منها.
المناقشة:
1.
أن المساقاة من المشاركات وليست من المؤاجرات، فهي أشبه بالمضاربة.
2.
أن حديث رافع رضي الله عنه محمولٌ على محل الاتفاق، وسبقت أجوبة أخرى في المزارعة.
الدليل الثاني: أن المساقاة استئجار للأرض ببعض الخارج منها، وهذا منهي عنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز (7) الطحان (8)، وهو دفع شيءٍ للطحان ليطحنه مقابل جزءٍ منه
(1) بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 602، المدونة 5/ 477، التمهيد 17/ 536 - 537 وقال:(الأحاديث في المساقاة متواترة)، الإشراف 6/ 273، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 128، المغني 7/ 527، كشاف القناع 9/ 6، المحلى 8/ 229.
(2)
المغني 7/ 527، ويرد عليه ما سبق من مخالفة من ذُكر.
(3)
المغني 7/ 529، القواعد الكلية ص 328 - 337، الشرح الممتع 9/ 444 - 445.
(4)
ص 84.
(5)
ينظر نخب الأفكار 16/ 289 - 342.
(6)
سبق تخريجه ص 100.
(7)
القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك. النهاية، مادة قفز، ص 764، والمكوك كتنور: مكيال يسع صاعًا ونصف. القاموس المحيط، مادة مكك، ص 954، مرقاة الصعود 1/ 165.
(8)
رواه الدارقطني، كتاب البيوع (2/ 643)(ح 2953)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب النهي عن عسب الفحل (5/ 339) مرفوعًا متصلًا، ورواه مسددٌ مرسلًا كما في "المطالب العالية"(7/ 313)(ح 1407)، قال ابن قدامة:(هذا الحديث لا نعرفه، ولا يثبت عندنا صحته). (المغني 7/ 118) وقال ابن تيميّة: (حديث باطل). (مجموع الفتاوى 18/ 63، 28/ 88) وقال الذهبي: (منكر). (ميزان الاعتدال 5/ 431)، وقال ابن حجر في "الدراية" (ح 868):(وفي إسناده ضعف)، وفي "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان (2/ 271، 5/ 771) أنه موقوف وقال عنه في "المطالب العالية": (مرسل حسن)، وصحح الحديث عبد الحق الإشبيلي والسبكي والألباني. التلخيص الحبير 4/ 1939، لسان الميزان 6/ 239، فيض القدير 6/ 335، إرواء الغليل 5/ 295 - 297.
بعد طحنه (1).
المناقشة:
1.
أن الحديث متكلم فيه، وأحاديث الجمهور عالية الصحة.
2.
أن القفيز لم يكن معروفًا في المدينة في العهد النبوي، وإنما كانوا يتعاملون بالصاع والمد، وهذا مما يقوي قول المضعفين للحديث.
الدليل الثالث: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة (2).
قال ابن الأعرابي: (هي تتناول المعاملة والمزارعة جميعًا)(3).
المناقشة: التسليم أن المخابرة تتناولهما جميعًا في اللغة، ولكن يقال: إن المخابرة المنهي عنها ما كان فيه غرر، وهو محل التحريم.
الدليل الرابع: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر (4).
وجه الدلالة: أن غرر المساقاة التردد في ظهور الثمرة وفي كميتها.
المناقشة:
1.
عدم الغرر في المساقاة، فإن الحكم للأغلب، والأغلب في الثمرة حدوثها قي وقتها، والاحتمال الوارد لا يقتضي تحريم العقد، كالمضاربة يحتمل ألا تربح فلا يحصل المضارب على شيء مقابل عمله، ولا أحد يقول بتحريمها.
2.
لو قيل على فرض التسليم والتنزل بدخول المساقاة في الغرر فهي مستثناة بالنص الخاص في جوازها.
الدليل الخامس: أنه استئجار ببدل مجهول وعلى ثمرة لم تخلق، فوجب أن يكون باطلًا كالإجارة بأجرة مجهولة.
المناقشة: المساقاة من المشاركات وليست من المؤاجرات.
الترجيح
(1) شرح مشكل الآثار 2/ 188، النهاية ص 764، المغني 7/ 118.
(2)
سبق تخريجه ص 103.
(3)
خلاصة الدلائل 1/ 602، والمعاملة المساقاة.
(4)
رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 3)(ح 3808).