الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه السادس: أن اعتقادَهم لو كان حاملاً لهم على الكذب، لحملَهم على ترك الصلاة
والصومِ والحجِّ، وسائر الواجبات التي ثبت أنهم يُحافِظونَ عليها أشق من الصدقِ في الرواية، بل ليس في الصِّدق مشقة في كثيرٍ من الأحوال، وكذلك لو كان اعتقادُهم يحمِلهُم على الكذب، لحملهم على ما هو أشهي منه إلى النفوس، وعلى ما هُمْ أحوج إليه من القبائح من أكل الحرامِ والزنى والاشتغالِ بالمعازف والملاهي وسائرِ المحرمات، فإِنها أشهي من الكَذِب، بل الكذبُ غيرُ شهي في نفسه، ولا طَيِّب في ذاته، فالذي حملهم على مشاق الطاعات الواجبات والمندوبات يحملُهم على الصدق الذي هو دون الواجبات والمندوبات، وكثيرٌ من الواجبات في علو المرتبة. والذي حملهم على ترك الشهوات المحرمات والمكروهات يحملُهم على ترك الكذبِ على الله ورسوله الذي ليس بمنتظم في جملة الشهوات مع أنَّه مِن أعظم المقبحات وأغلظِ المحرمات، ولو كان قولُ السَّيِّد صحيحاً، لرأيناهم يقطعونَ الصلواتِ، ويرتكبون المحرماتِ، فلما رأيناهم على العكس من ذلك، وَثقْنَا بصدقهم، ورجحنا قبولَ قولهم.
الوجه السابع: أنا قد بيَّنا أن الصالحين منهم يخافون الموتَ على الكفر، ويخافون من شؤم المعاصي المغفورة في الآخرة أن تكون سبباً في الدنيا للذنب الذي لا يُغْفَرُ، وهو ذنبُ الكفر كما قال تعالى:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} [الروم: 10] وسيأتي في أحاديث القدر عموماً، والقدر عند الخاتمة خصوصاً ما يُوجبُ خوفَ المؤمن لذلك، وفي " الصحيح "(1) أن رسول
(1) لفظ الصحيح -أي صحيح مسلم (2654) من حديث عبد الله بن عمرو- أنَّه سمع =
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قلْبِي عَلَى دِينِكَ "، فقالوا: أو تخافُ علينا يا رسول الله؟ فذكر التخويف من ذلك.
وفي كتاب الله تعالى من ذلك: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] وهي بمعنى أحاديثِ القَدَرِ عندَ الخاتمة، فَهُمْ مِن خوف سوء الخاتمة في قلقٍ عظيم، وإشفاق شديد، وشُغْلٍ شاغل عن الكذب على رسول الله قد كادت قلوبهم تقَطَّعُ مِن خوف العذاب {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج: 28] فهم أبداً يجتهدون في التقرب إلى الله رجاءَ ما وعد به المطيعين من الزيادة في الهُدى والألطاف المقربة إلى طاعته (1) السابقة إلى خاتِمة الخير، والموت على الإسلام مع الرغبةِ العظيمة في نيلِ المراتب الشريفة في دار الكرامة.
= رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " وأخرجه أحمد 2/ 168، والآجري 316، وابن أبي عاصم (222) و (231) وما ذكره المصنف لم يرد في الصحيح، إنما رواه الترمذي (2140) والآجري في "الشريعة" ص 317، وابن أبي عاصم في " السنة "(225) و (230) والحاكم في " المستدرك " 2/ 288 من طريقين عن الأعمش، عن أبي سفيان -طلحة بن نافع- عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "، فقلت: يا رسول الله، قد آمنا بك، وبما جئث به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ". وقال الترمذي: حسن صحيح، وهو كما قال.
وفي الباب عن النواس بن سمعان الكلابي عند أحمد 4/ 182، وابن أبي عاصم (219)، وابن ماجة (199)، والآجري ص 317، وصححه ابن حبان (2419)، والحاكم 2/ 289 و4/ 321، ووافقه الذهبي، والبوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقه 14/ 2 وهو كما قالوا.
وعن أم سلمة عند أحمد 6/ 302 و315، والآجري ص 316، وابن أبي عاصم (232) وسنده حسن في الشواهد، وعن عائشة عند ابن أبي عاصم (233)، وأحمد 6/ 91، والآجري ص 317، ورجال أحمد ثقات.
(1)
إلى طاعته: ساقط من (ب).