الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشكال الثالث: أن نقولَ للسَّيِّد أيدَهُ اللهُ: إذا كنتَ مقرّاً أنَّ المؤيَّدَ بالله عليه السلام خالف في هذه المسألة، فإما أن تقول: إن الخلافَ فيها حرام أم لا، إن قلت: إنَه حرام كنتَ قد نسبت المؤيَّدَ بالله عليه السلام إلى ما لا يجوزُ من غير دليل، وإن قلتَ: إن الخلافَ شائع، فما لك والترسل على محمدِ بنِ إبراهيم في أمرٍ مباحٍ أو مندوبٍ.
قال: وأما الهادي عليه السلام، والقاسمُ عليه السلام، فروى الشيخُ أبو جعفر عنهما إنهم لا يقبلون، وقال أبو مضر عنهما: إنهم يقبلُون، وروايةُ الشيخ أبي جعفر أولى وأحرى على أصولِهما.
أقول: يَرِدُ على كلامه هذا إشكالات:
الإِشكالُ الأوَّلُ: أنا نقول: لما تعارضتِ الروايتانِ عن القاسم ويحيى عليهما السلام، شرع السيدُ يرفع التعارضَ بالترجيح، فرجح روايةَ أبي جعفر وهو نافٍ على روايةِ أبي مُضر وهو مثبت، وقد قدَّمَ قبل هذا بنحوٍ من أربعة أسطرٍ أو ثلاثة أن المثبت أولى من النافي حيث ظنَّ أن راويَ الإجماع مثبت، وراوي الخلاف نافٍ، وليس كذلك، بل هما مثبتانِ كما بيناه آنفاً، فلما وَصَلَ إلى النافي والمثبت على الحقيقة، قَدَّمَ النافي على المثبت، وهذا عجيبٌ، فلا أدري ما عُذْرُهُ.
الإشكال الثاني: أنَّه احتج لرواية أبي جعفر بأنَّها تُوافِقُ
أصولَ الهادي والقاسم عليهما السلام، وقد قدمنا أنَّ هذا معيبٌ عند النظار، لأن خصم السيِد -أيده اللهُ- ليس ملتزماً لما ترجَّحَ للسَّيِّد على جهةِ التقليد له، إذاً لكان تابعاً لا منازعاً، فكان يجبُ عليه أن يُبيِّنَ أصولَ القاسم والهادي عليهما السلام هذه التي ادعى عليها أنَّها توجِبُ رد قبولِ المتأولين، فإنا نخاف أن يكون السَّيِّدُ -أيَّده الله- استخرج ذلك لهما من وجه ضعيف.
الإشكال الثالثُ: أنا نبين للسيِّدِ أيَّده الله أن للهادي والقاسم أصولاً تُوجِبُ قبولَهم، ويدل عليه وجهان:
أحدهما: أن السَّيِّد المؤيَد باللهِ عليه السلام خرج للهادي عليه السلام أنَّه يَقْبَلُهُمْ، رواه عنه الفقيه علي بن يحيى الوشلي (1) في " تعليقه " بلفظ التخريج، ورواه عنه القاضي شرفُ الدين حسنُ بنُ محمد النَّحوي رحمه الله في " تذكرته "(2) بلفظ التحصيلِ، ولم يختلِفِ الرُّواةُ في ذلك عن المؤيَّد عليه السلام.
وثانيهما: أن السيدَ أبا طالب نَسَبَ ذلك إلى الهادي عليه السلام في أحدِ تخريجَيْه رواه الفقيهُ علي بنُ يحيى الوشلي في " تعليقه " ونص في " اللمع " على ذلك فقال: قال السَّيِّد أبو طالب عليه السلام: وأما شهادة أهل الأهواءِ من البُغاة والخوارج، فإن جوازَ شهادَتِهم لا يمتنِعُ أن تُخرج على اعتبارِه عليه السلام أن تكونَ الملةُ واحدة، لأن هؤلاء كُلَّهم من أهلِ مِلةِ الإسلام، هذا لفظُه في " اللمع " فكيف رجَّحَ السيدُ روايةَ أبي جعفر لمجرَّدِ موافقتها لأصولهما موهماً أن ليسَ لهما أصولٌ تُوافِقُ روايةَ أبي مُضر، وهو يقرىء هذا في " اللمع " كُلَّ عام، فما أبعد هذا عن الإنصاف، وهذان السيدان الأخوان عليهما السلام هما إماما مذهبِ الهادي
(1) هو الفقيه العلامة المحقق علي بن يحيى بن حسن بن راشد الوشلي المتوفى بصعدة 777 هـ. قال ابن زبارة في " ملحق البدر الطالع " ص 183: كان عالماًً محققاً حجة في كل مطلب، نقح الفروع، وبين التأويل والتعليل، وأتى بالفرق والجمع بين المسائل بما لم يأت به غيره، وصنف " الزهرة " على " اللمع ".
(2)
اسمه الكامل " التذكرة الفاخرة في فقه العترة الطاهرة " منه عدة نسخ خطية في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء، انظر الفهرس ص 240 - 241. والحسن بن محمد هذا توفي بصنعاء سنة 791 " معجم المؤلفين " 3/ 280 نقلاً عن بروكلمان.