الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي طالب عليه السلام على أنَّه لم يَنْقلْ أن أحداً من الصحابة رَدَّ شهادةَ المتأولين ولا حديثهم، ولم يقعِ النزاعُ في أن ذلك نقل، فعدمُ النقل مما لا نزاع فيه.
الفائدة الثالثة: في الإِشارةِ إلى شهرةِ الخلاف في هذه المسألة
مِن غير نكير ولا تأثيم، فذلك كثيرٌ شهير لا يُمْكِنُ أن يذكر منه إلا اليسير، لأن أكثر المصنفين في الأصول والفروعِ من أهل الكتب الحافلة، والتواليف الممتعة مِن المتقدمين والمتأخرين لا يذكرون هذه المسألة إلا ويذكرون اختلافَ الخَلف فيها، وكثيرٌ منهم يذكر إجماعَ السلف على القبول للمتأولين كما قدمنا. فإذا عَرَفْتَ أن الخلافَ واسع، فاعلم أنا لا نتعرَّضُ للاستقصاء في ذكر كلام الأئمة والعلماء في ذلك، وإنما نُشير إلى طرفٍ يسير من الخلاف المشهور المذكور في الكتب المتداولة المعروفة عند كثيرٍ من المبتدئين في طلب العلم، وإنما نذكرُه، لأن السَّيِّد أعرض عن ذكره مع التعرض لحكاية الخلاف في الطرفين في المسألة، فلم يذكر السَّيِّد عن أحد من العِترة عليهم السلام أنَّه يَقْبَلُ خبرَ المتأولين إلا عن المؤيَّدِ بالله عليه السلام كأنَّه لا يعرف هذا القول منسوباً إلى غيره، وما هذا عمل المنصف، ففي كتاب " اللمع " الذي لا يزال السَّيِّد مشتغلاً بدرسه ما لفظه: وفي تعليق الإفادة: ومن بلغ إلى حدِّ الكفر والفسق وكان متأوِّلاً فالعلماءُ مختلفون فيه، والأظهرُ عند أصحابنا أن شهادتَه جائزة، وهو قولُ أبي حنيفة وأصحابِه والشافعي، وعند أبي علي، وأبي هاشم لا تُقبل شهادته، وهذا كالخوارج والمجبرة.
قلتُ: قد قدمنا أن هذه رواية من المؤَّيد عن جميع أهل المذهب من أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم أن الأظهرَ عندهم قبولُ كافر التأويل. قال
في " اللمع ": لنا أنَّه لم يرتكب محظوراتِ دينه، فجاز قبولُ شهادته كما إذا كان صحيحَ الاعتقاد، ومن هذه سبيلُه إذا تاب في الحال، يجوزُ قبولُ شهادته، ولا يجب الاستمرارُ، وإنما الخلاف: هل (1) تقبلُ شهادتُه قبل التوبة أم لا؟ وفي شرح أبي مضر: قال م بالله في الإِفادة: مَنْ لم يبلغ في الاعتقاد الكفر أو الفسق، فشهادتهُ جائزة، ومن بلغ إلى هذا الحد -وكان متأوِّلاً- فأكثرُ العلماء مختلفون فيه، فالأظهرُ عند أصحابنا أن شهادتَهَ جائزة إلى آخره، فعلى هذا شهادةُ المجبرة والمشبهة يجب أن تكونَ مقبولة عنده قَدَّس الله روحه، وكذلك عند القاسم، ويحيى عليهما السلام يدل على أن الجبرَ والتشبيه من جهة التأويلِ والتدين يُوجب (2) قبولَ شهادتهم، لأنَّه مِن أهل القبلة والشهادة وأهل الكتاب والتَّبَرِّي من الأديان ما عدا (3) دينَ الإسلام، وهذه الأشياء أمارة العدالة من جهة الظاهر، فلا يمنعُ مِن قبول الشهادة.
فإن قيل: من قال بكفرهم من أصحابنا قال: إنهم كالمرتدين، وقد ثبت أن المرتد لا تُقبل شهادته.
قلنا: المرادُ به في بعض الأحكام لا على الإطلاق في جميعِ الأحكام والأحوال.
قال السَّيِّد أبو طالب: وأما شهادةُ أهلِ الأهواء من البُغاة والخوارج، فإنَّ جوازَ شهادتهم لا يمتنعُ أن يُخرج على اعتباره عليه السلام أن تكونَ الملةُ واحدة، لأن هؤلاء كُلَّهُمْ مِن أهل ملة الإسلام، قال: ويُمْكِن أن يخرج من مذهبه عليه السلام أن شهادَتَهم لا تجوز، لأنَّه نصَّ في " الأحكام " على أن مَنْ نَكَثَ بيعةَ إمام زمانه، طُرِحَتْ شهادتُهُ، وهذا
(1) في (ب): " وهل " وليس بشيء.
(2)
في (ت) فوجب.
(3)
في (ب): " وما عدا " ولا معنى لزيادة الواو.
سبيلُ الخوارج والبغاة، ومن يُجيز شهادتهم يذهب إِلى أن الإجماعَ قد حصل في قبول شهادتهم وخبرهم.
قال المؤيَّدُ بالله: من أنكر إمامَه، طُرِحَتْ شهادتُهُ إذا كان لا يقول بإمامته لأجل الفسوق والتهتك، لا لأجل النظر في أمره، والتفكر في أحواله.
وقال المؤيَّدُ مرة: لعلَّه قال ذلك اجتهاداً، ولكنه يضعف عندي إذا كان مستقيمَ الطريقة في سائر أحواله، فإن عُرِفَ منه الفسوقُ بما يقوله، فإني لا أقبلُها. انتهي كلام الأمير في " اللمع " رحمه الله تعالى.
قال القاضي شرف الدين في شرحه للزيادات: معنى قولِه: لعله قال ذلك اجتهاداً، أي: استحساناً، لأن المعلوم أن جميع أقواله اجتهاد.
ومثلُهُ قال الفقيهُ علي بن يحيى في تعليقه: قال مِن غير دليل معيّن.
قلت: قد قال المؤيَّدُ بالله في " الزيادات ": والقولُ بالاستحسان قوي عندي، ولكن ما هذا يَدُلُّ على أن الاستحسانَ هو الاجتهادُ، بل هو بعضُ طرقِ الاجتهاد، ويمكن أن المؤيَّدَ بالله عليه السلام أراد أنَّه قال ذلك بالاجتهاد المستند إلى غيرِ النصوصِ الصريحة والله أعلم.
وقال القاضي شرفُ الدين رحمه الله في " تذكرته " ما لفظه: وأما كفارُ التأويل، كمشبِّه ومجسِّم، فتُقبل على كل أحدٍ، كخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد قولي المؤيَّد بالله وتحصيله، والأكثر، والثاني والناصر، وأبو علي، وأبو هاشم، ورواية أبي جعفر للهادي: لا تَصِحَّانِ، وكذا فاسقُ التأويل كخارجي وباغ غير الخطابية، ومن لم يبلغ خطؤه كفراً أو فسقاً،
كمخالف في العوض وإلإرجاء، وتفضيل النبي على الملك، والإمامة مع العدالة في الكل، وفي كتاب مختصر لبعض الخصوم (1) ما لفظه: ولا تَصِحُّ يعني الشهادة منْ أخرسٍ وصبي مطلقاًً، وكافرٍ تصريحاً إلا ملياً على مثلهِ، وفاسق جارحة وإن تاب إلا بعدَ سنة، وفيه ما لفظه: وكُلُّ فعلٍ أو (2) تركٍ محرمين في اعتقاد الفاعلِ التارك لا يُتسامح بمثلهما؛ وقعا جُرْأةً، فجرح.
وقال الفقيه علي بنُ يحيى الوشلي في تعليقه على " اللمع " في قول أبي مضر: فعلى هذا شهادةُ المجبرة والمشبهة يجب أن تكونَ مقبولةً عنده قَدَّسَ الله روحَه، وكذا عند يحيى، والقاسم: ظاهرُ هذا أنَّه رواية عن يحيى، وليس بتخريج.
قال رحمه الله: وهو مذهب المؤيَّدِ بالله وتخريجه، وهو أحدُ تخريجي أبي طالب، وعند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي أن شهادتَهم مقبولة، والتخريج الثاني لأبي طالب، وهو قولُ أبي علي، وأبي هاشم أن شهادتَهم لا تُقبل، والمذكور في " الكافي " ما لفظه: ومن بلغ اعتقادُهُ فسقاً بتأويل إلى قوله لا يُقبل خبرُه وشهادته، وكذلك من كفر بالتأويل، وعند الباقي من السادة يُقبل خبرهما وشهادتهما ذكر ذلك في " التقرير ". انتهى.
وقال في " فائقة الفصول (3) في ضبط معاني جوهره الأصول " في
(1) في هامش (أ) ما نصه: يعني بالخصوم المنازعين للمتأول فيما تأول فيه، فافهم ذلك، إذ كل منازع يقال له: خصم وفي (ش) فوق كلمة " مختصر " ما نصه: هو منن الأزهار، وفوق كلمة " الخصوم ": هو الإمام المهدي، فوق كلمة " ما لفظه ": هذا لفظ " الأزهار".
(2)
في (ب): و.
(3)
في (ب) زيادة: ما لفظه، ولا معنى لها. وهذا النظم لأحمد بن يحيى بن =
شروط خبرِ الواحد ما لفظه:
تَنَزُّه الرَّاوي عَنِ الكَبَائِرِ
…
وَتَرْكُ إصْرَارٍ على الصَّغَائِرِ
وَمَا يُضَاهِي لَعِبَاً بِطَائِرِ
…
واختَلَفوا في فَاسِقٍ وَكافِرِ
مؤوِّلاً فَغَيْرُنَا لا يَقْبَلُهْ
…
وَنَحْنُ لا نَرُدُّ شيئاً يَنْقُلُهْ
وهذا من شهادةِ الخصم لخصمه وهو (1) من أرفع المراتب.
والفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بهِ الأعْدَاءُ.
فإذا ثبت هذا، فقد عَرَفْتَ أن المؤيَّد بالله عليه السلام نسب قبول المتأولين إلى جميع أهلِ المذهب الشريف مِن الأئمة وأتباعهم، وروى ذلك عنه في " اللمع " وقرّره ولم يعترضه، فالذي في كتاب " اللمع " أنّ قبولَهم مذهبُنا ومذهبُ القاسم والهادي والمؤيَّد، ولم يذكر فيه عن أحد من العِترة أنَّه نصَّ على تحريمه، لا مِن المتقدمين، ولا مِن المتأخرين، وإنما روي عن أبي طالب أنَّه قال: يُمْكِنُ أن يُخرج للهادي عليه السلام قبولُهُم، ويمكن أن يخرج له رَدُّهُم، وإنما روى في " اللمع " الخلاف في ذلك (2) عن أبي علي وأبي هاشم، ولو كان يَعْرِفُ في ذلك خلافاً للهادي والقاسم، لكانا أحقَّ بالذكر من أبي علي، وأبي هاشم، ويشهد لما (3) ذكرتُهُ مِن أن مذهَبَنَا قبولُهُم قولُه في " اللمع ": لنا أنَّه لم يرتكب محظوراتِ دينه، إلى آخره. فقولُهُ:" لنا " واضح في أن ذلك مذهبُنا لا
= المرتضى اليمني الزيدي الإمام المهدي المولود سنة (775) هـ والمتوفى في سنة (840) هـ، وقد جاء اسم النظم في فهرس المكتبة الغربية ص 347:" نيرة الفصول في ضبط معاني جوهرة الأصول ".
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
" في ذلك " ساقطة من (ب).
(3)
تحرفت في (ب) إلى " بما ".