الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يثبت بخبرِ الواحد بخلاف التكفير والتفسيق، وقلتَ، في مثل هذه الأشياء: أقل الأحوال أن يكون هذا موجباً للشك، فلا تَحِلُّ الرواية عن أحد منهم حتى تحصل له تبرئة صحيحة من المخالفة لك في هذه المسألة القطعية، وأما سائرُ الأئمة، فإنما يلزمُك جرحُهم، أو الوقفُ فيهم، لأنَّه قد ثبت من عشرِ طرق كما يأتي بيانُه أن الأمة أجمعت على ذلك، وهذه الطرق العشر من جماعة قد تَحصَّلَ بخبرِ مثلهم التواتُر لا سيما وهم متفرقو الأوطانِ والأزمانِ، والبُلدان والأنساب، فَبَعُدَ تواطؤهم على الكذب لكنك لما علمتَ أن الأمة معصومة، وجب أن تقطع بأنهم ما صدقوا على الأمة كلها، لكن يعلم بالضرورة استحالةٌ تواطئهم على عمدِ الكذب، وصريحِ المباهتة، فيجب أن يُحْمَلَ كلامُهم على أنَّهم عَلِموا أن ذلك قولُ الأكثرين، ولم يعتدوا بالباقين إما لأنَّ المخالف إِذا ندر لم يعتبر عندهم، وإما لتوهمهم أن سكوتَ الباقين سكوت رضا، ونقول في دعواهم للإِجماع مثل ما قلنا في دعوى المعتزلة إجماع الصحابة في الإِمامة.
إذا ثبت - هذا فلا شَكَّ أنَّه قد التبس عليك الآنَ: مَن البريء من الأمة من هذه الدعوى، فلا تَحِلُّ الرواية عن أحدٍ من الأمة حتى تَحْصُلَ له براءة صحيحة غير معارضة بمثلها، شاهدة له بأنه لا يذهب إلى مخالفتك في هذه المسألة، ومن لم يحصل ذلك في حقه، بقي على الشك، فانظر أيُّها السيد إلى قول يُؤدي إلى التشكيك في قبول شهادة القاسم، ويحيى، والمنصور، والمؤيَّد فما أبعدَه عن الصواب.
الإِشكال الثالث والعشرون: أنَّه قد ثبت أن المخالفة في القطعيات معصية
، وأن المخالفَ فيها غيرُ معذور بالتأويل، ألا ترى أن السيدَ -أيده الله- قال ما هذا لفظه: فيكون ردُّ روايتهم مقطوعاً به، ولا يصح الاجتهاد
فيه، وهذا صحيح في الأمارة الظاهرة التي يقع لِكل أحدٍ عندها الظن، وهذه المسألة من هذا القبيل. انتهي كلامه.
فبين أن الاجتهاد لا يَصِحُّ، وعلى هذا لا يُعذَرُ مَن اعتذر به، وأيضاًً قد بَيَّنَ السَّيِّد أن الأمارةَ الدالة على رد المتأولين ظاهرة يقع لكلٍ عندها الظن، فثبت بهذا أن المخالفين له -أيده الله- قد وقع لهم الظنُّ الراجح برد رواية المتأولين، وأن قبولهم للمتأولين مما هو عمل بالمرجوح قطعاً، وإنما توهموا أنَّه راجحٌ توهماً لا حقيقةَ له؛ لما لم ينظروا على الوجه الصحيح. والتقصير في النظر في المسائل القطعية حرام.
فإذا تقرر هذا، فقد ثبت أنَّه لا يجوزُ العلمُ بصغر المعصية، فوجب أن يكونَ المخالف للسيد -أيَّده الله تعالى- عاصياً معصيةً محتملة للكبر والفسق، ومحتملة للصغر، فلا يجوز في مَنْ صَحَّ عنه أنَّه خالف السَّيِّد في هذه المسألة أن يقطع بأن ظاهره الإسلامُ والإِيمان، ولا يقطع بأن ظاهره الفسقُ، بل نقف في أمره، ويكون الخلاف في الترضية عنه مثل الخلاف في الترضية عن المتقدمين على علي عليه السلام، لأنهم سواء، إذ كُلُّ منهم أخطأ في مسألة قطعية متأولاً، وأصرَّ على خطئه ومعصيته حتى مات فهذه مِئتا إشكال ونيف على مقدارٍ يسير من كلام السَّيِّد في كتابه أظهرتُ بيانها لِيظهر له أنْ (1) قد تعسَّف عليَّ في كتابه، وتعنتني في احتجاجه، فالله المستعان.
(1) في (ب): أنه.
الفصل الثاني: في الدليل على قَبول المتأوِّلين، ومعارضة الحُجَجِ التي أوردهَا السيدُ مِن العمومات والأحاديث، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الكلامُ (1) في الفاسق بالتأويل. والذي حَضَرني الآنَ مِن الحجج على قَبوله خمسُ وثلاثون حُجةً، منها ما أوردتهُ للاعتماد عليه في الاحتجاج، ومنها ما أوردتهُ معارضةً لما أَورَدَه السَّيِّد من العمومات البعيدة.
الحُجَّة الأولى: الإجماعُ، وهو مِن أقوى ما يُحْتجُّ به في هذه المسألةِ؛ لأن حجج السَّيِّد كُلَّها عامَّةٌ، وهذه الحجة خاصةٌ، والإجماع الخاصُّ مُقَدَّمٌ على العمومات بإجماع، لأنَّه متأخر عنها، مُبيِّنٌ لها، فهو في أرفع مراتب الأدلَّةِ الظاهرة، وأقوى المتمسَّكَاتِ في مثل هذه المسألةِ، والذي يدل على صحة هذا الإجماعِ وجهان:
الوجه الأول: أنَّه قد ادَّعى جماعةٌ مِن الأئمة عليهم السلام، وخلقٌ مِن سائر علماءِ الإسلام أنَّ الصدرَ الأوَّل من الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على قَبولِهم، ونقل هذا الإجماع عَدَدٌ كثير لا يأتي عليه العَدُّ، وأنا أُشير إلى جماعةٍ يسيرة من أعيانهم لم أتمكَّن في الوقت مِن ذكر أكثر منهم، وقد شكَّ جماعة من العلماء في صحة دعوى الإجماع من غير قطع على بطلانه، ولا رواية لِخلاف كان في ذلك بين الصحابة.
فاعلمْ أَنَّه لم يُنْقلْ عن أحدٍ مِن الصحابة أنَّه لا يقبلُهم ألبتة، وكذلك
(1) في (ب) و (ش): في الكلام.
لم يَدَّعِ أحدٌ من الخلف، ولا مِن السَّلَفِ أَن الأمة أجمعت على رَدِّ فساق التأويل. فتأمل هاتين الفائدتين وإنما وقع الخلافُ في إجماعهم على القَبول، فطائفةٌ من الأئمة والعلماء قطعوا بأنهم أجمعُوا على ذلك، وطائفة منهم شكُّوا في ذلك، وبيان هذه الجملة يَظهر في أربعِ فوائد:
الفائدة الأولى: في الإشارة إلى طرف يسيرٍ من طرق الإجماع المروي في قبول فُسَّاق التأويل، فاعلم أنَّ طرق نقل الإجماع في هذه المسألةِ كثيرةٌ لا سبيل إلى حصرها، وقد ذكر السَّيّدُ أبو طالب أن مَنْ قَبِلَ المتأولين فإنه يذهبُ إلى أنَّ الإجماعَ قد حصل في قبولِ شهادتهم وخبرِهم، وكلامُه عليه السلام يدل على أَنَّ كُلَّ مَنْ يذهب إلى هذا المذهبِ، فقد روى الإِجماعَ على ذلك، ولا شَكَّ أن الذاهبينَ إلى هذا المذهب عدد كثير يزيدون على العددِ المشروط في التواتر أضعافاً مضاعفة، ولو حضرتنا تواليفُ كثيرٍ منهم لنقلنا ذلك عن كثيرٍ منهم بألفاظهم، ونحن نذكُرُ طرفاً يسيراً من ذلك على حسب ما حضر مِن التواليف، وجملةُ ما حضر من ذلك عشرُ طرق:
الطريق الأولى: طريق الإمام المنصور بالله عليه السلام، فإنه عليه السلام ادَّعى إجماعَ الأمة على قبول فساق التأويل، وذلك معروف في تصانيفه عليه السلام، وقد تيسَّر لي في وقت كتابة هذا الجواب نقلُه عنه عليه السلام من موضعين:
الموضع الأول: كتاب " صفوة الاختيار " في أصول الفقهِ من تصنيفه عليه السلام، فإنه قال فيه ما لفظُه:
مسألة: اختلف أهل العلم في خبرِ الفاسقِ مِن جهة التأويل، فحكى شيخُنا الحسن بن محمد رحمه الله عن الفقهاء بأسرهم، والقاضي، وأبي
رشيد أنَّه يقبل إلَاّ أن يُعلم أنَّه ممن يستجيزُ الكذب كالخطَّابية (1) ومَنْ ضاهاها، وحُكي عن الشيخين أبي علي (2) وأبي هاشم (3) أنَّه لا يقبل، قال رحمه الله: وكان القاضي يقول: مذهبُ (4) أبي علي وأبي هاشم أقيسُ، ومذهبُ الفقهاء أقربُ إلى الأثر، وكان يعتمِدُ الأولَ، وهو الذي نختارُه. والذي يدُلُّ على صحته إجماعُ الصحابة على قبوله، وإجماعُهم حجةٌ على ما يأتي بيانُه، أما أنهم أجمعوا، فذلك معلوم من ظاهر حالهم لمن تَصَفَّحَ أخبارَهم، واقتصَّ آثارهم، وذلك لأن الفتنة لما ظهرت فيهم، وتفرَّقوا فِرَقاً، وصاروا أحزاباً، وانتهي أمرُهم بينهم إلى القتلِ والقتالِ، وكان بعضُهم يروي عن بعضٍ بغير مناكرةٍ بينَهم، بل اعتمادُ أحدهم على ما يرويه عمَّن يُوافقه كاعتماده على ما يرويه عمَّن يُخالفه، وذلك ظاهر فيهم كروايتهم عن النعمان بنِ بشير (5)، وروايتهم عن أصحاب الجمل، وعن
(1) هم أصحاب أبي الخطّاب محمد بن مقلاص، أبو زينب الأسدي الكوفي الأجدع الزراد البزاز، المقتول عام (138) هـ، وانظر تفصيل القول في هذه الفرقة في " مقالات الإسلاميين ": 10 - 13، و" التبصير ": 73، و" الفرق بين الفرق ": 247 - 250، و" الملل والنحل " 1/ 179 - 181، و" خطط المقريزي " 1/ 352، و" نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام " 2/ 231 - 245.
(2)
هو شيخُ المعتزلة، وصاحبُ التصانيف، أبو علي محمد بن عبد الوهّاب البصري الجبائي، المتوفّى سنة (303) هـ مترجم في " سير أعلام النبلاء " 14/ 183 - 185، وكان -كما يقول الإمام الذهبي- على بدعته - متوسعاً في العلم، سيال الذهن، وهو الذي ذلل الكلام وسهله، ويسر ما صعب منه.
(3)
هو أبو هاشم، عبد السلام بن محمد بن عبد الوهّاب البصري، المتكلم المشهور، شيخ المعتزلة وابن شيخهم، تُوفي ببغداد في شعبان سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. " العبر " 2/ 187.
(4)
تحرفت في (ب) إلى: بمذهب.
(5)
هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة، الأميرُ العالمُ، صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنُ صاحبه، ولد سنة اثنتين، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وعُدَّ من الصحابة الصِّبيان باتفاق، وكان من أمراء معاوية، فولَاّه الكوفة، ثم وليَ قضاء دمشق بعد فضالة، ثم ولي إمرة حمص، روى =
نَقَلَةِ أصحاب النَّهروان (1) وغيرهم، وكانوا في أمرهم بين راوٍ عنهم، وعاملٍ على مقتضى الرواية، وساكتٍ عن الإِنكار، وذلك يُفيد معنى الإِجماع، ولأنَّهم لما افترقوا، لم يختلفوا في أن الكذبَ لا يجوزُ، بل المعلوم من حالِهِم التشديدُ على مَنْ فعل ما يعتقدون قُبْحَهُ، أو كذب في شيء من كلامه.
ومن ذلك ما رُوي أن الخوارجَ لما نادت قَطَرِيَّ بنَ الفجاءة (2) من خلفه: يا دابَّة يا دابة، فالتفت إليهم، وقال: كفرتُم، فقالوا: بل كفرت لِكذبك علينا وتكفيرك إيانا، وما قلنا لك إلَاّ ما قال اللهُ سبحانه:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ثم قالُوا له: تُبْ من تكفيرك إيَّانا، فقال لعُبيدة بن هلال (3): ما ترى؟ قال: إن أقررت بالكفر، لم يقبلوا توبتَك، ولكن قُلْ: إنَّما استفهمتكُم، فقلتُ: أكفرتم؟ فقالوا: لا ما كفرنا. ثم انصرفوا، فإذا كان الأمرُ كما ترى، كان من يقول: من كذب، كفر، روايتُه أولى من رواية مَنْ يقول: من كذب
= عن النبي صلى الله عليه وسلم مئة وأربعة عشر حديثاًً، اتَّفق الشيخان له على خمسة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بأربعة. قُتل في آخر سنة أربع وستين. " سير أعلام النبلاء " 3/ 411.
(1)
بليدة قديمة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، وفيها سنة 38 هـ كانت وقعة بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وبين الخوارج، قُتل فيها رأس الخوارج عبد الله بن وهب السبأي وأكثر أصحابه. " العبر " 1/ 44.
(2)
هو الأمير أبو نعامة التميمي المازني، الفارس المشهور، رأسُ الخوارج، خرج زمن ابن الزبير، وهزم الجيوش، واستفحل بلاؤه، وقد كسر جيش الحجاج غير مرة، وغلب على بلاد فارس، وله وقائع مشهودة، وشجاعة نادرة، وشعر فصيح سائر، وخُطب بليغة، وقد استوفي أخبارَه المُبَرّدُ في " الكامل " 3/ 355 وما بعدها، وقد قُتل سنة تسع وسبعين هـ " سير أعلام النبلاء " 4/ 151 - 152.
(3)
هو عُبَيدة بن هلال اليَشكري، من رؤساء الأزارقة، وشعرائهم، وخطبائهم، كان مع قطري بن الفجاءة، ثم ولي بعده أمر الخوارج، قتله سفيانُ بن الأبرد الكلبي سنة (77) هـ في حصن قُومِس بجبالِ طبرستان، وانظر " البيان والتبيين " للجاحظ 1/ 55، و" الاشتقاق " لابن دريد: 343، و" الكامل " لابن الأثير 4/ 441 - 443.
فسق، لأن الإنسان قد يتجاسر على الفسق، ولا يتجاسر على الكفر، وقولُ مَنْ يقول: إن مَنْ عُرِفَ بالكذب في المعاملات لا يُقبل خبرُه، فكيف يُقبل خبرُ من عُرِفَ بالكذب على أفاضِل (1) الصحابة، وساداتِ المسلمين من المهاجرين والأنصار، وانتقاصهم لا يتَّسِقُ، لأن المعلوم مِن حالهم أنَّهم لا يكذبون على أفاضِلِ الصحابة في الرواية عنهم، وإنَّما يكذبون عليهم في الاعتقاد، وذلك خارج عن باب الإخبار، وكانوا لا ينتقِصُونَ إلَاّ مَنْ يعتقدون الصوابَ في انتقاصه ومحاربته.
فأما من عُلِمَ مِن حاله استجازةُ الكذب على آحاد الناس فيما يرويه عنهم فضلاً عن فضلاء الصحابة، لم يُقبل خبره كما قلنا في الخطابية ومَنْ شاكلهم، وإنَّما منعنا مِن قبول خبرِ الفاسق مِن جهة التصريح، فلأنا نعلم منه التجاسرَ على الكذب، والإقدامَ على القبيح، فلا تَسْكُنُ النفسُ إلى صدقه فيما يرويه، ولا يَغْلِبُ على الظن صحةُ ما يقوله، وليس كذلك الفاسق من جهة (2) التأويل لأنَّه لا (3) يُقْدِمُ على ما يعلم كونه قبيحاً، فصح ما قلناه. انتهي كلام المنصور عليه السلام في كتاب " الصفوة ".
الموضع الثاني: كتاب " المهذب "(4) فإنَّه عليه السلام قال في كتاب " الشهادات " منه ما لفظه: وقد ذكر أهلُ التحصيلِ من العلماء جوازَ (5) قبولِ أخبار المخالفين في الاعتقادات، وروى عنهم المحققون بغير مناكرةٍ، ذكره عليه السلام في كتاب " الشهادات " محتجّاً به على قبولِ
(1) في (ب): على فاضل الصحابة.
(2)
من قوله: " التصريح " إلى هنا سقط من (ب).
(3)
سقطت " لا " من (ب).
(4)
تحرف في (ب) إلى: المهدي.
(5)
سقطت من (ب).
شهادتهم.
قال عليه السلام: لأن الإخبارَ نوع من الشهادة، وتجري مجراها في بعضِ الأحكام، والدليلُ على أنَّه عليه السلام ادَّعى الإجماعَ في هذا الكلامَ وجوه:
أولها: -وهو أقواها- أنَّه احتجَّ على جواز الشهادة بالقياسِ على الأخبار، واحتجَّ على قبولهم في الأخبار بأنَّ المحصلين ذهبوا إلى جواز ذلك بغيرِ مناكرة، فلو أراد بالمحصِّلين بعضَ العلماء، أو أراد بغير مناكرة مِن بعضهم مع وجود المناكرة مِن البعض، لم يكن ذلك إجماعاًً، ولو لم يكن إجماعاً، لم يكن فيه حجة، وقد ثبت أنَّه جعله حجةً، وقاسَ عليها، ولفظهُ صالح لإفادة دعوى الإجماع في اللغة من غير تعسُّفٍ ولا تأويل، فوجب القولُ بظاهره، وتأكَّد الظاهرُ بهذه القرينة.
وثانيها: أنَّ ظاهر كلامه يقتضي دعوى الإجماعِ من غير قرينة، وذلك لأنَّ قولَه: إن أهلَ التحصيل من العلماء ذكروا جوازَ ذلك يَعُمُّ جميعَ أهلِ التحصيل ولم يخرج مِن هذا اللفظ إلَاّ مَنْ ليس مِن أهل التحصيل، ومن لم يكن مِن أهل التحصيل، فليس بمجتهد لا في الوضع اللغوي، ولا في العرف الطارىء، لأنَّه ليس يَصحُّ أن يقَالَ لِعالم مجتهدٍ من علماء الإسلام: إنَّه ليس مِن أهل التحصيل.
وثالثها: قولُه بغيرِ مناكرة مطلقٌ يقتضي نفي المناكرة (1) عن جميع الأُمَّةِ، وقد أطلق القولَ في ذلك، ولم يُقيده بقيدٍ، فأفاد الإجماعَ على أنه عليه السلام قد صرَّح بدعوى الإجماع في كتاب " الصفوة "، وإنَّما
(1) تحرف في (ب) إلى: الناكرة.