الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُعَلَّ، فيكون هذا الحديثُ عنده من المُعَلِّ الذي لم يَصِحَّ لهذه العِلة، وهي شِدَةُ الاختلاف في سنده ومتنه.
فالعجَبُ ممن لا يعرِفُ الرِّجال، ولا هذا الشأنَ؛ كيف صَحَّحَ هذا الحديثَ تحكماً من غير معرفة، ونسب الاختلافَ إلى أبي هُريرة في إسنادِ الحديث إلى الفضلِ بن العباس، أو إلى أسامة بنِ زيد، ونسب سائرَ الاختلاف الذي في هذا الحديثِ إلى غير أبي هُريرة من الرُّواة، وأبو هريرة أعقلُ من أن يقولَ ذلك على كل تقدير؟! فإن الصادق يَثْبُتُ على صدقه، والكاذب يخاف التُّهمة من إكذابه لنفسه بتناقضِ رواياته، ولو كان هو المُتَلوِّنَ في ذلك، لذكره مروانُ، وعابه عليه، فقد كان مروانُ شديدَ الحرص على تقريع أبي هُريرة في ذلك، كما هو بَيِّنٌ في متن الحديث، فإنه اقسم على عبد الرحمان: لَيُقَرِّعَنَّ أبا هريرة بذلك (1).
الوجه الثالث: أن أبا هريرة إِنما روى الحديثَ الذي احتجَّ بهِ
في الابتداء مرسلاً، ثم بينَ الواسطة بعدُ، وبَيَّنَ أنَّه الفضل بن العباس، لأن عادةَ كثيرٍ من أهل العلمِ خصوصاًً أهلَ ذلك العصر هي الإرسالُ حتى يَعْرِضَ سَبَبٌ يُوجِبُ الإسنادَ.
فمن ذلك أن يكون الراوي غيرَ شاكٍّ في صِحة ما عنده، لأنَّه لا يَعْرِفُ معارِضَاً، فحين يَعْرِفُ ما يُعَارِضُ روايتَه يقوى الدَّاعي إلى بيان مستنَدِه، وكذلك فعل الحَبْرُ عَبْد الله بنُ العباس رضي الله عنهما حين كان يُفتي أنَّه " لا رِبَا إلا في النَّسِيئَةٍ "، فلما أُخْبِرَ بتحريم الربا في الصَّرْفِ، قال: أخبرني بذلك أسامة بن زيد (2).
(1) كما في رواية البخاري (1926).
(2)
الحديث في " صحيح مسلم "(1596) في المساقاة: باب بيع الطعام مثلاً بمثل، وانظر " شرح السنة " 8/ 60 - 61.
ثم رجع إلى ما صحَّ لهُ عن غير أُسامة ممن روايتُه أخصُّ وأنصُّ في المعنى، أو متأخرةٌ في التاريخ، فقد يكونُ الرجوعُ على جهة اعتقادِ التخصيص، والبيانِ للمجملات، وقد يكون على جهة النسخ للمنصوصات، وليس يستلزِمُ كذب الراوي الأولِ على كُلِّ تقدير، روى قصة ابنِ عباس في ذلك -كما ذكرت- أحمدُ بن حنبل في مسند أسامة (1)، والنسائي في كتاب البيوع من " سننه "(2)، وابن ماجة في التجارات (3).
رواه أحمد من طريق يحيى بن قيس، عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه النسائي، وابن ماجه من طريق أخرى، ويحيى صدوق، وبقيتهم رجالُ الجماعة.
واختلفت الروايةُ عنه كأبي هريرة، فقيل: عنه كما تقدم، وقيل:
عنه: إنَّه قال: إِنما كان ذلك رأياً مني. رواه ابن ماجة، والصحيح الأول كما أن الصحيح في حديث أبي هريرة أن المخبر له بالحديثِ الفضلُ بنُ العباس كما يأتي، فلم يقُلْ أحدٌ من العقلاء: إنَّ ذلك الاختلافَ في حديث ابنِ عباس منسوبٌ إليه دونَ الرُّواة عنه، وإنَّه يُوجبُ تُهْمَتَه مع أن حديثَ ابنِ عباس موضع تُهمةٍ، لأنَّه في رخصة كبيرة، وحديثُ أبي هريرة أبعدُ من التهمة، لأنَّه في الاحتياط في حُرمةِ رمضان، ومصادمة أمراء الجَوْرِ بما يكرهون، فإن مروان قد كان اشتدَّ تَكَبُّرُهُ عليه، فلم يلتفت إليه حتَّى وضح له الحقُّ، وكفي بهذا دليلاً على ورعه وتقواه، ومخالفته لهواه في الابتداء والانتهاء، وقد خرج الحاكم في الفتن عن مالك بن ظالم أنَّه سمع أبا هريرة
(1) 5/ 200 و204 و206.
(2)
7/ 381 في البيوع: باب بيع الفضة بالذهب، وبيع الذهب بالفضة.
(3)
رقم (2257): باب من قال: لا ربا إلا في النسيئة، وانظر " تحفة الأشراف " 1/ 46 - 47.
يقول لمروان بن الحكم: أخبرني حِبِّي أبو القاسم الصَّادِقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلم: " أن فَسَادَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ "(1).
وقال الحاكم على تشيعه: إنَّه حديثٌ صحيحٌ الإسناد، وخرجه أحمد في " المسند " بنحوه من طريق أبي زرعة، والضحاك بن قيس، كلاهما عن أبي هريرة من غير طريق الحاكم، فثبث ذلك بلا ريبٍ، وهذا أرفعُ مراتب التقوى أن يَصْدَعَ مروانَ بالحقِّ، ولا تَأْخُذَهُ في اللهِ لومةُ لائم، وفي الحديث " أفْضَل الجِهَادِ كلِمَةُ حَقِّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ "(2).
قال العلماء: لأنَّه لا يقدر يدفع عن نفسه كما يدافع المجاهدون، وهذا الحديث الثالث عشر بعدَ المئة من جامع ابن الجوزي، وفيه أن مروان سأله أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعتُه صلى الله عليه وسلم يقول: " ليتمنَّينَّ أقوام وَلُوا هذا الأمْرَ أنهم خرُّوا مِن الثُّريا، وإنهم لم يلو شيئاً "(3).
(1) هو في " المستدرك " 4/ 470، وصححه ووافقه الذهبي، وهو في " المسند "2/ 288 و299 و304 و328 و348، و" مسند الطيالسي "(2508) من طريقين عن سماك بن حرب بهذا الإسناد، وصححه ابن حبان.
وأخرج البخاري في " صحيحه "(7058) في الفتن: باب هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء من طريق موسى بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد، قال: أخبرني جدي (سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص) قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي بالمدينة ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: " هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش "، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان، بني فلان، لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً، قال: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم. وهو في " المسند " 2/ 324.
(2)
أخرجه من حديث أبي أمامة، أحمدُ 5/ 251 و256، وابن ماجة (4011) وإسناده حسن، وله شاهد من حديث طارق بن شهاب عند أحمد 4/ 314 و315، والنسائي 7/ 161، وإسناده صحيح، وصححه النووي والمنذري.
(3)
هو في " المسند " 2/ 372 من طريق أسود بن عامر، عن أبي بكر، عن عاصم، =
وفي البخاري ومسلم قال أبو زرعة: دخلتُ مع أبي هريرة في دارِ مروانَ، فرأى فيها تصاويرَ، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قَالَ اللهُ تَعالى: وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهبَ يَخْلُقُ خَلْقاً كَخَلْقِي، فلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أو لْيخْلُقُوا شَعِيرَةً " زاد البخاري: ثُمَّ دَعَا بِثَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَهُ (1).
وخرج الحاكم (2) قبلَ هذا عن معاوية بن صالح (3)، عن صفوان بنِ عمروٍ أنَّه سَمِعَ أبا مريم مولى أبي هُريْرَةَ يقول: مَرَّ أبو هريرة بمروانَ وهو يبني دارَه، فقال للعُمَّال: ابنُوا شديداً، وأمِّلُوا بعيداً، وموتوا قريباً، فقال مروان: ماذا تقول لهم يا أبا هريرة؟ فقال: قلت: ابنوا شديداً، وأمِّلُوا بعيداً، وموتوا قريباً يا معشر قريش -ثَلاثَ مرات- كيْفَ. كُنْتُم أمْس، وكيف أصبحتُم اليوم تُخدَمُونَ، أرِقَّاؤُكم الْيَوْمَ فَارِسٌ والرُّوم، كُلُوا الخُبْزَ السَّمِيذ، واللَّحْم السَّمِينَ، لا يأكُلْ بعضُكُم بعضاً، ولا تَكَادَمُوا (4) تَكَادُمَ البَراذين، وكونُوا اليومَ صِغَاراً، تكونوا غداً كباراً، واللهِ لا يَرْتَفِعُ منكم رجلٌ درجةٌ إلا وَضَعَهُ الله يومَ القيامة.
= عن رجل من بني غاضرة، عن أبي هريرة، و520 من طريق عبد الصمد، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن يزيد بن شريك، عن الضحاك بن قيس، عن أبي هريرة و536 من طريقين، عن شيبان، عن عاصم، عن يزيد بن شريك، عن أبي هريرة.
(1)
لفظ البخاري (5953): ثم دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: منتهي الحلية. قال الحافظ ابن حجر: وليس بين ما دل عليه الخبر من الزجر عن التصوير وبين ما ذكر من وضوء أبي هريرة مناسبة، وأنما أخبر أبو زرعة بما شاهد وسمع من ذلك. والحديث في صحيح مسلم (2111) في اللباس والزينة.
(2)
في " المستدرك " 4/ 463. من طريق ابن وهب، عن معاوبة بن صالح به.
(3)
في (أ) و (ب) المقدم، وفي (ش) المقدام، وهو تحريف.
(4)
يقال: تكادم الفرسان: إذا كَدَمَ أحدُهما صاحبه، والكَدْمُ: هو العضُّ بأدنى الفم. والبراذين: جمع برذون، وهي من الخيل ما ليس بعربي.
فهذان وأمثالهُما مِن رواية ثقات الشيعة، وما تقدَّم من رواية ثقات أهلِ الحديث يدل على اتفاق ثقاتِ النَّقَلَة من الفريقين على نقل ما يَدُلُّ على ثقة أبي هُريرة، وجلالتِه، فقد صحَّ بالنَّقْلِ والعقْلِ أن كلمةَ الحقِّ عند سلاطين الجَوْرِ أفضلُ الجهاد، فاعْرِفْ ذلك.
الوجه الرابع: أن الاختلافَ في ذلك إنما هو على أبي بكر بن عبد الرحمان شيخِ سُميٍّ والزُّهريِّ في الحديث كما يَعْرِفُ ذلك أهلُ هذا الشأنِ، لا على أبي هُريرة، وقد غَلِطَ مَنْ نسبه إليه غلطاً فاحشاً، وذلك مِن عَدَمِ البصرِ بعلم الأثرِ، وَمَنْ عَرَفَ صنعتَهم في جَمْعِ الطُّرُقِ لأجل معرفة مَنْ وقع منه الاختلافُ مِن الرُّواة، لم يَشُكَّ في ذلك، كما بيَّنه النسائيُّ في " سننه الكبرى " في هذا الحديثِ بخصوصه، وفي " سننه الصغرى " في غالب الأحاديث المختَلفِ فيها.
بيان ذلك أنَّ مدارَ الحديث على عبدِ الرحمان بن الحارث بن هشام ابن المغيرة المخزومي وعلى ولده أبي بكر، والرواية الصحيحة المشهورة فيه أن أبا هريرة أحالَ بذلك على الفضل بنِ العباس كذلك رواه البخاري في كتاب الصوم عن سُمَيٍّ والزهري معاً عن أبي بكر بن عبد الرحمان، وكذلك رواه مسلم فيه أيضاً عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان أنه الفضل فهؤلاء ثلاثة نبلاء ثقاتٌ اتفق الجماعةُ على الاحتجاج بهم، قالُوا: كُلُّهُمْ عن أبي بكر أنَّه قال: إِنه الفضلُ، وُيقوي ذلك أنَّ النسائي روى ذلك مِن طريق أخرى ليس فيها اختلافٌ ولا اضطرابٌ، وهي طريقُ محمد بن عمرو، عن يحيى بنِ عبد الرحمان بن حاطب، وهو ثقةٌ رفيعُ القدر، وهذه غيرُ طريق أبي بكر ووالده عبدِ الرحمان، فصارت أربعَ طرقٍ مجتمعةً متعاضدةً على أن الواسِطَةَ الفضلُ بن العباس، وأما أسامةُ بن زيد، فلم يذكره أحدٌ قط إلا عمرُ بنُ أبي بكر بن عبد الرحمان، عن أبيه أبي بكر
الذي صح عن ثلاثة عنه أنَّه الفضلُ، وبهذا يُعرف وهمُه، فافهم ذلك، وعمر هذا لا يُوازِنُ واحداً من الثلاثة الذين خالفوه عن أبيه، منهم أخوه عبدُ الملك، وكفى به وحدَه معارضاً له راجحاً عليه، فإنه متفق على الاحتجاج به في جميع دواوين الإسلام الستة المشهورة مثل صاحبيه الموافقين له في ذلك عن أبيه أبي بكر بن عبد الرحمان مع شهادة رواية النسائي من الطريق الرابعة عن أبي هريرة، وعُمَرُ هذا ما خرج له أحدٌ من أهل الصحيح، بل ولا مِن أهل السُّنن إلا النسائي وحدَه، وإنما خَرَّجَ له، لأنَّه قصد الاستقصاء لجميعِ طُرُقِ هذا الحديث، فجمع منها ما لم يجمعه سواه، كما أوضحه المِزِّي في " أطرافه "(1) حتى رواه عن تسعةٍ وعشرين راوياً، ومنهم مَنْ له فيه طريقانِ، ومنهم من له فيه أكثرُ من ذلِكَ من الطرق، فجاء ذكرُ أسامة في طريق واحدةٍ من هذه الطرق الخمسة، ولم يذكره إلا النَّسائي، فجاء من لا يَعْرِفُ الحديثَ، وكيفية الترجيحِ، والطريق إليه، فظنَّ أن ذِكْرَ أُسامة في الحديث مثل ذكر الفضل سواء، وليس كذلك، فإن ذكر أُسامة في غايةِ الشُّذُوذِ، وذلك مثلُ ما جاء في طرق النسائي هذه أن الحديث عن حفصة وحدَها، أو أنَّه عنها وعن عائشة دُونَ أمِّ سلمة، وهذا شذوذٌ مردود، وإنما الحديثُ عن عائشة وأم سلمة، لم تُذْكرْ حفصةُ إلا في طريق واحدة من هذه الطرق التي استقصاها، وتفرَّد بها النسائي، ولعل سَبَبَ الوَهْمِ في ذكر أسامة مع شذوذه أن الواهِمَ فيه انتقل ذِهنُه إلى قصة ابن عباس في فتواه أنه:" لا ربا إلا في النسيئة "، وأنه لما أُخْبِرَ في ذلك بالنص المخالف لفتواه، وأحال في فتواه إلى أسامة بن زيد، لأنَّ بَيْنَ القِصتين مشابهةً والله أعلم.
(1) في الجزء 11/ 474 - 476 رقم الحديث (16299).
وأما مَنْ روى عن أبي بكر بنِ عبدِ الرحمان أن أبا هُريرة قال: أخبرنيه مخبرٌ، فليس يُناقِضُ أن ذلك المخبر هو الفضلُ، وإنما كان هذا الإجمالُ اختصاراً من مالك، لأن الإختلاف في هذه اللفظة إنما جاء عن مالك عن سُمَيٍّ، والدليلُ على أنَّه اختصار من مالك أن البخاري رواه عن عبدِ اللهِ بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن سُمَيٍّ يذكرُ الفضلَ باسمه، فدلَّ عَلى أن سُميّاً رواه كذلك، وأنَّ مالكاً في " الموطأ " أحبَّ الإجمال فيه، أو عَرَضَ له نسيان بعدَ الحفظ أنَّه سمع برواية عمر بن أبي بكر التي فيها ذكر أسامة، فأحبَّ الاحتياطَ بترك تسمية الواسِطَةِ، وبكل حالٍ فالإِجمال لا يُناقِضُ التعيينَ والنسيانَ، واختلافُ الأخبار في التسمية وتركُها جائزٌ على العلماء والثقات.
وفي الحديث ما يدُلُّ على إجلال أبي بكر بن عبد الرحمان لأبي هريرة، وكراهيةِ مواجهته بذلك، وعدم المسارعة إلى ما أمره به مروان في ذلك، ولو كان أبو هريرة عندَهم كاذباً متعمداً، لاستحقَّ الإهانةَ العظمى، بل القتل عند بعضِ أهلِ العلم، فقد كَفَّرَ بعضُ العلماء مُتَعَمِّدَ الكذبِ في الدين والتغيير للشريعة، وإن لم يكن مستحلاًّ لذلك، ومن حجته قولُه تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [الزمر: 32] وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] خرج من ذلك الكذبُ على غير الله ورسوله.
وقوله عليه السلام: " إنَّ كذِبَاً عليَّ لَيْسَ ككَذِبٍ على غيري، إنَّه مَنْ كذبَ عليَّ ولَجَ النَّارَ "(1)، وبقي الكاذبُ على اللهِ ورسوله لم يَخْرُجْ بحُجَّةٍ
(1) في (ج): ولج في النار، ولفظ الحديثِ في البخاري (106) من حديث علي =
واضحةٍ، وممن قال بذلك إمامُ الحرمين أبو المعالي الجويني والأمير الحسين.
ثم إنَّ الوجه في حديث أبي هُريرة عنِ الفضل أن ذلك كان كذلك في ابتداء فرضِ رمضان، ثم نُسِخَ، ولم يَشْعُرِ الفضلُ، ولا أبو هريرة بالنَّسْخِ حتى بلغ إلى أبي هُريرة. ذكر ذلك ابنُ المنذِرِ مبسوطاًً، ثم الحافظُ ابنُ حَجَر في كتابه " التلخيص الحبير " (1) قالا: لأنَّ الصومَ كان واجباً مِن بعدِ العشاء الآخرة من الجماعِ والطعامِ والشرابِ، حتَّى شقَّ ذلك على المسلمين، ووقع منهم مَنْ وَقَع في الحرام، ونزل في ذلك قولُه تعالى:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} كما هو مبسوطٌ في كتب الحديثِ والتفسير، فنُسِخَ ذلك وتوابعُه، ولم يعلم أبو هريوة وغيرُه بالنسخ في حُكْم الجنابَةِ، كما لم يَعْلم به الفضلُ بنُ العباس، وَمَن تمسك بحديثه من علماءِ الإسلام، وكُبراء التابعين. فقد ذكر ابنُ عبد البَرِّ في " تمهيده " الذي هُو أحدُ كتب الإِسلام بقاءَ الخلاف في ذلك، ورواه عن إبراهيمَ النَّخَعي، وعُروةَ بن الزبير، وطاووسٍ اليماني، والحسنِ البصري، وسالمِ بن عبد الله بن عُمَرَ بنِ الخطاب، والحسنِ بنِ حَيٍّ. لكن إبراهيمُ النخعيُّ، وعُروَةُ، وطاووس شرطُوا في بُطلان الصومِ أن يَعْلَم بجنابته من الليل، فلا يغتسل حتى يُصْبحَ، ثُمَّ هو مفطر، وسالم، والحسنُ البصريُّ، والحسنُ بنُ حَيٍّ، قالوا: إذا أصبح جُنباً أتمَّ صومه، ثم قضاه.
= رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي يلج النار " وعند مسلم (1)" يكذب " بدل " كذب " وللترمذي (2260)" لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي يلج في النار ".
وأخرجه البخاري (1291) ومسلم (4) من حديث المغيرة بن شعبة بلفظ " إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ".
(1)
2/ 202، وانظر " شرح الموطأ " 2/ 162 للزرقاني.
وذهب عبدُ الملك بن الماجَشون مِن أصحاب مالك إلى هذا المذهب في الحائض أيضاًً.
وكأنَّ هؤلاء لم يبلُغْهم الحديث، أو بلَغَهم، ولم يَصِحَّ لهم، أو صحَّ لهم، فاعْتَقَدوا فيه أنَّه في غيرِ رمضانَ جمعاً بينَه وبينَ حديثِ الفَضْل، فقد قال أبو داود في " سننه ": إنما الحديثُ أنَّه كان يُصبح جُنُباً ثم يصوم، وقال: ما أقلَّ مَنْ يقولُ في الحديث: إنَّه كان يصبح جُنُباً في رمضان (1).
قلت: اختُلِفَ في ذكر رمضانَ في الحديث على مالكٍ، فروى عنه الأذْرَميُّ ذكرَ رمضانَ في الحديث، ولم يروه الأكثرون وربما تقوَّوا على الجمع بينَ الحديثين بما عُلِمَ من قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لِرَمَضَانَ، وحثِّه عليه، لكن جمعهم بذلك بينَ الحديثينِ مردودٌ بأنَّ فِعْلَ ذلك في رمضان كان هو السَّبَبَ في سؤالِ عبد الرحمانِ بن الحارث لعائشة، وأمِّ سلمة، فلا يجوزُ خروجُه عن عموم الجواب، لأن العمومَ نص في سننه كما ذلك مبينٌ في الأصول، وإِلَّا لكان الجوابُ أجنبيّاً عن السؤال.
وقد دل على ذلك كتابُ الله تعالى لمن تأمل لِقوله تعالى: {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فأباح الجميعَ مِن الجماع والأكلِ والشُّربِ حتى يتبيَّن الفجر، وإذا أبيح الجماعُ حتَّى يتبينَ الفجرُ، فمعلومٌ
(1) ذكره عقب الحديث (2388) ونصه: قال عبد الله الأذرمي (وهو شيخ أبي داود في هذا الحديث) في حديثه: في رمضان من جماع غير احتلام، ثم يصوم.
قال أبو داود: وما أقل من يقول هذه الكلمة يعني يصبح جنباً في رمضان، وإنما الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم.
أن الغُسل لا يكونُ إلَاّ بعدَه، ولكن هذا على القولِ برجوع القيدِ ونحوه بعدَ الجُمَلِ الكثيرةِ إلى جميعها، وهو اختيارُ الشافعية (1)، وأما على قول الحنفية: إن القيدَ ونحوَه يرجعُ إلى الجملة الأخيرة فقط حتى يَدُلَّ دليلٌ على غيرِ ذلك، فيكون قولُه:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} راجعاً (2) إلى الأكل والشُّربِ فقط لولا حديثُ عائشة، وأُمِّ سلمة.
وأما تقويهم (3) بما عُلِمَ مِنْ قيام رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، وحثِّه على ذلك، فلم يكن معناه قيامَ الليل كُلِّه، إنما معناه القيامُ فيه، وقد روى النسائيُّ، وابنُ ماجة ثلاثَ طرق، كُلُّها عن سعيدِ بن أبي عَروبة، عن قَتادة، عن زُرارة بن أوْفى، عن سَعْدِ بن هشام، عن عائشةَ أنها قالت: ما قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلةً حتى الصَّباحِ، ولا قرأ القُرآنَ كُلَّه في ليلةٍ (4). وكُلُّ هؤلاء الرُّواة رجالُ الجماعة كلهم.
وفي " الصحيحين "(5) عن أبي سلمة أنَّه سأل عائشة كيف كانت صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضانَ
(1) انظر تفصيل المسألة في " المستصفي " 2/ 174 - 180، و" نهاية السول " 2/ 430 - 437، و" تيسير التحرير " 1/ 302 - 308، و" التقرير والتحبير " 1/ 269 و274، و" التبصرة " ص 172 - 176.
(2)
في (أ) و (ب) و (ش): راجع، والجادة ما أثبت.
(3)
في (ج): تقويم، وهو تحريف.
(4)
أخرجه النسائي 4/ 199 في الصوم: باب صوم النبي، وابن ماجة (1348) من طريقين عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد، وأخرجه مطولاً مسلم (746)، وأبو داود (1342)، والنسائي 3/ 199 في أول قيام الليل من طرق عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام عن عائشة. وانظر " تحفة الأشراف " 11/ 406 رقم الحديث (16104) و408 رقم الحديث (16108).
(5)
البخاري (1147) و (2013) و (3569)، ومسلم (738)، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1/ 125 - 126، ومن طريقه أبو داود (1341) والترمذي (439)، والنسائي 3/ 234. وانظر اختلاف الروايات في " جامع الأصول " 6/ 91 - 96 الطبعة الشامية.
ولا في غيرِه على إحدى عشرة ركعةً يُصلِّي أربعاً، فلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وطُولِهنَّ، ثم يُصَلِّي أربعاً، فلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وطُولهِنَّ، ثُم يُصَلِّي ثلاثاً.
وفي رواية في " الصحيحين " عنها: فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذلك قَدْرَ ما يقْرَأُ أَحَدُكُم خَمْسِينَ آيَةً.
وفيهما وفي " السنن " عنها: كان إذا دخل العَشْر الآواخِرُ، أَحيا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ، وَشدَّ المِئْزَرَ (1).
فقولها: " وَشَدَّ المِئزَرَ " كناية عن اجتنابِ النساء، ذكره غيرُ واحد، فدلَّ على اختصاص تركه للنساء بالعشرِ الأواخِرِ.
وقد جاء مِن حديث عائشة أيضاً ما يَدُلُّ على أنَّه إنما كان يفعل ذلك في آخِرِ اللَّيْلِ بعدَ فراغِهِ من عادته في القيامِ، فروى مسلم والنَّسائي مِن حديثِ زُهير بنِ معاوية، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن الأسودِ، عن عائشة رضي الله عنها أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان ينامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وُيحيي آخِرَه، ثم إنْ كانَ لَهُ حاجَةٌ مِن أهْلِهِ، قَضَى حَاجَتَه، ثم يَنَامُ، فإذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الأوَّلِ، وَثَبَ (2).
فبان بهذا أن قيامَه صلى الله عليه وسلم لِرمضان لم يكن يمنعُه ذلك، ولا يُنافيه، كما أنه لا يمنعُه مِن الأكل والشربِ، وقضاءِ الحاجة، وأن القيامَ الذي كان يَتْرُكُ ذلكَ معه كان يختصُّ بالعشرِ الآواخِرِ.
(1) أخرجه البخاري (2024) في صلاة التراويح، ومسلم (1174) وأبو داود (1376) والترمذي (796) والنسائي 3/ 218.
(2)
هو في صحيح مسلم (739) والنسائي 3/ 218.
فَوَضحَتِ الحُجَّةُ في وجوبِ متابعة السُّنَّةِ التي جاءت مِن طريقِ عائشة، وأُمُّ سَلَمة، ووضحت الطريقُ إلى حمل أبي هُريرة رضي الله عنه على أحسنِ المحامِل، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
الفائدة الثانية: قد ذَكرَ بَعْضُ أهلِ العلم أن أبا هريرة في المتأوِّلين من الصحابة على قولِ الشِّيعة والمعتزلة، كُلِّهم لأجل ولايته المدينةَ في بعض أيَّامِ معاوية.
والذي عندي أن ذلِكَ لا يقْدَحُ على قولِ الجميع في روايته، ولا في دِيانته، أما أنَّه لا يقْدَح في روايته، فلأنَّ الرجلَ كان متديِّناً متحرِّياً لا يتعمَّدُ ارتكابَ الحرام، وأقصى ما في الباب أنَّه عصى متأوِّلاً، فذلك لا يَقْدَحُ في الرواية، ولا في الاجتهاد على ما يأتي بيانُه في موضِعه إن شاء الله تعالى، وأما أن ذلك لا يقْدَح في دِيانته وولايته فلوجوه:
أولها: أن المؤيَّدَ بالله عليه السلام قد ذهب إلى جوازِ أخذِ الوِلاية في القضاء من أئمة الجَوْرِ، نص عليه في " الزيادات "(1)، وهو الجديدُ من قوليه المعمول عليه، وقد احتج على ذلك في " الزيادات " وأطال، وفي " الجامع الكافي "(2) في مذهب الزيدية، عن محمد بن منصور. عن أحمدَ بنِ عيسى: أنَّ الفِسْقَ يُزِيْلُ عن أئمة الجور إمامة الهُدى، ويبقى العَقْدُ الذي يثبُتُ به مِن أحكامهم ما وافق الحقَّ إلى وقتِ ما يتنحَّى قال: لو أن رجلاً لم يُبايَعْ له، ولم يُعْقدْ له، أقام الحدَّ، فمات المحدودُ كان ضامناً، والجائرُ الذي زالت عنه إمامةُ الهُدى إذا فعل مثلَ هذا لم يَضْمَنْ، فلا يتبع
(1) انظر فهرس المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء ص 259.
(2)
في مكتبة الجامع الكبير منه المجلد الثاني والثالث والرابع والخامس، انظر الفهرس ص 248 - 249.
بشيء. انتهى.
وقد قرَّره محمدُ بنُ منصورٍ، ولم يُورِدْ عن أحدٍ من أهل البيتِ خلافَه مثل عادتِه إذا اختلفوا، وكذلك مصنف " الجامع الكافي " السيدُ الإمام الحسيني لم يذكر خلافاً بينَ الصدر الأول في ذلك، وذلك هو المشهورُ عن كثير من أئمة الإسلام من الفقهاء الذين هُمْ أئمةُ المعتزلة في الفروع، وقد ثبت أنَّ يوسفَ عليه السلام تولَّى لعزيز مِصْرَ، وثبت أن شرعَ من قبلنا حُجَّةٌ في دينِنَا إذا حكاه اللهُ في كتابنا (1)، وفي " الصحيح " أنَّه عليه السلام احتج في القِصَاصِ بقوله تعالى:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} (2) وليس هي في كتاب الله إلَاّ حكايةً عن شرعِ منْ قبلَنَا، واحتجَّ بقولِه تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3) وهي في خِطابِ موسى عليه السلام. فإذا ثبت ذلكَ، فمن
(1) أي: حكاه مقرراً ولم ينسخ، وفي الاحتجاج بذلك خلاف مبين في " فواتح الرحموت " 2/ 184 - 185، وانظر أيضاً " تفسير ابن كثير" 3/ 112 - 113 طبعة الشعب.
(2)
الآية 45 من سورة المائدة. وأخرج أحمد 3/ 128، والبخاري (2803) و (2806) و (4499) و (4500) و (4611) و (6894) ومسلم (1675) من حديث أنس أن الرُّبَيع عمة أنس كسرت ثنية جارية، فطلبوا إلى القوم العفو، فأبوا، فأتو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: القصاص، قال أنس بن النضر: يا رسول الله تكسر ثنية فلانة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس كتاب الله القصاص، قال: فقال: والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة، قال: فرضي القوم، فعفوا وتركوا القصاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ".
(3)
الآية 14 من سورة طه، وأخرج البخاري (597)، ومسلم (684)، والترمذي (178) وأبو داود (442) والنسائي 2/ 293 و294 من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من نسي صلاة، فليصل إذا ذكر، لا كفارة لها إلا ذلك " قال قتادة راويه عن أنس: (وأقم الصلاة لذكري) وفي رواية " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غَفَلَ عنها، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري). قال الحافظ في " الفتح " 2/ 72 عن الرواية الثانية: وهذا ظاهر أن الجميع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا، لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام، وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ. وانظر " زاد المسير " 5/ 275.
الجائزِ أن يتولَّى أبو هُريرة على القضاءِ، والمصالحِ من الأمرِ بالمعروف، والنَّهْي عن المنكر، وافتقادِ أمر العامة، فلم ينقل بطريقٍ متواترةٍ ولا آحادية أنه فَعَلَ سائِرَ المحرمات في تلك الوِلاية.
يُوضحه إن ولايته إنما كانت بعد صُلْحِ الحسن عليه السلام، أو أن ذلك يُمْكِنُ، وقد روي عن أبي الدرْداء مثل ذلك (1) على إحدى الروايتين في تاريخ وفاته (2) مع الاتِّفاقِ على جلالة أبي الدرداء رضي الله عنه.
وقد تولَّى أكابرُ الصحابةِ المجمعُ على جلالتِهم في أيَّامِ أبي بكرٍ، وعُمُرَ، وعثمانَ رضي الله عنهم، مثلُ سَلمانَ الفارِسي رأسِ الزهاد، وراهب الإسلام رضي الله عنه، ومن لا يُحصى كثرةً، ولا فَرْقَ على أصولِ الشيعة بيْنَ الولاية على القضاء، وأمورِ الدين في زمانهم وزمانِ معاوية، وإنما يفترقُ الحالُ عندهم في مَنْ حَارَبَ عليّاً عليه السلام، واجترأ على اللهِ في سَفْكِ الدَّم الحَرامِ.
وأما الوِلايةُ على نفس القضاءِ بالحقِّ، والنَّظَر في المصالحِ مع التنزُّهِ من المعاونة على المعاصي، وكراهتِها، وكراهةِ أهلها، فلا فَرْقَ في ذلك بين زمان وزمان، إذا لم تكن الوِلايةُ مأخوذةً عمن له الولاية، ويمكن أن هذه الوِلاية المأخوذة ممن لا وِلايَة له، إنما هِيَ وِلاية لغوية لا شرعية، ومعناها
(1) في (ج): وقد روي مثل ذلك عن أبي الدرداء.
(2)
في " السير " 2/ 353: قال الواقدي، وأبو مسهر، وابن نمير: مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين، وعن خالد بن معدان قال: مات سنة إحدى وثلاثين، قال الذهبي: فهذا خطأ، لأن الثوري روى عن الأعمش، عن عُمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، قال: لما جاء نعي -يعني ابن مسعود- إلى أبي الدرداء قال: أما إنَّه لم يخلف بعده مثله، ووفاة عبد الله في سنة 32، وروى إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبيد الله الأشعري، قال: مات أبو الدرداء قبل مقتل عثمان رضي الله عنهما وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 220 و689: مات في خلافة عثمان لسنتين بقيتا من خلافته.