المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الثالث: أنهم لو ذهبوا - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٢

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌أقولُ: هذه الحجةُ الثانيةُ من حُججِ السَّيِّد في هذه المسألةِ، والجوابُ عليه من وجوه:

- ‌الثاني: أنَّ المنقولَ في كتبِ الشافعيةِ نقيضُ ما ذكرتَه

- ‌النظرُ الأوَّلُ: مِن قَبِيلِ المعارضاتِ وهو أن نقولَ: إيرادُ مثلِ هذا الكلامِ مُمْكِنٌ في المجتهد والمقلد

- ‌النظر الخامس: مِن هذا القبيل أيضاًً وهو أن الله -تعالى- شرع الكتابةَ في الدَّيْن والشهادة، وعَلَّلَ ذلك بأنَّه أقومُ للشهادة

- ‌النظر السادس: أنَّ " السَّيِّد " قد حام على اختيار مذهب الأشعرية في أنَّه لا يشتق اسمُ الفاعل مِن شيء إلَاّ وذلك الشيء قائمٌ بالفاعل

- ‌النظرُ الثَّامِنُ: أن نقولَ: المجتهدُ: هو المتمكِّنُ مِن معرفة الأحكام الشرعية

- ‌النظرُ التاسِعُ: أن الاجتهادَ وشرائِطَه مِن قواعدِ الإسلامِ

- ‌البحث الثاني: هذا تجريحٌ مِن السَّيِّدِ للغزالي، والتجريحُ له شرائطُ معروفة

- ‌البحث الرابع: احتج السَّيِّدُ على أن الغزالي يُعَسِّرُ الاجتهادَ

- ‌المرتبة الأولى: المنازعة في قِلَّة المجتهدين، ولنا فيها طرق:

- ‌الطريق الأولى: مِنْ أينَ للسَّيِّدِ ثبوتُ هذه الروايةِ عن الغزالي

- ‌الطريقُ الثانية: سلمنا صِحَّتَها عنه، فكيف استندَ السَّيِّدُ إلى تصديقِه في كلامه

- ‌الطريقُ الخامسة: أنا نُعارِضُ كلامَ الغزالي بما رواه مَنْ هُوَ أَرْجَحُ

- ‌الطريق السابعة: أن اجتهادَ أولئك الذينَ ذكرهم السَّيِّدُ يَدُلُّ على سُهولَةِ الاجتهاد

- ‌وثانيهما: أنا نبَيِّنُ أن افتراقَنا في معرفة العربية ليس يقتضي تعسيرَ الاجتهاد على الإِطلاق لوجهين:

- ‌أحدُهما: أن أكثر آيات الأحكام، وأحاديثه لا تحتاج إلى قراءة العربية في فهم معناها، والدليل على ذلك حُجتانِ:

- ‌الحجة الثانية: على أنَّه لا يقتضي الافتراقُ في العربية تعسيرَ الاجتهاد

- ‌أقول: الجوابُ على ما ذكره من تجهيل هذا الصاحب الجليل من وجوه:

- ‌الوجه الثاني: أن الظاهرَ خلاف ما ذكر

- ‌الوجه الرابع: معارضة الغزالي بقول من هو أرجحُ منه في ذلك

- ‌الجوابُ عما نسب إلى أبي هريرة وأمثاله من أفاضل السلف المتواتر فضلُهم، وعلو مراتبهم مِن وجوه

- ‌الوجه الثاني: أنَّهُ قد تواتر عن أبي هُريرة أنَّه كان أرفعَ حالاً من هذه المنزله

- ‌الوجه السادس: أن جميعَ الأكاذيب المروَيَّة أسندها الكذَّابُونَ إلى الصحابة

- ‌الوجه الثاني: أنَّه قد ثبت في هذا الحديثِ من الاختلاف والاضطراب شيءٌ كثيرٌ

- ‌الوجه الثالث: أن أبا هريرة إِنما روى الحديثَ الذي احتجَّ بهِ

- ‌وثانيها: أن يكونَ أخذ الولاية على ذلك

- ‌وثالثُها: أنَّ مجرد الولاية إما أن تكون ظنيةً أو قطعية

- ‌المسلك الثالث: أن نقول: الإجماع منعقدٌ على اجتهادهما

- ‌الأول: إن هذا يحتاجُ إلى طريق صحيحة

- ‌الثالث: أنا لو قدرنا أن ذلك صحَّ عنه بطريقٍ معلومة لم يَقْدَح به

- ‌الرابع: سَلَّمنا أن هذا لحنٌ لا وجه له، فإن كثيراً ممن يعرِف العربية قد يتعمد اللحن

- ‌المحمل الرابع: أن يكونَ ذلك على طريقه الحُفَّاظِ الكبارِ من أئمة الأثر

- ‌أقول: كلامُ السَّيِّدِ هذا يشتملُ على الاستدلال على صعوبةِ الاجتهاد بعدم اجتهاد الرّازي والغَزّالي.والجوابُ عليه من وجوه:

- ‌الثاني: أنَّه لا ملازمةَ بين دعواهما، لعدم الاجتهاد، وتعسُّرِ الاجتهاد

- ‌الثالث: إن السيدَ ذكر في كتابه أنهما غيرُ محققين، ولا مُوَفَّقَيْنِ بهذا اللفظ، ثم احتج على تعسُّرِ الاجتهاد بجهلهما

- ‌المعرفة الثانية: في ذكر بعض مَنْ كان بعدَ المتقدمين من أصحابِ الشافعي

- ‌الوجه الثالث: إذا ادَّعى جماعةٌ من أصحابِ الشافعي جهلَ الأمَّة

- ‌الوجه الرابع: الدليلُ قائم على غَلَطِ منْ قال بذلك ووهمه

- ‌الإشكال السابع: أنك قد حَكَيْتَ عن قاضي القضاة أنَّه يقبلُ فُسَّاقَ التأويل

- ‌الإشكال الثامن: أنك ساويتَ بين المتعمِّدِ للمعصية والمتأوِّلِ

- ‌الإشكالُ التاسع: أن السَّيد قد منعَ من الرواية عن العلماء إلا بعدَ تحصيلِ إسنادٍ صحيحٍ

- ‌الإشكال العاشر: أن رواية القاضي معارضَةٌ بأرجح منها

- ‌الإشكال الثاني: أن السيد روى هذا الإجماعَ

- ‌أقول: يَرِدُ على كلامِهِ هذا إشكالات:

- ‌الإشكال الثاني: سلمنا أنَّ ابنَ الحاجب

- ‌الإشكال الثالث: أن السيد قد أقر -فيما تقدم- أن ابن الحاجب لم يرو الإجماعَ على ردِّ كفار التأويل

- ‌الإشكال الثاني. أن السَّيِّد توهم أن راوي الإجماع مثبت، وراوي الخلاف نافٍ

- ‌الإشكال الرابع: أنَّه رَجَّح بمخالفة الأصل، والترجيحُ بها مختلف فيه

- ‌أقول: في كلامِه هذا إِشكالات:

- ‌الإشكال الثاني: أنَّ السيدَ قال: فهو مروي مِن أئمتنا عن المؤيَّد

- ‌أقول: يَرِدُ على كلامه هذا إشكالات:

- ‌الإشكال الثاني: أنَّه احتج لرواية أبي جعفر بأنَّها تُوافِقُ

- ‌الإِشكالُ الرابع: سلمنا أن تخريجَ القبول مساوٍ لتخريج الرَّدِّ غيرُ راجح عليه، فالقبولُ أولى

- ‌أقول: في كلامه هذا إشكالات:

- ‌تنبيه: غيرُ خافٍ على أهل النظر أن أهلَ العلوم العقلية

- ‌الإشكال الرابع: أن العلمَ بتعمُّد الباطل والظن

- ‌الطريق الأولى: أنَّه قد ورد في السمع ما يَدُلُّ على أن الفاسق كان في ذلك الزمان يُطلق على الكافر

- ‌الإشكالُ الثاني: أنا نقول: قد ورد في اللغة ما يَدُلُّ على أن الفسق تعمدُ المعصية، وأن الفاسقَ المُتَعَمِّدُ

- ‌الإشكال الرابع: أنها جاءت أدلةٌ على أن المتأوِّل في الكبيرة التي ليست بكفرٍ يُسمَّى مسلماً

- ‌الإشكال الخامسُ: أن في هذه الأدلة ما يدل على أن المتأوِّل غيرَ الكافر

- ‌الإشكال السادس: أن الاستدلالَ بهذه الآية الكريمة من قبيل مفهومِ المخالفة

- ‌الإشكال السابع: أن الآية الكريمة نزلت في حقوق المخلوقين

- ‌الإِشكال الرابع عشر: أنَّ الآية وردت بلفظِ الأمر

- ‌الإشكالُ السادسَ عشر: أنَّ لهذه الآية معارضاتٍ كثيرة

- ‌الإشكال السابع عشر: أن لهذه الآيةِ مخصصاً

- ‌الأول: أجمع العقلاءُ من أهل الإِسلام وغيرِهِم على أن الإنسانَ يرجِعُ إلى تصديق عدوِّه وقبولِ كلامه

- ‌الثالث: أنَّه يجوزُ نكاح الفاسقة بغير الزنى

- ‌الخامس: أنَّ شهادة بعضهم على بعض مقبولةٌ

- ‌الإشكال الثاني: أن الاحتجاجَ بهذه الآية لا يَصِحُّ

- ‌الإشكال الثالث: أن الآية عامَّةٌ

- ‌الإشكال السادس: أن هذا العمومَ مخصوص

- ‌الإشكال السابع: أن الآيةَ مِن قبيل العموم

- ‌الإشكال الثامن: أن في العلماء من قال: العمومُ مشترك

- ‌الإِشكال التاسعُ: إن ظاهرَ الآية متروكٌ بالإجماع

- ‌الإِشكال الثاني عشر: أن المتأوِّل يُسَمَّى مسلماً بالنص

- ‌الإشكال الثالث عشر: أن المتأوِّل يسَمَّى مؤمناً

- ‌الإشكال الرابع عشر: أن الآية عامَّةٌ

- ‌الإشكال الخامس عشر: أن السيدَ استدل على أن قبولَ قولهم ركونٌ إليهم

- ‌الإِشكال السادس عشر: أنا لو سلَّمنا أن اللغة تثبُتُ بالقياسِ لم نسَلِّمْ صحةَ هذَا القياسِ

- ‌الإشكال السابع عشر: أن ثقيفاً سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تغييرَ الشريعة

- ‌الإِشكال التاسع عشر: أن لِهذه الآيةِ معارضاً يَدُلُّ على قبولِ المتأولين

- ‌الإِشكال الموفي عشرين: أن السَّيِّد قاس قبولَ تحريم المتأوِّلين فيما بلَّغوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريمِ قبول ثقيف في تبديل شريعةِ رسول الله

- ‌الإشكالُ الحادي والعشرون: أنَّه يَلْزَمُ من الاحتجاج بهذه الآية تفسيقُ مَنْ قَبِلَ المتأوِّلين

- ‌أقول: يَرِدُ على كلام السَّيِّد بهذه الآية إشكالات:

- ‌الإشكال الأول: أنَّه ترك بيان وجه الاستدلال

- ‌الإشكال الثالث: أن قولَه: {سبيل المفسدين} يقتضي العمومَ

- ‌الإِشكال الرابع: أنا إذا سَمِعْنَا خبراً، وظننا أنَّه صادق

- ‌الإشكال الخامس: أنَّ العملَ بما يظن الإِنسانُ وجوبَه، وترك ما يظن حرمتَه ليس سبيلَ المفسدين

- ‌الإشكال السابع: أنَّه معلومٌ بالتواتر

- ‌الإِشكال التاسع: أن هارون عليه السلام نبيٌّ مرسل

- ‌الإشكال العاشر: أن الآية إما أن تَرِد على المعنى الذي ذكرنا مِن العُرف السَّابِق إلى الأفهام

- ‌الإشكال الحادي عشر: أن الاستدلال بهذه الآية لا يَصحُّ إِلا من مجتهدٍ

- ‌الإشكال الثاني عشر: أن السيدَ قد سَدَّ الطريقَ في كتابه إلى معرفة تفسير القرآن العظيم

- ‌الإشكال الرابع عشر: أن المتأوَّلين من هذه الأمة ما كانوا موجودين في زمان هارون عليه السلام

- ‌الإِشكال السابع عشر: أنهم كانوا يُسَمَّوْنَ مسلمين

- ‌الإشكال الموفي عشرين: أنَّه كان يلزمُه إبطالُ القول بأن العمومَ مشترك

- ‌الإِشكال الحادي والعشرون: أن لهذه الآية مخصصاتٍ

- ‌الإشكال الثاني والعشرون: أن هذا العمومَ مخصوصٌ

- ‌أقول: أطلق السَّيِّد هذه الآيةَ، ولم يُبين وجهَ الاحتجاج بها

- ‌الإشكال الثاني: أن هذه الآية نزلت على سبب

- ‌الإشكال الثالث: أن الحجةَ في هذه الآيةِ من قَبِيلِ مفهومِ المخالفة

- ‌الإشكال الرابعُ: أنا بَيَّنَّا أن هذه الآيةَ نزلت لأجل ما جرى

- ‌الإِشكال السادسُ: أن قولَه: (مَنْ أنَابَ إليَّ) من المطلقات التي لم تقَيَّدْ بكثرة ولا قِلة

- ‌الإِشكال السابع: أنَّ حجة السَّيِّد إنما تستقيم على المفهوم

- ‌الإِشكال الثامن: كان يجب على السَّيِّدِ بيانُ أن الأمرَ للوجوب

- ‌الإِشكال التاسع: أن المتأوِّلين كانوا غيرَ موجودين في ذلك الزمان

- ‌الإشكال العاشر والحادي عشر: أنهم كاْنوا يسمَّون مسلمين ومؤمنين

- ‌الإشكال الثالث عشر: أنَّه قد حرَّجَ في تفسير القرآن العظيم ثم فسَّرَ

- ‌الإشكال الخامس عشر: أن العلماء اختلفوا في عموم المنطوق:

- ‌الإشكال التاسع عشر: أنَّا بَينَّا أن في قبول المتأولين دفع مضار العقاب

- ‌الإشكال الموفي عشرين: أن الآية دليلٌ على وجوب قبول المتأوِّلين

- ‌الإشكال الحادي والعشرون: أن هذه الحجة لا تَصحُّ إلا بعدَ عدم المعارض

- ‌الإشكال الثاني والعشرون: هو الإشكالُ الثاني في الآية التي قبل هذه الآية

- ‌أقول: في احتجاج السَّيِّد بهذا الحديث إشكالات:

- ‌الإشكال الثاني: سلمنا أنَّ كلام السَّيِّد غيرُ متناقض، وأنه يُمكن معرفةُ الحديث

- ‌الإشكالُ الثالث: سلَّمنا أن الحديثَ صحيح، لكنه آحادي ظني

- ‌الإشكال الرابع: أن السَّيِّد قد عَظَّمَ القولَ في تفسير القرآن العظيم

- ‌الإشكال الخامس: أن في هذا الحديث عموماً

- ‌الإِشكال السادس: أن ذلك المخصصَ موجود

- ‌الإشكال الثامن: أن ذلك المعارض موجودٌ

- ‌الإشكال التاسع: يحتمل أن يكونَ منسوخاً

- ‌الإشكال العاشر: أن هذا الحديثَ مِن العمومات الواردة في العمليات

- ‌الإشكال الحادي عشر: أن الاحتجاجَ بالعُموم يحتاج إلى الاجتهاد

- ‌الإشكال الثاني عشر: أنَّه يحتمل أن هذا العمومَ ورد على سبب

- ‌الإشكال الثالث عشر: أن هذا العمومَ مخصوص

- ‌الإشكال الرابع عشر: أن الحديثَ ورد بلفظ الأمر

- ‌الإشكال الخامس عشر: أنَّه لا حجة في هذا الحديث لك، بل هي عليك

- ‌الإشكال الخامس عشر: أن هذا الحديث حجة عليك لا لك

- ‌أقولُ: في الاحتجاج بهذا الحديث من الإشكالات الثلاثة عشر الذي في الحديثين الأول والثاني، ويختص بإشكالين بعدَها أولُهما

- ‌الإشكال الخامس عشر: أن الحديث حجة لنا على السيد

- ‌أقول: جوابُ هذا لا يخفي على من له أدنى معرفة بعلم العقليات

- ‌أقول: لما فَرَغَ السَّيِّد من الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول، عطف عليه الاستدلالَ بالقياس، وَيردُ على ذلك إشكالات:

- ‌الإشكال الأول: أن القياسَ لا يَصِحُّ الاستدلالُ به في المسائل القطعية

- ‌الإِشكال الثاني: أن الإجماعَ موجودٌ على خلافِ هذا القياسِ

- ‌الإِشكال الثالث: لا يَصِحُّ الاستدلالُ بالقياس في مسألة قطعية

- ‌الإِشكال الرابع: إذا سلَّمنا صحةَ القياس، فلا يصح الاحتجاجُ به في مسألتنا هذه

- ‌الإِشكال الخامس: أن المخصص لتلك العلة موجودٌ

- ‌الإِشكال السادس: أنَّه لا يصح الاجتهادُ بالقياس في مسألة قطعية

- ‌الإشكال السابع: أن المعلوم أن هذا القياسَ بعينه قياسٌ ظني

- ‌الإشكال الثامن: أن شرط الاحتجاج بالقياس عدمُ النصوص

- ‌الإشكال التاسع: أن الاحتجاجَ بالقياس من خواصِّ المجتهدين

- ‌الإشكال العاشر: احتج السيدُ على أن المنصب هو العلة، لعدم استحقاق المتأوِّلين له

- ‌الحجة الخامسة: قولُه تعالى في هذه الآية: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا

- ‌الحجة الثامنة: ورد الشرعُ بشاهدٍ ويمينٍ

- ‌المسألة الثانية: أن يكونَ أحدُ الراويين مثبتاً، والآخرُ نافياً

- ‌المسألة الرابعة: أن يكونَ أحدُ الراويين لا يستجيز الروايةَ بالمعنى

- ‌المسألة الخامسة: أن يكون أحدُ الراويين أكثرَ ذكاءً وفِطنة

- ‌المسألة السادسة: قال العلماءُ: لا يَصِحُّ أن يشهد الشاهدُ لنفسه

- ‌المسألة السابعة: شهادةُ الوالد لأولاده وأحفادِه وشهادة الأولاد لآبائهم وأجدادهم

- ‌المسألة الثامنة: شهادةُ الصَّديق لصديقه

- ‌المسألة التاسعة: شهادةُ العدو على عدوِّه

- ‌المسألة العاشرة: شهادةُ أحدِ الزوجين للآخر

- ‌المسألة الثانية عشرة: تهمةُ الحاكم في إقراره بالحكم

- ‌المسألة الثالثة عشرة: حُكْمُ الحاكم لأولاده وأحفاده، وعلى أعدائه

- ‌المسألة الرابعة عشرة: طولُ العهد بالتعديل والتزكية

- ‌المسألة السادسة عشرة: لو شهد لعدوه على أبيه

- ‌المسألة الثامنة عشرة: التائبُ من الفسق الصريح لا تُقْبَلُ شهادتُه

- ‌المسألة التاسعة عشرة: أن الفاسقَ المتأوِّل إذا تاب مِن فسقه لم يختبر، وقبلت شهادته

- ‌المسألة الموفية عشرين: اختلف العلماءُ في الفاسق المصرِّح إذا كان معروفاً بالصدق

- ‌المسألة الحادية والعشرون: قال العلماءُ يصِحُّ إقرارٌ المرء على نفسه

- ‌المسألة السابعة والعشرون: تقديمُ البينة المثبتة على النافية

- ‌الوجه الأول: أن قولَ السَّيِّد إنَّهم لا يرتدِعُونَ

- ‌الوجه الثاني: اعْلَمْ أن الحاملَ على المحافظة على الخيرات

- ‌الوجه السادس: أن اعتقادَهم لو كان حاملاً لهم على الكذب، لحملَهم على ترك الصلاة

- ‌الوجه الثامن: أن الملائكةَ والأنبياء قد أَمِنُوا مِن الموت على الكفر

- ‌الوجه الحادي عشر: أن الإرجاء ليس بكفرٍ ولا فسقٍ

- ‌الوجه الأول: أن السيدَ منازع في كون هذا مذهبهم

- ‌الوجه الثالث: أنهم لو ذهبوا

- ‌أقول: قد اشتمل كلامُه على ثلاثة أشياء:

- ‌ثانيها: ترجيحُ الآيةِ على الحديث

- ‌ثالثها: القدح في صحة الإِجماع بوجهين

- ‌الإشكال الرابع: قد ثبت أنا لا نَعْلَمُ في الأدلة العلمية غير الضرورة

- ‌الإشكال الخامس: نص علماءُ المنطِق والمعقولاتِ على أنّه ليس بين الأمارة ومدلولِها رابطةٌ عقلية

- ‌الإشكال الثامن: قد بَيَّنَّا أن جماعةً ادَّعَوْا إجماعَ الأمة على خلاف قولِ السيدِ

- ‌الإِشكال التاسع: أنَّه قد ثبت الخلافُ في هذه المسألةِ بإقرار السيد

- ‌الإشكال الثالث عشر: أن الأمة أجمعت على عدم التأثيم لمن خالف العموم

- ‌الإشكال الرابع عشر: استدل بهذه الأدلة، وكلها ظني

- ‌الإشكال السادس عشر: أنا قد بيّنّا غير مرة أن جماعةً من الأئمة والعلماء ادَّعَوْا إجماعَ الأمة على قبول المتأولين

- ‌الإشكال التاسع عشر: أنَّه يلزمُ تحريمُ نصبِ الحكام الذين يستحِلُّونَ الحكم بشهادة المتأولين

- ‌الإشكال الموفي عشرين: أنَّه يلزم من هذا تحريم نصب الأئمة الذين يستحِلُّونَ قبولَ المتأولين

- ‌الإِشكال الحادي والعشرون: أنَّه يلزم القطعُ ببطلان إمامةِ مَنْ صح عنه قبولُ المتأولين

- ‌الإِشكال الثالث والعشرون: أنَّه قد ثبت أن المخالفة في القطعيات معصية

- ‌الطريق الثالثة: طريقُ المؤيَّد بالله

- ‌الطريق الخامسة: طريقُ القاضي زيد

- ‌الطريق التاسعة: ما ذكره صاحبُ " شفاء الأوام

- ‌الوجه الثاني: مما يدل على صِحة دعوى الإجماعِ

- ‌الفائدة الثانية: في ذكر ما اعترض به على الإجماع

- ‌الفائدة الثالثة: في الإِشارةِ إلى شهرةِ الخلاف في هذه المسألة

- ‌الحجة الثانية: إجماعُ العِترة

- ‌الحجة الرابعة: أنا لو لم نقبل المتأوِّلين، لوجب أن لا نقبلَ الصحابة

- ‌الحجة السادسة: أن في مخالفتهم مضرةً مظنونة

- ‌الحجة التاسعة: أنَّه يحصل بخبرهم الظنُّ لثبوت النص الشرعي

- ‌الحجة الثانية عشرة: أنَّه ينتفي الإجمالُ في الاشتراك

- ‌الحجة الرابعة عشرة: أنَّه قد ثبت أنَّه مَنْ أكثرَ من ارتكاب المعاصي الملتبسة

- ‌الحجة الخامسة عشرة: قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ

- ‌الحجة السادسة عشرة: قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ

- ‌الحجة السابعة عشرة: قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ

- ‌الحجة الثامنة عشرة: قوله تعالى: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ

- ‌الحجة التاسعة عشرة: قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ

- ‌الحجة الموفية عشرين: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ

- ‌الحجة الحادية والعشرون: قولُه تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ

- ‌الحجة الثانية والعشرون: قوله تعالى: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ

- ‌الخصيصة الثانية: تقديمُ كلامِ أهل كُلِّ فَنٍّ على كلام غيرهم في ذلك الفن الذي اختصُّوا به

الفصل: ‌الوجه الثالث: أنهم لو ذهبوا

أن ذلك يلزمهم بالاتفاق، وإنما تَصِحُّ تهمتُهم بالكذب لأجل أن ذلك مذهبُهم، فإن قال السيد: إن ذلك مذهبُهم، لم يتِمَّ له ذلك لإِمور:

أحدها: أنَّه معلومٌ ضرورة أنهم لا يذهبون إلى أنَّه لا فائدة في الطاعة.

الثاني: ما قدمنا في الوجه الأوَّل مِن سؤالهم، والنظر في كتبهم، فنجد ذلك على خلاف ما ذكره السيد، فنعلم أن تلك الدعوى عليهم باطلة.

الثالث: أنا قد علمنا بالضرورة أنَّهم يفعلون كثيراً من الطاعات الشاقة، ومذهبُ المعتزلة والأشعرية وسائر العقلاء أن من اعتقد في فعل أنه لا فائدَة فيه ولم يكن له شهوةٌ لم يفعله ألبتة، وإنما اختلف الناسُ: هل يكون تركُهُ واجباً ضرورة، أو مستمراً غير واجب؟ فالمعتزلة ذهبت إلى أنَّه مستمر، والأشعرية ذهبت إلى استحالة فعله. فحين قال السيد: إنَّهم يدهبون إلى أنه لا فائدةَ في الطاعة لا تخلو من أحد وجهين، إما أن يجمع إلى ذلك دعوى أنه لا يَصْدُرُ منهم طاعة ألبتة، وأنهم يقطعون الصلواتِ، وُيفطرون رمضان، ولا يُوجد فيهم مَنْ يصومُ، ولا يُصلي، ولا يَحُجُّ، ولا يتلو القرآنَ، فهذه سَفْسَطَةٌ محققة، وإما أن تقول: إنهم يفعلون هذه الأشياء بغيرِ داع ألبتة، فهذا خلافٌ منه لجميع العقلاءِ، ويلزمه أيضاًً أن يجوز على الله أن يفعل القبائحَ لا لداعٍ ولا لحاجةٍ، بل لأنَّه قادر على ذلك لا غير، كما يعرف أنَّ ذلك لازم من القول عند أهل المعرفة بالكلام.

‌الوجه الثالث: أنهم لو ذهبوا

إلى أنَّه يجوز على الله أن يُعَذِّبَ رسول الله وسائرَ الأنبياء والملائكة، لكان كُفْرُهُمْ معلوماً بالضرورة من

ص: 281

الدين، ولو كان كذلك، لكان المنكرُ له، أو الشاكُّ فيه كافراً بالضرورة من الدين، وكان يلزمه -أيَّده الله- أن يكونَ السَّيِّدُ الإِمام المؤيَّد بالله كافراً بالضرورة، ويلزمه أن يكونَ كفرُه عليه السلام -وَصَانَهُ الله عن ذلك- مثلَ كفرِ عبدة الأوثان والصُّلبان والنيران، وكذلك سائرُ مَنْ شَكَّ في كفرهم من العِترة والعلماء، وكيف يظن السيد أن المؤيَّدَ بالله شكَّ في كفر مَنْ جَوَّزَ أن يكون أبو جهل صاحبَ الشفاعة يومَ القيامة، وجوز أنَّ سيِّدَ الأولين والآخِرِين في أسفل درجات جهنم، وكيف تجاسر السيدُ [أن] يَنْسُبَ إلى الرازي، والغزالي، والنواوي وأمثالهم أنهم يُجوِّزون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكونُ كالِحَ الوجه يومَ القيامة بِلَفَحَات الجحيم، ومُشَوَّه الخلق في دركات النار بالعذاب الأليم، أما بقي في السَّيِّد ملتفتٌ إلى الحياء بمرة، أليس يعلمُ تعظيمَهم للشعائِرِ النبوية، وحنينَهم إلى التربة المحمدية، كم باكٍ منهم شوقاً إليه، ومحبةً له، وتولهاً به، راجياً لشفاعته، وأنتَ مترفِّهٌ في بيتك ومسجدك تزعم أنَّه يجوز عندهم أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مِن المعذبين يومَ الدين، والمطرودين عن رحمة رب العالمين، لا والله، بل هو عندهم سيدُ المرسلين، وخيرُ خلق الله أجمعين، وشفيعُ المذنبين، فعُدْ عن الخبطِ والتخليط، وخلطِ أهل مِلَّة الإسلامِ بالمصرحين من الملاحدة الطَّغَام، وذُمَّهم إن شئتَ بمالهم مِن الضلالاتِ التي ارتكبوها، والجهالاتِ التي قالوها، ولا حَرَجَ عليك، ولا اعتراض لك.

قولُه: وأيضاًً فعندهم أن أفعالهم من الله تعالى، فالإثابةُ عليها والعقابُ لا معنى له من تلك الطريقة الغِلاطية، لم يخرج منها، بل استمرَّ على التمسك بعُروتها، وأَصَرَّ على إيهام حَقِّيَّتها (1) وقد ترك الاستنتاجَ من

(1) في (ب): حقيقتها.

ص: 282

هذا البرهان الغِلاطي، لأن النتيجةَ معلومة متى صَحَّت هذه المقدماتُ الموهومة، وكلامُهُ هذا يشتمِلُ على حقٍّ وباطلٍ فلم ينتج الحق، وذلك أن قولَه: إن أفعالَهم مِن اللهِ تعالى صحيحٌ، وكلامٌ صادق، لكنه لما لم ينتج له المقصود، ضمَّ إليه الباطلَ طمعاً في أنَّه ينتج له وهو قوله: فالإِثابة عليها والعقاب لا معنى له. فإنَّ هذه الزيادةَ باطلةٌ، لأنَّه إما أن يدعي أنها مذهبهم فإن ذلك لا يتم لوجوه:

أحدها: أنَّ كتبهم تُكَذِّب هذه الدعوى.

وثانيها: أنَّهم أنفُسَهم يُكذبونها، فهم موجودون لم يُعْدَمُوا، ومقاربون للبلاد لم يَبْعُدُوا.

وثالثها: أن أفعالَهم تكذب هذه الدعوى على ما قررنا في الجواب على دليلِه الأول، لأن العاقلَ وغير العاقل لا يفعلُ الفعلَ إلا لِداعٍ، ومن المعلوم أنَّهم يفعلون الطاعَةَ، وأنه لا داعيَ لهم إلى فعلها إلا اعتقادُ أنَّ اللهَ تعالى يثيب عليها، وُيعاقِب على تركها.

ورابعها: أنَّه يلزمُ مِن نسبة هذا إليهم تكفيرُ مَنْ لم يُكفرهم من الأئمهَ عليهم السلام وسائر علماء الإسلام.

وخامسها: أنَّ بُطلانَ هذه الدعوى عليهم معلوم بالضرورة لِكل من له أدنى تمييزٍ، فلا نُطَوِّلُ في الجليات.

فإن قلتَ: ما مثالُ قياس السَّيِّدِ هذا في الأقيسة الغِلاطية المنطقية؟

قلث: مثالهُ أن يكون الوسط المتكررُ مشتملاً على حقٍّ وباطل يجعلُهُما محمولاً واحداً لموضوع المقدمة الكبرى، كقولك: الإِنسان ضاحِكٌ وصاهل، وكل صاهِل فرس، لينتج أن الإِنسان فرس، ووجه الغِلاط

ص: 283

أنَّك إنما أتيتَ بالحق الذي هو ضاحك لِيصاحب الصاهل، فيقبل الأبلهُ الصاهِل الذي هو باطل لمصاحبة الضاحك الذي هو حق، ولو أنَّه قال: الإنسانُ صاهل كان ذلك لعله مما لا يخفى على الأبله.

فإن قلتَ: وكيف مشابهةُ كلام السَّيِّد لِهذا.

قلت: هو مثلُه حذو النعل بالنعل، لكنه أورده غير مركب تركيبَ البرهان، فإذا ركبتَه انكشف كذلك، فإنَّهُ يجيء في التركيب: كُلُّ جبري، فإنه يقولُ: أفعالُهُ مِن الله، ولا معنى للثواب والعقاب عليها، وكُلُّ من قال ذلك، فهو مجروح غيرُ مقبول في الرواية. فقوله: فهو يقول: أفعالُهُ من الله صادق مثل قولنا: كل إنسان ضاحك، لكنه غيرُ منتج لمقصوده، فضم إليه أن الجبري يقولُ: لا معنى للثواب والعقابِ، لينتج له مقصودُه كما ضم المغالِطُ الصاهل إلى الضاحك لينتج له مقصوده، وصاحب بينَ الحق والباطل، ليخفي الباطل في جنب الحقِّ كما صاحب ذلك بينَ الضاحك والصاهل، ولو أنَّ السَّيِّد قال: إن الجبرية يذهبون إلى أن الله لا يُثيب ولا يُعاقب من غير قوله: إنهم يقولون: أفعالُهُم من الله، لكان ذلك أقربَ إلى أن لا يلتبس بطلانهُ على الأبله عند سماعه.

وفي قوله: فالإثابةُ والعقابُ عليها لا معنى له. مغالطةٌ لطيفة قَلَّ منْ يتنَبَّهُ لها، وذلك أنَّه أراد أن ينسب إليهم أن (1) الله لا يُثيب ولا يُعاقِبُ، فاستكبرها، لأنها تستلزِمُ أن يَنْسِبَ إليهم القولَ بأنه لا جَنَّةَ ولا نار، وأنه لا دَارَ بعدَ هذه الدار، لا للأبرارِ، ولا للفجار، فعَدَلَ عن هذا لبشاعته إلى ما يستلزم معناه، ولا يستغلطه السامعُ في عبارته، ومثل هذا الغِلاط ينكشِفُ بأدنى تأمل، ولا يخفي على مَنْ له أنس بعلوم النظر.

(1) في (ب): القول بأن.

ص: 284

فإن قلت: فما مثالُ قياس السَّيِّدِ الأول في الأقيسة الغِلاطية المركبة بالتراكيب المنطقية، أهو مثلُ هذا القياس الذي فرغنا منه أم هو نوع آخر؟

قلتُ: بل هو نوع آخر، وذلك أن وجهَ المغالطة في هذا الذي فرغنا منه مصاحبةُ الحق والباطل، وتقاربها في اللفظ الطارق لسمع الأبْلَهِ الغافل، وأما ذاك، فهو مِن قبيل الباطل المشابه للحق في بعض الأمور غير المصاحب للحق، وذلك أنَّه نَسَبَ إلى الجبرية أنَّهم يعتَقِدُون أنَّه يجوزُ على الله تعالى العقابُ على الحسن، والثوابُ على القبيح، ونسبة هذا إلى اعتقادهم باطلة محضة لم تُصاحب شيئاً من الحق، ولكن فيها شبه بعيدُ منه، وذلك أن هذا يلزمُهُم على بعض قواعدهم، ولما كان يلزمهم ذلك شبهة في نسبته إليهم، وذلك أنَّه يُوجب أن بينهم وبينَ هذا القول ملابسة، ومثال ذلك في الأقيسة الغِلاطية المنطقية قول القائل: كل زَرَافَةٍ فرس، وكل فَرَسٍ صاهل، لينتج أن كُلَّ زرافة صاهل، فالمقدمةُ الأولى هي قولُه: كل زرافة فرس باطل محض لم تَصْحبْ شيئاً من الحق، لكن بين الزرافة والفرس شَبَهٌ بعيدٌ يجري المغالط على الطمع في الاستنتاج مِن ذلك، وذلك الشبه هو أن رأسَ الزَّرافَةِ مثلُ رأسِ الفرس، فلما كانَ بينهما ملابسة ما كان قولُه: كلُّ زرافة فرس من الباطل الذي أَخذَ من الحق شبهاً ما، فَصَلُحَ إيرادُه في الأقيسة الغِلاطية. فهذا وأمثالُه كثيرُ الوقوع في الأقيسة والمناظرات، ونقَّادُ النظر يُمَيِّزُونَ الخالصَ من الزيف، والخبيث مِن الطيب.

وقوله: فإن قالوا هذا من جِهة العقل، لكن قد وَرَدَ السمعُ بأنه يدخل المطيعُ الجنةَ، والعاصي النار إلى آخره، إشارة منه إلى مذهبهم المعلوم، وتعرض لمحاولة إبطاله.

ص: 285

وقبل الجواب عليه نذكر مقدمة وهي أنه لا شك عند جميعِ الفرق من أهل الإنصاف، وأهل العنادِ أن الجبرية يذهبون إلى أن الله تعالى قد وَعَدَ المؤمنين المطيعين بجنته ورِضوانه، وتوعَّد على ارتكاب المعاصي والمحرمات بعذابه وبغضبه، وأن وعدَه ووعيدَه صادق لا خُلْفَ فيه، ولكنهم يعتقدون أنَّ ذلك مستند إلى الدليل السمعي دونَ العقلي، ولا شكَّ أيضاًً أن الدليلَ السمعي قد ورد بذلك، فثبت أنَّه لا خلافَ بينَنَا وبينَهم في أن الله صادقٌ في وعده ووعيده، وإنما اختلفنا في وجه الاستدلال على ذلك، فقلنا: ذلك ثابتٌ بدليل العقل القاضي بوجوبِ صدق السمع، وهم قالُوا: ذلك ثابت بدليل السمع الواجب صدقُه بدليل العقل، فالخُلْفُ في كلام الله، والتعذيبُ لأولياء الله ممنوع عندنا وعندهم، ومن قال: إن الشيء ممنوع بدليل السمع لم يلزمه أن يعتقِدَ جوازَ ذلك الشيء على الإطلاق، ألا ترى أن مذهبنَا أن نِكَاحَ الأُمهات والأخوات، وتركَ الصلوات وتركَ الزكوات جائز عقلاً، ولكنه حرام شرعاً وليس لأِحَدٍ أن يَنْسِبَ إلينا القولَ بجواز ذلك على الإطلاق، فكذلك الجبريةُ إذا قالوا: إن الله لا يُعذب المطيعينَ بدليلِ السمع لم يَحِلَّ أن يُقال: إن الله يجوز أن يعَذِّبَ المطيعين على الإِطلاق، وهذا واضح لا يخفي على المنصف.

قال الغزالي في كتاب " الاقتصاد في الاعتقاد ": وقد ذكر أن ثوابَ المطيعين تَفَضُّلٌ مِن الله تعالى، وليس بواجب حتى قال: إلا أن يقال: إنه يصير وعدُه كذباً وهو محال، ونحن نعتقد الوجوبَ بهذا المعنى، ولا ننكره. انتهى. ونصوصُهُم على مثل هذا واضحة، فلا نُطَوِّلُ بذكرها.

فإن قلتَ: إن بينَ الأمرينِ فرقاً، فإن نكاحَ الأمهاتِ والأخواتِ، ووجوبَ الصلوات والزكوات مما لا يُعْرَفُ بالعقل، وإنما يُعرف بالشرع،

ص: 286

وأما صدقُ الوعدِ والوعيد، فإنه مما لا يُعرف إلا بالعقل، وفرق بينَ ما لا يُعرف بالعقل وبينَ ما لا يُعرف إلا به.

قلت: هل ترِيدُ أن بينَهما فرقاً (1) يُسوغ الكذب في أنا نَنْسُبُ إليهم القولَ بما لم يقولوه، فهذا ممنوع، أو تريدُ أن بينَهما فرقاً يُسوغ لهم أن يلزموه ذلك، فمسلم، ولا يضر تسليمُهُ، لأن كلامَه فيما يدل على صدقِ المتدين منهم، وفيما لا يدل على ذلك من اعتقادهم، وليس كلامُنا فيما يلزمهم مما لا تأثيرَ له في ظَنِّ صدقهم أو كذبهم.

فإذا عرفتَ هذا، فاعلم أن السيدَ لما نسب إليهم ما لم يقولوه، وعرف أن مذهبَهم المنعُ منه بالدليل السمعي، وأن ذلك لا يخفى، حاول أن يُبْطِلَ كونَ ذلك مذهبَهم فلا أدري كيف طَمِعَ في الاستدلال على بطلان ما ثبوتُه معلوم بالضرورة، وما هو إلا كما وَرَدَ في الحديث " حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي وَيُصِم " (2) وقد استدل السَّيِّدُ -أيَّده الله- على بُطلان كونِ ذلك مذهَبَهم بأنهم لا يعلمونَ مَن شاء اللهُ أن يَغْفِرَ له لِقوله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَنْ

(1) في (أ) و (ب) و (ج): فرق والمثبت من (ش).

(2)

حديث ضعيف، أخرجه من حديث أبي الدرداء أحمد 5/ 149 و6/ 450، وأبو داود (4130)، والبخاري في "تاريخه" 3/ 171، ويعقوب الفسوي في " تاريخه " 2/ 328، والقضاعي في " مسند الشهاب "(219)، والطبراني في " مسند الشاميين "(1454) و (1468) من طرق عن أبي بكر بن أبي مريم، عن خالد بن محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا سند ضعيف. أبو بكر -وهو ابن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي- ضعيف كان قد سرق بيته، فاختلط.

وقال الحافظ العراقي في ما نقله عنه المناوي في " فيض القدير ": إسناده ضعيف، وقال الزركشي: روي من طرق في كل منها مقال، وقال المصنف كأصله: الوقف أشبه.

وفي الباب عن أبي برزة الأسلمي عند الخرائطي في " اعتلال القلوب " وعن عبد الله بن أنيس، عند ابن عساكر في " تاريخه ".

ص: 287

يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء} [المائدة: 18] وهذا عجيبٌ كأنَّه لم ينزل من السماء إلا هذه الآية، والجواب عليه من وجوه:

الوجه الأول: أن هذه الآية مجملةٌ، وقد ورد بيانُها، وقد أجمع أهلُ مِلَّةِ الإِسلام على أنَّه إذا وَرَدَ المجملُ والمبيَّن أنَّه يُعمل على المبيّن، فإما أن يقولَ السيِّدُ: إنَّه لم يَرِدْ لهذه الآية بيانٌ في السمع، أو يقول: إن مذهبهم اعتقادُ المجمل، وطرح المبين، وكلاهما عِناد ومباهتة ما أظنُّه يرضاه لنفسه.

الوجه الثاني: أن نقول: لو سلمنا أنَّه ليس في القرآن، ولا في السُّنَةِ بيانٌ لهذه الآية المجملة، ولا تخصيصٌ لما فيها مِن العموم، لما لزمهم ذلك لأنَّ لهم أن يقولوا: قد علم ضرورةً من الدين أنَّ الله يُدْخِل المطيعينَ الجنة، وقد علمت ضرورة من مذهب الجبرية أنَّه إذا ورد مجمل عام، وعُلِمَ من الدين بيانُه وتخصيصُه بالضرورة والتواتر أنهم يعتقدونَ ما دلّ عليه المبين الخاص المتواتر، فإن كان السَّيِّد شَكَّ في أن ذلك مذهبُهُم، فليسأل، فإنما شِفاء العِيِّ السُّؤَالُ.

الوجه الثالث: لو سلمنا أنَّه لا دَلِيلَ يَدُلُّ على بيان هذه الآية من السمع، وأنه لا يدل عليها إلا دليلٌ العقل الذي لم تستند إليه الجبرية، لما لزم ذلك أيضاًً، لأنا نعلمُ بالضرورة والتواتر عنهم أنَّه (1) يعتقدون إثابةَ المطيعين، وعقوبةَ العاصين، واعتقادُهُم يكفينا في ظَنِّ صدقهم، سواء كان مستنداً إلى دليلٍ صحيح أو باطل.

الوجه الرابع: أن قولَ السيد: إنهم لا يعلمون مَن يشاءُ الله أن يغفِرَ

(1) في (ب) و (ش): أنهم.

ص: 288

له مِن قبيل المغالطة أو الغلط، فإن كانت مغالطةً، فهي لطيفة تدل على حِذْقِ صاحبها، وإن كان غلطاً، فهو جلي يدل على بلادةِ مُورِدِه، وبيانُ ذلك أنا نقولُ: ما تريد بأنهم لا يعلمون ذلك؟ هل تُريدُ لا يعلمون مع أنَّهم يعتقدون أنهم لا يعلمون؟ فهذه مباهتة، وجحدٌ للضرورة، فإن المعلومَ أنهم يعتقدون أنهم يعلمون ذلك، وإن أردتَ أنَّهم لا يعلمونَ ذلك لاستنادهم إلى دليلِ السمع، وليس يَصِحُّ الاستدلالُ به في هذه المسألة مع اعترافِك أنَّهم معتقدون للحق، ومُدَّعُونَ للعلم به، فذلك صحيح، ولكنه لا يُفِيدُكَ تهمتُهم بالكذبِ والمنع مِن قبولهم في الرواية، ومِن العجائب مجاوزةُ السيد للحد في الغُلُوِّ أنه احتجَّ بهذا على أن الجبرية لا يتنزَّهونَ من الكذب وقد قال في البراهمة: إنهم يتحرَّزونَ من الكذب أشدَّ التحرز، ويتنزَّهونَ عنه أعظمَ التنزه مع أن البراهمةَ مصرِّحُون بتكذيب جميع كتب الله المنزلة، ويُفصِحُونَ بتضليل جميعِ الأنبياء والرسل الكرام، وينسبونهم إِلى الشعوذة والتحيُّل والسحر، وملاحظة العيش في الدنيا بالكذب على الله، وإفشاء الضَّلال، ويسخرون منهم سَخِرَ الله منهم، ولهم عذاب أليم، ولا يدينون بثبوت النارِ، ولا يخافون العقابَ على ذنب من الذنوب، فهؤلاء نص السيدُ في كتابه على أن صِدْقهُم مظنون، وعلى أنهم عن الكذب متنزهون، ومنع من مثل ذلك في حقِّ مَنْ آمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليومِ الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحَجَّ البيتَ الحرَام، وصامَ رمضَان، وظهرت منه المحافظةُ العظيمةُ على الطاعة فيما نعرِفُه من الحلال والحرام.

هذا وإني أبرأُ إلى الله تعالى مِن اعتقاد الجبر والتشبيه ولستُ أُرِيدُ بكلامي هذا النُصرةَ لمذهبهم، وإنما أردتُ المنعَ من الكذب عليهم،

ص: 289

والاحتجاج لمذهبي في (1) قبولِ روايتهم، وقد رَدَّ المؤيَّدُ بالله في " الزيادات " القولَ بتكفيرهم، وأخذ يحتجُّ لهم، ويُجيب عنهم فيما يتعلق بمذهبهم مما احتجَّ به أصحابنا على تكفيرهم، ولم يدل ذلك على ميله إلى اعتقادهم مع أنَّه قد طَوَّل في ذلك، ومن أحبَّ معرفة ذلك، فليُطالِعْهُ في آخر كتاب " الزيادات " ومثل هذا مما لا يخفى، ولكن لما كثر الرجمُ بالظنون، وقل التورعُ عن نهكِ الأعراض، ورمي الغافلين، أحببتُ أن أُصَرِّحَ بمذهبي إيضاحاً للمهتدين، وإرغاماً للحاسدين.

قال: واحتجَّ ابنُ الحاجب للقائلين بقوله صلى الله عليه وسلم: " نحنُ نَحْكُمُ بالظَّاهِر "(2) وللرادين بقوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] قال: والآية أولى لِوجوه ثلاثةٍ:

أحدُها: تواترها، والخبرُ آحادي.

والثاني: خصوصُها بالفاسق بخلاف الخبر.

والثالث: عدمُ تخصيصها. والخبر مخصص بالفاسق والكافر (3) المصرحين.

قال: وأما دعوى الإِجماع على قبولِ قتلةِ عثمان، فلا نُسلِّمُ الإِجماعَ، ولعلَّ بعضَهم لم يقبلْهم، أو لعلَّ القائلين مختلفون في عِلَّةِ قبولهم، فبعضُهم لأنه لا يرى فسقهم، وبعضهم لأنَّه يقبلُ فاسق التأويل، فلا يكون إجماعاً على أن فسق التأويل لا يَضرُّ الرواية، وأما الخارجون على علي عليه السلام. ومعاوية وأصحابه، فلا نُسلِّمُ الاتفاقَ

(1) في: ساقطة من (ب).

(2)

هذا وهم من ابن الحاجب، فليس هو بحديث، ولا هو موجود في كتب الحديث المشهورة، ولا في الأجزاء المنثورة، وسينبه المؤلف قريباً على أنَّه لا أصل له.

(3)

في (ب): بالكافر والفاسق.

ص: 290