الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهلها وكفرُ من صَدّق ما فيها كما يكون ذلك في حفظ بعض كتب الباطنية خذلهم اللهُ تعالى، وسيأتي مزيدُ بيانٍ لهذا عند ذكر المرجحات لذكر ما ورد في كتب الحديث مما يجب تأويلُه، ويُمكِنُ، إن شاء الله تعالى.
الفائدة الثانية: في ذكر ما اعترض به على الإجماع
والجوابِ عنه وقد تقدم ذلك حيث أورده السيد، ونزيد ها هنا بيانَ كيفية اختلاف العلماء في نقل الإجماعِ على قبول فاسق التأويل.
واعلم أن العلماء على ضربين: منهم مَنِ ادَّعى العلم بالإجماع على ذلك، ورواه كما قدمنا ذكره، ومنهم منْ شَكَّ في ثبوته وتوقَّفَ، وليس منهم من ادَّعى العلمَ ببطلان الإجماع، ولا فيهم منْ روى عن أحد من الصحابة القول بتحريم قبولِ الفاسق المتأول، وهذا ظاهر في كلامات العلماء.
قال السَّيِّد أبو طالب رضي الله عنه في كتاب " المجزىء " في الاعتراض على من احتجَّ بدعوى الإجماع في هذه المسألة ما لفظه: واعلم أنَّ ما احتج به جمهورُ الفقهاء من الإجماع (1) وإطباقِ الصحابة والتابعين عليه إن كان صحيحاً، فاتباعُهُ واجب، ويكون الصحيحُ هو المذهبُ الأول دونَ الثاني، لأن طريقَ إثبات المذهب الثاني قياسٌ، فإذا اقتضى الإجماعُ خلافَه، وجب اتباعُه، والعدولُ عما أوجبه القياسُ، والذي يُمكِنُ أن يقدم به في ما ادَّعَوْه من الإجماعِ أن يقالَ: مِن أين أنَّ كُلَّ العلماءِ مِن الصحابة والتابعين رأوا قبولَ شهادة الفساق من طريق التأويل وحديثهم، وبماذا عَلِمْتُم إطباقهم على ذلك؟
(1) من قوله " في هذه المسألة " إلى هنا ساقط من (ب).
ومما يُمكن أن يُجابَ به عن هذا هو أن يقال: قد علمنا (1) أن في آخرِ أيام الصحابة حدثت مذاهبُ وأفعال أوجبت الفسقَ عند كثيرٍ منهم، كمذاهب الخوارج، وحروبِ مَنْ حارب من البغاة، ولم يُنْقلْ أن أحداً ردَّ شهادة هؤلاء وحديثهم، ولو وقع الرَّدُّ، لنقل حتى قال عليه السلام في الرد على ما ادَّعي من الإجماع: إنَّا لا نعلم قبول الكل منهم لشهادة هؤلاء وحديثهم، والمسألة محتملة للنظر. انتهي كلامه عليه السلام.
وهو ظاهر في أنَّه لم يدفع دعوى الإجماعِ بالعلم ببطلانها بل بين أنظاراً عرضت له أوجبت القدح في العلم بصحة دعوى الإجماع، ولم يُوجب العلم ببطلان دعوى الإجماع، ولهذا قال: إن كان دعوى الإجماع صحيحاً، فاتباعُه واجب، وليس يقول هكذا، وهو يعلم أن الإجماع باطل، وأوضح من هذا قولُه في آخر الكلام: والمسألة محتملة للنظر.
وهو ظاهر في المقصود، ويقوي ذلك أنَّه عليه السلام قد روى عنهم في كتابه " الأمالي " وهذا أمارة مقوية (2) لا حُجَّةٌ مستقلة.
فإذا ثبت هذا، لم يكن في كلام أبي طالب عليه السلام اعتراضٌ قادح على من ادَّعى العلم بالإجمْاع من الأئمة عليهم السلام، فإن العلمَ فعلُ الله تعالى، وقد يخلقه للبعض دون البعض فيما لا يجب التسويةُ فيه من علوم العقل الضرورية التي يجب أن يشتركَ فيها جميعُ المكلفين، وقد ثبت أن الراوي الجازمَ القاطعَ المدعيَ للعلم بصحة ما روى مقبولٌ متى كان ثقة عدلاً في دينه، وثبت أن روايته لا تُعارض بشك من شَكَّ من العدول في صحة ما روى، وإنما تُعارض بخبر مَنْ هو مثلُه في العدالة متى أخبر أنه يعلم بطلانَ خبره، وتعارض الخبران. ومثال (3) ذلك: لو قال قائل:
(1)" قد علمنا " ساقط من (ب).
(2)
في (ش): وهذه أمارة قوية.
(3)
في (ب): مثال.
إن هذا الشاهد هو فلان بنُ فلان الثقة المشهورُ أعرفه، ولا أشكُّ فيه، وقال آخر: أما أنا، فعندي شكٌّ في هذا، ولا أتحقق أنَّه هذا الذي ذكريت، فإنَّه يعمل على قول مَن علم، وبترك قول مَنْ شكَّ وهذا ظاهر عند أهل العلم، وكذا في غير هذه الصورة من سائر (1) المسائل، كما لو أخبر ثقةٌ بنجاسة هذا الماء أو طهارتِهِ، وشك آخرُ، فالعمل على قول مَنْ أخبر عن العلم واليقين دونَ من شك وتردَّدَ.
وكذلك الإجماعُ قد ادَّعى المنصورُ، ويحيى بنُ حمزة عليهما السلام، وكذلك المؤيَّدُ بالله عليه السلام، والقاضي زيد، وعبدُ الله بن زيد، والفقهاء بأسرهم ومَنْ لا يأتي عليه العَدُّ والإحصاءُ مِن الأصوليين وسائر علماء الطوائف أنَّهم علموا إجماعَ الصحابة والتابعين على قبولِ الفاسق المتأول، وجزموا بالقولِ في ذلك، وقطعوا على حصولِ العلم لهم بهذا الإجماعِ، وأحالوا العلمَ بذلك إلى الاطلاع على التواريخ، وأخبارِ الصحابة كما أشار إليه المنصورُ بالله عليه السلام، وهؤلاء جَمٌّ غفير، وعددٌ كثيرٌ من أهل الفضل والتقوى والورع الشحيح فيما يصدر عنهم من الرواية والفتوى، فخبرهم يُفيدُ العلمَ القاطع، أو الظَّّنَّ الراجح، ومن تمسَّك بروايتهم، واعتمد على تصديقهم، واستند إلى خبرهم، لم يستحق الإنكارَ والتشنيع، ويعترض عليه بأن غيرَهم من الأئمة العلماء شكَّ في دعوى الإجماع، وأورد أسئلة تقطع في طريقهم، فإن لهم أن يُجيبوا بأنَّ العلم يحْصُلُ عند كثرة المطالعة لأخبار الصحابة، والإحاطة بأحوالهم، ولا شَكَّ أن أحوال الناس تخْتَلِفُ في ذلك، وقد يكون بعض أهلِ العلم أكثرَ إطلاعاً مِن بعض في بعضِ المسائل، فيَحْصُلُ له العلمُ
(1)" سائر " لم ترد في (ب).
دونَ غيره، فيكون المدعي للعلم صادقاً، والمدعي للشك صادقاً، وكُلُّ أحدٍ أخبر بما يَعْلَمُ مِن نفسه، ولا يُكذّب هذا ولا هذا، كما لو روى هذا خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنَّه يعلمه، وأخبر غيرُه أنَّه لا يعلمه، صدقناهما معاً.
فقد تبيَّنَ لك بهذا أنا متى قبلنا روايةَ الأئمة: المؤيَّد، والمنصور، ويحيى بنِ حمزة عليهم السلام، وسائرِ من (1) روى ذلك مِن عيون أهل العلم، فقد جمعنا بينَ قبول كلامهم، وقبولِ كلام أبي طالب عليه السلام، وأما لو عملنا على (2) أن كلام أبي طالب مُقَدَّمٌ على روايتهم، لكنا قد نسبنا إليهم ما لا يليق بهم مِن القول بغيرِ علم، والرواية من غير تثبث، وذلك لا يجوز، مع أنَّا سلَّمنا أن أحداً مِن العدول عارض روايتهم معارضةً صريحة (3)، وادعى العلمَ ببطلان الإجماع، لكان لنا أن نُرَجِّحَ روايتهم بوجوه:
أحَدُهَا: كثرتُهُم، فقد ثبت دعوى الإجماع عن الأئمة والعلماء المذكورين، وعن جميع العِصابة العظمى مِن فقهاء الطوائف مع كثرتهم وسَعةِ علمهم، وكثرةِ اطَّلاعهم، فإن هؤلاء الذين ادَّعَوا الإجماعَ مِن أكثرِ العلماء معرفةً بأحوال الصحابة.
وثالثها (4): أنهم مُثْبِتُون، والمُثْبِتُ مقدَّمٌ على النافي للإجماع إلا أن يُثبت خلافاً معيناً عن بعضِ أهل الإجماع وذلك لم يكن، فقد روينا نصَّ
(1) في (ب): " ممن " وهو خطأ.
(2)
في (ب): لو علمنا أن كلام ....
(3)
في (ب) و (ج): صحيحة.
(4)
كذا الأصول: ثالثها، مع أنه لم يرد ذكر للوجه الثاني.