الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وقال الشيخانِ: أبو علي، وأبو هاشم -وهو قولُ الناصر، والسيد أبي طالب-: إنهم لا يقبلون.
وقال قاضي القضاة: تُقْبَلُ روايةُ فساق التأويل، ولا تُقبلُ رواية كفارِ التأويل، والشيخ أبو الحسين، والرازي، قالا: تُقبل كقول الفقهاء.
قال الشيخ أبو الحسين، والرازي: والخلافُ في مَن كان غيرَ معاند، فأما من عَرَفَ الحقَّ وعاند، فليس بمتأولٍ وهذا صحيح، فإنه إنما أظهر التأويلَ، وليس بمتأول عندَ نفسه، وفي باطن أمره.
أقول: في كلامه هذا إشكالات:
الإشكال الأولُ: أنَّه ذكر أنَّه لا يقبل منْ عرف أنَّه عاند، وأظهر التأويلَ، وأشار بذلك إلى ما صرَّح به في غير هذا الموضع من أنَّه قد عَرَفَ أن علماء الأشعرية كفارُ تصريح، وأنهم معانِدون، وفي رواة الحديث منهم خلق كثيرٌ، بل أئمة الحديث عنده أشعرية فسبحانَ اللهِ العظيم كيف عَسَّرَ السيد أيده الله علينا المعرفةَ بروايتهم التي نطقوا بها؟ وما زالوا يُظهرونها مُدَّةَ أعمارهم، وَيحْرِصُون على ظهورها عنهم، فلم يجعل لنا طريقاً صحيحة إلى معرفة صدورها عنهم مع التصريحِ منهم بذلك، وتكرارِه مدة الأعمارِ، ونقل الخلق لألفاظهم في ذلك، ثم إنَّه تيسَّر للسيد أيَّده اللهُ معرفةُ ما انطوت عليه ضمائرُهم، وحجبته سرائرُهم مِنْ تعمُّدِ الكفر، وقصد الكذب على الله تعالى، وعلى رسولِه عليه السلام مع ما ظهر عليهم مِن القرائن الدَّالةِ على خلاف ما فَهِمَ السيدُ بحيث إنَّ الذي حَمَل الأئمةَ والعلماءَ المكفرين لهم على قبولِهم مع اعتقادِ كفرِهم هو ما ظهر عليهم مِنَ الخوفِ العظيمِ من عذابِ الله، والمحافظةِ على طاعته، وتَحَمُّلِ مشاقِّ التكليفِ العظيمة مِن قيامِ الليْلِ، وصومِ النهار، والورع
عن الشبهات، وكثرةِ البُكاء مِن خوف الله حتى إن الترمِذِيَّ عَمِيَ مِن كثرة البُكاءِ في ما رُوِيَ عنه (1).
ومن وقف على تراجمهم، عَلِمَ أنَّهم كانوا متحمِّلِينَ للمشاقِّ العظيمةِ في طلب ثواب الله، والخوفِ من عقابه بحيثُ إنَّه يعْلَمُ ذلك بالتواتُرِ عنهم، والقرائنِ القوية. فكيف تهيَّأ للسَّيِّد -أيَّده الله- أن يعلم ما في بواطنهِمِ من التَّعَمُّدِ الذي هو من أعمال القلوب، ولم يتهيأ لنا أن نَعْلَم ما ظهر منهم مِن القول المسموع بالآذان المنقولِ عنهم بِكُلِّ لسان.
ثم إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد تعذَّر عليه معرفةُ ما في بواطن المنافقين إلا بالوحي، وفي الحديث أنَّه جاءه رجلٌ من الأنصار يُسَارُّه صلى الله عليه في قتلِ رجلٍ من المنافقين، فَجَهَرَ صلى الله عليه وسلم وقال:" ألَيْس يشْهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا الله "؟ قال الأنصاري: بلى، قال:" ألَيْسَ يَشْهَدُ أنِّي رسُول اللهِ "؟ قال: بلى، قال:" أليْسَ يُقِيمُ الصلاةَ "، قال: بلى، قال:" فأولئِكَ الَّذِين نهَانِي اللهُ عَنْ قَتْلهمْ "(2)، قال الأنصاري: إنهُ منافق يا رَسُولَ اللهِ،
(1) كما في " سير أعلام النبلاء " 13/ 273 و" تذكرة الحفاظ " 2/ 634 و" تهذيب التهذيب " 9/ 389.
(2)
أخرجه إلى هنا مالك في " الموطأ " 1/ 171 في قصر الصلاة في السفر: باب جامع الصلاة من طريق ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنَّه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس .....
قال ابن عبد البر في " التمهيد " 10/ 150: هكذا رواه سائر رواة " الموطأ " إلا روح بن عبادة، فإنه رواه عن مالك متصلاً مسنداً، ثم أخرجه من طريقه، فقال: عن عبيد الله بن عدي ابن الخيار، عن رجل من الأنصار، قال: ورواه الليث بن سعد وابن أخي الزهري، عن الزهري مثل رواية روح بن عبادة عن مالك سواء، ورواه صالح بن كيسان وأبو أويس عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن نفراً من الأنصار حدثوه،