الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمانُ من الإخلال ببعضِ صَدَرَ منه عليه السلام، لأنَّا لا نأمن أن ما روَوْهُ (1) مما أنزل اللهُ إليه، وخرج من ذلك ما قام الدليلُ على رده.
الحجة الثانية والعشرون: قوله تعالى: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] فأمر اللهُ باتباعه، وقد قال عليه السلام:" إِذَا أَمَرْتُكمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْه مَا اسْتَطَعْتُمْ "(2) فوجب أن نتَّبِعَه فيما استطعنا مِن معلوم ومظنون على الإطلاق إلَاّ ما قيَّده الدليل.
الحجة الرابعة والعشرون (3): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] فتجب طاعتُه في كل معلوم ومظنون كما تقدَّم.
واعلم أن العمومات الواردة في هذا الباب كثيرة جداً، والعلماء تركوا الاستدلال بها استغناءً بحجة الإجماع، لأنها أخصُّ من العمومات، وأقطعُ للشغب، وإنَّما أوردت هذه العمومات معارضةً لما توهَّمه السيدُ مِن صحة الاحتجاج بتلك العمومات التي أوردها، وقد بيَّنا فيما تقدم الجوابَ عليه في (4) الاحتجاج بها، بل قد تقدَّم فيها، أو في أكثرها أنَّها حجج عليه لا له، وذلك مقرر في الإشكالات الواردة على احتجاجه بها، وهذا القدرُ يكفي في المعارضة فلنقتصر عليه.
(1) في (ب): ما رواه.
(2)
تقدم تخريجه في الصفحة 365.
(3)
في هامش (ب) ما نصه: لم يثبت في الأم الحجة الثالثة والعشرون، ولعله سقط سهواً.
(4)
ساقطة من (ب).
الحجة الخامسة والعشرون: ما رواه عِكرمةُ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيتُ الهلال يعني رمضان، فقال:" أَتَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلَاّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُول اللهِ "؟ قال: نَعَمْ، قال:" يَا بلَالُ أَذِّنْ في الناسِ أَنْ يَصُومُوا غَدَاً "(1). رواه أهلُ السنن الأربع، ولفظُه لأبي داود، وهو مروي من طريق أهل البيت عليهم السلام، ومن طريق شيعتهم.
وقالَ أبو عبد الله الحاكمُ الحافظُ أحدُ علماء شيعة أهلِ البيت عليهم السلام: هو حديثٌ صحيحٌ، وفي إسنادِه وإرسالِه خلافٌ يسير، لا يَضُرُّ مثلُه إن شاء الله تعالى، وهو يدل على قبول من شهد الشهادتين من أهل الإسلام القائمين بأركانه الخمسة ما لم يثبت جرحُهم.
الحجة السادسة والعشرون: حديثُ الأمةِ السوداء التي قالَ عليه السلام: " هِيَ مُؤمِنَةٌ " لما أشارت أن الله ربُّها، وأنَّه عليه السلام رسولُ الله والحديثُ صحيح خرجه مسلم (2) وغيره وهو دليلٌ على قبول كُلِّ مَنْ آمن بالله ورسوله مِن أهل الإسلام ما لم يثبت عنه فعل ما يُجرح به بدليل صحيح من كتابٍ أو سُنَّة أو إجماعٍ، وهذا كله مفقودٌ في المتأوِّلين، لأنه عليه السلام قد أثبت لها الإيمانَ بذلك، والمؤمنُ مقبولٌ، لقوله تعالى في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم:{يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (3)
(1) تقدم تخريجه في الجزء الأول ص 377.
(2)
رقم (537) وقد تقدم تخريجه في الجزء الأول ص 379.
(3)
قال الإمام الطبري 14/ 327: وأما قوله: " يؤمن بالله " فإنه يقول: يصدق بالله وحده لا شريك له، وقوله:" يؤمن للمؤمنين " يقول: ويصدق المؤمنين، لا الكافرين ولا المنافقين، وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا: محمد أُذُنٌ، يقول جل ثناؤه: إنما محمد مستمع خير، يصدق بالله وبما جاء من عنده، ويصدق المؤمنين، لا أهل النفاق والكفر بالله. =
[التوبة: 61] وقد مرَّ في كلام السَّيِّد أبي طالب أنَّ العدالةَ كانت منوطةً في ذلك الصدر الأول بالإِسلامِ والقيامِ بأركانه، واجتنابِ معاصي الجوارح المعروفة دونَ معاصي الاعتقاد وما يتفرَّعُ عنها، هذا معنى كلامه عليه السلام، وقد مَرَّ بلفظه.
الحجة السابعة والعشرون: حديثُ الحسن بن علي عليهما السلام الذي فيه " إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ وسَيُصْلِحُ الله بِهِ بَيْنَ طَائِفَتيْنِ عظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ "(1) وفيه النَّصُّ على تسميتهم مسلمين، وقد تقدَّم الكلام على صحة الحديث.
والمسلم مقبولٌ ما لم يظهر ما يجرحه والدليلُ على ذلك إجماعُ الصحابة عليه في الصدر الأول. رواه الشيخ أبو الحسين في " المعتمد " كما تقدم، وقد تقدَّم أيضاً أثر عمر الصحيح في ذلك في كتابه المشهور (2)، ولم يُنكره أحد، وهو شاهدٌ جيد لدعوى الشيخ أبي (3) الحسين والشواهد على ذلك كثيرة، ولا معنى للتكثير بإيرادها، لأنَّ الخصم غيرُ منازع في قبول من ثبت أنَّه مسلم. والله أعلم.
الحجة الثامنة والعشرون: قولُه عليه السلام في الحديث المشهور
= وقال ابن قتيبة: الباء واللام زائدتان، والمعنى: يصدق الله، ويصدق المؤمنين، وقال الزجاج: يسمع ما ينزله الله عليه، فيصدق به، ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به. " زاد المسير " 3/ 461.
(1)
تقدم تخريجه في الصفحة 169 من هذا الجزء، والصفحة 186 من الجزء الأول.
(2)
تقدم تخريجه في الصفحة 375 من الجزء الأول.
(3)
في (ب): أبو.
الصحيح " كَيْفَ وَقَدْ قيلَ "(1) ففيه تنبيهٌ على حسن قبولِ خبر من أخبر عن تحريم أو وجوبٍ بمجرد القول مِن غير ظن على جهةِ الاحتياط، فكيف مع الظن الغالب، والصِّدْقِ الراجح خرج من ذلك المصرح، وبقي المتأوِّل.
الحجة التاسعة والعشرون: قولُه عليه السلام في حديث الحسن بن علي عليهما السلام " دَعْ ما يُرِيْبُكَ إلى ما لَا يُرِيبُكَ "(2) وهذا حديثٌ حسن معمول به، خرَّجه النواوي في مباني الإسلام وحسنه، ورواه الترمذي في " جامعه " وهو يدُلُّ على قبول من يظن صدقه، لأن رده مما يُريب خوفاً أن يكونَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك الذي رواه.
فإن قلتَ: إن تصديقَهم ريبٌ أيضاًً، فتعارضت جِهتا الترجيحِ، فوجب الوقف.
قلت: الجوابُ مِن وجوه:
أحدها: أن قبولَهم يُريب ريباً مرجوحاً، فلم يُعتبر، لأن الريبَ المرجوح حاصلٌ في خبر الثقة المتنزِّه من البدع، فكما أنَّه لم يُؤثر فيه، كذلك (3) هذا.
وثانيها: أن نقولَ: اجتمع في قبوله ورده رَيْبَانِ، ففي قبوله ريبٌ مرجوح موهوم، وفي ردِّه ريبٌ راجح مظنون، فوجب الاحترازُ مِن الرَّيْبِ الرَّاجِحِ المظنون، لأن فيه مضرةً مظنونةً، ولم يجب الاحترازُ مِن الريب
(1) تقدم تخريجه في الجزء الأول صفحة 382.
(2)
إسناده صحيح، أخرجه أحمد 1/ 200، والترمذي (2518)، والطيالسي (1178)، وعبد الرزاق (4984)، والطبراني (2708) و (2711)، وصححه ابن حبان (512)، والحاكم 2/ 13 ووافقه الذهبي.
(3)
في (ب): فكذلك.
المرجوح، لأن فيه مضرَّة مرجوحة، والمضرةُ المجوزة مِن غير رجحان لا يجبُ الاحترازُ منها، فكيف إذا كانت مرجوحةً موهومةً، فلم يقل أحدٌ من العقلاء بوجوب الاحتراز من ذلك، ولو وجب مثلُ ذلك، لوجب على العقلاء أن يخرجوا من بيوتهم خوفاً لسقوطها عليهم مِن غير أمارة للسقوط.
وثالثها: أنَّ الراجح المظنون (1) لا يُسمى ريباً في اللغة، ولهذا، فإن الإنسانَ إذا غابَ من منزله وأولادِه ساعةً من نهار، وعهده بالدار صحيحةً، وبأهله سالمين، فإنه لا يُسمى مريباً في انهدام الدارِ، وموتِ الأولاد لمجرد أن ذلك ممكن مِن غير محال، وهذا واضح، وقد ذكر الزمخشريُّ (2) هذا المعنى في قوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10].
الحجة الموفية ثلاثين: ما ثبت في الصحمِح من قوله عليه السلام: " الحَلَالُ بيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُما أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرأ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ " الحديث (3)، وفيه ما لا يخفى من الحثِّ على تركِ المتشابهات، ولا شَكَّ أنَّ رَدَّ المتأولين من المتشابهات لوجوه:
أحدُها: ظَنُّ صدقهم.
وثانيها: دعوى الثقاتِ من الأُمة الإجماعَ على قبولهم، ولم يَدَّعِ أحدٌ الإجماعَ على ردهم، كما قدمنا.
وثالثها: أنَّهم إذا رَوَوْا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه حرم شيئاً، فإنَّه لا يكونُ
(1) في (ب): المظنون الراجح.
(2)
4/ 92 - 93.
(3)
تقدم تخريجه في الصفحة 335 من هذا الجزء.
حلالاً بيِّناً، وكذلك إذا رَوَوْا أنَّه أوجب شيئاً لا يكونُ تركُه من الحلال البَيِّنِ لوقوع الشبهة بروايتهم للنص النبوي، وهذا قوي جداً.
الحجة الحادية والثلاثون: قولُه عليه السلام: " يَحْمِلُ هذَا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ "(1)، وقد مَرَّ الكلامُ على تصحيحه، ووجهِ الاحتجاج به حيث (2) نقضنا احتجاحَ السَّيِّد به، وبينا أنَّه حجةٌ عليه، لا لَهُ.
الحجة الثانية والثلاثون: أنَّه يَحْرُمُ عليهم كتمُ ما يحفظونه من العلم، والنصوصِ النبوية لنَصِّ القرآن الكريم على تحريمِ كَتْمِ العلم فلا يرتفع (3) الوجوبُ عنهم إلا بدليل مثل ذلك النص في القُوَّةِ والظهور، ولا شَكَّ أنَّه لا يُوجَدُ ما يُماثِلُه في إسقاط التكليف عنهم في ذلك (4) فإذَا ثبت أنَّه يجبُ عليهم التبليغُ، وَيحْرُمُ عليهم الكتمُ ثَبَتَ أنَّه يُقْبَلُ منهم، وإلا لم يكن لتبليغهم فائدةٌ، ولا لوجوب ذلك عليهم معنى، وأما المصرِّحُ، فقد دل الإجماعُ القاطع على اشتراط توبته في القبول فافترقا.
الفائدة الثانية: في الإشارةِ إلى المرجِّحات لقبول المتأولين على تقدير تسليم التعارض وهي خمسةَ عَشَرَ وجهاً:
الأولُ: خبرُ الثقاتِ مِن عشر طرق أو أكثر بأنَّ الأمة أجمعت على ذلك كما تقدَّم بيانُه عن الأئمة المؤيَّد ِ بالله، وأبي طالب، والمنصور (5)، والإمامِ يحيى بنِ حمزة في كتبهم، والأميرِ الحسين في " شفاء الأوام "،
(1) تقدم تخريجه في الجزء الأول الصفحة 308.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): فلا يرتفع كتم ما يحفظونه.
(4)
" في ذلك " ساقط من (ب).
(5)
في (ب): والمنصور بالله.
والقاضي زيد في " الشرح "، وعبدِ الله بن زيد في كتابه " الدرر المنظومة " في أصول الفقه، والشيخِ أبي الحسين في " المعتمد "، والحاكم في " شرح العيون "، والشيخ الحسن الرصاص في " غرر الحقائق "، وحفيدِه أحمد في " الجوهرة "، وابنِ الحاجب في " مختصر المنتهى "، وروايةِ السيدِ أبي طالب عن الفقهاء أنهم رَوَوْا ذلك لا عن نفسه كما تقدم بيانُ ذلك مفصَّلاً قريباً مع ما شهد لخبرهم مِن القرائن، ومع اطلاعهم على الخلاف وأخبار الصحابة، وذلك يقوي الظَّنِّ قوةً عظيمة على أن ذلك الإجماعَ صحيحٌ إن لم يُفِدِ العلمَ، ولا شَكَّ أنَّه ما رُوي إجماعٌ على رد فُسَّاقِ التأويل ألبتة، فكان القول بقبولهم أولى، لأن في ردهم التعرضَ للعقاب والوعيد الحاصل بمخالفة الإجماعِ، ولا شَكَّ أنه حاصِلٌ إما علماً ضرورياًً، أو ظناً، أو تجويزاً، وليس في قبولهم شيءٌ من مخالفة الإجماعِ ألبتة.
الثاني: أن التكذيبَ لحديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنَّه حديثُه كُفْرٌ صريح، والتصديقُ بمن كَذَبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمداً ليسَ بكفر بالإِجماع، بل الكذبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمداً ليس بكُفْر بالإجماعِ قبل خلافِ الجويني (1)، والخطاُ فيما عمدُه ليس بكفر أقلُّ إثماً مما عمده كفر بالإجماع، فإن قتل مَنْ يجوز أنَّهُ نبي أقبحُ مِن قتل منْ يجوز أنَّه مؤمن، وليس بنبي قطعاً.
الثالث: أن في القبول تكاليفَ حتى بالإِباحة، فإن ما (2) أباحه عليه السلام يحرم تغييرُه تحريماً مغلَّظاً بحيث يكفر منكرُه إذا كان معلوماً ضرورة
(1) انظر " توضيح الأفكار" 2/ 88.
(2)
في (ب): " من " وهو تحريف.
وعليه الحديثُ " وأكَلَ ذَبِيحَتَنَا " جعل ذلك شرطاً في الإسلام بخلاف المباحِ على الأصل.
الرابع: أنَّه أحوطُ إما كُلُّه وإما أكثره فيجب قبولُ الجميع، لأن تركَ قبولِ الجميع تغليبٌ للنادر على الأكثر، وهو مثلُ ترجيح المرجوح على الراجح، وهو خلاف المعقول، وقبولُ البعضِ دونَ البعض تحَكُّمٌ. إنما قلنا: أحوطُ، لأنَّ حديثَهم إن عارض الكتابَ، أو ما هو أرجحُ (1) منه مِن حديث الثقات لم يعمل به إذ هو مرجوحٌ، وإن لم يُعارض، فالفرضُ أنَّه ورد في مباح يجوز تركُه وفعلُه، فإن اقتضى التحريمَ، فالتركُ أحوطُ، وإن اقتضى الوجوبَ، فالفعلُ أحوط، وهذا الوجه يختص بما لم يخصّ العموم المعلوم.
الخامس: نحن نعلمُ بالقرائنِ صِدْقَ أكثرِه، لأنَّ الدواعي إلى الصدق في حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفِّرَةٌ وهي العلم بما فيه مِن كثرة الثواب الوارد في حفظ العلم وتعليمه، وبما في كتمه والكذب فيه مِن العقاب، والصوارفُ منتفية، لأنَّه ليس في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم شهوةٌ ورغبة، وللأكثرين مثلُ ما في غيره مِن سائر المعاصي المحبوبة بنفسها، مثل الزنى، وأكلِ الحرام، ولا هو من الأكاذيب المؤدِّية إلى ذلك غالباً مثل الشهادة الباطلة في الأموال.
ويدل على هذا وجهان:
أحدهما: أنَّه ربما مضى عمرُ الفاسق المصرح وما كَذَب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبةً واحدة متعمِّداً لها، ولعله لا يمضي له (2) يوم لم يكذب فيه في مصالح دنياه، فأما العصيانُ بغيرِ الكذب، فلا يكاد ينفك.
(1) في (ب): راجح.
(2)
ساقطة من (ب).
الوجهُ الثاني: أنَّ الله شَدَّدَ في الشهادة، فلم يقبل إلا اثنينِ، وأكد إنكارَ المُنْكِرِ باليمين (1)، ولم يقبل منْ بينَه وبَيْنَ أخيه عداوةٌ إلى غير ذلك بخلاف الحديث، فَكُلُّ هذه الأمور (2) مقبولةٌ فيه.
قال بعضُ العلماء: وذلك لِقوة الداعي إلى الصدق (3) في الحديث، وقِلَّةِ الداعي إلى الكذب فيه.
وأما مما يقدر مِن قوة محبة الكذبِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في نفسه نادر، وعلى تقدير وقوعه، فهو مِن العدل المتأوّل نادرٌ جداً هذا معلومٌ بالضرورة، فلما علمنا أنَّ الصدق في حديثهم أكثري، وأن الكذبَ نادرٌ، وجب ترجيحُ الصدقِ المعلومِ الغالبِ الراجحِ الأكثري على الكذبِ الموهومِ النادرِ المرجوح.
السادس: أن لهم خطأً وصواباً، فوجب النظرُ في أيُّهما أكثرُ، فما كان أكثرَ، علق به الحكم إلا ما خصَّه الدليلُ، وقد نظرنا، فوجدنا صوابَهم أكثر، لأنهم أقاموا أركانَ الإسلامِ الخمسة، وانْتَهَوْا عن جميع الكبائر المعلومهَ، وآمنوا بكُلِّ ما هو معلومٌ بالضرورة من الدين، وكثيرٌ منهم لا يعصي إلا في فعلٍ واحد، أو اعتقاد واحد وقع فيه أيضاًً مع عدم العلم بتحريمه، ومع وجود الشُّبْهَةِ في فعلِه واعتقادِهِ.
وبيان ذلك أن لِلدين عموداً وهو الإِيمانُ بالقلب، وأركاناً ظاهرة، وهي الخمسةُ المنصوصة: الشهادتان، والصلاةُ والصيامُ والحجُّ والزكاةُ،
(1) انظر " شرح السنة " 10/ 68 - 102.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): داعي الصدق.
وحدوداً معلومة ضرورية التحريم، وهي الكبائرُ المنصوصة، فهذه مهماتُ الإسلام، وقد جاؤوا بذلك كُلِّهِ على ما يُحِبُّ الله ويرضى، وهو الأكثرُ والأكبر، وليس التعذيبُ في الآخرة دليلاً على عدم القبول في الدنيا بدليلِ الجرحِ بالمعاصي الملتبسة، بل ببعض المباحات الدالة على قِلَّةِ الحياء والمروءة، وبكثرة السهو والغفلة، فكما قد يُرَدُّ مَنْ هو مِن أهل الخير، فقد يقْبَلُ مَنْ هو مِن أهل الشر، لأن حكم الرواية يرجع إلى الصدق وظنِّه، لا إلى استحقاق العقوبةِ في الآخرة. فأحكامُ الآخرةِ بِمَعْزِلٍ عن هذا، ولا شَكَّ أن القياس تعليقُ الحكم بما هو أكثرُ، دليلُه إجماعُ العلماء على أن مَنْ كان يَهِمُ في الحديث وَهْماً نادِراً، ويُصِيبُ كثيراً، فإنه يُقْبَلُ حديثُه تغليباً للأكثر إذا ثبت هذا، قبلوا تغليباً للأكثر.
السابع: روايتُهم للحجج الدالةِ على خلاف مذهبهم مثل أثر عائشة في نفي الرؤيةِ في ليلةِ الإسراء، وتفسير قوله تعالى:{وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] بجبريل عليه السلام (1). واتَّفَقُوا على صحة ذلك عنها، ومثلُ الأحاديث والمناقب الدالة على تفضيلِ أمير المؤمنين علي عليه السلام، ولقد ذكر الذهبي في كتابه " طبقات القُراء "(2) عليّاً عليه السلام، وذكر أنَّه لم يَسْبِقْهُ إلى الإسلام إلاّ خديجةُ، وأن المكان يَضِيقُ عن مناقبه وأنَّه جمع القرآنَ العظيم، وصحح ذلك، وَرَدَّ على من خالف فيه. ثم ذكر: عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابنِ سيرين أن أبا بكر
(1) أخرجه البخاري (3234) و (3235) و (4612) و (4855) و (7380) و (7531)، والترمذي (3278)، وفي الباب عن ابن مسعود عند البخاري (4856) و (4857)، ومسلم (174).
(2)
الموسوم بـ " معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار " 1/ 25 - 28 نشر مؤسسة الرسالة.
رَضِيَ الله عنه مات ولم يَخْتِم القرآن، ولم يُضعف هذه الرواية، ولا عارضها بشيء، وكيف يُضعفها وقد بين إسنادَها، وهو على شرط البخاري ومسلم وجميع أئمة الحديث.
وكذلك عمر رضي الله عنه، فإِنَّهم اتَّفقُوا على أنَّه لم يجمع القرآنَ كأبي بكر، ولو كانوا مِن أهلِ الكذب مع تفضيلهم لهما، لَكَذَبُوا لهما، أو تركوا ذكر (1) ذلك نفياً وإثباتاً ليبقى مجملاً، ولم يعتنوا في ذكره، وإيرادِ إسناده (2) الصحيح، ولهذا نظائرُ لو ذكرتُها واستوفيتُها جاءت في مصنف مفرد، وأخرجت عن المقصود.
ومنْ ذلك حديثُ سَمرَةَ بنِ جُندب حيث (3) قال له عليه السلام ولأبي هُريرة، ولثالث معهما:" آخِرُكُمْ مَوْتاً في النَّارِ "(4) فكان آخرَهم موتاً سَمُرَةُ بن جندُب، رووه وحكموا بصحته، وقد رُوي أنَّه مات حريقاً؛ روي (5) أنَّه وقع في نارٍ أو ماء يغلي، ولعلَّ هذا معنى الحديث إن صحت روايتُه، فقد كان سمرةُ حافظاً، أثنى عليه الحَسَنُ البصري ووثقه، وروى عنه.
(1) ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): إسناد.
(3)
سقطت من (ب).
(4)
أورده الإمام الذهبي في ترجمة سمرة من " السير " 3/ 184 - 185 من طريق شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة، وقال في إثره: هذا حديث غريب جدّاً، ولم يصح لأبي نضرة سماع من أبي هريرة، وله شويهد فذكره.
قلت: وفي سنده مجهولان، وآخر وفي سنده ضعيف ومجهول.
ثم روى من طريق هلال بن العلاء، عن عبد الله بن معاوية، عن رجل أن سمرة استجمر، فغفل عن نفسه حتى احترق، فقال: فهذا إن صح، فهو مراد النبي، يعني نار الدنيا.
(5)
في (ب): وروي.
ومثلُ حديث معاوية حيث قال عليه السلام: " إذا ارتقى معاوية منبري هذا، فاقتلوه " رواه الذهبي (1) بثلاثة أسانيد طعن في واحد منها وسكت عن (2) اثنين، ورواه بإسناد آخر " فاقبلوه، فإنَّه أمين " وقال: إسنادٌ مظلم وأمثالُ ذلك شيء كثير، لو نُقِلَتْ من كتب رجالهم لما جاءت في أقلِّ مِن مجلد كبير.
الثامن: تضعيفُهم لأحاديث أئمتهم المحتج بها في الفروع، فمن نظر " البدر المنير " و" خلاصته " و" الإرشاد " و" التلخيص " في الأحاديث التي احتج بها الشافعي عَلِمَ إنصافَهم، وأنَّهم غيرُ متعصبين، فلعلَّهم أجمعوا على ضَعْفِ قدر الربع من حُجَجِهِ، هذا وَهُمْ أصحابُه المنتسبون إليه، وكذلك المحدثون من الحنفية، ولهم في ذلك كتاب أحاديث الهداية (3)، وكذلك المالكية، وَمِنْ أحسنِ الكتب لهم في ذلك
(1) في " السير " 3/ 149، والأسانيد الثلاثة لا تصح، ففي الأول علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف لا يحتج به، وفي الثاني الحكم بن ظهير، قال البخاري: تركوه، وفي الثالث إرسال الحسن البصري، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8/ 133: وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحاًً، لبادر الصحابة إلى فعل ذلك، لأنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.
(2)
تحرفت في (أ) و (ج) إلى " من ".
(3)
" الهداية " كتاب في الفقه الحنفي ألفه شيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المتوفى سنة 593 هـ، وكان قد صنف قبل هذا الكتاب " بداية المبتدي " جمعَ فيه كتابي أبي الحسن القدوري، و" الجامع الصغير " لمحمد بن الحسن، وزاد عليهما مسائل ثم شرحه بكتاب سماه " كفاية المنتهي " في ثمانين مجلداً، ثم اختصره في كتاب سماه " الهداية ". قال الشيخ أنور الكشميري: ليس في أسفار المذاهب الأربعة كتاب بمنزلة كتاب " الهداية " في تلخيص كلام القوم، وحسن تعبيره الرائق، والجمع للمهمات في تفقه نفس بكلمات كلها درر وغرر، وهو مطبوع بمفرده، ومع شرحيه لابن الهمام والعَيني، وقد تصدى لتخريج أحاديثه غير واحد من الحفاظ، من أجودها وأبرعها " نصب الراية " للإمام الحافظ المتقن جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزَّيْلَعي، المتوفَّى سنة =
وأكثرها إنصافاً كتابُ " التمهيد "(1) لابن عبد البر وهو أحدُ كتب الإِسلام ومختصره " التنضيد " حسن جداً.
العاشر (2): تضعيفُهم للأحاديثِ الدالة على مذاهبهم في التفضيل وغيرِه مثل حديث أنس مرفوعاًً: " لمَّا عرج بي جبريلُ رأيتُ في السَّمَاءِ خيلاً مَوْقُوفَةً مُسْرَجَةً مُلْجَمَة لا تَرُوثُ ولا تَبُولُ، رُؤُوسُها مِنَ اليَاقُوتِ وحَوَافِرُهَا مِن الزُّمُرُّدِ الأخْضَرِ، وأبْدَانُهَا مِن العِقْيَانِ الأصْفَرِ ذوات الأجنحة، فقلتُ لِجبريل: لِمَنْ هذه؟ قال: لِمُحِبِّي أبي بَكرٍ وعُمَرَ "،
= (762) هـ. قال الحافظ ابن حجر: جمع تخريج أحاديث " الهداية "، فاستوعب فيه ما ذكره صاحب "الهداية" من الأحاديث والآثار في الأصل، وما أشار إليه إشاره، ثم اعتمد في كل باب أن يذكر أدلة المخالفين، ثم هو في ذلك كثير الإنصاف، يحكي ما وجده من غير اعتراضٍ ولا تعصب غالباً، فكثر إقبال الطوائف عليه. وهو مطبوع طبعة جيدة بعناية المجلس العلمي في أربعة أسفار كبار بمصر سنة (1357) هـ.
(1)
واسمه الكامل " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " تأليف الإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النَّمَري الأندلسي المتوفَّى سنة (463) هـ. وهو كتاب عظيم في بابه، لم يتقدمه أحد إلى مثله، رتبه بطريقة الإسناد على أسماء شيوخ الإمام مالك الذين روى عنهم ما في "الموطأ" من الأحاديث، وذكر ما له عن كل شيخ مرتباً على نسق حروف المعجم بترتيب المغاربة، ووصل كل مقطوع جاء متصلاً من غير رواية مالك، وكل مرسل جاء مسنداً من غير طريقه، وذكر من معاني الآثار وأحكامها المقصود بظاهر الخطاب ما عوَّل على مثله الفقهاء أولو الألباب، وجلب من أقاويل العلماء في تأويلها، وناسخها ومنسوخها وأحكامها ومعانيها ما يشتفي به القارىء الطالب ويبصره، وينبه العالم ويذكره، وأثبت من الشواهد على المعاني والإسناد بما حضره من الأثر ذكره، وصحبه حفظه مما تعظم به فائدة الكتاب. وقد قضى في تأليفه أكثر من ثلاثين سنة كما يدل عليه قوله فيه:
سميرَ فؤادي مُذْ ثلاثون حِجَّةً
…
وصيقل ذهني والمفرج عن همي
بسطت لكم فيه كلام نبيكم
…
بما في معانيه من الفقه والعلم
وفيه من الآثار ما يقتدى به
…
إلى البر والتقوى وينهي عن الظلم
انطر " سير أعلام النبلاء " 18/ 153 - 163، وتقوم بنشره وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، وقد صدر منه حتى الآن أربعة عشر جزءاً بالقطع الكبير، يسر الله إتمامه.
(2)
كذا في الأصول كلها لم يرد فيها التاسع.
قال الذهبي في " الميزان "(1): إنَّه حديث كذب.
ومثل حديثِ عقبةَ بنِ عامر سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أتاني جبريلُ، فقال: يا محمَّدُ إنَّ الله أمَرَكَ أن تستشيرَ أبا بكر ". في إسناده رجل يقال له: محمد بن عبد الرحمن بن غزوان. قال الدارقطنيُّ وغيرُه: كان يضعُ الحديثَ، وقال ابنُ عدي: له عن ثقات الناس بواطيل، وعدُّوا هذا الحديث منها (2).
ومثل: " أبو بكر يلي أُمَّتي مِن بعدي " قال الذهبي: هو كذب (3).
ومثل حديث رواه محمد بن بابشاذ البصري، وقد وثقه الدارقطني، قال الذهبي (4): لكنه أتى بطامَّةٍ لا تتطيب، فروى عن عائشة قالت: لمَّا كانت ليلتي مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمَّني وإياه الفراشُ قلتُ: يا رسولَ الله حدثني بشيء لأبي، قال: "أخبرني جبريلُ عن الله أنَّه لما خلق الأرواح اختار روحَ أبي بكر لي مِن بين الأرواح، وإني ضمنتُ على الله أن لا يكونَ لي خليفةٌ مِن أمتي، ولا مؤنس في خلوتي، ولا ضجيع في حُفرتي إلا
(1) 3/ 638 في ترجمة محمد بن عبيد الله بن مرزوق، والحديث أورده الخطيب البغدادي في " تاريخه " 2/ 329 - 330 من طريق عمر بن محمد الترمذي، عن جده لأمه أبي بكر محمد بن عبيد الله بن مرزوق، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن أنس. وعمر بن محمد الترمذي. قال الذهبي في " الميزان " 3/ 221: له حديث باطل يذكر في ترجمة محمد جده، ونقل عن أبي الفتح بن أبي الفوارس قوله في " الميزان " 3/ 221: فيه نظر. وانظر " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " 1/ 347 لابن عراق.
(2)
انظر " ميزان الاعتدال " 3/ 625 - 626.
(3)
انظر " ميزان الاعتدال " 3/ 180 و399، و4/ 282، و" الكامل " 6/ 2103 لابن عدي، و" تنزيه الشريعة " 1/ 344، و" المجروحين والضعفاء " 2/ 230، و" اللآلي المصنوعة "1/ 301، و" الفوائد المجموعة " ص 332 - 333، و" الجامع الكبير " 1/ 7 للسيوطي.
(4)
في " الميزان " 3/ 488، و4/ 282 انظر " تاريخ بغداد " 14/ 36، و" تنزيه الشريعة " 1/ 342.
أبوكِ، وتخرج بخلافته يومَ القيامة رايةٌ من دُرَّةٍ" فانظر إلى أمورٍ ثلاثة:
أوَّلُها: معنى هذا الحديث على مذهبهم غيرُ محال ولا ممتنع.
وثانيها: أنَّ رَاوِيَه ثقة، لكنه أغربه وشذَّبه، ولم يُتَابَعْ عليه.
وثالثها: أن الذهبيَّ سمَّى هذا الحديث طامة لا تتطيَّبُ مع ثقة راويه وإمكانِ صحته، فلو قال في حق علي مثل هذا لم يَشُك المغرب من (1) عوائدهم عند الغضب مما بان لهم أنَّه كذب أنَّه يُبْغِضُ علياً عليه السلام، وبمثل هذا ينفي بغضَه لعلي حين يقع منه شيءٌ من هذا مما يظنُّه مكذوباً من مناقبه عليه السلام، كما يُزَيِّفُ مثلَ ذلك في فضائل القرآن العظيم، وفي معجزاتِ النبي الكريم، فتأمَّلْ ذلك، فقد كان يكفيه ألطفُ من هذه العبارة في نفي هذا وأمثالِهِ من مناقب أبي بكر، لكنَّه يشتد غضبُهم مِن الكذب الواضح عندهم على حَسَبِ اجتهادهم.
ومثل ما روى محمدُ بنُ عبد الله بن إبراهيم بن ثابت أبو بكر البغدادي عن البراء مرفوعاً: " في أعلى عِلِّيينَ قُبَّةٌ معلَّقة بالقُدرة تخترِقُها رياحُ الرحمة، لها أربعةُ آلاف باب، كلما اشتاقَ أبو بكر إلى الجنة، فتح له منها بابٌ ".
قال الدارقطني: كان دجالاً.
وقال الخطيب: كان يضعُ الحديثَ، وعدُّوا هذا من موضوعاته (2).
(1) في (ب): عن.
(2)
قال الخطيب في " تاريخه " 5/ 441 بعد أن أورد الحديث من طريق أبي بكر الأشناني الذي قال عنه: كان كذاباً يضع الحديث عن يحيى بن معين، عن عبد الله بن إدريس الأودي، عن شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن =
ومثل ما روي عن أبي سعيدٍ مرفوعاً: " لما عُرِجَ بي إلى السماء ما مَرَرْتُ بسماءٍ إلا ووجدتُ فيها مكتوباً: محمد رسولُ الله، وأبو بكر الصديق مِن خلفي ".
قال الذهبي (1): هو باطل، وعن ابن عباس مثله وهو أيضاً باطل، وعن أبي هريرة أيضاًً مثله (2) وفيه رَجُلٌ مُتَّهم بالكذب.
ومثل ما روي عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم (3) جعلتَ أبا بكر رفيقي في الغارِ، فاجعله رفيقي في الجنة " من رواية محمد بن الوليد بن أبان القلانسي البغدادي مولى بني هاشم.
قال ابنُ عدي (4): كان يضع الحديث. وقال ابن أبي عَروبة: كذاب.
= البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من ركب هذا الحديث على مثل هذا الإسناد، فما أبقى من اطراح الحشمة والجرأة على الكذب شيئاً، ونعوذ بالله من الخذلان، ونسأله العصمة عن تزيين الشيطان إنه ولي ذلك، والقادر عليه. ثم نقل عن الدارقطني قوله في أبي بكر الأشناني (محمد ابن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت): كذاب دجال. وانظر " الميزان " 3/ 605 - 606، و" اللآلي المصنوعة " 1/ 292.
(1)
في " الميزان " 3/ 609 - 610 في ترجمة محمد بن عبد الله بن يوسف المهري، وهذا الحديث رواه الخطيب في " تاريخه " 5/ 444 - 445 من حديث أبي سعيد، وابن عباس، وأبي هريرة، والبزار (2482) من حديث ابن عمر، وابن عدي 4/ 1507 من حديث أبي هريرة، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات "، وقال: عبد الله بن إبراهيم الغفاري يضع الحديث، وشيخه فيه -عبد الرحمن بن زيد بن أسلم- ضعيف باتفاق، وقد حاول الحافظ السيوطي في " اللآلي " 1/ 296 - 297 أن يشد من أزر هذا الحديث، ويحسنه، فلم يصنع شيئاً، فإن كل ما ذكره لا ينهض للاستدلال على صحة مدعاه.
(2)
في (ب): مثله أيضاًً.
(3)
في (ب) و (ش): اللهم كما.
(4)
في " الكامل " 6/ 2287، ونصه: يضع الحديث ويوصله، ويسرق، ويقلب الأسانيد والمتون، وانظر " ميزان الاعتدال " 4/ 59 - 60.
ومثل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاًً: " إن لله عَلَماً من نور مكتوبٌ فيه: لا إله إلَاّ اللهُ محمد رسولُ الله أبو بكر الصِّدِّيق ".
قال الذهبي: هو موضوع.
ومثل ما روي عن أنس مرفوعاًً: " انفلقت في يدي تُفاحةٌ عن حوراء، فقالت: أنا للمقتولِ ظلماً عثمان " قال الذهبي (1): وهذا كذب.
ومثل ما روى عمر بن الخطاب أنَّه قال: حدثني سيدا شَبابِ أهلِ الجنة عن أبيهما المرتضى، عن جدِّهما المصطفي أنَّه قال:" عمَرُ نُورُ الإسلام في الدنيا، وسراجُ أهل الجنة في الجنة "، وأوصى أن يجعلَ ذلك في كفنه على صدره فوضع فلما أصبحوا، وجدوه على قبره، وفيه: صَدَق الحسنُ والحسين، وصَدَقَ أبوهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكره الحافظُ المحدِّثُ أبو الخطاب عمر بن حسن المعروف بابنِ دحية الكلبي في كتابه " العَلَم المشهور " في جملة أحاديث موضوعة وأخبار مصنوعة، وهو مِن حفاظ الحديث على أنَّه متكلم عليه، وموصوم بالمجازفة، كذا قال الذهبي في ترجمته في كتابيه (2)" التذكرة "(3) و" الميزان "(4).
وقال الذهبي (5): إسحاق بنُ محمد بن إسحاق السُّوسي ذاك
(1) في " الميزان " 4/ 385 في ترجمة يحيى بن شبيب اليماني.
(2)
في (ب): كتابه.
(3)
4/ 1420 - 1422.
(4)
3/ 186 - 189، وترجمه أيضاً الذهبي في " السير " 23/ 389 - 395، وأرخ وفاته سنة ثلاث وثلاثين وست مئة.
(5)
سقطت من (ب).
الجاهل الذي أتى بالموضوعاتِ في فضل معاوية، فهو المُتَّهَم بها، أو شيوخه المجهولون (1).
وقال الذهبي في ترجمة السري بن عاصم (2): وهَّاه ابنُ عدي، وكذَّبه ابنُ خِراشٍ، قال الذهبي: ومن مصائبه أنَّه أتى بحديث متنه " رأيتُ حولَ العرش وردةً مكتوب فيها: محمَّدٌ رسولُ الله أبو بكر الصديق ".
وقال في ترجمة سعيد بن جَمْهَان: وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يحتج به (3)، هو راوي " الخلافة بعدي ثلاثون سنة" حسنه الترمذي، وهذا
(1) هذه الترجمة موضعها في " الميزان " 4/ 199 بعد ترجمة إسحاق بن محمد البيروتي، ولكنها سقطت من المطبوع فتستدرك من " لسان الميزان " 1/ 374.
(2)
" الميزان " 2/ 117.
(3)
" الميزان ": 2/ 131، وتمام كلامه فيه: روى عن حشرج بن نباتة، وعبد الوارث، قال أبو داود: ثقة، وقوم يضعفونه، وقال ابن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به.
قلت: وحديثه أخرجه أبو داود (4646) و (4647)، والترمذي (2226)، والطحاوي في " مشكل الآثار " 4/ 313، وأحمد في " المسند " 5/ 220 - 221، وفي " فضائل الصحابة "(789) و (790) و (1027)، وابن أبي عاصم 2/ 562، والطبراني في " الكبير "(13) و (136) و (6442)، والطيالسي (1107)، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/ 341 من طرقٍ عن سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكاً " وزاد غير واحد من مخرجيه: قال سفينة: أمسك عليك أبا بكر سنتين، وعمر عشراً، وعثمان اثنتي عشرة، وعلياً ستاً.
وسعيد بن جمهان وثقه ابن معين، وأحمد، وأبو داود، وابن حبان، وقال النسائي: لا بأس به، وقال البخاري: في حديثه عجائب، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقيل للإمام أحمد: إن يحيى بن سعيد لم يرضه، فقال: باطل وغضب، وقال: ما قال هذا أحد غير علي بن المديني، ما سمعت يحيى يتكلم فيه بشيء وقال الساجي: لا يتابع على حديثه، فمثله يكون حسن الحديث، وقد حسن الترمذي حديثه هذا، وصححه ابن حبان (1534) و (1535)، والحاكم 3/ 71 و145، ووافقه الذهبي، وقال ابن أبي عاصم: حديثه ثابت من جهة النقل، وللحديث شاهد من حديث أبي بكرة الثقفي عند البيهقي في " دلائل النبوة " 6/ 342، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، وآخر من حديث جابر عند الواحدي في تفسيره " الوسيط " 3/ 126/2، وفيه من لا يعرف، فهما على ضعفهما يتقوى بهما حديث سفينة ويصح.
كالنَّصِّ على خِلافة الثلاثة.
وقال (1) سعيدُ بن محمد الجرْمِي: روى عنه البخاري (2) وهو ثقة، لكنه شيعي.
وقال ابنُ معين: صدوق.
ولما روى أحمد بنُ بكر البَالِسِي (3) حديث " مَنْ أبغضَ عمر، فقد أبغضني " قال الأزديُّ: كان يضعُ الحديثَ (4).
وكذبوا إسماعيلَ بنَ يحيى بن عُبيد الله من ذرية أبي بكر، وقالوا: لا تَحِلُّ الروايةُ عنه، ولم يتشيَّعْ (5).
وعكس هذا: وهو تصحيحهم لما يُبَاينُ مذهبهم إذا رواه الثقات.
قال الذهبي في ترجمة زيد بنِ وهب (6)، وهو ممن اتفقوا على الاحتجاجِ بحديثه في الصحاح، قال: هو مِن جِلَّةِ التابعين وثقاتهم، متفق على الاحتجاج به إِلا ما كان مِن يعقوب الفسوي، فإنه قال في تاريخه (7): في حديثه خَللٌ كثير. ولم يُصِبِ الفسوي.
ثم إنَّه ساق من روايته قولَ عمر: يا حُذَيفةُ باللهِ أنا من المنافقين (8)؟
(1) في " الميزان " 2/ 157.
(2)
ومسلم أيضاًً كما في " الميزان " و" التهذيب " 4/ 76.
(3)
بفتع الباء، وكسر اللام: نسبة إلى بالس، مدينة مشهورة بين الرَّقَّة وحلب على عشرين فرسخاً من حلب، وقد تحرفت في الأصول الثلاثة إلى الباليني.
(4)
" ميزان الاعتدال " 1/ 86، وانظر " لسان الميزان " 1/ 140 - 141.
(5)
" ميزان الاعتدال " 1/ 253 - 254.
(6)
في " الميزان ": 2/ 107.
(7)
2/ 768 - 770.
(8)
أخرجه من طريق ابن نمير، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زيد بن =
قال: وهذا محال (1) أخافُ أن يكونَ كذباً.
قال: ومما يُستَدَلُ به على ضعفِ حديثه روايتُهُ عن حذيفة: إن خرج الدجال، تبعه مَنْ كان تحت راية عثمان (2).
ومِن خَلَلِ روايته قولُه: حدثنا واللهِ أبو ذر بالرَّبَذَةِ قال: كنتُ مع
النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلَنَا أُحد. الحديثَ (3).
= وهب
…
وهذا سند صحيح، رجاله رجال الصحيح.
(1)
قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 404: هذا تعنت زائد، وما بمثل هذا تضعف الأثبات، ولا ترد الأحاديث الصحيحة، فهذا صدر عن عمر عند غلبة الخوف، وعدم أمن المكر فلا يلتفت إلى هذه الوساوس الفاسدة في تضعيف الثقات.
(2)
أورده من حديث ابن نمير، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة. وهذا سند رجاله رجال الصحيح ما عدا منصور بن أبي الأسود فإنه صدوق، روى حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
(3)
وتمامه: فقال: يا أبا ذر، ما أحِبُّ أن أحداً ذلك لي ذهباً يأتي عليه ليلة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا -وأومأ بيده-، ثم قال: يا أبا ذر، قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله. قال: إن الأكثرين هم الأقلون لا من قال بالمال هكذا وهكذا، لم قال: مكانك لا تبرَحْ حتى أرجع إليك. وانطلق حتى غاب عني، فسمعت صوتاً فتخوفت أن يكون قد عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأردت أن أذهب، ثم تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تبرح " فمكثت، فأقبل، فقلت: يا رسول الله، سمعت صوتاً فخشيت أن يكون قد عرض لك، فأردت أن آتيك، ذكرث قولك:" لا تبرح " فقمت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك جبريلُ أتاني فأخبرني: أنَّه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة " فقلت: يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق؟ قال:" وإن زنى وإن سرق ".
قال الأعمش: قلت لزيد بن وهب: بلغني أنَّه أبو الدرداء. قال: أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة. أخرجه الفسوي في " تاريخه " من طريق عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا زيد بن وهب، حدثنا -والله- أبو ذر بالربذة، فذكره، وأخرجه البخاري في " صحيحه "(6268) من طريق عمر بن حفص بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (94) في الزكاة: باب الترغب في الصدقة من طرقٍ عن أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر، وله طرق أخرى عن زيد بن وهب به. انظرها في " تحفة الأشراف " 9/ 161 - 163.
فهذا الذي استنكره الفسويُّ من حديثه، ما سُبِقَ إليه، ولو فتحنا هذه الوساوسَ على أنفسنا، رددنا كثيراً من السُّنن الثابتة بالوهم الفاسد، ولا نفَتَح علينا في زيد بن وهب خاصة بابُ الاعتزال، فردُّوا حديثَه الثابتَ عن ابنِ مسعود حديث الصادق المصدوق (1).
وزيدٌ سيدٌ جليلُ القدر، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقُبِضَ وزيدٌ في الطريق، وروى عن عمر، وعثمان، وعلي والسابقين، وحدث عنه خلقٌ، ووثقه ابن معين وغيره حتى إن الأعمشَ قال: إذا حدَّثَك زيد بن وهب عن أحد، فكأنك سمعتَه من الذي أخبرك عنه.
وذكر الذهبيُّ في ترجمة إبراهيم بن يعقوب (2): أن ابْنَ عديٍّ، قال في ترجمة إسماعيل بن أبان الورَّاق (3) لما قال فيه إبراهيمُ بن يعقوب الجوزجاني: كان مائلاً عن الحقِّ: لم يكن يكذِبُ، والجوزجاني كان مائلاً إلى مذهب أهلِ دمشق في التَّحَامُلِ على علي رضي الله عنه (4)، فقولُه في إسماعيل بن أبان: كان مائلاً عن الحق يعني ما عليه الكوفيون من
(1) أخرجه البخاري (3208) و (3332) و (6594) و (7454)، ومسلم (2643)، وأبو داود (4708)، والترمذي (2137)، وابن ماجة (76)، والنسائي في التفسير في " الكبرى " كما في " تحفة الأشراف " 7/ 29، وأحمد 1/ 382 و414 و430 من طرقٍ كثيرة عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود.
(2)
في " الميزان " 1/ 75 - 76. وقد علق الحافظ ابن حجر على قول الجوزجاني في إسماعيل هذا في " مقدمة الفتح " ص 390، فقال: الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي، فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان، والصواب موالاتهما جميعاً، ولا ينبغي أن يسمع قول مبتدع في مبتدع.
(3)
في " الكامل " 1/ 304.
(4)
كان هذا في وقتٍ ما ثم عُدِمَ ولله الحمد، كما يقول الإمام الذهبي، فليس فيهم الآن أحد ينتحل هذا المذهب الردىء.
التشيع (1).
وقال (2) في بشر بن حرب البزار: منكرُ الحديث جداً، ثم ساق له حديث:" الخليفة بعدي أبو بكرٍ وعُمَرُ، ثم يقعُ الاختلافُ "، قال: باطل.
وضعف الذهبي (3) جعفر بن عبد الواحد قال (4): ومن بلاياه حديثه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريره بحديث (5):" أصحابي كالنجوم " ومن هذا القبيل في ترجمة الحُسين بنِ عبدِ الرحمان (6)، وخالد بن إسماعيل المخزومي (7)، وخالد بن أنس (8)، وعبد الله بن داود (9)، وعبد الله بن محمد بن ربيعة (10).
وروى الذهبي في ترجمة سعيد بن خُثَيم الهلالي (11) قيل لابن معين فيه: هو شيعي؟ قال: وشيعي (12) ثقة.
(1) وتمام كلام ابن عدي: وأما الصدق، فهو صدوق في الرواية. قلت: وإسماعيل بن أبان هذا من رجال " التهذيب "، روى له البخاري في " صحيحه "، ووثقه أحمد، وأبو داود، وابن معين، ومطيَّن، والنسائي، والدارقطني، وابن شاهين، وابن حبان، وأبو حاتم، وعلي بن المديني، وانظر " تهذيب الكمال " 3/ 5 - 10.
(2)
في " الميزان " 1/ 315، وانظر " المجروحين والضعفاء " 1/ 191 - 192.
(3)
في " الميزان " 1/ 412 - 413، وانظر " الكامل " 2/ 576 - 578.
(4)
في (ب): وقال.
(5)
في (ب): حديث.
(6)
1/ 539 - 540.
(7)
1/ 627.
(8)
1/ 627.
(9)
2/ 415
(10)
2/ 488.
(11)
2/ 133، وهو من رجال " التهذيب " قال الحافظ في " التقريب ": صدوق، رمي بالتشيع له أغاليط.
(12)
" قال: وشيعي " ساقطة من (ب).
وقال (1): سلام بن مسكين: أحد الثقات لكنه يرمى بالقدَرِ، وقال أبو داود: كان يذهب إلى القدر.
وقال في ترجمة سلم بن ميمون الزاهد الخواص (2): غلب عليه الصلاح حتى غفل عن حفظ الحديث فلا يحتج به، روى أن أعرابياً بايع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أجل، فقال له علي: يا أعرابي، إن مات النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ يقضيك؟ قال: لا أدري، قال: فأتهِ فَسَلْه (3)، فقال:" يقضيك أبو بكر " وذكر الحديثَ، وآخره:" إِذا أنا مِت وأبو بكر وعمر وعثمان، فإن استطعت أن تموت، فمت ".
قال العقيلي: حدث بمناكير لا يتابع عليها، وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه.
وذكر (4)، أن أحمد بن حنبل وثق سليمان بن قَرْم، وكان غالياً في التشيع. فلم يمنعهم غُلُوُّهُ في التشيع مِن توثيقه، ولا مِن رواية توثيق مَنْ وَثَّقَهُ، وقال ابن عدي (5): أحاديثُهُ حسان، هو (6) خيرٌ من سُليمان ابنِ أرقم بكثير.
قلت: ولم يكن ابنُ أرقم من الشيعة.
وقال الذهبيُّ في ترجمة عبد الرحمانِ بنِ أبي حاتم الرازي (7):
(1) 2/ 181، وقد احتج به البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن غير الترمذي.
(2)
2/ 186 - 187.
(3)
في (ب): فاسأله.
(4)
أي الذهبي في " الميزان " 2/ 219.
(5)
في " الكامل " 3/ 1105 - 1108.
(6)
في (ب): وهو.
(7)
" الميزان " 2/ 587 - 588.
الحافظُ الثبتُ ابنُ الحافظ الثبت
…
إلى قوله: وما ذكرتهُ لولا ذِكْرُ أبي الفضل السليماني له، فبئس ما صَنَعَ، فإنه ذكر أسامي الشيعة المحدِّثين الذين (1) يُقَدِّمُونَ علياً على عثمان: الأعمشَ، النعمانَ بنَ ثابت، شعبةَ ابن الحجاج، عبدَ الرزاق، عبدَ الله بن موسى، عبدَ الرحمان بن أبي حَاتم. انتهى.
فقد ردَّ الذهبيُّ على السليماني ذكرَ هؤلاء بالطعن في روايتهم لأجل التشيع.
وقال (2) في عبد الرحمان بن [مالك بن] مغول عن الدارقطني: متروك. وعن أبي داود: كذاب يضع الحديث، ثم روى من طريقه حديث " لا يُبْغِضُ أبا بكر وعمر مؤمن ولا يُحبهما منافق ". قال الذهبي: وقد رواه معلَّى بن هِلال كذّاب.
قلتُ: وذكر في ترجمةِ عبدِ الرحمان بن محمد بنِ أحمد بنِ فَضالَة (3) أنَّه حافظٌ، صاحبُ حديث، لكنه رافضي جلي. فلم يمنعه رفضُهُ مِن مدحه بأنه حافظٌ صاحبُ حديث.
وقال (4) في عبدِ الرحمان ابنِ أبي الموال (5): ثقةٌ مشهورٌ، خرج مع محمد بن عبد الله (6). قال ابن عدي (7): هو مستقيمُ الحديثٍ،
(1) في (أ) و (ج): الذي.
(2)
2/ 584 - 585.
(3)
2/ 587، وقد تحرف فيه " جلي " إلى " جبل ".
(4)
2/ 592 - 593.
(5)
ويقال: الموالي أيضاًً، وهو في (ب) كذلك.
(6)
ابن حسن بن السَّيِّد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي الحسني المدني، الأمير الواثب على المنصور هو وأخوه إبراهيم سنة (145) هـ. انظر " سير أعلام النبلاء " 6/ 210 - 218.
(7)
" الكامل " 4/ 1616 - 1617.
والذي أنكروا عليه حديثَ الاستخارة وقد رواه غيرُ واحد من الصحابة.
قلت: وأخرجه البخاريُّ (1) عنه، وهو مِن رجال البخاري (2) والأربعة.
وقال ابنُ خراش: صدوق.
وقال غيرُه: ضربه المنصورُ ضرباً شديداً ليدُلَّهُ على محمد بنِ عبد الله، وحبسه، وكان مِن شيعتهم.
وقال الذهبي في " الكاشف "(3): ثقة.
وقال الذهبي في ترجمة الصَّقْرِ بنِ عبد الرحمان: حَدَّثَ عن أنسٍ بحديثٍ كذبٍ: " قم يا أنس فافتح لأبي بكر، وبشره بالخِلافة من بعدي " وكذا في عمر وعثمان.
(1) رقم (1162) في التهجد: باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي الموال، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:" إذا هَمَّ أحدُكم بالأمر فليركَعْ ركعتين من غير الفريضة، لم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبه أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته ". وهو من طرقٍ عن عبد الرحمن بن أبي الموال به عند أحمد 3/ 344، والبخاري في " صحيحه "(6382) و (7390)، وفي " الأدب المفرد "(293)، وأبي داود (1538)، والترمذي (480)، والنسائي 6/ 80، وابن ماجة (1383)، والبيهقي في " السنن " 3/ 52، وفي " الأسماء والصفات " ص 124 - 125، وانظر " صحيح ابن حبان "(888) بتحقيقنا.
(2)
من قوله " عنه " إلى هنا ساقط من (ب).
(3)
2/ 188.
وقال بعضهم: هو صدوق. قال الذهبي: من أين جاءه الصدق (1).
وُيوجد مثلُ هذا في كتاب " ميزان الاعتدال في نقد الرِّجال " للذهبي، تركتُ ذكره للاختصار فليُنظر في تراجم عبدِ الله بن محمد بن سعيدٍ (2)، وعبد الله بن واقد أبي قتادة الحراني (3)، وموسى بنِ جعفر الأنصاري (4)، وموسى بنِ جعفر الكاظم (5)، وموسى بنِ عبد الرحمان الثقفي الصنعاني (6)، وموسى بنِ عيسى بن عبد الله (7)، وموسى بن محمد بن عطاء (8) الدمياطي البلقاوي المقدسي الواعظ (9)، ونُعَيم بنِ حَمَّاد الخُزاعي (10)، ونوحِ بن طلحة من أولاد أبي بكر الصديق (11)، ونوحِ بن أبي مريم (12) من المتعصِّبين لمذهب السنة، وهارون بنِ أحمد (13) في ترجمته حديثٌ عجيب، وهشامِ بنِ حسان (14) وهشامِ بن عمار (15)، وعامر بنِ صالح بن عبد الله مِن ذُرِّيَّةِ الزبير بن العوام (16)، وإسماعيل بنِ يحيى مِن ذرية أبي بكرٍ الصديق (17)، ويحيى بنِ شبيب اليماني (18)، والحسنِ بن علي بن زكريا ابن صالح (19)، ومحمد بنِ أحمد بن عياض بن أبي ظبية (20)، وعمرَ بنِ
(1)" ميزان الاعتدال " 2/ 317.
(2)
2/ 491.
(3)
2/ 517 - 519.
(4)
4/ 201.
(5)
4/ 201 - 202.
(6)
4/ 211 - 212.
(7)
4/ 216.
(8)
تحرف في الأصول إلى " حماد ".
(9)
4/ 219.
(10)
4/ 267 - 270.
(11)
4/ 278.
(12)
4/ 279 - 280.
(13)
4/ 282.
(14)
4/ 295 - 298.
(15)
4/ 302 - 304.
(16)
2/ 360.
(17)
1/ 253 - 254.
(18)
4/ 385.
(19)
1/ 506 - 509.
(20)
3/ 465، وتحرف فيه:" ابن أبي ظبية " إلى " عن أبي ظبية ".
حمزة (1) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (2)، وفليح بنِ سليمان (3).
وفي باب السجود من " مجمع الزوائد "(4) للهيثمي عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَلْزِقْ أنفَه مَعَ جَبْهَتهِ بالأرْض إذَا سَجَدَ، لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط ".
قال الهيثمي: ورجاله موثَّقُونَ وإن كان في بعضهم اختلافٌ من أجل التشيع. انتهي بحروفه.
وقال الذهبي (5). محمدُ بنُ حمزة بن عمر بن إبراهيم العلوي، كان جَدُّه زيدياً مِن العلماء، وأما هو، فرافِضِي. فدلَّ على تنزيههم للزيدية من الرّفض، ومعرفتهم لذلك.
وقال في ترجمة معبدٍ الجُهَني (6): إنَّه تابعي صدوق في نفسه، لكنه سَنَّ سنة سيئة، فكان أوَّلَ مَنْ تَكلم في القدر.
ونحو هذا لا يُحْصَرُ، يعرِفُه بالضرورة منْ طالع كتبهم في علم الرجال.
وقد وثَّقوا مِن الشيعة: أبانَ بن تغلب (م 4)، وأحمدَ بنَ محمد بن
(1) ساقط من (ب).
(2)
3/ 192.
(3)
3/ 365 - 366.
(4)
2/ 126، وهو في " الطبراني " برقم (11917).
(5)
" ميزان الاعتدال " 3/ 529.
(6)
4/ 141.
أحمد أبو منصور (1)، وأحمدَ بن محمد بنِ الحسين بن فاذشاه صاحب الطبراني (2)، وعبد الله بن الحسن (4) وابنَه محمد (د س ت)؛ وأحمدَ ابنَ محمد بن سعيد بن عقدة (3)، وأحمدَ بن المُفَضَّل (د س)، وإسماعيل بن أبان الأزدي شيخ البخاري (خ ت)، وإسماعيلَ بنَ زكريا الخلقاني الكوفي، حديثُه في كتب الجماعة (ع)، وإسماعيل بنَ عبد الرحمان السُّدِّي (م 4)، وإسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي ابن بنت السُّدي (د ت ق)، وبهزَ بنَ أسد (ع)، وقال الذهبي فيه: إمام حجة، وتليدَ بنَ سليمان (ت) أثنى (4) عليه أحمد، وثعلبةَ بنَ يزيد الحمَّاني (عس)، وجابرَ بن يزيد الجعفي (د ت ق)، وثقه غيرُ واحدٍ منهم (5)، وجعفرَ بنَ زياد الأحمر (د ت س)، وجعفَر بن سُليمان الضُّبَعي (م 4)، وَجُمَيْعَ بنَ عمير (6)، والحارثَ بن حَصيرة (بخ)، والحارثَ بن عبد الله
(1) الصيرفي، قال الخطيب: رافضي، وسماعه صحيح. " ميزان الاعتدال " 1/ 132.
(2)
في " الميزان " 1/ 136: سماعه صحيح، لكنه شيعي معتزلي رديء المذهب.
(3)
في " الميزان " 1/ 136 - 138: أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ أبو العباس، محدث الكوفة، شيعي متوسط، ضعفه غير واحد، وقواه آخرون، قال ابن عدي 1/ 209: صاحب معرفة، وحفظ وتقدم في هذه الصنعة، رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه، لولا أني شرطت أن أذكر كل من تكلم فيه لم أذكره للذي كان فيه من الفضل والمعرفة، وقد ترجمه الذهبي أيضاًً في " تذكرة الحفاظ " 3/ 839 - 842، و" سير أعلام النبلاء " 15/ 340 - 355.
(4)
في " التهذيب " 1/ 509 - 510 تضعيفه عن غير واحدٍ من الأئمة، ولذا قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف.
(5)
وضعفه آخرون، قال الإمام الذهبي في " الكاشف " 1/ 177 - 178: جابر بن يزيد الجعفي عن أبي الطفيل والشعبي، وعنه شعبة والسفيانان، من أكبر علماء الشيعة، وثقه شعبة فشذ، وتركه الحفاظ، قال أبو داود: ليس في كتابي له شيء سوى حديث السهو. وقال الحافظ في " القريب ": ضعيف.
(6)
قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس. " ميزان الاعتدال " 1/ 421.
الأعور (1)، وحَبَّةَ بن جُوين من الغُلاة وثَّقه العجلي وحدَه (2)، والحسنَ بنَ صالح بن حي (م 4) وقال الذهبي: كان مِن الأعلامِ العُبَّادِ، وخالدَ بنَ مخلد القطواني الكوفي (ع) مِن رجال البخاري وسائر الجماعة (3) وفي ترجمته قال الذهبي ما لفظه: قال الجوزجاني: كان شتَّاماً معلناً بسوء مذهبه، وكان أبو نُعيم الفَضْلُ بنُ دُكين (ع)، كوفيَّ المذهب يعني يتشيَّع، وهو أحدُ شيوخ البخاري، ورجالِ الجماعةِ كُلِّهم، وعبيدَ الله بن موسى العبسي (ع) أسوأ مذهباً -
قال الذهبيُّ: وكذلك عبدُ الرزاق (ع) وعدَّة.
قلت: قال ابنُ سعد في عُبيد الله بن موسى: كان مُفْرِطَ التشيع، وقال: كان شيعياً محترقاً، ومع هذا حديثه متفق على صحته، لأنَّه ممن خرَّج عنه البخاريُّ ومسلمٌ وسائرُ الجماعة.
وقال الذهبيُّ: كان ذا زهدٍ وعبادة وإتقان.
(1) قال الذهبي في " السير " 4/ 152: هو العلامة الإمام أبو زهير الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد الهمداني الكوفي صاحب علي وابن مسعود. كان فقيهاً، كثير العلم على لين في حديثه، وقال في " الميزان " 1/ 435: من كبار علماء التابعين على ضعف فيه، وقال الحافظ في " التقريب ": في حديثه ضعف.
(2)
وفي ترجمة حارثة بن مضرب من " التهذيب " 2/ 167 أن أحمد وثقه.
(3)
في " مقدمة الفتح " ص 400: خالد بن مخلد القطواني الكوفي، أبو الهيثم من كبار شيوخ البخاري روى عنه، وروى عن واحدٍ عنه، قال العجلي: ثقة فيه تشيع، وقال ابن سعد: كان متشيعاً مفرطاً، وقال صالح جزرة: ثقة إلا أنَّه كان متهماً بالغلو في التشيع، وقال أحمد بن حنبل: له مناكير، وقال أبو داود: صدوق إلا أنَّه يتشيع، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. قلت (القائل ابن حجر): أما التشيع، فقد قدمنا أنَّه إذا كان ثبت الأخذ، والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه، وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه، وأوردها في " كامله " 3/ 904 - 907، وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة " من عادى لي ولياً " الحديث، وروى له الباقون سوى أبي داود.
- وعبدَ الحميد بن جعفر (م 4)، ومنصور بن أبي الأسود (د ت س)، وهارونَ بن سعد العِجلي (م)، وهاشمَ بن البَرِيدِ (د س ق)، ويحيى بنَ الجزار (م 4)، ويحيى بن عبد الله أبو حجيَّة الكندي الأجلح السَّبيعي (ع) يذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، وعمر بن إبراهيم العلوي الزيدي (1)، وقد مر (2) عبدُ الرزاق بن همَّام الإمام، وعبدُ الرحمان ابن أبي الموالي (خ 4) الخارج مع محمد بن عبد الله، وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم (ع) -
قال الحاكم: احتجَّا به، وقد اشتهر عنه الغُلُوُّ، قال الذهبي: أي: غلو التشيع، وقد وثقه العِجلي.
وعدي بن ثابت (ع) متفق عليه في كتب الجماعة. وقد قال ابنُ معين: شيعي مفرط. وقال الدارقطني: رافضي غال.
وممَّن أثنوا عليه لِصحَّة الحديث من المعتزلة: أحمدُ بنُ يوسف ابن (3) يعقوب بن البُهلول (4)، وإسماعيلُ بنُ علي بن سعد السَّمان (5)،
(1) في " الميزان " 3/ 181: وكان مشاركاً في علوم، وهو فقير متقنع خَير ديّن على بدعته، توفي سنة (539) هـ. وقال السمعاني فيما نقله عنه الذهبي في " السير " 20/رقم الترجمة (86): شيخ كبير، له معرفة بالفقه، والحديث، واللغة، والتفسير، والنحو، وله التصانيف في النحو، وهو فقير قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب، ولكني أفتي على مذهب السلطان، يعني مذهب أبي حنيفة.
(2)
وقد مر: ساقط من (ب).
(3)
يوسف بن: ساقط من (ب).
(4)
ذكره في " الميزان " 1/ 165 - 166، ووصفه بالاتقان، وصحة السماع، وأرخ وفاته سنة (378) هـ.
(5)
وصفه في " الميزان " 1/ 239 بقوله: صدوق، لكنه معتزلي جلد، وهو مترجم في " السير " 18/رقم الترجمة (26)، وفي " تذكرة الحفاظ " 3/ 1121 - 1123، وكانت وفاته سنة (443) هـ، وقيل: سبعٍ، وقيل: خمس وأربعين، وقد أورده ابن تغري بردي في وفيات سنة ثلاث وأربعين، وأورده ابن كثير في وفيات سنة خمس وأربعين.
وثورُ بن يزيد الكَلاعي (خ 4)، وحسانُ بن عطية (ع)، والحسنُ بن أحمد أبو علي الفارسي النحوي صاحبُ التصانيف، وحمزةُ بن نجيح (بخ)(1)، وقتادة بنُ دِعامة (ع)، وعبدُ الله بن أبي لَبيد (خ م د س ق)، وعبدُ الله بنُ أبي نجيح (ع) وفي ترجمته نسبةُ الاعتزالِ إلى زكريا بنِ إسحاق (ع)، وشبلِ بنِ عباد (خ د س)، وابنِ أبي ذئب (ع)، وسيفِ بن سليمان (خ م د س ق) وكُلُّهُمْ من أئمة الحديث. انتهى، وعبدُ الأعلى بنُ عبد الأعلى الشامي (ع)، وعبدُ الرحمان بن إسحاق القرشيُّ المدني (م 4)، وهِبةُ الله بن المبارك بن الدَّواتي (2)، وهشامُ بن عمار (خ 4) شيخ البخاري، والهبة بنُ حميد، ومحمودُ الزمخشري، وعليُّ بن محمد بن أقضى القَضاة (3)، وعليُّ بنُ محمد بن الحسن بن يزداد (4) وخلق سواهم (5). وقد أثبتُّ على من ذكرتُه علامَةَ (6)
(1) في " التهذيب " 3/ 34: قال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف، قلت: يكتب حديثه؟ فقال: رضا، وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وقال الأزدي: ضعيف، وذكره ابن حبان في الثفات، وقال: كان قدرياً.
(2)
في " الميزان " 4/ 292: كان يتهم بالرفض والاعتزال، وكان قد جمع مئتي دينار، فأخذت منه في الحمام، وكان يظهر الفقر، فبقي متحسراً عليها، وترك من كان يصله الإحسان إليه، وقل: كان تاركاً للجمعة أيضاً. مات سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
(3)
هو الإمام العلامة أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي الشافعي صاحب التصانيف الحسان في الفقه، والتفسير، وأصول الفقه، والأدب، المتوفى سنة (450) هـ. حدث عنه أبو بكر الخطيب، ووثقه، اتهمه بالاعتزال أبو عمرو بن الصلاح، والإمام الذهبي في " الميزان " 3/ 155، وقال الحافظ في " لسان الميزان " 4/ 260 ولا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال. مترجم في " السير " 18/رقم الترجمة (29).
(4)
تحرف في الأصول إلى " برداق "، وعلي بن محمد هذا مترجم في " السير " 18/رقم الترجمة (100).
(5)
وانظر " مقدمة الفتح " ص 459 - 464، و" تدريب الراوي " 1/ 328 - 329، فقد سردا أسماء من رمي ببدعة ممن خرج حديثهم الشيخان أو أحدهما.
(6)
وانظر تفسير هذه العلامات في " تهذيب الكمال " 1/ 149 - 150 للحافظ المزي، طبع مؤسسة الرسالة.
من خَرَّج حديثَه من أئمة دواوينِ الإسلام ومَنْ لم أُخرج له علامةً، فهو مذكور في " الميزان ".
الحادي عشر: تحريهم لِلصدق في كتب الجرح والتعديل، وعدم المداهنة، فقد تكلَّمُوا في تضعيف الأصدقاء والقرابات مثل نوح بنِ أبي مريم، وابن أبي داود (1)، ووالد علي بن المديني (2) بل في منْ يعظمونه وهو حقيقٌ بالتعظيم كالإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله ضعَّفَهُ بعضهم من جهة حفظه (3)، وصَدَعُوا بذلك في التصانيفِ مع أن الملوك حنفية في هذه الأعصار في مصر والشام وهم مستمرون في ذلك، وتجد المحدِّث الشافعي إذا تعرَّض لذكر الشافعي في كتب الرِّجال لم يُعظِّمْهُ في معرفة الحديث ورجاله وعِلَلِه كما يُعظم غيره بل يُوردون في تعديله عباراتٍ فيها لين مثل (4): لا بأسَ به، وثقة ونحو ذلك، ويخُصُّونَ مَنْ هُوَ دونه بما هو أرفعُ من ذلك مثل: إمامٌ حُجَّة لا يُسأَلُ عن مثله، وقد كان الشافعي يُوثِّقُ ابنَ أبي يحيى أحدَ شيوخه في الحديث وأصفق (5) الأكثرون على تضعيفه، وكذَّبه جماعة، وعَمِلَ أصحابُ الحديث من أصحابِ الشافعي على تضعيفه، وعدمِ المبالاة بتوثيقِ الشافعي له.
(1) هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ابن صاحب السنن. مترجم في " السير " 13/ 221 - 237.
(2)
هو عبد الله بن جعفر بن نجيح، قال الإمام الذهبي في " الميزان " 2/ 401: متفق على ضعفه.
(3)
ولم يُصب في ذلك، فقد شهد له بالحفظ أمير المؤمنين في الحديث الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج الواسطي كما في " الخيرات الحسان " ص 34.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
يقال: أصفقوا على الأمر: اجتمعوا عليه، وأصفقواعلى الرجل كذلك، قال زهير:
رأيتُ بني آلِ امرِىء القَيْسِ أصْفَقُوا
…
علينا، وقَالُوا: إنَّنا نَحْنُ أكثر
الثاني عشر: تعديلُهم لأعدائهم من غلاة الروافض، وكم في " الصحيحين " مِن رافضي سَبَّابٍ للصحابة، غالٍ في الرفض، كما مرَّ تعدادُ بعضِهم، ونقل ذلك من كتبهم وهم يعلمون ذلك، ويذكرون مذهَبه في كتبهم في الرجال، ويُصَرِّحونَ بأنه ثقةٌ حُجَّةٌ مأمونٌ في الحديث، والعدلُ على العدو من أبلغ أمارات الإِنصاف.
الثالث عشر: روايتُهم لِفَضَائل علي عليه السلام، وفضائِل أهلِ البيت في أيَّامِ بني أمية وهو عليه السلام -حاشاه من ذلك- يُلْعَنُ على المنابِرِ، ولا يروي فضائِلَه إلَاّ مَنْ خاطر بروحه.
الرابع عشر: روايةُ مساوىء معاوية، والأحاديث الواردة بذمه (1) وذَمِّ صِبية بني أمية وهي في تواريخهم وكتبهم، وبيان المكذوب مِن فضائله، وأنه لم يَصِحَّ منها شيء. رواه الذهبي عن إسحاق بنِ راهويه، وبيان كُل ذلك رووه في زمنِ بني أمية بدليل اتصالِ إسناده، وبذلك تأوَّلوا حديثَ أبي هريرة في قوله: حفظتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم جِرابين، أما أحدهما فبثثتُه في الناسِ، وأما الآخر فلو أبثه (2) لَقُطِعَ هذا البُلْعُومُ (3)، قالوا: هُوَ ما كان عنده من ذمِّ أمراءِ بني أمية الذين كان معاصراً لهم، وكذلك صَرَّحُوا بتأويلِ حديث عمرو بنِ العاص بذلك حيث قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(1) وكلها غير صحيحة.
(2)
في (ب): بثثته.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(120) في العلم: باب حفظ العلم من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأمَّا أحدهما، فبثثته، وأمَّا الآخر فلو بثثته، قطع هذا البلعوم. وانظر " السير " 2/ 596. وحديث البخاري (7058) في الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء ".
جهاراً غيرَ سِرار: " إنَّ آلَ أبي فُلانٍ لَيْسُوا بأَوْليائي إِنَّما أَوْليائي المُتَّقونَ "(1) فسَّروه بآل أبي العاص، منهم الحكمُ طريدُ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ممَّن فسره بذلك القاضي عِياض في شرح مسلم، وكذلك النواوي في شرح مسلم (2) أيضاًً، وكذلك ابنُ حجر في مقدمة شرح البخاري، وسيأتي ذلك مستوفى قريباً، ويأتي تمام لهذا في ترجمة مروان والوليد في الأوهام الآتية إن شاء اللهُ تعالى.
وكذلك ذكر الرازيُّ (3) عن ابن عباس أن الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية، وأنَّه صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية يتداولون مِنْبَرَهُ، فَقَصَّ رؤياه على أبي بكر وعمر سِرّاً، فتسمَّعهم الحكمُ، فأفشى سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفاه لأجل ذلك، هذا مختصر مما ذكره الرازي، وروى الترمذي ما يشهد لذلك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
(1) أخرجه البخاري (5990) في الأدب: باب تبل الرحم ببلالها، ومسلم (215) في الإيمان: باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم.
(2)
3/ 88، ونصّه: قال القاضي عِياض رضي الله عنه: قيل: إنَّ المكنيّ عنه ها هنا الحكم بن أبي العاص. والله أعلم.
(3)
في تفسيره 20/ 237، ونسبة هذا القول إلى ابن عباس لا تصح، فقد رواه ابن جرير في تفسيره 15/ 77 من طريق محمد بن الحسن بن زبالة، حدَّثنا عبد المهيمن بن عباس ابن سهل بن سعد حدَّثني أبي عن جدي، وهذا سند ضعيف جداً، فإنَّ محمد بن الحسن بن زبالة متروك، وشيخه ضعيف، وقد صحَّ عن ابن عباس أنها شجرة الزقوم، قال البخاري في " صحيحه "(4716) حدَّثنا علي بن عبد الله، حدَّثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قال: هي رؤيا عين أُريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} شجرة الزقوم.
قال الحافظ في " الفتح " 8/ 399: هذا هو الصحيح، وذكره ابن أبي حاتم عن بضعة عشر نفساً من التابعين، وضعف الرواية السابقة التي تنص على أنها الحكم بن أبي العاص.
الخامس عشر: أنَّ حديثَهم أقوى مِن الرأي ولو لم نقبلْه، لقبلنا الرأيَ، وإنما قُلنا: إِنَّها أقوى مِن الرأي لوجهين:
أحدُهما: أنَّ الظنَّ المستفاد منه أقوى مِن الظن عن الرأي، وذلك لِقلة مقدماته، وكثرةِ مقدمات الرأي، فالرأيُ يتوقَّف على ظَنِّ صحته في الجملة، وظنِّ صحة النصِّ في الأصل، وظنِّ أن الحُكْمَ الثابت في الأصل مُعَلَّلٌ، وظنِّ أن عِلَّته متعدية غيرُ قاصرة جملة، وظنِّ أنها موجودةٌ في الفرع، وظنِّ أنَّها غيرُ مخصّصة، وظنِّ عَدَم النصّ المانع من القياس، وظنِّ عدم العلة المعارضة لها. فأما أحاديث المتأولين فإنَّها تتوقَّفُ على ظنِّ قبولِ المتأوِّل وصدقه، وظنِّ عدم المعارض والناسخ والمخصِّصِ على الاحتياط وإلَاّ، ففيه نظر، ليس هذا موضِعَ ذكره.
وثانيهما: أن الأدلةَ الدالة على قبول المتأولين أقوى من الأدلة الدالة على القياسِ، فلم يستدِلُّوا على القياس من القرآن إلَاّ بقوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] والاحتجاج بها ضعيف جداً (1).
المسألة الثانية: قبولُ كافرِ التأويل. وليس في الأحاديث المُعْتَمَدِ عليها مَنْ هو عندنا كافِرُ تأويل بحمد الله تعالى، ولكني أذكر الحُجَجَ في ذلك لمن أحبَّ أن ينظر فيه، والمسألةُ محلُّ نظر، وأما مَنْ قبلهم، فقد احتجَّ على قبولهم بجميع ما تقدَّم إلَاّ أشياءَ يسيرةً، فهي تختصُّ فساقَ التأويل، وذلك لا يخفى على العارفِ المتأمل، ولْنَذْكُر من ذلك وجوهاً ثلاثة:
الأول: الإجماعُ (2) رواه خمسة ثقات: الإمامُ يحيى بنُ حمزة،
(1) انظر " المحصول " 2/ 2/37 - 51.
(2)
سقطت من (ب).
والمؤيَّد، والمنصورُ، والقاضي زيد، والفقيهُ عبدُ الله بن زيد، أما الإمام يحيى بنُ حمزة، فروى ذلك في موضعين من " الانتصار ":
أحدُهما: في باب الأذان قال ما لفظه: وأما كفارُ التأويل، -وهم (1) المجبرة والمُشَبِّهة والروافض والخوارج-، فهؤلاء اختلف أهلُ القبلة في كفرهم، والمختارُ أنهم ليسوا بكفارٍ، لأن الأدلةَ بكفرهم تحتملُ احتمالاتٍ كثيرة، وعلى الجملة فمن حكم بإسلامهم أو بكفرهم قضى بصحة أذانِهم، وقبولِ شهادتهم. انتهى.
وعدم التكفير لهؤلاء كُلِّهم هو اختيارُ شيخ المعتزلة أبي الحسين، وشيخِ الأشعرية الفخر الرازي وأصحابهما، ذكره الشيخ مختار المعتزلي في كتابه " المجتبى "، وهو اختيارُ القدماء كما أشار إليه محمدُ بنُ منصور الكوفي (2) في كتابه " الجملة والألفة "(3).
وثانيهما: في كتاب الشهادات قال عليه السلام ما لفظه: ومَنْ كفر المجبرة والمشبهة، قَبِلَ أخبارَهم، وأجاز شهادتَهم على المسلمين وعلى بعضهم، وناكحوهم وقبروهم في مقابر المسلمين، وتوارثوا هم والمسلمون.
وأما المنصورُ بالله عليه السلام فلفظه في " المهذب ": نعم، ذلك
(1) سقطت من (ب) وفي (أ) فهم.
(2)
هو أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد المرادي الزيدي المفسر الفقيه المتوفى سنة (290) هـ، وقد تقدم التعريف به ص 53 من هذا الجزء، وانظر أيضاً " تاريخ التراث العربي " 3/ 333 - 334 لسزكين، و" فهرس مخطوطات المكتبة الغربية " بالجامع الكبير بصنعاء ص 54 و55 و57 و77 و78.
(3)
في " تاريخ التراث ": " الألفة والجملة ".
لأنه قال فيه ما لفظه: وقد ذكر أهلُ التحصيل من العلماء جوازَ قبول المخالفين في الاعتقادات، وروى عنهم المحققون بغير مناكرة في ذلك، ذكره عليه السلام في كتاب الشهادات من " المهذب "، وقد تقدم الكلام في أنَّ هذا يُفيدُ الإجماعَ عند الكلام (1) على رواية الإجماعِ على قبول فساق التأويل، فخُذه من هناك.
وأما المؤيَّدُ بالله عليه السلام، فإنه قال: والأظهرُ عند أصحابنا قبولُ كافِر التأويل (2) وقد تقدَّم نقلُه، وبيانُ الوجه في أنَّه يُفيدُ إِجماع علماء العترة (3) عليهم السلام.
وأما روايةُ القاضي زيد، فقد تقدمت وهي صحيحة صريحة.
وأما الفقيهُ عبدُ الله بن زيد، فقال: اختلفوا في قبول الكافر والفاسق من جهة التأويل، والمختارُ: أنَّهُ يقبل خبرهما متى كانا عَدْلَيْنِ في مذهبهما، وهو قولُ طائفة من العلماء، والذي يَدُلُّ على صحة قولنا أنَّ الصحابة أجمعت على ذلك.
فإن قلتَ: قد رُوي الخلافُ من غير شك، فكيف يمكن الإصغاءُ إلى رواية هذا الإجماع؟
قلتُ: الجواب من وجوه:
الأول: معارضة، وذلك أن (4) السَّيِّد قد حكم بأنَّ راوي الإجماعِ مُقدَّم على راوي الخلاف، واحتجَّ على ذلك بحجتين:
(1)" عند الكلام " ساقط من (ب).
(2)
من قوله: " فخذ من هناك " إلى هنا سقط من (ب).
(3)
في (ب): إجماع العلماء علماء الأمة.
(4)
في (ب): بأن.
أحدُهما: أن المثبِتَ أولى من النافي.
والثانية: أنَّ راويَ الإجماع ناقلٌ عن حكم الأصل، والناقِلُ أولى، وقد بيَّنا فسادَ ما ذكره فيما تقدَّم (1)، وإنما أردنا بهذا أن يحتجَّ عليه بما هو صحيحٌ على أصله.
الثاني: أنَّ شروطَ التعارض عزيزة كما ذكرها في الفرق بين النسخ والبداء (2) وبيانُه في مسألتنا أنَّه يقعُ الإجماعُ من أهل عصر والخلافُ بينَ أهل عصر آخر، فإن كان الإجماعُ متقدماً، فالخلافُ وقع ممَّن لم (3) يعلم بالإجماعِ، وإن كان الإجماعُ متأخراً، فذلك ظاهر.
الثالث: أن أقلَّ أحوالِ مدَّعِي الإِجماعِ أن يعرف أنَّهُ قولُ الجماهير، وأنه لا يُعرف في ذلك خلافاً حتى لا يُنسب المختار لهذا القول إلى الشذوذ.
فإن قيل: فقد روى الإمامُ الخلافَ في " المعيار " فتناقض.
قلنا: شرطُ التناقض عزيز، إذ لا يَصِحُّ مع إمكان الجمع، والجمعُ ممكن وذلك أن يكون الخلافُ الذي في "المعيار" منسوباً إلى أهل
(1)" فيما تقدم " سقط من (ب).
(2)
والقول بالبداء -وهو أن الله سبحانه وتعالى يغير ما يريد تبعاً لتغير علمه، وأنَّه يأمر بالشيء ثم يأمر بخلافه- هو اعتقاد الكيسانية أتباع المختار بن عبيد الثقفي، الذين ظهروا عقب مقتل الحسين رضي الله عنه، وقد قال الشهرستاني في " الملل والنحل " 1/ 149: وإنَّما صار المختار إلى اختيار القول بالبداء، لأنَّه كان يدعي علم ما يحدث من الأحوال: إمَّا بوحي يوحى إليه، وإمَّا برسالة من قِبل الإمام، فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء، وحدوث حادثة، فإن وافق كونه قوله، جعله دليلاً على صدق دعواه، وإن لم يوافق، قال: قد بدا لربكم. وإن ذلك بلا شك ضلال مبين، وفساد في الاعتقاد.
(3)
سقطت من (ب).
عصر، والإجماعُ الذي رواه في " الانتصار " منسوباً إلى أهل عصرٍ آخر، وذلك كثير في مسائل الإجماع.
فان قيل: فقد روى قاضي القضاةِ الإجماعُ، فتعارضا.
وقال ابنُ الحاجب: إِن كافرَ التأويلِ، كالكافر عند المكفِّرِ.
قلنا: لا يتعارضان لوجوه:
الأول: قد عُلِمَ الخلاف بغير شك، كما قال أبو الحسين، وقد تقدم تقريرُه حيث تقدم كلام أبي الحسين.
الثاني: هؤلاء خمسة، والترجيح يَحْصُلُ بزيادة وأحمد، فكيف بأربعة.
الثالث: أنهم أورعُ لتنزههم عن البِدعة، فبان الرجحان، وارتقع التعارض بحمد الله، وأما كلامُ ابن الحاجب، فقد تقدَّم جوابُه حيث ظن السيد أنَّه (1) حكاية للإجماع على ردِّه، وكلام الإمام يحيى بن حمزة يَرُدُّ عليه دعواه، ويُعارضه، وترجح عليه بما ذكرناه.
الحجة الثانية: القياسُ على فاسق التأويل، وقد ذكرها في " الجوهرة " وهي قوية.
الحجة الثالثة: ظن وجود النص، وتحريم العمل بالرأي وبالعموم مع ظنِّ النصِّ والمُخَصِّصِ إجماعاً -وهي قوية- ونحوها من الحجج المتقدمة (2) على جوازِ قبولِ فاسقِ التأويل مما يَصِحُّ الاحتجاجُ به في كافر
(1) في (ب): بأن.
(2)
انظر الصفحات 356 - 373.
التأويل، فتأملها هناك، فقد ذكرتُ فيما تَقَدَّمَ اثنتين وثلاثين حجة مِن الحجج الدالة على قبولِ الفساق المتأولين وأكثرُها حجج على قبولِ الكفار المتأولين ما يَخْرُج منها إلَّا النادِرُ، وذِكرُها يؤدِّي إلى التطويلِ من غير حاجة، لأني قد ذكرتُ أني لا أعلَمُ أني معتمد على كافِر تأويلٍ في الحديث.
قال السيدُ -أيَّده اللهُ-: وأمَّا إذا عارض روايةَ فساقِ التأويل روايةُ العدل الصالح المنزّه مِن فسق التأويل، فالإِجماعُ على ترجيح روايةِ العدل الصالح ممَّن يَقْبَلُ رواية فُسَّاقِ التأويل منفردين، وممَّن لا يقبلهم.
أقول: قد طالعتُ كثيراً من كتب الأصول والفروع لِطلب معرفة الإجماع هذا الذي ادَّعاه السيِّد على تقديم روايةِ العدل في التصريح والتأويل على رواية العدلِ في التصريح، الفاسق في التأويل، فلم أَجِدْ أحداً ذكرها فيما طالعتُ، والذي لم أُطَالِعْ أكثرُ مما طالعت، ولكن الكُتَبَ التي طالعتُ هي الكتبُ المتداولة، فلا أدري السيد -أيَّده الله تعالى- نقل هذا الإجماعَ عن أحدٍ من العلماء الثقات، أو وجده في شيء مِن المصنفات، فله المِنَّةُ بالإرشاد إلى ذلك، أو قال ذلك مِن طريق الفهم والحَدْسِ، فليس ذلك من طرق الإجماع. وللإِجماعِ طُرقٌ معروفة لا تخفى على السيدَ -أيده الله تعالى- فيجِب عليه أن يُفيدنا طريقاً إلى معرفة هذا الإِجماع. ثم إنَّه يرد على دعواه للإِجماع إشكالات:
الإِشكالُ الأول: أن المنصور بالله عليه السلام قد ذكر في كتاب " الصفوة " ما يقتضي الإجماعُ على التسوية بين العدلِ في التصريح والتأويل، والعدلِ في التصريح، الفاسق التأويل، فقال عليه السلام في حكاية إجماع الصحابة على ذلك ما لفظه: أما أنَّهم أجمعوا، فذلك مِن
ظاهر (1) أحوالهم لمن تَصَفَّحَ أخبارَهم، واقتصَّ آثارهم، وذلك أن الفتنة لما وقعت فيهم، وتفرَّقوا فِرقاً، وصاروا أحزاباً، وانتهي الأمرُ بينهم إلى القتل والقتال، كان بعضُهم يروي عن بعض بغير (2) مناكرة بينهم في ذلك بل اعتماد أحدهم على ما يرويه عمن يُوافقه، كاعتماده على روايته عمَّن يُخالفه. فنصَّ عليه السلام على أن اعتمادَ الصحابة على حديث المخالف كاعتمادهم على حديث الموافق، وأطلق القولَ في ذلك، ولم يُقيِّدْهُ بحال الانفرادِ دونَ حال التعارض، وسيأتي ما هو أَعْظَمُ من ذلك من كلامه عليه السلام.
وكذلك الشيخُ أحمد بن محمد الرَّصَّاص، فإنه حكى الإِجماعَ على مثل ذلك، فقال في كتاب " الجوهرة ": إن الفتنة لما وقعت في الصحابة كان بعضُهم يُحَدِّثُ عن بعض، ويُسْنِدُ الرجل إلى من يُخالفه، كما يُسند إلى من يُوالفه (3) من غير نكير، وكذلك الفقهاء بأسرهم، فإنَّ السَّيِّد أبا طالب حكى عنهم في كتاب " المجزىء " أنهم قالُوا: إن المعلومَ مِن حال الصحابة أنهم كانوا يُراعون في قبول الحديث والشهادة الإسلامَ الذي هو إظهار الشهادتين، والتنزّه عمَّا يُوجِبُ الجرحَ مِن أفعال الجوارِح
…
إلى قوله عليه السلام (4): وكانوا مجمعين على التسوية بين الكلِّ ممن هذه حالُه في قبول شهادته، وحديثه مع العلم باختلافهم في المذاهب. فنصَّ عليه السلام على أن الفقهاء حَكَوُا العلمَ بإجماع الصحابة على التسوية بين المتأوِّل في فسقه والعدل في باب الرواية والشهادة فهذا إجماعٌ ثبت بخلاف
(1) في (ب): فذلك ظاهر من.
(2)
في (ش): من غير.
(3)
في (ب): يوافقه.
(4)
من قوله: " الذي هو إظهار " إلى هنا ساقط من (ب).
دعوى السيد، لكنه ثبت مِن طَرِيق (1) الظواهر دونَ النصوص، ولا شَكَّ أن الظواهِرَ معمول بها، وسواء كانت مِن كلام الله، أو مِن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كلامِ العلماء رضي الله عنهم، وقد أجمعتِ الأمة على جواز العمل على ظاهر كلامهم، وإنَّما المُحَرَّمُ مخالفة الظاهر بغير دليل، فينبغي أنَّ السَّيِّد يُبَيِّنُ لنا مستندَه في إجماعه الذي ادَّعاه حتى نَعْرِفَ أهو أرجحُ مِن هذا فنقدِّمَه، فلعلَّه نصٌّ، والنصُّ مقدم على الظاهر، أو مروي مِن طرق أكثرَ من هذه، أو عن علماء أعدلَ من هؤلاء، والله سبحانه أعلم.
الإِشكالُ الثاني: قال المنصورُ بالله عليه السلام في كتاب " صفوة الاختيار" -بعد ذكر (2) تشدُّد الخوارج في تحريم الكذب، وقوله: إنَّه كفر- ما لفظه: فإذا كان الأمرُ كما ترى كان مَنْ يقول: مَنْ كذب كفر، روايتُه أولى مِن رواية مَنْ يقول: من كَذَبَ فسق، لأن الإنسانَ قد يتجاسر على الفسق، ولا يتجاسر على الكفر. انتهي بلفظه وهو صريح في مخالفة دعوى السيد للإجماع.
وكذلك الحاكم أبو سعدٍ، فإنه قال في " شرح العيون " ما لفظه: وعلى هذا ما رُوِي عن بعضهم أنَّه سُئِل عن شهادة الخوارج، فقال: شهادة من يكْفُرُ بكذبه أولى مِن شهادة من لا يَرى ذلك.
وكذلك الشيخُ أحمد الرصَّاص، فإنه قال في " جوهرته " حاكياً عن غيره: ولأن مَنْ يقول: من كذب كفر أولى بالقبول مِنْ قولِ مَنْ لا يرى ذلك وإن كان مخطئاً في قوله هذا، لأنَّه يبعد الظن لكذبه، ويقرب صدقه. انتهى.
(1) في (ب): قبيل.
(2)
في (ش) ذكره.
واتفق أئمةُ الحديث على أن الحديثَ الصحيح أولى بالقبول عند التعارض مِن الحديث الحسن، وصحَّحُوا حديثَ جماعةٍ من المبتدعة، وحسَّنُوا حديثَ جماعةٍ من أهل الحق والسنة، وهذا يقتضي القطعَ بأنَّهم قد (1) يُقَدِّمُونَ المبتدَع الثقةَ الحافظَ على مَنْ هوَ دونه مِن أهل السنة في الحفظ والإتقان، وكُلُّ هذا تصريح بأن الترجيحَ في باب الرواية إنما هو باعتبار قُوَّةِ الظنِّ، لا باعتبار كثرة الفضل في الراوي، فحيث يكونُ الظنُّ أقوى برواية فاسق التأويل لكثرة العدد، أو للعلم بحال جميعِ رجال السند، أو غير ذلك من الأسباب المثيرة لقوة الظن لا تَصِحُّ دعوى الإجماع على رَدِّ رواية المتأوِّل الراجحة في الظن (2)، وكيف يدعي الإجماعَ، وهذا الإِمامَ المنصور بالله عليه السلام يُصَرِّحُ بالخلاف، ويُقدِّمُ رواية الخارجي الذي يُكفِّر أميرَ المؤمنين علياً عليه السلام على روايةِ العدل، ويصرح بأنها أولى، وكيف يَصِحُّ دعوى الإجماع، والخلافُ محكي في " الجوهرة " التي هي مِدْرَسُ علماءِ الزيدية، ولم نعلم أنَّ أحداً أنكر ذلك على صاحب " الجوهرة " من أهل التعاليق عليها، وقد نقَّحوا ما فيها، وحقَّقُوه، واعترضوا فيما (3) يُمْكِن أن يعترض فيه (4) مما هو أقَلُّ مِن هذا، وكذا الحاكمُ على ما قدمناه ولم يعترض.
الإِشكالُ الثالث: أن العلماءَ قد ذكروا في كتب أصول الفقه أن الترجيحَ إنما يقع بما يتعلَّقُ بالرواية مما يُقويها، ويَدُلُّ على الصدق فيها، ولهذا نص (5) المنصورُ بالله، وأبو طالب عليهما السلام، وأبو
(1) ساقط من (ب).
(2)
من قوله: " لا تصح " إلى هنا ساقط من (ب).
(3)
في (ب): ما فيها.
(4)
سقطت من (ب).
(5)
في (ب): قال.
الحسين، والحاكمُ رضي الله عنهما وغيرُهم من المصنفين في الأصولِ على أن روايةَ العالمِ لا تَرْجُحُ على رواية العامي إذا كان العلم مما لا يتعلَّقُ بالرواية، وكذلك إذا كانت الرواية باللفظ، ولم ينقلوا الخلاف في هذا إلا عن عيسى بنِ أبان، فإنَّه رَجَّحَ روايةَ العالمِ والأعلم.
قال المنصورُ بالله: ومنهم منْ قال: لا يُرَجَّحُ به، وهو الذي كان شيخنا رحمه الله يذهب إليه ونحن نختاره، والدليلُ على صحته أن كونه أعلمَ بغير ما يرويه لا تعلُّق له بروايته، وما لا يتعلق بروايته لا يجب الترجيحُ به.
وقال عليه السلام في مسألة تعارضِ المرسل والمسند ما لفظُه: ومدارُ الأمرِ في هذه المسألة وما شاكلها على الظن، فما قوي معه الظَّنُّ، كان مرجحاً. انتهى.
فهذا نصُّه عليه السلام على أن ما لا يتعلق بالرواية من الفضائل والمرجحات في غير الرواية لا يكونُ مرجحاً في الرواية، وكلامُ السيدِ أبي طالب وغيره من المصنفين في الأصول مثل هذا، لو قلنا كلامَهم في هذا، لطال الكلامُ.
وَمِنْ ذلك ما نصَّ عليه الإمامان أبو طالب والمنصور بالله عليهما السلام وغيرهما من المصنفين في الأصول على أنَّه لا يرجح خَبَرُ الذكرِ على الأُنثى، ولا الحرُّ على العبد إذا اسْتووْا في الحفظ والعدالة، فهذا مع النصوص على تفضيل الذكور على الإناث في باب الشهادة (1)، ومع النَّصِّ النبوي على نُقصان عقولِ النساء (2) والإشارة الظاهرة إلى ذلك في
(1) في (ب): الشهادات.
(2)
في الحديث الذي رواه البخاري (304) ومسلم (80) من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه مسلم (79) و (80) من حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة.
قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282].
فإن قلتَ: فما الوجهُ في المساواة بَيْنَ الذكرِ والأنثى، وقد ظهر في الكتابِ والسُّنَّةِ تفضيلُ الرِّجال على النساء.
قلتُ: الوجهُ في ذلك أنَّ الأئمة (1) والعلماء عليهم السلام لم يُساووا بينهما على الإطلاق، فيكونوا قد خالفوا ما فهموا مِن الكتاب والسنة، وإنما سَاوَوْا بينهما في باب الرواية فقط، وسبب مساواتهم بينهما في الرواية أنَّهم فهموا أن عمودَ الرواية هو قوةُ الظن، ومتى قدرنا استواءَ الذكر والأنثى في الضبط والورع، لم يكن خبرُ أحدِهما أقوى في الظن متى كانت أخصَّ بالأمر، والدليلُ على ذلك ما اشتهر من تقديمِ الصحابة لخبر عائشة في الجنابة على خبرِ أبي هريرة (2)، ومِن رجوع الصحابة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيما هُنَّ أخَصُّ به وأعرفُ مِن أمر الحيض، ومباشرةِ الحائض والغسلِ مِن التقاء الختانين، والقبلةِ للصائم، وإصباحِ الصائم جنباً (3) وغيرِ ذلك. فلما فَهِمَ الأئمة والعلماء أن الصحابة اعتبروا قوةَ الظن لم يرجحوا أحد الخبرين المنسوبين (4) في الظَّنِّ، وإن كان أحدُ الراويين أكثرَ علماً وفضلاً، مهما
(1) لفظ " الأئمة " والواو ساقط من (ب).
(2)
تقدم تخريجه في الصفحة 62 من هذا الجزء.
(3)
انظر الأحاديث الواردة في ذلك في " شرح السنة " للبغوي رقم (240) و (243) و (244) و (245) و (248) و (251) و (252) و (253) و (254) و (255) و (316) و (317) و (318) و (320) و (321) و (322) و (323) و (324) و (325) و (326) و (327) و (328) و (329) و (1748) و (1749) و (1750) و (1751).
(4)
في (ب): المتوسطين.
لم يكن علمُه وفضلُه مرجحاً لِظنِّ صدقه.
وقد ذكر هذا المعنى السَّيِّد أبو طالب عليه السلام، فقال بعد ذكر شيء من كلامه: فإن قال قائلٌ: ولمَ قلتُم: إن قوة الظن معتبرة في باب الأخبار، قيل له: الذي يَدُلُّ على ذلك وجوه:
منها: ما قد علمنا من حالِ الصحابة أنَّهم كانوا يطلبون في أخبار الآحاد التي يعملون بها قوةَ الظَّنِّ، ويلتمسون ما يُؤدي إليها باستحلافِ الراوي مرة كما رُوِيَ عن أمير المؤمنبن علي صلواتُ الله عليه (1)، وبتطلّب مخبرٍ ثانٍ، فيُضاف إلى الأول، كما روي عن أبي بكر أنَّه طَلَبَ عند رواية المغيرة بن شعبة ما رواه في أمر الجدة ثانياً إليه حتى أخبره محمدُ بنُ مسلمة بمثل خبر (2)، وكطلب عمر عند روايةِ أبي موسى الأشعري خبر الاستئذان مَنْ يشهد معه لما رواه (3). وسلوك هذه الطريقة معلوم من جماعتهم إلى قوله:
ومنهم أنَّه لا خلاف في ترجيح الخبر (4) بكون راويه أضبطَ للقصة التي ورد الخبرُ فيها مِن غيره، ولهذا كانت الصحابةُ تَرْجِعُ إلى أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تعرُّفِ أحواله التي عُرِفَ أنَّهن يَعْرِفْنَ منها ما لا يَعْرِفُه الأجانبُ، ولذلك رجَّحوا خبرَ عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصبحُ جنباً وهو صائم، على خبر أبي هريرة (5)، ولهذا قالت عائشة حين سُئِلَتْ: هل كان
(1) تقدم تخريجه في الجزء الأول الصفحة 284.
(2)
تقدم في الجزء الأول الصفحة 294.
(3)
انظر الخبر بطوله في البخاري (6245)، ومسلم (2153)، والموطأ 2/ 963 - 964.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
تقدم الكلام على ذلك.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ على الخُفَّيْنِ بعد نزولِ المائدة؟ سَلُوا علياً عن هذا، فإنّه كان لا يُفَارِقه في سفرٍ ولا حضر (1). وإذا ثبت أن مزية الضبط كانت معتبرةً في ذلك، إذ لا فائدةَ في اعتبار حالِ الضبط لما يرويه إلا حصول (2) قوة الظن عند خبره. انتهي كلامه عليه السلام. وبتمام هذا الكلام ثم الإشكال الثالث.
فإذا عرفت هذه القَاعدة، فالإِنصاف أن تقولَ: لا يخلو المبتدع إما أن تكون بدعتُه القولَ بالإرجاءِ أو غيرِه، إِن كانت بدعتُه القول بالإرجاء، فإن استويا في جميع وجوه الترجيح إِلا أنَّ أحدَهما مرجىء، وأحدهما وعيدي رجح خبر الوعيدي على خبر المرجىء، لأنهما اختلفا في أمر يُوجِبُ تفاوتَ الظنِّ المعتبر في الأخبار، فإنَّه لا شَكَّ مع الاستواء في وجوه الترجيح أن من يخاف العذابَ على ذلك الذنبِ بعينه وعلى غيره مِن الذنوب أبعدُ من الذنب ممن لا يخاف العذابَ عليه، وإنما يخاف مِن ذنب الكُفر. وإن لم يستويا في وجوهِ الترجيح مثل أن يكونَ الراوي للخبر جماعةً من المبتدعة مشهورين بالحفظ (3) والإتقان الجيد، ويُخالفهم عدلٌ متنزّه مِن البدع إلَاّ أنَّه منحط عن مرتبتهم في الضبط والحفظ، ومتفرِّدٌ لم يُتابعه غيرُه على ما روى، فها هنا تختلِفُ الظنونُ، ولا يجري القولُ على
(1) أخرجه أحمد 1/ 96، ومسلم (276)، وابن أبي شية 1/ 177، والنسائي 1/ 84، وابن ماجة (552)، وعبد الرزاق (789) من طرق عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانىء قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: سل عليّاً، فإنه أعلم بهذا مني، كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسألت عليّاً، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة ". وانظر حديث جرير في " سير أعلام النبلاء " 2/ 523.
(2)
سقطت من (ب).
(3)
في (ب): في الحفظ.
قانون، بل كُلُّ أحدٍ مكلفٌ بما يقوى في ظنه، ولكل ناظرٍ نظرُهُ.
وأما إن كان المبتدعُ مبتدعاً بغيرِ الإِرجاء مما ليس بكفر، فلا يخلو إما (1) أن يستويا في جميع وجوهِ الترجيح إلا فسقَ التأويل، أو (2) يختلفا، إن اختلفا في وجوه الترجيح، فالقولُ في ذلك لا يستمر على طريقةٍ واحدةٍ، فقد يكون المتنزِّه عن فسق التأويل أولى بالقبول لِقوة الظَّنِّ بصدقه، وهذا هو الأكثرُ، وقد يكونُ فاسقُ التأويل أولى بالقبولِ لقوة الظن، وقد يكونُ قولُه أقوى في الظن في بعضِ الأحوال لبعض الأسباب الموجبة لذلك، فقد نصَّ المنصورُ بالله عليه السلام على أن قولَ مَنْ يرى أن الكذبَ كُفْرٌ أولى بالقبول ممن لا يرى ذلك، وروى ذلك صاحبُ " الجوهرة " وحكاه الحاكمُ في " شرح العيون " عن بعض أهلِ العلم. ونصُّ المنصور بالله عليه السلام في الخبرين إذا تعارضا على أنَّ العملَ على الظن الأقوى هو الواجبُ بهذا اللفظ، وذلك لأن المَرْجِعَ بالترجيح إلى قُوَّةِ الظن لا إلى تفضيل الراوي، فليس المبتدع يُساوي المتنزه من البدعة، ولا كرامة له، وقد نَصُّوا على الإجماع على الترجيح بالضبط، وشِدَّةِ الحفظ، روى الإجماعَ على ذلك أبو طالب عليه السلام، وقد قدمنا كلامَه، والمنصورُ بالله عليه السلام، فإنه ذكر الترجيحَ بكون الراوي أكثرَ حفظاً وضبطاً حتى قال عليه السلام: وهذا مما وَقَعَ الإجماعُ عليه برواية شيخنا رحمه الله، وكذلك أبو الحسين نَصَّ على الترجيح بكون أحدِ الراويين أضبطَ، ثم قال: وقد يُسْتَدَلُّ على كونه أضبطَ بكونه أكثرَ اشتغالاً بالحديث، وأشدَّ انقطاعاً إليه، وبِقِلَّهِ ما يقع في حديثهِ مِن الخلل في
(1) ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): و.
المعنى واللفظ.
قلتُ: فالترجيحُ بمرجِّحٍ مُجْمَعٍ على أنَّه مرجِّحٌ، ومجمعٍ على الإجماعِ على الترجيح به، أولى من الترجيح بالنزاهة عن البِدعة، لأنه غيرُ مجمع على الترجيح به، أو متنازع في الإجماعِ على الترجيح به، وكذلك منْ يرى أن الواجبَ حكايةُ اللفظ، وأن الروايةَ بالمعنى حرامٌ، فإنَّ روايتَه أقوى من رواية مَنْ يرى جوازَ الحكاية بالمعنى متى استويا في جميع وجوهِ الترجيح إلا في هذا.
فإن قلتَ: وما مثالُ تلك الصورةِ التي يكون الظنُّ مرجحاً لِخبرِ المبتدع فيها؟
قلتُ: لذلك صُوَرٌ كثيرة:
فمنها: أنا نعلم أن المبتدعَ لو كان حافظاً لِكتاب مِن الكتب عن ظهر قلبه، إما القرآنُ الكريم، أو مِن كتب الحديث، أو اللغة، أو النحو، أو الفقه، أو غير ذلك، وكان معروفاً بالتجويد فيه، والإتقان له، معروفاً بأنه يُعيده كُلَّ ليلةٍ أوْ كُلَّ أسبوعٍ أو نحو ذلك عن ظهر قلبه، مشهوراً بالتدريس فيه، منقطعاً في الاشتغال به، مُجَرَّباً في سرعة الجواب، وإصابة مَحَزِّ الصَّوابِ إذا سُئِلَ عن شيء من مسائله وألفاظه، وما يتعلق بضبطه، مختبراً حين يُعارض في ذلك بالتبريز على الأقران، والتجويد عند (1) الامتحان، فإنَّكَ متى عرفتَه بهذه الصفة، وتمكَّنَتْ في نفسِك هذه المعرفةُ، وأخبرك عن مسألة في كتابه هذا الذي اشتهر بحفظه، وجَوَّدَ في نقله بلفظه، ثم عارضه رَجُلٌ من أهل العدل والتوحيد في تلك المسألة،
(1) تحرفت في (ب) إلى " عن ".
ولم يكن لهذا العَدْلِي مثلُ عنايته، ولا انتهى في التحقيق إلى مثل نهايته، بل قد سَمِعَ الكتابَ مرة، ولم يحفظه عن ظهر قلبه، ولم يُكَرِّرْ فيه النظرَ، فإن قولَ المبتدع يكونُ أقربَ إلى الظن، وأقوى في الذهن عند كل منصف، ولهذا، فإنا لو قدرنا أن عابداً مِن أهل العدل والتوحيدِ قرأ القرآن مرةً: واحدةً على بعض أهلِ العدل، ولم يحفظه عن ظهر قلبه، ولم يُكثر من تلاوته، ثم تنازعَ في إعرابِ آية هو وابنُ شداد المقرىء المشهور شيخ ابن النساخ رحمه الله، لم يَشُكَّ عاقِلٌ في أنَّ روايةَ ابنِ شداد أقربُ إلى الصواب، وأرجحُ في الظنون.
وبعدُ، فالترجيحُ غيرُ التفضيل، وقد قال المؤيَّدُ بالله عليه السلام في كتاب " الزيادات " ما لفظه: والأقوى عندي أن تقليدَ المقتصِد في الفتاوى أولى لِفراغه دون السَّابِقِ، لأنَّه في شغل عن النظرِ والمطالعة. فنص عليه السلام على ترجيح تقليدِ غيرِ الأئمة السابقين على تقليدِهِم لأجل مرجح لا يتعلق بالتفضيل، فالأئمةُ الدعاة أفضلُ من السادة بالإِجماع.
وقد تكلَّم الإمام يحيى بنُ حمزة عليه السلام في تقليد الصحابة وقال: إنه لا يجوزُ تقليدُهم في هذه الأزمانِ الأخيرةِ، مع تجويزه عليه السلام تقليدَ الميت ترجيحاً منه عليه السلام لتقليدِ المتأخرين، لجمعهم العلومَ، وتبحرهم فيها، وادَّعى عليه السلام الإجماعَ على ذلك، وكذلك الجوينيُّ ادعى الإِجماعَ على ذلك، لكن (1) قال شارح " البرهان " (2): إن
(1) ساقطة من (ب).
(2)
لمؤلفه العلاّمة المتفنن أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي المتوفى سنة 536 هـ، قال القاضي عياض في " المدارك ": هو آخر المتكلمين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه، ورتبة الاجتهاد، ودقة النظر. مترجم في " السير " 20/رقم الترجمة (64).
المجمع عليه أنَّه لا يجوزُ التزامُ مذهبٍ واحد منهم، لأنَّه ليس لِواحد منهم مِن النصوص على الحوادث ما يكفي الملتزم لمذهبه، ويُغنيه عن الانتقال عن مذهبه، لا لقصور في علمهم، وهذا هو الصوابُ إن شاء الله تعالى، وإنما القصد حكاية مذهب (1) الإِمام عليه السلام، وأنه قد يقع من بعض أهل العلم ترجيحٌ لبعض المذاهب والأخبار من غير تفضيلٍ لأهل المذاهب والأخبارِ الراجحة عنده على أهل المذاهب (2) والأخبار المرجوحة.
وهذا (3) المؤيَّد بالله عليه السلام يَنُصُّ على ضعف مذهب الهادي عليه السلام في بعض المواضع، وليس يعتقِدُ أنَّه أفضل منه.
وأعظمُ مِن هذا ما ذكره الإِمامُ المؤيَّدُ بالله يحيى بنُ حمزة عليه السلام مِن أن العالِمَ بالفن قد يكون أعرفَ بفنه من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثل العالِم في أصولِ الدِّين العالم المُبرِّزِ في دقيقه، وكذلك العالم بالمنطق المتوغِّل في لطيفه، وكذلك سائرُ الفنون التي لم يُمارِسْها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن هذا العالِمُ أفضَلَ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعْرَفَ بالدين الذي ذلك الفنُّ وصلة إلى معرفته وطريق إلى العلم به (4).
(1) ساقط من (ب).
(2)
من قوله: " والأخبار .. " إلى هنا ساقط من (ب).
(3)
تحرف في (ب) إِلى "هو".
(4)
في هامش (أ) ما نصه: لعلَّ مراد الإمام باصطلاحات أهل الفن، لا بالمعلوم نفسه، هذا بناء على أنَّ التدقيق في الفنون ليست عين العلم، وإنَّما هي صناعة كصناعة الحداد والنجار، فكما يصح أن يُقال: هذا النجار أحسن صناعة من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا هذا، فأمَّا مفهوم مسمَّى العلم -وهو العلم المأخوذ عن الله ورسوله، وعن التدبر في آياته- فلا يتصور أن يكون أحد فيه أعرف من النبي صلى الله عليه وسلم، بل لا يتوجه هذا القول بغير هذا التأويل أو نحوه، وإلا فهو من عظيم الخطأ.
فهذا قولُ الإمام يحيى بنِ حمزة عليه السلام فكيف يُنكرُ ترجيحُ رواية (1) بعضِ المبتدعة على رواية بعضِ أهل العدل والتوحيد لبعض القرائِنِ المقوية لذلك، وينسب القائلُ لذلك إلى مخالفةِ الإِجماع. هذا على تقدير اتفاقِ هذا، وباللهِ العظيم الرحمن الرحيم ما أعلمُ أنَّ هذا قد كان مني أبداً.
فهذا الكلامُ أن اختلفا في وجوه الترجيح.
وأما إذا استويا فيه، واستوى الظَّنُّ الحاصِلُ في خبريهما إلا أن هذا مبتدع، وهذا متنزِّهٌ عن البدعة، فعلى كلامِ المنصور بالله لا يُرَجَّحُ المتنزه على المبتدع، لأن الظن مستوٍ، وقد نَصَّ على أن المعتبر هو الظَّنُّ، واختلافُ مرتبتيهما عند الله فيما لا يتعلق بالرواية غيرُ مؤثر، كما أن العالِم والعامي عنده عليه السلام سواء عنده في الرواية، وإن اختلفت مراتِبُهما عند الله، وكما نَصَّ عليه السلام أن الخارجي أولى بالقبول مِن المتنزه عن هذه البدعة، فهذا على مقتضى عموم قوله. وقد اختلفوا فيما أُخِذَ من عموم كلام العالم: هل يكون تجريحاً؟ فمنهم من قال: ليس بتجريح، وهو قوي، لأن التجريح ما لم يُؤخذ مِن قوله، ومنهم من قال: هو تجريح واختاره السيدُ أبو طالب في كتابه " المجزىء "، وهو تجريح صحيح لا أعلم فيه نزاعاً، والله سبحانه أعلم.
والمختار عندي أن المتنزه من البدعة أولى عند استواء الظنون، وذلك لأنَّ الحجة على قبول العدل المتنزِّه عن البدع أقوى من الحجة على قبولِ المبتدع العدلِ في دينه، والحجج هي الأصولُ، ومدلولاتُها هي
(1) ساقطة من (ب).
الفروع، وإذا كان الأصلُ أقوى، كان الفرعُ أقوى.
فإن قلتَ: إنَّه يلزمُ مِن كون خبر العدل المتنزه أقوى أن الظَّنَّ لصدقه أقوى.
قلتُ: ليس كذلك بل اللازمُ أن الظن للتكليف بقبوله أقوى، فقد يختلِفُ ظَنُّ التكليف وَظَنُّ الصدق، ألا تَرَى أنَّه لو غلب على ظَنِّكَ أن جماعةً من الفساق المصرحين أصدقُ مِن رجل عدل في ظاهره لم يَحِلَّ لك العملُ بالظن الأقوى لما ظننت أن العملَ بغيره هو الذي كلَّفك اللهُ تعالى، فهذا في مخالفة التكليف لِلظَّنِّ الراجح فضلاً عن الشك المستوي الطرفين، ولو أنَّ الشرع ورد برد المبتدع المتأوِّل لم يقبل حديثه، وإن أفاد الظَّنَّ الراجح، لكن الشرع وَرَدَ بقبوله عندنا (1) وروداً خفياً يَنْقُصُ عن مرتبة ورودِ الشرع بقبول المتنزِّه عن البدع، فكان أقوى من الظن للتكليف بخبرِ المبتدع، وإن لم يكن أحدُهُما في الظن أقربَ إلى الصدق من الآخر، وهذا في غاية القوة عندي، ولكني لا أعلم أنَّه إجماعٌ كما ذكر السيدُ أيَّدَهُ الله، ولنتكلم بَعْدَ هذَا في إنصافٍ وخصيصتين، فقد كنتُ ذكرت ذلك في بعض تعاليقي في فوائد تَعَلَّقُ بهذا الشأن.
الإنصاف: لا يشك مَنْ أنصف مِن نفسه، وترك العصبية في رأيه أن هذه الأمةَ المرحومة قد تقسَّمَتِ الفضائلَ، وانتدبت كُلُّ طائفةٍ منها لإتقان عمل فاضل.
فأهلُ الأدب أتقنوا الإعرابَ، وَأتَوْا في جميع أنواعه بما يأخذ بمجامع الألباب.
(1) ساقطة من (ب).
وأهْلُ القراءات حَفِظُوا الحروفَ القرآنية وبيَّنُوا المتواتر والصحيح والشاذ في إعراب الآي السماوية.
وأهلُ الحديث ضَبطُوا الآثارَ والسنن، وأوضحوا أحوالَ الرجال، وبَيَّنُوا العِلَلَ.
والفقهاء أوعبوا الكلامَ على الحوادث، وأفادوا معرفةَ اختلاف الأمة وإجماعها.
وأهلُ الأصول ذَلَّلُوا سُبُل الاجتهاد، ومهَّدوا كيفيةَ الاستنباط.
وكذلِكَ سائرُ أهلِ الفنون المفيدة، والعلومِ النفيسة، وكل أبدع وأجادَ، وأحسن وأفاد، وأكمل ما تعرض له وزاد، وممن ذكر هذا المعنى الإمام المؤيَّد ُ بالله في كتابه في " إثبات النبوات " والشيخ الصالح السهروردي صاحب " عوارف المعارف ".
فإذا عرفتَ هذا، فلا يَعْزُبُ عنك معرفة خصيصتين:
الخصيصةُ الأولى: أنَّ أهل البيت عليهم السلام اختصوا مِن هذه الفضائل بأشرفِ إقسامها، وأطولِ أعلامها، وذلك لأنهم كانوا على ما كان عليه السلفُ الصالحُ مِن الصحابة والتابعين مِن الاشتغال بجهادِ أعداء الله، وبذلِ النفوسِ في مرضات الله مع الإعراضِ عن زهرة الدنيا، وتركِ المتشابهات (1) والاقتصاد في المأكول والملبوس، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيامِ بالفرائض والنوافل في أفضلِ أوقاتها على أتمِّ هيئاتها، وتلاوةِ القرآن العظيم، والتهجد به آناءَ الليل والنهار، والتحري
(1) في (ب): المشابهات.
والخوفِ من الله تعالى، والدعاءِ إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلِ النصيحة للناس وتعليمِهم معالِمَ الهدى، والاقتصارِ في العلم على ما اقتصر عليه أهلُ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، وعلى ما اقتصر عليه أصحابُه المشهودُ لهم في كتابِ الله بأنَّهم خيرُ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس، وعلى ما اقتصر عليه التابعون الذين شَهِدَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنهم من (1) خيرِ القرون، فإن جميعَ هؤلاء ما تشاغلوا بالإكثارِ من التواليف والتفاريع وجمع الحديث الكثير.
وقد قال العلماء رضي الله عنهم: إن طريقة السلف أسلمُ وطريقة الخلف أعلم (2)، والأفضلُ للمسلم الاقتداءُ بالسلف، فإنَّهم كانوا على طريقةٍ قد رآهم عَليها (3) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأقرَّهم عليها، وواللهِ ما يَعْدِلُ السلامة شيء، فنسأل اللهَ السلامة، ولا شكَّ أن عنايَتَهم بعدَ تحصيل ما لا بُدَّ منه من العلم إنما كانت بالجهاد، وافتقادِ العامة، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظةِ على أورادهم في التهجد، وقيامِ الليل، ومناقشةِ النفوس وتهذيبها، وذلك أفضلُ مما كان عليه كثيرٌ من المحدثين والفقهاء من الإخلال بكثيرٍ من هذه الفضائل الجليلة، والنعوتِ الجميلة التي وردت نصوصُ الآيات القرآنية في وصف المؤمنين بذكرها، ولم يشتغِل السلفُ الصالحون بغيرها، والذي كانوا عليه أولى مِن الإخلال به بسبب الاشتغال بجمع العلم الزائد على الكفاية، وقد نَصَّ الإمامُ المنصور بالله عليه السلام على مثل هذا الكلام في كتاب " المهذب "، واحتج
(1) ساقطة من (ب) و (ج).
(2)
قالوا هذه الكلمة في صفات الله وبشيء من التبصر يتبين أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم كما هو مسطور في مقدمة " أقاويل الثقات ".
(3)
تحرفت في (ب) إلى: رآها عليهم.
بفعلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل السلف الصالح، وللهِ دَرُّهُ ما أحسنَ استخراجه للفوائد من أفعال السلف الصالح وأحوالِهم رضي الله عنهم.
ولقد كان الواحدُ مِن جلَّةِ الصحابة لا يروي إلا مئتي حديث أو ثلاث مئة حديث، بل أكثرُهُم لا يُجاوز روايتهم هذا إلا بالقليل (1)، وكثيرٌ منهم يروي أقلَّ مِن هذا بكثيرٍ، ولم يتَّسِعْ منهم في الرواية مثلُ أبي هريرة، وعائشةَ، وعبدِ الله بن عمرو بن العاص، وقد انحصرت روايةُ المحدثين عن علي عليه السلام في خمس مئة حديث وستة وثمانين حديثاً (2)، ورواية أهلِ البيت عليهم السلام لا تزيدُ على ذلك (3) فيما أحْسِبُ، فإن أحاديثَ مجموع زيدِ بنِ علي (4)، وأحاديثَ الجامعين للهادي عليه السلام لا يستند منها إلى علي عليه السلام أكثر من هذا القدر فيما أحسب، والله تعالى أعلم.
وقد روى سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي عليه السلام أنَّه قال: ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القرآنَ وما في
(1) في (ب): بقليل.
(2)
عدة ما في " مسند أحمد " من مرويات أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (819) حديثاً بالمكرر.
(3)
في (ب): هذا.
(4)
وقد شكك أهل العلم في صحة نسبته إلى الإمام زيد عليه السلام، لأنَّه من رواية أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي، وهو كذاب وضاع عند الأئمة المرجوع إليهم في هذا الفن، كما في " التهذيب " 8/ 27، و" الميزان " 3/ 257 - 258، على أنَّه مشتمل على أحاديث موضوعة لا تصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أقاويل للإمام علي لم تثبت عنه، ولو كان للإمام زيد لاشتهر وعرف من طريق تلامذته الكثيرين، ولما انفرد بروايته كذاب لا يوثق به. وهذه الطعون على وجاهتها قد تولى الإجابة عنها الشيخ أبو زهرة رحمه الله في كتابه " الإمام زيد " ص 233 - 258 فراجعه لزاماً.
هذه الصحيفة (1). فهذا مع أنَّه عليه السلام بحرُ العلم الزخار، والمخصوص به (2) من بين الصحابة الأخيار، فلم (3) يشتغِل بنشر علمه وكتابته وتأليفه والتدريس فيه مع فراغه في أيامِ الخُلَفَاءِ الثلاثة، بل اشتغل بما كانوا عليه في زمان رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن التلاوة والعبادة، ومراقبة النفوس، وخشونة العيش، وخشونة الملبس كما ذلك معروفٌ من سيرته عليه السلام وما ذلك إِلا إيثاراً لترك ما يزيدُ على الكفاية من العلم، وكراهةِ دعاء الناس إلى ما لا يحتاجون إليه في أمرِ الدين، واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقام عشرَ سنين قبلَ الهجرة، وقبل الشغل بالجهاد، ومعه أصحابُه من السابقين الأولين، فلم يشتغل عليه السلام في تلك المدة بغير التلاوة، وملازمة الذكر، ولم يأمُرْ مَنْ آمن به بأكثرَ من ذلك، ولم يُلزمهم بعد معرفة ما يجب عليهم معرفتُه من أمر الإِسلام بالتدرب في النظر والمناظرة، ولا بتقدير الحوادث، وتقدير سائل يسأل عنها، وتحرير الجواب عنه متى سأل عنها ونحو ذلك مما اشتغل به المتأخرون عما كان عليه المتقدمون، بل صحَّ عنه صلوات الله عليه النهي عن السُّؤال عن (4) الحرام حتى ينص عليه، وفي الحديث الصحيح " إنَّما أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم كَثْرةُ مَسَائِلِهِم واختلافهم على أنْبِيَائِهِم "(5)، وقد قيل: إنَّه (6) السؤال المذمُومُ في النهي عن كثرة القيلِ والقالِ بكثرة السؤال بقرينة تخصيص النهي بالكثرة.
ومثلُ حالِ عليٍّ عليه السلام كانت أحوالُ أهلِ بيته عليهم السلام
(1) تقدم تخريجه في الجزء الأول الصفحة 241.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): ولم.
(4)
" عن " لم ترد في (ب).
(5)
تقدم تخريجه في الجزء الأول الصفحة 219.
(6)
في (ب): إن.
كالحسنين، وزينِ العابدين، والباقرِ، والصادقِ وسائرِ مَنْ عاصرهم لم يكتب أحدٌ منهم في علم الحديث عشرةَ أجزاء ولا نصف ذلك ولا ما يُقاربه، وليست الدرجاتُ العلية تُنَالُ في الآخرة بكثرةِ الرواية، وسَعَةِ الحفظ، وجمع الطُّرُقِ والأجزاء، وضبط مشكلات الأسماء مع إهمال ما هُوَ أهَمُّ مِن هذَا (1) من أمورِ الدين وصلاحِ المسلمين، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أويساً القَرني:" أنَّه يشفع في مثل ربيعة ومضر "(2) وجاء في فضله ما لم يحضرني الآنَ مع أن بعضُ أهل الحديث من أهل الحفظ الواسع، والاطلاعِ التام على معرفة الرِّجال ذكر أنَّه لم يُرو عن أويس حديثٌ قَطُّ، ولقد كان السلفُ يقِلُّونَ الرواية جداً، فعن أبي عمرو الشيباني (3) قال: كنت أجلس إلى ابنِ مسعود حولاً لا يقولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم استقلَّته الرِّعْدَة، وقال: هكذا أو نحو هذا أو هذَا، مع أنَّ ابنَ مسعود كان من أوعية العلم، وأعيانِ علماء
(1)" من هذا " ساقط من (ب).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 12/ 153، والحاكم في " المستدرك " 3/ 405 من طريقين عن هشام، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
، فذكره، وإسناده ضعيف لإرساله. وقد روى مسلم في " صحيحه " (2542) من حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن رجلاً يأتيكم من اليمن يُقال له: أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه. إلَاّ موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم " وفي رواية: " إنَّ خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم " وزادَ في رواية: " لو أقسم على الله لأبرَّه " وقد ترجمَ له الذهبي في " السير " 4/رقم الترجمة (5)، فقال: هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني، وقرن: بطن من مراد، وفد على عمر، وروى قليلاً عنه، وعن علي.
روى عنه يُسَيْرُ بن عمرو، وعبدُ الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم حكاياتٍ يسيرة، ما روى شيئاً مسنداً، ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتّقين، ومن عباده المخلصين.
(3)
واسمه سعد بن إياس، مجمع على ثقته، أخرج حديثه الجماعة.
الصحابة وأجل الأصحاب والتلامذة، فلم تَزِدْ مروياتُهُ على ثمانِ مئة حديث وثمانية وأربعين حديثاً (1).
وكذلك أضرابُه من السابقين الأولين ونبلاء الأنصار والمهاجرين.
هذا أبو ذر الغِفاري الذي ما أظلَّتِ الخضراءُ أصدقَ لهجةً منه (2) روى مئتي حديثٍ وثمانين حديثاًً.
وهذا سلمان الفارسي الذي قال فيه علي عليه السلام: " إنَّه أدرك العلمَ الأولَ والعلمَ الثاني "(3) روى ستين حديثاًً.
وهذا أبو عبيدة بن الجراح أمينُ الأمة (4) روى أربعة عشر حديثاً.
وأمثال هؤلاء السادة النجباء، والأعلام العلماء الذين نَصَّ المصطفى عليه السلام على أنَّ غيرَهم:" لو أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبَاً ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصِيفَهُ "(5).
ولقد روى أبو أسامة عن سفيان الثوري أحدِ أقطابِ الحديث التي تدور رحاه عليها أنَّه قال: ليس طلبُ الحديثِ مِن عِدَّةِ الموتِ، لكنه عِلْمٌ يتشاغلُ به الرجلُ (6).
(1) عدة ما في " المسند " من الأحاديث التي رواها ابن مسعود (1099) حديثاًً بالمكرر.
(2)
حديث قوي بشواهده. انظر تخريجه في " السير " 2/ 59 في ترجمة أبي ذر جندب ابن جنادة رضي الله عنه.
(3)
ذكره الإمام الذهبي في " السير " 1/ 543 في ترجمة سلمان رضي الله عنه، وذكرت هناك أنَّه مخرج في " طبقات ابن سعد " 4/ 1/61، و" حلية الأولياء " 1/ 187.
(4)
ثبث ذلك من وجوه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " وانظر تخريجه في " السير " 1/ 9 في ترجمة أبي عبيدة.
(5)
صحيح، وهو مخرج في الجزء الأول الصفحة 180.
(6)
أورده الإمام الذهبي في " السير " 7/ 255 في ترجمة سفيان، وقال بإثره: قلت: =
قال بعضُ حفاط الحديث: صدق -واللهِ- سفيانُ، فإن طلبَ الحديث شيء غيرُ الحديث، وطلب الحديث اسمٌ عرفي لأمورٍ زائدة على تحصيل ماهية الحديثِ، وكثيرٌ منها مَرَاقٍ إلى العلم، وأكثرُها أمور يَشْغَف بها المحدِّثُ من تحصيل النُّسَخِ المَلِيحَةِ، وتطلُّبِ العالي، وتكثيرِ الشيوخ، والفرحِ بالألقاب والثناء، وتمنِّي العمر الطويل ليروي، وحبّ التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الرّبّانيّة، فإن كان طلبُ الحديث النبوي محفوفاً بهذه الآفات، فمتى خلاصُك منها إلى الإخلاص؟، ومتى كان علم الآثار مدخولاً، فما ظَنُّك بعلم المنطقِ والجَدَلِ وحكمة الأوائلِ التي تَسْلُبُ الإيمانَ، وتورِث الشُّكُوكَ والحَيْرَةَ. انتهى (1).
قلتُ: فالذي اشتغل به أهلُ البيت عليهم السلام هو الذي روي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " العِلْم ثَلَاثةٌ، وَمَا سِوى ذلِكَ، فَهوَ فَضْلٌ: آيَة مُحْكَمَة، وَسُنَّةٌ قَائمَةٌ، أوْ فَرِيْضَةٌ عَادِلَة " رواه أبو داود في سننه (2) وهذا هو
= يقول هذا مع قوله للخريبي: ليس شيء أنفع للنَّاس من الحديث! وقال أبو داود: سمعت الثوري يقول: ما أخاف على شيء أن يُدخلني النار إلَاّ الحديث، وعن سفيان قال: وددتُ أني قرأت القرآن، ووقفت عنده لم أتجاوزه إلى غيره، وعن سفيان قال: وددت أن علمي نسخ من صدري، ألستُ أريد أن أسأل غداً عن كل حديث رويته: أيشٍ أردت به؟ قال يحيى القطان: كان الثوري قد غلبت عليه شهوة الحديث، ما أخاف عليه إلَاّ من حبه للحديث.
قلت (القائل الذهبي): حب ذات الحديث، والعمل به لله مطلوب من زاد المعاد، وحب روايته وعواليه والتكثر بمعرفته وفهمه مذموم مخوف، فهو الذي خاف منه سفيان والقطان وأهل المراقبة، فإن كثيراً من ذلك وبال على المحدث. وانظر " شرف أصحاب الحديث " ص 123 - 140.
(1)
وانظر ما قاله الإمام الذهبي في " زغل العلم " ص 27 - 33.
(2)
(2885)، ورواه ابن ماجة (54)، والحاكم 4/ 332 من حديث عبد الله بن عمرو، وفي سنده عندهم عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وعبد الرحمن بن رافع، وهما ضعيفان.
العلم الذي لا ينبغي لأحدٍ أن يشتغل بعدَهَ بغيره عن الجهاد والأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأمثالِ ذلك مما نطقت بالحثِّ عليه الآياتُ القرآنية، والآثارُ النبوية، فإنه ليس في القرآن مِن الأمرِ بطلب العلم الزائدِ على الكفاية مثل ما فيه مِن الثناء على الخاشعين في الصلاة، المعرضين عن اللغو، الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلوبُهم، وإذا سَمِعُوا وعيدَه اقشعرَّتْ جلودُهم، وكذلك الحديثُ فإن في " الصحيحين " والسُّننِ الثلاث و" المُوطأ " ثمانيةً وستين حديثاً في الحثِّ على الجهادِ، وفيها في الحث على طلب العِلْمِ ثمانية أحاديث، وذلك يدل على أن أمرَ الجهاد بعد تحصيل ما لا بُدَّ منه من العلم أهمُّ أمورِ الدين. فانظر بعين الإنصاف إلى أئمة العِترة الطاهرة، ونجومِ العلم الزاهرة كيف سَلِمَتْ علومُهم مِن كُلِّ شينٍ، وخَلَصَتْ مِنْ كل عيب، ولم يَشبْ تصانِيفَهم شيءٌ مِن غُلُوِّ (1) المتكلمين، ولا حَطَّ مِن قدر شيعتهم المتعبدين شيءٌ مِن بدع المتصوفين، ولا ظهر في أدلتهم على مذاهبهم شيءٌ مِن تكلف المتعصبين، ولا استمالَتْهُم عَن المِنهاج السَّوِيِّ شُبَهُ المشبِّهين، تنزَّهُوا عن غلو الإماميةِ الجُهَّالِ، وعَمَايَةِ النَّواصِبِ الضُّلال، وهَفَواتِ أهلِ الحديث والاعتزالِ، فهم النُّمْرُقَة الوسطى، والمَحَجَّةُ البَيْضَاءُ، والحُجَّةُ الغراء، وسفينةُ النجاة، والعِصْمَةُ مِن الأهواء (2) بعدَ أبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.
تكميل: من حَصَّل ما فيه كفايةٌ مِن العلم، ولم يتشاغل بما كان عليه السَّلَفُ الصالح من الجهاد وإصلاحِ أمر المسلمين، فالأولى له
(1) في (ش) علوم.
(2)
هذا غلو في المدح وتجاوز في الإطراء لا عهد لنا بمثله عند المصنف.