الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قبول روايتهم، وإن سلم، فلا نسلم اتفاقهم على إن عِلَّةَ القبول واحدة، بل لَعَلَّ بعضَهم يجعل العِلَّةَ أنهم غير فساق عنده، وبعضُهم لا يجعل فسقَ التأويل قادحاً.
أقول: قد اشتمل كلامُه على ثلاثة أشياء:
أولها: أنَّه ذكر الحديث النبوي على صاحبه وآله الصلاةُ والسلام تنبيهاً على أنَّه حجةُ للمتأولين، وسوف يأتي في الفصل الثاني -إن شاء الله تعالى- ذكرُ مالهم من الحجج الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والنظر، فأما هذا الحديث، فهو حديث لا يُعلم لَه أصلٌ، ولكن لمعناه شواهدُ صحيحة.
قال الحافظ ابنُ كثير البصروي رحمه الله: هذا الحديثُ كثيراً ما يَلْهَج به أهلُ الأصول، ولم أَقِفْ له على سند، وسألتُ عنه الحافظ أبا الحجاج المِزِّي فلم يعرفه، لكن له معنى في الصحيح وهو قولُه صلى الله عليه وسلم:" إنما أَقْضِي بِنَحْو مَا أَسْمَعُ "(1).
وقال البخاري في كتاب الشهادات (2): قال عمر: إن أناساً كانوا يُؤخذُون بالوحي على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطعَ، وإنما نأخذكُم الآنَ بما ظهر لنا مِن أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أَمِنَّاه وقربناه، وليس لنا (3) من سريرته شيء يُحاسِبُه الله في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً،
(1) قطعة من حديث أخرجه مالك 2/ 719 والبخاري (2458)، ومسلم (1713) وأبو داود (3583) والترمذي (1339) والنسائي 8/ 233، وأحمد 6/ 290 و307 و308 و320 من حديث أم سلمة.
(2)
من " صحيحه " برقم (2641) من طريق الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن عتبة، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه .... فذكره.
(3)
في البخاري: وليس إلينا.
لم نأمنه، ولم نُصَدِّقْهُ، وإن قال: إن سريرتَه حسنة. ورواه أحمد في " مسنده "(1) مطولاً، وأبو داود (2) مختصراً وهو من رواية أبي فراس (3) عن عمر، قال أبو زرعة: لا أعرفه.
وروي أنَّ العباسَ قال: يا رسولَ الله كنتُ مكرهاً يعني يومَ بدرٍ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أما ظاهِرُك فكانَ علينا وأما سَرِيرَتُك فإلى اللهِ "(4) انتهى كلامه من كتاب " تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ".
وأقولُ لا حجَّةَ في هذا الحديثِ على قبول المتأولين، سواء قلنا بصحته أو لا، وذلك أن الظاهرَ المذكور في الحديث هو ما بَدَا للإِنسان من الأحوال وسائر الأمور المعلومة دونَ البواطن الخفية، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه العباس:" كَانَ ظَاهِرُك علينا " يُريد ما علمنا بما أضمرت، إنما عرفنا ما أظهرتَ وكون الراوي صادقاً أو كاذباً في نفس الأمر ليس مما يسَمَّى ظاهراً في اللغة العربية، والعرفِ المتقدم، وإنما هو اصطلاحُ الأصوليين، يُسَمُّون المظنونَ ظاهراً، ولم يثبت هذا في اللغة، ولا يجوز أن يُفسر كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم باصطلاح الأصوليين، ألا ترى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل صدقَ عمِّه العباس في دعواه للإكراه ظاهراً، وإن كان صدقُه بعدَ إسلامه مظنوناً راجحاً، بل الظاهر أن صدقَه قبل إسلامه كان مظنوناً راجحاً، لأنَّه كان من أهل السيادة والأنَفةِ من الكذب في الأخبار التي لا يُعلم صدقُها وكذبُها،
(1) 1/ 41 من طريق إسماعيل، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي فراس، قال: خطب عمر بن الخطاب، فقال ....
(2)
رقم (4537) من طريق أبي صالح، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سعيد الجريري بإسناد أحمد.
(3)
يقال: اسمه الربيع بن زياد، قال الحافظ في " التقريب ": مقبول.
(4)
انظر " الطبقات " 4/ 13 - 14 لابن سعد، و" سير أعلام النبلاء " 2/ 81 - 82.