الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجوابُ: أن مَنِ ارتكب محظورَ دينه لا يُفرق أن يكذب في خبره وشهادته بخلاف الاعتقاد، لأن تأويلَهُ يُزيل التُّهمة.
فإن قيل: لو ارتكبه مع العلمِ، أثَّرَ في خبره، فمعَ الجهل أولى، لأنهما (1) معصيتان.
قلنا: مع الجهل والتأويل رباطُ التمسك بالدِّيانة لم يَنْحَلَّ، فإذا أقدم مع العلم فقدِ انحلَّ، يُوضحه مَن استخفَّ بأبيه مع العلم لا يكونُ كمن استخفَّ وهو لا يعلم أنَّه أبوه، وكذلك مَنْ كشف عورتَه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلمُه لا يكون (2) كمن كشف وهو يعلمُه، لأنَّه يكفر. إلى قوله: فأما الفتوى، فأبو القاسم جرى على أصله، وقال: يُقْبَلُ خبرُه وفتواه إذا كان مِن أهل الاجتهاد، والشيخان مرَّا على أصلهما، وقالا: لا يُقبل خبره ولا فتواه، والقاضي فرق بينهما.
قلتُ: وكذلك الإمامُ يحيى بنُ حمزه، فإنه اختار في " المعيار " أنه يجوز قبولُ فتواهم مثلَ قول أبي القاسم البلخي.
الطريق التاسعة: ما ذكره صاحبُ " شفاء الأوام
" رحمه الله في كتاب الوصايا في باب ما يجوز من الوصية وما لا يجوز، فإنه قال فيه ما لفظه: وقولُنا إنَّ الوصية لا تجوزُ إلى الفاسقِ يُريدُ الفاسقَ المجاهر، فأما الفاسق مِن جهة التأويل، فلسنا نُبْطِلُ كفاءَته في النكاح كما تقدم، ويُقبل خبرُه الذي يجعله أصلاً للأحكام الشرعية لإجماعِ الصحابة رضي الله عنهم على قبولِ أخبار البغاة على أميرِ المؤمنين عليه السلام، وإجماعُهم
(1) في (ب): لأنها، وهو خطأ.
(2)
في (ب): ليس.
حجة. انتهي بحروفه (1).
الطريق العاشرة: طريق الشيخ أحمد بن محمد الرصاص، فإنَّه قال في " الجوهرة " التي هي مِدْرَسُ الزيدية في هذه الأعصار ما لفظه: واختلفُوا في قبول الفاسق مِن جهة التأويل، فذهب الفقهاءُ بأسرهم أنَّه يُقْبَل خبرُه، وهو قولُ القاضي، وأبي رشيد. إلى أن قال:
وجه ما قاله الفقهاء إجماعُ الصحابة على قبولِ خبر الفاسق المتأوِّل، فإن الفتنة لما وقعت في الصحابة، ودارت رحاها، وشبَّت لظاها، كان بعضُهم يُحَدِّثُ عن بعض، وُيسندُ الرجل إلى من يخالفه كما يُسندُ إلى من يُوالفه من غير نكير من بعضهم على بعض في ذلك، فكان إجماعاً إلى أن قال: ولأن من يقول: من كذب كفر، أولى بالقبول ممَّن لا يرى ذلك وإن كان مخطئاً في قوله هذا، لأنَّه يَبْعُدُ الظن لكذبه (2)، ويقرب صدقه
…
إلى أن (3) قال: ويجيء عليه رواية كافر التأويل كالجبري وهو اختيار أبي الحسين.
الطريقُ الحادية عشرة والثاثية عشرة: طريقا الشيخين أبي محمد الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص (4)، والشيخ أبي عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب.
(1) تحرفت في (ب) إلى: بحراوفه.
(2)
في (ش): بكذبه.
(3)
" إلى أن " لم ترد في (ب).
(4)
هو الحسن بن محمد بن الحسن بن الحسن بن أبي بكر الرصاص، المتوفى سنة (584) هـ، وهو من شيوخ الزيدية، ومن مؤلفاته " الاعتبار لمذاهب العترة الأطهار " و" المؤثرات ومفتاح المشكلات " وكلاهما في دار الكتب المصرية. " تراجم الرِّجال " ص 11، و" الأعلام " للزركلي 2/ 214.
فأمَّا طريقُ الشيخ الحسن، فذلك ما نقله عنه حفيده الشيخ أحمد بن محمد بن الحسن في كتاب " غرر الحقائق من مسائل الفائق ".
قال الشيخ أحمد في كتابه " الغرر " المنتزع مِن كتاب " الفائق " ما لفظه: حكى رضي الله عنه قبولَه عن الفقهاء، والقاضي أبي رشيد إلا أن يُعْلَمَ أنَّه ممن يستجيزُ الكذبَ كالخطابية، وهو الذي مالَ إليه أبو الحسين البصري وأجراه والكافرَ المتأوِّلَ مجرىً واحداً، وهو الظاهرُ مِن قول الفقهاء، واحتجاجُ الكُلِّ على قبول خبرِ الفاسق المتأول قائمٌ في الكافر المتأول وإن لم يُصرح به في الكتاب .. إلى قوله:
وجهُ القولِ الأول إجماعُ الصحابة على قبوله، وإجماعهم حجة، أما أنهم أجمعوا، فذلك معلوم من ظاهر أحوالهم لِمَنْ تصفح أخبارَهم، واقتصَّ آثارَهم، وذلك أنَّ الفتنة لما وقعت فيهم، وتفرَّقوا فرقاً، وصاروا أحزاباً، وانتهي الأمرُ بينهم إلى القتل والقتال، كان (1) بعضهم يروي عن بعض مِن غير مناكرة بينهم في ذلك. وساق مثلَ كلام المنصورِ بالله عليه السلام، وقال كما قال المنصور: وإذا كان الأمرُ كما ترى، فإن مَنْ يقول: من كذب، كفر، أولى مِن رواية من يقول: من كذب، فسق. إلى آخر كلام المنصور المتقدم.
ثم أورد حُجَحَ الرَّادِّينَ وأجابها ونقضها، وأطال الكلامَ في ذلك. فهذه رواية الشيخ أحمد عن جده.
وأما روايةُ ابنِ الحاجب، فهي معروفة في " المنتهي "(2) وقد أوردها السَّيِّدُ في كتابه، لكن ابن الحاجب رواها عمَّن يقبلُ المتأولين، ثم
(1) في (ب): وكان.
(2)
2/ 62.