الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحديث صحيح رواه مسلم (1) وغيره، وذكر الحافظ ابن حجر في " تلخيصه " له طرقاً كثيرة.
وبيان المقدمة الثانية يأتي في الفصل الثاني إن شاء الله تعالى، وفي هذا الإشكال من الأسئلة له ما في الذي قبلَه، والجواب كالجواب سواء.
الإشكال السادس: أن الاستدلالَ بهذه الآية الكريمة من قبيل مفهومِ المخالفة
أحد قسْمَي مفهومِ الخطاب، وهو مِن مفهوم الشرط أحد أنواع مفهوم المخالفة، ولا شك أن مفهوم الشرطِ يقتضي المخالفةَ في ما بعد حرف الشرط والذي بعدَ حرف الشرط هو المجيء، لا الفسقُ فيكون مفهومُ الآية: وإن لم يأتكم فاسق فلا تبيَّنُوا، وظاهر هذا المفهوم يحتاج إلى تأويل، فإن التبين لا يكون منهيّاً عنه (2) في حال من الأحوال وإذا كان التبين غير منهي عنه في حال من الأحوال لم يصح التعلقُ بالمفهوم، فوجب إما الوقفُ أو التأويلُ ممن يعلمه فإنه يمكن أن يقال: إنَّه إنما ذكر الفِسْقَ ها هنا لأحد أمرين إما للسبب الذي نزلت الآية لأجله، كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94] نزلت في رجل لَحِقَه المسلمون، فسلم عليهم، فقتلوه ثبت ذلك في الصحيح (3) فلا يجوزُ أن يكونَ معنى الآية: وإن لم تضربوا في سبيل الله، فلا تَبَيَّنوا، بل يكون الوجه أن الله تعالى إنما ذكر الضربَ في الأرض وشرطه التبيُّن (4) لأن الذين نزلت فيهم الآيةُ كانوا ضاربين في الأرض وقتَ
(1)(537) وأخرجه أحمد 5/ 448، والطيالسي (1105) وابن أبي عاصم في "السنة"(489) و (490) وابن خزيمة في " التوحيد " ص 121، والبيهقي " في الأسماء والصفات " ص 234. وقد تقدم تخريجه في الجزء الأول ص 380.
(2)
في (ب): التبين غير منهي عنه.
(3)
انظر صحيح البخاري (4591).
(4)
في (ب): وشرطه في التبيين.
نزولها، وإما للذم لمن نزلت فيه الآية كما في قوله تعالى:{وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] مع أنَّه سبحانه لا يتخذ عَضُداً من المضلين ولا مِن غيرهم، وقد ذكر الزمخشري رحمه الله أن المعنى: وما كنتُ مُتخِذَهُم عضُداً، ولكن ذَكَرَ المضلين للذم (1) وقد حكم في " الكشاف " بمثل هذا في مواضِعَ كثيرة، فكذا يُمْكِنُ أن يكونَ وضع الفاسق في موضع ما هو أعَمُّ منه، كما لو قال: إن جاءكم أحدٌ ليفيد الذم، وتلك الفائدة حاصلة بالعام لو أتى به معروفة، أو وضع الفاسق موضع ما هو أخصُّ منه، وهو الوليدُ (2) ليفيدَ الذم، والفائدة أيضاًً معروفة فتأمَّل ذلك.
فإن قلتَ: ما المانعُ من القول بأن المعنى: وإن لم يأتكم فاسق، فلا تَبَيُّنُوا، وهلَاّ قلت: إن هذا المعنى صحيح، ولا يمنع منه ما في ظاهره من النهي من التبين، لأنَّه لم ينه عنه لأمر يعود عليه في نفسه، ولكن نهى عن طلبه لِحصوله، كأنه قال: وإن جاءكم مسلم، فقد حصل البيان، فلا تطلبوا البيان.
قلتُ: الجواب أنَّه لا يَصِحُّ القطعُ على أن هذا هو المراد لوجهين.
أحدُهما: أنا بينا أن المفهومَ لا يصح أن يكونَ: وإن جاءكم مسلم، وإنما المفهوم وإن لم يأتكم فاسق. ويدل عليه وجوه.
(1)" الكشاف " 2/ 488.
(2)
هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط القرشي الأموي، أخو أمير المؤمنين عثمان بن عفان لأمه، أسلم يوم الفتح، وسيذكر المصنف ذلك قريباً، وفيه نزل قوله تعالى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وانظر أخباره في " طبقات ابن سعد " 6/ 24 و7/ 476 ونسب قريش ص 138، و" الجرح والتعديل " 9/ 8 والأغاني 5/ 122، وتاريخ ابن عساكر 17/ 434 ب و" العقد الثمين " 7/ 398، والإصابة 3/ 637 و" تهذيب التهذيب " 11/ 142.