الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق الأولى: مِنْ أينَ للسَّيِّدِ ثبوتُ هذه الروايةِ عن الغزالي
، وقد مَنع من تصحيحِ كتاب البخاري عن مصنِّفِهِ ونحوِه من كُتُبِ السُّنَّةِ مع اشتغالِ الخلق بسماعها، وإسنادِها إلى مصنفها في جميعِ أقطارِ الإِسلامِ.
الطريقُ الثانية: سلمنا صِحَّتَها عنه، فكيف استندَ السَّيِّدُ إلى تصديقِه في كلامه
، وأراد مِنَّا أن نُصَدِّقَه، وقد قال: إنَّه كافرٌ مصرح، وإن تصديقَه مِن الرُّكونِ إلى الظالمين، الموجبِ للخلود في النار.
الطريق الثالثة: سلمنا أنَّه عَدْلٌ، ولكن مِن المعلوم أن الغزالي ما أدركهم، فهذا مرسل، والسَّيِّدُ قد مَنَعَ مِن المرسل وقال: لا بُدَّ في نسبةِ كُتبِ الحديث إلى أهلها مِن معرفةِ رجال الإسناد، وعدالتِهم، وعدالةِ المُعَدِّل لهم، فلا نقبلُ أيضاًً قولَ الغزالي على الصحابة إِلَّا بمثلِ ذلك.
الطريق الرابعة: أن الغزالي تُوفِّي على رأس خمس المئة مِن الهجرة، ومَنْ بَيْنَه وبَيْنَ غيرِهِ خمسُ مئة سنة إلَاّ اليسير فَمِنَ المعلومِ أنَّه لا يُعْرَفُ حالُه بطريق الخِبرة، وإنما يُعرف حالُه بطريق النقلِ الصحيحة، إما عن الصحابي أنه أقرَّ أنَّه ليس بمُجتهدٍ، وإما عَنْ عالمٍ مجتهد اختبر الصحابيَّ، فلم يجده مجتهداً، ولا طريقَ صحيحة إلى المعرفة بعدم اجتهاد الصحابي سوى هاتين، لكن الظاهر أنهما مفقودتانِ، فَبَطَلَتْ دعوى الغزالي.
الطريقُ الخامسة: أنا نُعارِضُ كلامَ الغزالي بما رواه مَنْ هُوَ أَرْجَحُ
منه في ذلك، وهو الحافظُ الكبيرُ أبو محمد عليُّ بنُ أحمد الفارسي (1)، فإنه ذكر أن الفُتْيَا نُقِلَتْ عن مئة واثنين وأربعينَ رجلاً من الصَّحابة رضي الله عنهم، وعن
(1) هو العلامة ابن حزم في رسالته أصحاب الفتيا من الصحابة ومن بعدهم، وهي مطبوعة مع " جوامع السير " له. انظر ص 319 - 335.
عشرينَ امرأة منهم.
وكذلك الشيخ أحمدُ بن محمد بن الحسن الرَّصاص، فإنه ذكر في كتاب " الشجرة " في الفقه قريباً من ذلك من المجتهدين، وعدَّهم بأعيانهم، وهذه الرواية أولى من رواية الغزالي لوجوه.
الوجه الأول: أنها مُثْبِتَةٌ، وروايةُ الغزالي نافية.
الثاني: أن هذا الحافظ مِن أهل المعرفة بالحديث والدِّرية بكتُب الرِّجال، والعنايةِ التامةِ بمعرفة أحوالِ الصَّحَابة، وعلمِ التاريخ، والغزاليُّ بالعكس في ذلك، وهذا الوَجْهُ مجمعٌ على الترجيحِ به، ومن أراد معرفةَ ذلك، طالع تراجمَهُما في كتب معرفةِ الرجال.
الثالث: أنَّ تصديقَ الغزالي في ذلك يُؤدي إلى جرحِ عددٍ كبيرٍ من الصحابة، وأنهم أَفْتَوْا بغيرِ علم، وهذه معصية ظاهرة، ونحن نَعْلَم أنَّه لا طريقَ للغزالي إِلى القطع بأن ذلك الصحابي المُقْدِمَ على الفتوى أفتى بمحضِ الجهلِ، لأنه يجوزُ أن يكونَ مجتهداً، ولم يشتهِرْ اجتهادُه إذ لا يَجِبُ عليه أن يظْهِرَ إجتهادَه، وفي الصحابة مَنْ هو أعلمُ منه، ولا يجب على غيره أن يتعرَّف اجتهادَه أيضاًً، وفي الصحابة من يُغني عنه، فجاز أن يكون مجتهداً غيرَ معلوم باجتهاده، أقصى ما في الباب أن يكونَ مجتهداً في تلك المسألة، وقد أمرنا بالحمل على السَّلامَةِ لجميع المسلمين، فَكَيْفَ بخير أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ بنصِّ القرآن، وَخَيْرِ القُرُونِ بنصِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
الطريق السادسة: أن نقولَ ليس قِلَّة مَنْ فيهم من المجتهدين على تقديرِ تسليم ذلك يَدُلُّ على صعوبة الاجتهاد فقد كان حُفَّاظُ القرآن فيهم أقلَّ مِن المجتهدين، فَرُوِيَ أنه لم يكن يَحْفَظُ القرآنَ إلَاّ أربعةٌ منهم قاله بعضُ