الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصريح، وإن الرواية عنهم ركونٌ إليهم، فكيف يروي عن المصرحين بالكفر، ويمنعُنَا الروايةَ عن المتأولين، فإن تأوَّل في ذلك لنفسه، وتطلَّب محملاً حسناً، فهلَاّ يَطْلُبُ لغيره مثل ما يطلُبُ لنفسه، فإنَّ حمل المسلمين على السلامة مشروع، وإن منع مطلق الرواية، فقد وقع فيما منع، وارتكب ما أنكر.
الإشكال الثاني: سلمنا أنَّ ابنَ الحاجب
غيرُ معلومِ الكفر عنده، فِمنْ أين أنهُ عدل مأمون بتعديل عدلٍ، واتصال ذلك بإسناد صحيح كما ألزمنا.
الإشكال الثالث: أن السيد قد أقر -فيما تقدم- أن ابن الحاجب لم يرو الإجماعَ على ردِّ كفار التأويل
، وإنما قال ابن الحاجب ما لفظه: والمبتدع بما يتضمِّنُ التكفيرَ كالكافر عند المكفر.
فأقول: ليس ينبغي مِن العالم إذا توهَّم شيئاً أو استخرجه من كلام غيره أن ينسِبَ ذلك القول الذي استخرجه إلى غيره كما لا يحل له (1) أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما استخرج من كلامه، وكذلك من استخرج مِن القرآن حكماً أو معنى لم يَحِلَّ له أن يقول فيما استخرجه: قال الله، والعِلةُ في ذلك أنَّه كذب لا غير، والكذب مُحَرَّمٌ على الله تعالى، وعلى رسوله، وعلى كل أحدٍ، وقد يستخرج العالم أمراً ويُخالفه غيرُه، ألا ترى أن أبا طالب والمؤيد يختلفان فيما يُخرجانه للهادي عليه السلام وكُلُ واحدٍ منهما يعلم اللفظ الذي خرَّج منه صاحبه، ولا يرتضي ذلك التخريجَ، ولا يُساعد صاحِبَه على ما فَهِمَ منه، فكذلك كان يجبُ أن يُبيِّنَ السيدُ لفظ ابنِ الحاجب، ولا يُوهم أنَّه نصَّ على ذلك.
(1)" له " من (ب) فقط.
الإشكال الرابع: أنا نُبيِّن للسَّيِّد أيَّده الله ضعفَ مأخذه مِن كلام ابنِ الحاجب، فنقول: نصَّ ابنُ الحاجب على أن المبتدع بما يتضمنُ التكفيرَ كالكافر عند المُكَفرِ (1). ولكن المُكَفَرَ بعضُ الأمة، فلم يلزم أن تُجْمِعَ الأمَّةُ على ردِّه.
فإن قلت: كلامُهُ يقتضي أن الذين لم يكفروه لو كفَّرُوه لردُّوا روايتَه.
قلتُ: ليسَ كلامُه يقتضي هذا لوجهين:
أحدهما: أنَّ الذي لم يُكَفِّرْ لا يُسمَّى مكفراً لا حقيقةً، ولا مجازاً، وابنُ الحاجب إنما روى عمن يكفر. فأما قولُهُم في العَازم على فعل الشيء: إنَّه يُطلق عليه اسمُ الفاعل في مثل قولنا: زيد مسافر غداً، فإنما سَمَّوْهُ بذلك لعزمه على السفر، وأجمعوا على أن هذه التسمية مجازية لا حقيقة، وأما مَنْ ليس بعازمٍ ولا في حكم العازِمِ، فلا يُسَمَّى باسمِ ما لم يَفْعَلْهُ ألبتَّةَ، فإذا ثبت أنَّه لا يُسمَّى مكفراً، وثبت أن الأمَّةَ غيرُ مجمعة على التفكير، فقد تعذَّر أن يكونَ الإجماعُ مأخوذاً مِن نَصِّ ابنِ الحاجب، ولم يبقَ إلا المفهوم، وللمفهومِ أقسامٌ معلومة، وشروطٌ مذكورة، فأخْبِرْنَا مِن أيِّ أقسام المفهوم.
فإن قلتَ: هو من مفهوم الصفة، لأن المكفّر صفة.
قلت: إنَّ مفهوم الصفة هو مِن مفهوم المخالفة، لا من مفهوم الموافقة، وإذا كان كذلك وجب أن يكونَ المفهومُ أنَّه كالكافر عند المكفر لو قدَّرْنَا أنَّه كفر، وهذا ليس مِن المفهوم في شيء.
الوجه الثاني: أن زُبْدَةَ الكلامِ أن السيِّدَ توهَّم من ابن الحاجب أنَّه
(1)" مختصر المنتهي " مع شرحه للعضد 2/ 62.
قال: إن الذين لم يكفروا لو كفروا، لما قبلُوا من كفروه، وهذا ليس بدعوى للإجماعِ ألبتة، بل هذا دعوى على أهلِ الإجماع، وفرْقٌ بَينَ دعوى إجماع الأمة، وبينَ دعوى الإجماع على الأمة، فإن ابن الحاجب لو نص على هذا مَا صَدَقَ ولا صُدِّقَ، لأن هذا من قبيل علم الغيب فمن أينَ له أن الذين لم يُكفِّروا المتأولين لو كفَّروهم، لردوا روايتَهم، وما أمِنه أنهم يكفرونهم مع أنهم يقبلونهم، كما قد قال بذلك الشيخُ أبو الحسين وغيرُه.
فبان بهذا أن السَّيِّد ما أصاب بنسبته لدعوى الإجماع إلى ابن الحاجب.
الإشكال الخامسُ: من أين حَصل للسيد أيده الله إسناد صحيح إِلى ابن الحاجب، ولعل إسناد كِتاب (1) البخاري إليه أسهل مِن إسناد هذه الإجماعات التي رواها السيدُ إلى أربابها لِشدة العناية بسماع البخاري، فما بال السَّيِّد شَدَّدَ علينا في ذلك، ثم رخَّصَ لنفسه.
الإشكال السادس: مثل العاشر المقدم.
الإشكال السابع: مثل الإشكال الواردِ على ابن الصلاح، وقد مر تقريره.
قال: ومن روى الإجماع قُبِلتْ روايته، لأنها مثبتة، وتشهد بخلاف الأصلِ، فتكون أرجحَ.
أقول: لما فرغ السيدُ من دعوى الإجماع، وهو مقر بأن الخلاف مشهور في هذه المسألة، رأى ذلك متعارضاً، فأراد أن يُزيلَ التَعَارُضَ بترجيح رواية الإجماع على رواية الخلاف، ويرد على كلامه إشكالات:
الإشكال الأول: قال: ومن روى الإجماعَ، قُبِلَتْ روايتُهُ، لأنها
(1) لفظ " كتاب " ساقط من (ج).