الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معرفتهما لها، كما أنَّهما عند السَّيِّد ادَّعيا جهلَ أدلة الإسلامِ الجلية مع معرفتهما لها، وذلك لأنهما عندَ السَّيِّد من أهل العِناد، وتعمدِ الباطل، فلا يُصدَّقان فيما قالاه، فربما قالا ذلك لِغرضٍ دنيوي، ومَقْصِدٍ غيرِ صالح على اعتقاد السَّيِّد فيهما.
الثالث: إن السيدَ ذكر في كتابه أنهما غيرُ محققين، ولا مُوَفَّقَيْنِ بهذا اللفظ، ثم احتج على تعسُّرِ الاجتهاد بجهلهما
، وليس يحتج على تعسُّرِ العِلْمِ بجهلِ مَنْ لَيْسَ بموفَّقٍ، ولا محقق، لأنَّه يجوزُ أنه إنما لم يجتهِدْ لعدمِ تحقيقه، وقِلَّةِ توفيقه، لا لِتعسُّرِ الاجتهاد في نفسه، كما أن قليلَ التوفيق ربما تركَ الصلاةَ، وأخلَّ بالواجبات، لقلة توفيقه، لا لمشقة ما شرعه الله سبحانَه لعباده.
الرابع: وهو التحقيق -: وهو أن نقول: لا ريبَ عند كُلِّ منصفٍ ممن له معرفةٌ بتصانيفِ هذين الرجلين، وذوقٌ في معرفةِ العلوم، ودِرْيَةٌ في أساليبِ الخصومِ أنهما مِن أهلِ التمكن من الاجتهاد، والقُدرةِ على التبحُّرِ في العلوم، ومن وقف على كلاماتِهما في مصنفاتهما في الأصولِ والمنطق، ورأى غوصَهما على خفيَّاتِ المعاني لا سيما ابن الخطيب الرازي في " نهاية العقول " و" الملخص "، و" المحصل "، و" المحصول "، (1)، و" شرح إشارات ابن سينا " في علم المنطق، وتفسيره المسمى بـ " مفاتح الغيب "(2) وسائر مصنفاتهما. ثم غلب على
(1) هو في أصول الفقه، وقد نشرته لأول مرة لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في ستة أجزاء كبار بتحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني.
(2)
ويقع في ثماني مجلدات كبار، وهو مطبوع، ومتداول بين أهل العلم، ولكنه رحمه الله لم يتمه فيما قاله ابن خلكان 4/ 249، وابن قاضي شهبة 2/ 83، ويقول ابن حجر في =
ظنه أنهما كان يَعجِزَانِ عن معرفة حكم الماءِ إذا تغيَّر بالزعفرانِ، هل يكونُ طاهراً مطهراً أو يكون طاهراً غير مطهر، وهل الدم والقيء من نواقض الوضوء، أو ليسا مِن نواقضه؟ وهل يجبُ استقبالُ عينِ الكعبة، أو يجبُ استقبال الجِهَةِ؟ وهل الاعتدالُ بعدَ الركوع والسجود واجبٌ أو مسنون؟ وهل القصرُ في السفر واجب أو رخصة؟ ونحو ذلك من المسائل الفروعية، أو أنهما كانا لا يعرفانِ كيفيةَ الترجيح عند تعارضِ الأدِلَّةِ، ونحو ذلك من المسائل الأصولية، فهو بَهيمِيُّ الفَهْمِ بلا شك.
وإذا كان الاجتهادُ متعسِّراً على صاحبِ " الملخص "، و" المحصل " و" المحصول " الذي يتلبَّد في فهم معانيه (1) كثيرٌ من كُبرَاء علمِ المعقول، فكيف يسهل الاجتهادُ لأبي بكر، وعمر، وعثمانَ بن عفان، وعثمان بن مظعون، والمقدادِ، وجابرِ بنِ سَمُرة، وعائشة، وأمثالهم ممن نقِلَتْ عنه الفُتيا من الصحابة الذين لم يرتاضوا على النظرِ، ولا تدرَّبوا في ترتيب الأدلة، وتمهيد القواعد، وتهذيبِ الكلام في شرائط القياس، وكيفيةِ الاستدلال؟
ومن نظر إلى كلامِ كثيرٍ من الصحابة في القياس في مسائل
= الدرر الكامنة " 1/ 304: أن الذي أكمل تفسير فخر الدين الرازي هو أحمد بن محمد بن أبي الحزم مكي نجم الدين المخزومي القمولي مات سنة 727 هـ. وبقول صاحب " كشف الظنون " 1756: وصنف الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد القمولي تكملة له وتوفي سنة 727 هـ، وقاضي القضاة شهاب الدين بن خليل الخويي الدمشقي كمل ما نقص منه أيضاً وتوفي سنة 639 هـ.
ويقول الدكتور الذهبي في " التفسير والمفسرون " 1/ 293: ولا يكاد القارىء يلحظ في هذا التفسير تفاوتاً في المنهج والمسلك بل يجري الكتاب من أوله إلى آخره على نمط واحد وطريقة واحدة تجعل الناظر فيه لا يستطيع أن يميز بين الأصل والتكملة، ولا يتمكن من الوقوف على حقيقة المقدار الذي كتبه الفخر، والمقدار الذي كتبه صاحب التكملة.
(1)
في (ب) و (ج) و (ش): مقاصده.
الفرائض، وتردُّدِهم في ذلك، علم أن الخوضَ في تلك الأمورِ أسهلُ على أهل الدِّرْيَةِ بعلوم النظر، والمهارة في البحث عن الغوامض.
فإن قلتَ: فإذا كانا متمكنينِ من الاجتهاد، فَلِمَ تركاه واختارا التقليد؟
قلت: جوابُ هذا غيرُ متجه، لأن مَنْ ترك شيئاً من الفضائل، لم يجب القطعُ بعجزه عنه، ولا يجبُ على من ادَّعى أنَّه يظن قدرتَه على ذلك إظهارُ الدليل على الوجه في تركِ ذلك الفعل، ألا ترى أن كثيراً من الصحابة والعرب لم يكونوا مجتهدينَ مع تمكُّنِهِم من ذلك وسهولته عليهم، وهذا مما لا يحتاجُ إلى مناظرة.
فأما الاحتمالاتُ، فهي كثيرة، فمنها أن يتركا ذلك، لأن التقليدَ أسهلُ، وقد رأينا من يختارُ التقليدَ لذلك، فقد حدثني الفقيه علي بنُ عبد الله بن أبي الخير رحمه الله أنَّه يكره النظرَ في كتب أدلةِ الأحكام، قال رحمه الله: لأنَّه إذا عَرَفَ الدليلَ اعتقد أنَّه يجبُ عليه العمل به، ويَحْرُمُ عليه التقليدُ، وهو يُحِبُّ أن يبقى في سَعَةٍ، ولا شكَّ أن هذَا الاختيارَ جائز عقلاً وشرعاً، وإن كان فيه قصورٌ في الهِمَّة، ومخالفة للاقتداء (1) بخير هذه الأمة.
ويلتحق بهذا فائدة: وهي أنَّه لا شك أن هذين الرجلين مِن كبار أهلِ العلومِ العقلية النظرية (2)، ورؤوسِ الطائفة الأشعريَّةِ، ولهما الباعُ الطويلُ في التمكن من إيرادِ الشبه العويصة على جميعِ الطوائف حتَّى على
(1) في (ب): في الاقتداء.
(2)
في (ج): العقلية النقلية النظرية.
أصحابهما الأشاعرة، ولكن بركات العِلم أدركتهما، فإنا نرجو صحة ما رُوِيَ من توبتهما، فقد صرَّح الغزالي في " المنقذ مِن الضلال "(1) برجوعه عن الخوض في علم الكلام إلى مثل كلام أهلِ التصوف في الإقبال على الله تعالى بالكلية، وحصولِ اليقين بذلك، وفي خطبة " المَقْصِد الأسْنى " ما يقتضي أنَّه مُتَّقٍ في إظهار الحقِّ في بعض الأمور، وروى الإمامُ المهدي محمد بن مُطْهر، والأميرُ الحسين بن محمد عن الغَزّالي أنَّه تابَ مِن مذهبه، وترحَّما عليه، وترحم عليه حميدُ المحلي، وحكى نحو ما تقدَّم من توبته.
وأما الرازي، فصرحَ في وصيته بالرجوع عن (2) جميع ما أودعه مصنفاتِه إلا ما نطق به القرآنُ والسنةُ المُجْمَعُ على صحتها، وأنه يدينُ الله تعالى بما دانه به رسولُه (3) صلى الله عليه وسلم، وفي شعره ما يُلِمُّ بهذه العقيدة الجميلة كقوله:
العِلْمُ لِلرّحْمَانِ جل جلاله
…
وسِوَاهُ في جَهَلاتِهِ يَتَغَمْغَمُ (4)
مَا لِلتُّرَابِ ولِلعُلُومِ وَإنَّمَا
…
يسْعَى ليعْلَمَ أنّهُ لا يَعْلَمُ
(1) انظر ص 91 - 93 نشر دار الأندلس بتحقيق د جميل صليبا ود كامل عياد. وهذا الكتاب صحيح النسبة للإمام الغزالي، وهو من أواخر ما ألف بعد عزلة دامت عشر سنوات نَحا فيها منحى الصوفية، وصرح فيه بأن أصح الطرق إلى المعرفة هو طريق الصوفية الذي يقوم على الخلوة والمجاهدة، وفيه عبارات يستغرب صدورها من مثل هذا الإمام، فإنها تنطوي على أفكار فلسفية هي بمنأى عن صراط الله السوي انظر الصفحات 132 و139 و140 و141 و142 و143 و140 و150.
(2)
في (أ) و (ج) من، وفي (ش) في.
(3)
في (ب) رسول الله: وانظر نص الوصية بتمامها في الجزء الأول من " المحصول " من ص 79 - 83 وانظر ترجمته في " السير " 21/ 500.
(4)
من الغمغمة: الكلام غير البين.
وقولِه في أبياتٍ له:
نِهَايَةُ إقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ
…
وَأكْثَرُ سَعْيِ العَالمينَ ضَلَالُ (1)
وفي معنى البيتينِ الأوَّلَيْنِ قولُ الآخر:
وَكَمْ في البَرِيَّةِ مِنْ عَالِمٍ
…
قَوِيِّ الجِدَالِ شَدِيدِ الكَلِمْ
سَعَى في العُلُومِ فلما يُفِدْ
…
سِوى عِلْمِهِ أنَّهُ ما عَلِمْ
وهذا مِنْ بَرَكاتِ العِلْمِ وخاتِمَةِ الخيرِ. والله أعلم.
قال: وذكر بعضُ فقهاء الشافعية تعسُّرَ الاجتهادِ حتى قال: وقد كانوا يرون أن درجة الاجتهاد في زمانهم مفقودة، يعني أصحاب الشافعي المتقدِّمين، وذكر منهم القَفَّالَ، وأبا حامدٍ الإسفَراييني، وأبا إسحاقَ الإِسفراييني، وأبا إسحاق المروزي، والجُويني قال: وقال الرافعيُّ: القومُ كالمجمعين على أنَّه لا مجتهدَ اليومَ، وحُكِيَ عن المحاملي أنَّه قال: ما أعلمُ على وجهِ الأرض مجتهداً. زادنا اللهُ هدى، وجعلنا ممن يتجنَّبُ الرَّدى، ولا يُزكِّي على الله أحداً، كما جاء في الحديث مسنداً.
أقول: هذه الروايات عن بعض أصحابِ الشافعي قد جعلها السَّيدُ لِكلامه تماماً، ولاحتجاجه ختاماً، وقد استملح هذه الحكاياتِ، واستروح إلى هذه الرواياتِ حِرصاً على توعيرِ مسالك العلمِ، وسدِّ أبوابِ
(1) وتمام الأبيات عند ابن خلكان 4/ 250.
وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا
…
وحاصل دنيانا أذى ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيلَ وقالوا
وكم قد رأينا من رجالٍ ودولة
…
فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها
…
رجال فزالوا والجبالُ جبالُ
وهي في " طبقات السبكي " 8/ 96، و" عيون الأنباء " 2/ 28.
الاجتهاد، ولم يُبَال السَّيِّدُ بما تَحتَها من الغوائل والمناكير من تجهيل العلماء الأفاضل، والأئمة المشاهير، وما كنتُ أظُنُّ الغُلُوَّ ينتهي بالسيدِ -أيَّدَهُ الله- إلى هذه الغاية، ولا يتجاوَزُ به إلى هذا المقدار، وكيف تجاسَرَ السيدُ على إطلاقِ القول بأن أصحاب الشافعي المتقدمين قضَوْا بفقدِ مرتبة الاجتهاد، مستَرْوحاً بهذا القول المعلوم الفساد، محتجّاً به على الاستعسارِ للعلم والاستبعاد؟!
فأقول: ما شاءَ اللهُ، لا قوةَ إلا بالله، إن كان ذهَبَ العلمُ بالأدلة، فأين الحياءُ من العُلماء الجِلَّة؟! أين ذهب التوقيرُ لأئمة العِترة عليهم السلام؟ إلامَ صار التعظيمُ لعلماء الإسلام؟ كأنَّك ما عرفتَ أنَّ قدماءَ أصحابِ الشافعي قبلَ الهادي، والقاسم، ولا دَرَيْتَ أن كلامك يقضي بتجهيل عوالِمَ من أولادهما الأكارِمِ، أما علمتَ أن بحارَ العلوم الإسلامية. ما تَموَّرت إلا بعدَ أصحاب الشّافعي؟ أتُرَجَّحُ تجهيلَ أقمارِ الهُدى لِروايةٍ حُكِيَتْ عن المَرْزِي، والرّافِعِي؟ ما هذه العصبية؟ إنها لَمِنْ أعظم البلية. وقبل الجواب على السيد -أيَّده الله- نذكر بحثاً حسناً في قوله:" ولا نُزكِّي على الله أحداً " كما جاء في الحديث مسنداً.
فنقول: أخبرني مِن أيِن جاءَ هذا الحديثُ مسنداً؟ فإن قلت: إنه جاء مسنداً مِن طريق المحدثين، فما لك مرتكباً ما نَهَيْت عنه، وفاعلاً ما حذَّرْت منه؟! وقد قيل:
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه
…
عَارٌ عَليْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ (1)
(1) أنشده سيبويه 3/ 41 للأخطل، والمشهور أنه لأبي الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو ملحقات ديوانه 13، ونسب أيضاً إلى سابق البربري والطرماح والمتوكل الليثي وقال البغدادي قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: الصحيح أنه لأبي الأسود. انظر " خزانة الأدب " 3/ 617، =
وإن كنت تعرِفُه مسنداً من غير طريقهم، فأخبِرْنا بذلك الإسناد؟ وكيف تيسرت لك معرفتُه بعدَ الإنكارِ لها، والاستبعاد؟ وإن كنتَ لا تعْرِفُ له سنداً إلا مِن طريق رجالِ الحديث وأئمة الأثرِ، فكُفَّ عن القوم غَرْبَ لِسانِك، واجعل شُكْرَكَ لهم بدلاً عن شَنآنِكَ، وما أحسنَ قول بعضهم (1):
أقِلُّوا عَلَيهِمْ لا أَبَا لأِبِيْكُمُ
…
مِنَ اللَّوْمِ أو سُدُّوا المَكانَ الذِي سَدُّوا
هذا ولا بُدَّ من التعرض لوجوه تكشف النِّقاب عن وجهِ الصواب وإن كانت هذه الشبهة مما لا تحتمِلُ الجواب.
الوجه الأول: أن الشافعيَّ رضي الله عنه مِن قُدماء العلماء، ورجال المئة الثانية من الهجرة النبوبة، وعلى رأسِها توفي سنة أربع ومئتين، وقد كان القدماءُ مِن أصحابه متقدمين لِمن لا يأتي عليه العَد مِن أئمة الإِسلام من أهلِ البيت عليهم السلام، وسائر العلماء الأعلام، فهذا البُويطي (2) صاحبُ الشافعي المشهور توفي سنةَ إحدى وثلاثين ومئتين، والقاسم عليه السلام توفي سنةَ ست وأربعين ومئتين، فوفاةُ البُويطيِّ صاحب الشافعي
= وشرح شواهد المغني 6/ 112، و" المقتضب " 2/ 26، وشرح المفصل 7/ 24، ومعجم المرزباني 410.
(1)
هو الحطيئة جرول بن أوس بن مالك العبسي أبو مليكة شاعر فحل متين الشعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان هجاء عنيفاً لا يكاد يسلم من لسانه أحد، هجا أمه وأباه ونفسه، والبيت في ديوانه ص 40 من قصيدة مطلعها:
ألا طرقتنا بعدَما هَجَعُوا هِنْدُ
…
وقد سِرْنَ خمساً واتلأبَّ بنا نجدُ
(2)
هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري البويطي صاحب الإمام الشافعي، لازمه مدة، وتخرج به، وفاق الأقران. قال الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 12/ 59: كان إماماً في العلم، قدوة في العمل، زاهداً ربانياً، دائم الذكر والعكوف على الفقه، بلغنا أن الشافعي قال: ليس في أصحابي أحد أعلم من البويطي، وقال الربيع بن سليمان المرادي: ما أبصرت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله من البويطي.
متقدِّمةٌ على وفاة القاسم عليه السلام بخمسَ عشرة سنة، والقاسم عليه السلام مِن أول أئمة المذهب، وأنبلِ مَنْ في طِرَازِ الأئمة المُذْهَبِ (1)، وهو الذي تفجَّرت منه بحارُ العلوم إفادةً وولادة، وخضعت رقابُ الخصومِ لمناقبه من العلم والزَّهادة والمجد والإجادة، فأما الإمام الهادي يحيى بن الحسين، والناصر الحسن بن علي عليهما السلام، فالبويطي متقدِّم لهما في الوفاة بقدرِ سبعين سنة تَنْقُصُ شيئاً يسيراً، وكذلك الربيعُ (2) والمزنيُّ (3) صاحبا الشافعي، فإنهما عاصرا القاسم عليه السلام، وتقدما الهادي بكثيرٍ منَ الأعوام، وأما السيدان الإمامان الناطق بالحق أبو طالب، والمؤيَّدُ بالله ومَنْ بعدهما كالمُتوكِّلِ على اللهِ أحمدَ بنِ سليمان، والمنصور بالله عبد الله بن حَمْزَة، وسائِرِ أئمة الهُدَى، ومصابيحِ الدُّجى مِن عِترةِ المصطفي صلَّى اللهُ عليه وعلى آله، وسائِرِ علماء العِترة، وساداتهم، وكُبراءِ المسلمين وجِلَّتِهِم، فكلام السيد -أيَّدَه اللهُ- وكلامُ بعضِ أصحابِ الشافعي قاضٍ أنهم مِن جُملَةِ أهلِ الدعاوي الباطلة، مُفْصِحٌ بأنَّ وجوهَ دعاويهم للعلم عن حِلية الصِّدْقِ عاطِلَة، فحسبُك ما أدَّى إليه عِظَمُ غُلُوِّك
(1) في (ب): وأنبل من في الطراز الأول المذهب.
(2)
هو الربيع بن سليمان الإمام المحدث الفقيه الكبير أبو محمد المرادي مولاهم، المصري المؤذن صاحب الإمام الشافعي، وناقل علمه، وشيخ المؤذنين بجامع الفسطاط، ومستملي مشايخ وقته ولد سنة 174 هـ، وتوفي سنة 270 هـ.
قال الإمام الذهبي في " النبلاء ": وطال عمره، واشتهر اسمه، وازدحم عليه أصحاب الحديث، ونعم الشيخ كان، أفنى عمره في العلم ونشره، ولكن ما هو بمعدود في الحفاظ، وإنما كتبته في " التذكرة " وهنا لإمامته وشهرته بالفقه والحديث.
وقال أيضاً: وقد كان من كبار العلماء، ولكن ما يبلغ رتبة المزني، كما أن المزني لا يبلغ رتبة الربيع في الحديث " سير أعلام النبلاء " 12/ 587 - 591.
(3)
هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري المتوفى سنة 264 هـ. وصفه أبو إسحاق، بقوله: كان زاهداً عالماًً مناظراً محجاجاً غواصاً على المعاني صنف كتباً كثيرة، وقال الإمام الذهبي في " السير " 12/ 493: كان رأساً في الفقه إلا أنَّه قليل الرواية.
مِن تجهيل أئمةِ الأمة، والعِترة في مقدار ست مئة سنة، ومِن لَدُنِ القاسم بن إبراهيم عليه السلام إلى يومِ النَّاسِ هذا، على أنَّ هذه المدة قد اشتملت على أقمارِ الهُدى، وبحارِ المعارف، وجبالِ العلوم، وأئمة الإسلام، وأركان الإيمان.
ولا بد من تشريف هذا الجواب بذكر جماعةٍ من عيونهم، والتماس نزولِ البركة بذكر جملة مختصرة من أسمائهم إذ التعرضُ لاستقصاء ذلك مما يفتقِرُ إلى تأليف كتابٍ، ولا يحتمِلُ أن يدخُلَ في ضمن هذا الجواب.
ولما لم يكن بد من الاقتصار كان ذِكْرُ من يخفى على كثيرٍ من أهل هذه الأعصار أهَمَّ مِن ذكر مَنْ لا يخفى على أحدٍ من الأئمة الكبار، وقد ذكرنا من أئمة أهلِ البيت مَنْ لا زيادة عليه، ومن يَصْغُرُ كُلُّ كبير بالنظر إليهم، فلنذكر بعدهم معرفتين.
المعرفة الأولى: في ذكر جماعة من علماء سادات العِترة عليهم السلام ممن لا يعرفهم كثيرٌ من أهل العصر.
فمنهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، ذكره في " الجامع الكافي "(1) إمامٌ مجتهد متكلم في الفقه. ذكر محمد بن منصور أنه ممن اجتمعت عليه الفِرَقُ.
ومنهم السَّيِّدُ الإمامُ العلَاّمَةُ محيي السُّنة سَيِّدُ الحفَّاظ أبو الحسن محمدُ بنُ الحسين العلوي الحسيني أحدُ أئمة الحديث، عَقَدَ مجلسَ الإملاء بعدَ الامتناع منه رغبةً في الخُمول، فكان يَحْضُرُ مجلسَه ألفُ
(1) في فقه الزيدية لمؤلفه محمد بن علي بن الحسن العلوي الحسني، منه عدة أجزاء في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء " انظر الفهرس " ص 248 - 249.
مِحبرة. قال ابن الصَّلاح: وتوفي في شعبان سنةَ ثلاث وسبعين وثلاث مئة (1).
" ومنهم أخوه السيدُ العلَاّمةُ أبو علي محمدُ بنُ الحسين، قال الإسنويُّ: كان من أعيانِ العُلماءِ، ولم أقِفْ على تاريخ وفاته (2).
قلت: لكنَّهُ توفي بعدَ وفاةِ أخيه، فإنَّه الذي صلى عليه، وقد حَصَل الغَرَضُ بهذا، إذ هو ممن تُوفي بعدَ القدماء من أصحابِ الشافعي.
ومنهم السيدُ أبو الحسن عليُّ بن أحمدَ بنِ محمد بن عمر العلوي الحسني الزَّيْدِي. كانَ مِن العلماء المصنِّفِينَ، وكان رأساً في الزَّهَادَةِ والصلاح، حمل عنه شيوخُه وأقرانُه تبركاً به، توفي سَنةَ خمسٍ وسبعين -أظنُّه- وثلاث مئة (3).
ومنهم أبو القاسم عليُّ بنُ المظفر، كان مِنْ أوعيةِ العلمِ، إماماً في الفقه، والأصول، واللغة، والنحو، والمناظرة، حسنَ الخَلْقِ، والخُلُق،
(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج) و (ش)، وأما الإمام الذهبي، فقد أرخ وفاته في " سير أعلام النبلاء " 17/ 98، و" العبر " 3/ 76 في سنة 401، وتابعه على ذلك الصلاح الصفدي في " الوافي " 2/ 373، وابن العماد في " الشذرات " 3/ 162، وأورده السبكي في " طبقاته " 3/ 148 - 149 في الطبقة الثالثة.
وفي " السير " قال الحاكم: هو ذو الهمة العالية، والعبادة الظاهرة، وكان يسأل أن يُحَدِّث فلا يحدث، ثم في الآخر عقدت مجلس الإملاء، وانتقيت له ألف حديث، وكان يعد في مجلسه ألف محبرة، فحدث وأملى ثلاث سنين مات فجأة في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربع مئة. ويغلب على الظن أن المؤلف أخطأ في النقل عن ابن الصلاح.
(2)
" طبقات الشافعية " للإسنوي.
(3)
هذا الظن في غير محله، فقد اتفق المترجمون له على أنَّه ولد سنة تسع وعشرين وخمس مئة، وتوفي سنة خمس وسبعين وخمس مئة.
انظر " تذكرة الحفاظ " 4/ 1361، و" سير أعلام النبلاء " 21/رقم الترجمة (104)، و" طبقات السبكي " 7/ 212، و" النجوم الزاهرة " 6/ 86، و" طبقات الحفاظ " للسيوطي ص 481.
فصيحاً جَواداً، كثيرَ المحاسن.
قال الاسْنَوِيُّ: كان قُطباً في الاجتهاد، وتوفي سنة اثنتين وثمانين (1) وأربع مئة.
ومنهم السَّيِّدُ الكبيرُ شمسُ الدين محمدُ بنُ الحسين بنِ محمدٍ العلوِيُّ الحسيني. كان إماماً، فقيهاً، محدثاً، أصولياً، نظاراً، توفي سنةَ خمسين وست مئة (2).
ومنهم السيِّدُ العلامة عُمَر بن إبراهيم العلوي الزَّيْدِي الكوفي الشيعيُّ المعتزليُّ، هكذا نسبَه إلى التشيع والاعتزال الذهبي في " الميزان "، وقال: وُلدَ سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنةَ تسعٍ وثلاثين وخمس مئة عن سبع وثمانين سنة.
أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمان العلوي، وسمع أبا القاسم بن المِسْوَرِ الجُهني، وأبا بكر الخطيب، وجماعة، وسكن الشامَ في شبيبَتِهِ مدةً، وبرع في العربيةِ، والفضائل، وكان مشاركاً في علومٍ، وهو فقيرٌ متقنِّع خيِّرٌ دين [على بدعته]، وهو مفتي الكوفة، كان يقول: أفتي بمذهب أبي حنيفة ظاهراً، وبمذهبِ زيد تديُّناً.
روى عنه: ابنُ السمعاني، وابنُ عساكر، وأبو موسى المديني،
(1) في النسخ: وثلاثين، وهو خطأ، مترجم في " الأنساب " 5/ 275 - 276، و" سير أعلام النبلاء " 19/ 91 رقم الترجمة (51)، و" طبقات الشافعية " للسبكي 5/ 296 - 298، و" المنتظم " 9/ 50، و" طبقات الإسنوي " 1/ 526 - 527، و" البداية " 12/ 135 - 136، و" النجوم الزاهرة " 5/ 129، و" الكامل " لابن الأثير 10/ 81.
(2)
انظر " الوافي بالوفيات " 3/ 17، و" وفيات ابن قنفذ " 322، ومقدمة " المحصول " ص 61 - 62.
ذكر ذلك كُلَّه الذهبيُّ (1).
قلتُ: وهو الذي روى عنه حُفَّاظُ الإسلامِ في عصرهم.
ومنهم أبو السَّعَادَاتِ هِبةُ الله عليُّ بنُ محمد بن حمزة العلوي الحسني (2) المعروف بابنِ الشَّجري البغدادي.
قال الذهبي في كتاب " المشتبه "(3): نحويُّ العِرَاق.
وقال ابنُ خَلِّكَانَ في حرف الهاءِ في " تاريخه "(4): كان كامِلَ الفضائِل، متضلِّعاً من الآداب، صنَّف عدةَ تصانيف منها كتاب " الأمالي "(5) وهو أكبرُ تواليفه، وأكثرُها إفادةً، أملاه في أربعة وثمانين مجلساً، وهو مِن الكُتُُُبِ الممتعة، ولما فَرَغَ من إملائه حضر إليه أبو محمد عبدُ الله بن أحمد بن راجح بن أحمد المعروف بابنِ الخشَّاب، والتمسَ منه سماعَه، فلم يُجِبْهُ، فعاداه، وردَّ عليه في مواضِعَ مِن الكتاب، فوقَفَ عليه، فردَّ عليه في رده، وبَيَّنَ وجوهَ غَلَطِه، وجمعه كتاباً سماه " الانتصار "، وهو مع صِغَر حجمه مفيدٌ جدّاً، وسمعه عليه الناسُ، وجمع أيضاًً كتاباً سماه " الحماسة "(6) ضاهى به حماسةَ أبي تمام الطائي، وهو كتابٌ مليح غريبٌ أحْسَنَ فيه، وله في النحوِ عِدَّةُ تصانيف.
(1)" ميزان الاعتدال " 3/ 181، و" سير أعلام النبلاء " 20/ 145 الترجمة (86).
(2)
في (أ) الحسيني، وهو تحريف.
(3)
1/ 354.
(4)
" وفيات الأعيان " 6/ 45 - 50، وهو مترجم في " سير أعلام النبلاء " 20/ 194 رقم الترجمة (126).
(5)
وهو مطبوع في الهند، وتنقص هذه الطبعة عدة مجالس، وقد تم نشر هذه المجالس الناقصة بمؤسسة الرسالة بتحقيق الدكتور حاتم الضامن.
(6)
طبع في دمشق في جزئين بتحقيق أسماء الحمصي وعبد الغني الملوحي.
ولما قَدِمَ الزمَخْشَرِيُّ بغدادَ حاجّاً قَصَدَهُ للزيارة، فلما اجتمع به، أنشد أبو السعادات قولَ المتنبي:
وأسْتَكْبِرُ الأخْبَارَ قَبْلَ لِقَائِهِ
…
فَلمّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الخَبَرَ الخُبْرُ (1)
فقال الزمَخْشَريُّ: رُوي عنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه لما قَدِمَ عليه زيدُ الخيل، قال له: يا زيدُ ما وُصِفَ لي أحدٌ في الجاهلية فرأيتُه في الإسلام إلا رأيتُه دونَ ما وُصِفَ لي غيرك (2). انتهي بألفاظ ابن خلكان.
توفي سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة عن اثنتين وتسعين سنة.
ومنهم السَّيِّدُ العلامةُ برهانُ الدين عُبيد الله الحسيني (3) المعروف بالعِبْرِي، كان أحدَ الأعلام في عِلْمِ الكلامِ والمعقولاتِ، ذا حظٍّ وافِرٍ من باقي العلوم، وله التصانيف المشهورة، منها كتابُ " شرح المنهاج "، وكتابُ " المصباح "، وكتابُ " الطوالع "، وَكُتُبُه الغايةُ القصوى في الفقه.
توفي ثالث عشر رجب سنةَ ثلاث وأربعين وسبع مئة، وخلَّف ولداً فصيحاً فاضلاً في العُلُوم العقليةِ.
(1) هو في ديوانه 2/ 148 بشرح العكبري من قصيدة يمدح بها علي بن أحمد بن عامر الأنطاكي مطلعها:
أُطاعِنُ خيلاً من فوارسها الدَّهر
…
وحيداً وما قولي كذا ومعي الصَّبرُ
وفي " الوفيات " ثم أنشده بعد ذلك:
كانت مساءلةُ الرُّكبان تخبرنا
…
عن جعفر بن فلاحٍ أحسنَ الخبرِ
ثم التقينا فلا والله ما سمعت
…
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
(2)
ذكره الحافظ في " الإصابة " 1/ 555 في ترجمة زيد الخيل عن ابن إسحاق.
(3)
كذا في (ج) و (ش) وهو موافق لما في " الدرر الكامنة " و" البدر الطالع " 1/ 411، و" توضيح المشتبه " 2/ 178/1، وفي (أ) و (ب) الحسني.
ومنهم السيِّدُ العالم أبو القاسم منصورُ بنُ محمد العلوي الفقيه، تُوفِّيَ سنةَ أربعٍ وأربعينَ وأربعِ مئة.
ومنهم العَلَاّمة المُحَدِّث المرتضى محمَّدُ بن محمد بن الإمام زيدِ بن علي، عليهما السلام صاحبُ التصانيف النافعة، توفي سنةَ ثمانين وأربع مئة (1).
والسَّيِّد النسيبُ العلامةُ المحدِّث المصنِّفُ، توفي سنة ثمان وخمس مئة (2).
والسيِّدُ الإمامُ العلامةُ شيخُ الشيعة محي الدين بن عدنان الحُسَيْني، توفي بعدَ سبع المئة.
ومنهم جماعةٌ وافِرة، أئمة دُعاة، وسادةٌ علماء ممن سكن الغربَ لا يُعرفونَ، ذكرهم ابن حَزْم في كتابه " جَمْهَرَة النّسب ".
ومنهم جماعة علماء، ورواة ذكرهم المِزِّيُّ في " تهذيبه "، وغيرُه ممن جَمَع رجالَ الكُتُبِ الستة: البخاري، ومسلم، والأربعة.
ولنذكر جماعة ممن ذكر ابنُ حزم في " جمهرته " فنقول: قال ابنُ حَزْم في ذكر عيونِ أولادِ الحسنِ بنِ علي عليهم السلام.
(1) مترجم في " السير " 18/ 520 رقم الترجمة (264).
(2)
كذا الأصل، وفي " العبر " 4/ 17، ونقله عند صاحب " الشذرات " 4/ 23: وفيها (أي في سنة 508) النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث، صاحب الأجزاء العشرين التي خرجها له الخطيب توفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة. قرأ على الأهوازي، وروى عنه، وعن سليم ورشاً وخلق، وكان ثقة نبيلاً محتشماً مهيباً سديداً شريفاً، صاحب حديث وسنة.
منهم الحسنُ بنُ زيدِ (1) بنِ الحسن بنِ علي عليه السلام أمير المدينة للمنصور، ولدُه ثمانية، منهم إبراهيمُ، ولإبراهيم هذا محمدٌ، ومِنْ وَلَدِ محمد هذا حفيدُه محمدُ بنُ الحسن بنِ محمدٍ القائم بالمدينة، والنقيبُ محمدُ بنُ الحسن الملقب بالدَّاعي الصغير القائم بالري، وطَبَرِسْتَان، وكان بينه وبين الأُطْرُوشِ الحسيني (2) حروبٌ، والحسنُ ومحمدٌ ابنا زيدٍ الداعيانِ، وعقب محمد منهما إسماعيل بن المهدي بن زيد بنِ محمد المذكور، وعمُّهُما أحمد بن محمد القائم بالحجاز، المحاربُ لبني جعفر بن أبي طالب، ومِن وَلَدِ الحسنِ بنِ زيد: أميركا، وكباكي ابنا طاهر بن أحمد بنِ محمد بن جعفر الشَّجَوي (3)، وابن أخيه سراهيك (4) بنُ أحمد بن الحسن بن محمد بن جعفر تَسَمَّوْا بأسماءِ الدَّيْلَمِ لمداخلتهم. ومحمدُ بنُ علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن قام بخُراسان فقتل أيامَ المهدي، ومحمدُ بنُ سليمان بنِ داود بنِ الحسن بن الحسن بنِ علي عليه السلام القائم بالمدينة [وله عقب](5) عظيم جدّاً يتجاوزُ المئتين، ولهم بالحجاز ثورة (6) وجموع، ومحمدُ بنُ إِبراهيم أخو القاسم قامَ مَعَ أبي السَّرايا، وللقاسِم أولادٌ منهم النقيبانِ أحمدُ، وإبراهيمُ ابنا محمدٍ النقيب بن إسماعيل بن القاسم.
(1)" جمهرة أنساب العرب " ص 39.
(2)
في (ب) الحسني، وهو خطأ.
(3)
في " الجمهرة " ص 41: الشجوبي، وفي الهامش: كذا في (ب) و (ج) وفي (أ) السجوني، وفي (ط) الشجوني.
(4)
في " الجمهرة " شراهيك بالشين المعجمة.
(5)
زيادة لا بد منها من " جمهرة أنساب العرب " ص 43.
(6)
كذا الأصول " ثورة " بتقديم الواو على الراء، وفي " الجمهرة " ص 43:" ثروة " بتقديم الراء على الواو.
ومنهم القائمون بصَعْدَة، منهم جعفر الملقب بالرشيد، والحسن المنتخب، والقاسم المختار، ومحمد المهتدي بنو أحمد الناصر، ولهم أخٌ يُسَمَّى عبدَ الله، لكن أُمَّه أمُّ ولد وهو اليماني القائم بماردة المقتول يومَ البركة بالزهراء سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة، ولهم إخوة منهم سليمانُ، ويحيى، وإبراهيمُ، وهارونُ، وداودُ الساكن بمصر، وحمزة، وعبد الله، وأبو الغَطَمس (1)، وأبو الجحَّاف، وطارق بنو أحمد الناصر، ولداودَ منهم الساكِنِ بمصر ابنُ يُسَمَّى هاشماً.
ومنهم الشاعر الأصبَهَاني محمد بنُ أحمدَ بنِ محمد بن إبراهيم بن طَبَاطَبَا، ولهذا الشاعِرِ ابنانِ عليٌّ والحَسَنُ، ومن أولاد الحسن بن جعفر بن الحسن جماعة عجم بناحية متيجة (2) وسوق حمزة، ومنهم زهيرٌ، وعليٌّ ابنا محمدِ بنِ جعفر، كانت لهما أعمالٌ بالغربِ في جهة سُوقِ حمزة.
وأولاد عبد الله بن الحسن محمد القائم بالمدينة، وإبراهيم القائم بالبصرة، ويحيى القائم بالدَّيْلَمِ، وإدريسُ الأصغرُ القائمُ بالغرب، وسليمانُ وموسى، وعقب هؤلاء الثلاثة كثيرٌ جدّاً.
وَلمُحمد بنِ عبدِ اللهِ -ويلقب الأرْقَطَ- عبدَ اللهِ الأشتر قُتِلَ بَكابُل، وله ولدٌ يُسَمَّى محمداً، والعقبُ فيه، وللأشترِ عَقِبٌ ببغداد وغيرها يُعْرَفُون ببني الأشتر.
(1) بالسين المهملة كما في الأصول، وهي كذلك في أصول " الجمهرة " ص 44، عدا (ب) فبالشين المعجمة.
(2)
قال صاحب " الروض المعطار " ص 523: متيجة: مدينة بالقرب من الجزائر (جزائر بني مزغنا) من أقصى أفريقية على نهر كبير عليه الأرحاء والبساتين، ولها مزارع ومسارح، وهي أكثر تلك النواحي كتاناً، ومنها يحمل، وفيها عيون سائحة وطواحين ماء.
ومحمدُ بنُ إبراهيم بنِ موسى بنِ عبد الله بنِ الحسن صاحبُ اليمامة القائم بها، وهم باليمامة ودارُ ملكهم بها، وهم بها قائمٌ بَعْدَ قائمٍ، وعبدُ الرحمان بنُ الفاتك عبدِ الله بنِ داود بنِ سُليمانَ بنِ عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن له اثنان وعشرون ذكراً بالغون سكنوا كلُُّهُم أذَنَةَ (1) إِلا ثلاثة منهم سكنوا أمَجَ بقرب مكة (2).
ومنهم جعفرُ بنُ محمدٍ غَلَب على مكةَ أيامَ الإخْشِيدِيَةِ وولدُه إِلى اليومِ ولاةُ مكة، وهو ابنُ محمدِ بنِ الحسن بنِ محمد بنِ موسى بنِ عبد الله بنِ موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه (3) السلام، ولسليمانَ بنِ عبد الله بن الحسن وَلَدٌ -وهو محمد القائمُ بالمغرب- وله عَقِبٌ، منهم أبو العيش عيسى بن إدريس صاحب جُراوة (4)، وابنُه الحسن سكن قُرْطُبَةَ، وإدريسُ بنُ إبراهيم صاحبُ
(1) أذنة: بلد من الثغور من مشاهير البلدان بساحل الشام عند طرسوس.
(2)
في " معجم البلدان " 1/ 250 خبر طريف له صلة بأمج يحسن إيراده، قال الوليد بن العباس القرشي: خرجت إلى مكة في طلب عبد آبق لي، فسرت سيراً شديداً حتى وردت أمج في اليوم الثالث غدوة، فتعبت، فحططت رحلي، واستلقيت على ظهري، واندفعت أغني.
يا من على الأرض من غادٍ ومدّلج
…
أقر السلام على الأبيات من أَمَج
أقر السلام على ظبي كلفت به
…
فيها أغنَّ غضيضِ الطرف من دَعَج
يا من يبلغه عني التحية لا
…
ذاق الحِمام وعاش الدهر في حَرج
قال: فلم أدر إلا وشيخ كبير يتوكأ على عصا وهو يهدج إلي، فقال: يا فتى أنشدك الله إلا رددت إلي الشعر، فقلت: بلحنه؟ فقال: بلحنه، ففعلت وجعل يتطرب، فلما فرغت، قال: أتدري من قائل هذا الشعر؟ قلت: لا، قال إنا والله قائله منذ ثمانين سنة، فإذا الشيخ من أهل أمج.
(3)
في (ب) عليهم.
(4)
هي جراوة مكناسة كما في " الروض المعطار " ص 162 أسسها أبو العيش سنة 259 هـ.
آرسقُول (1)، وكان منقطعاً إلى الناصِرِ صاحِبِ الأندلس، وأحمدُ بنُ عيسى صاحبُ سوق إبراهيم، والحَكَم، وعبدُ الرحمان ابنا عليِّ بنِ يحيى سكنا قُرطبة، وأعقبا بها، وأولادُ يحيى بنِ محمد بن إبراهيم كُلّهم، وكان سليمانُ منهم رئيساً في تلك الناحيةِ.
ومنهم القاسمُ بن محمد صاحب تِلِمْسَان.
ومنهم بطُوس بنُ حنابش (2) بنِ الحسنِ بنِ محمد بن سليمان وهم بالمغرب كثيرٌ جداً، وكانت لهم بها ممالك عده.
ومنهم جُنُون (3) أحمد، ومحمد ابنا أبي العيش عيسى بن جُنُّون كانا ملكين بالمغرب، وإبراهيم لقبه أبو غبرة، كان [أيضاًً] ملكاً بالمغرب وكان لجنون منهم عشرون ذكراً، منهم القاسم الأصغر جُنُّون بن جُنُّون القائم بالمغرب، وأخوه علي الأصغر القائم بعده، ومحمدُ بنُ جُنُّون القائم على أبيه بالبصرة.
ومنهم الحسنُ بنُ محمد بنِ القاسِمِ الحجَّام سُمِّي بذلك لكثرة سفكهِ للدِّماء، ومِن ولدِه القاسمُ بنُ محمد بن الحسن الفقيه الشافعي بالقيروان المعروف بابن بنت الزبدي (4).
ومنهم إبراهيمُ بنُ القاسم صاحبُ البَصْرَةِ، كان عُمَرُ بنُ حفصون يَخْطُبُ له.
(1) كذا الأصول بالسين المهملة، وفي " الجمهرة " ص 48 " آرشقول " بالشين المعجمة.
(2)
في " الجمهرة " ص 48: بطوش بن جنانش، وذكر في الهامش في نسخة (ج): بطرش بن حناش.
(3)
في التعليق على " الجمهرة ": جنون كلمة بربرية معناها: القمر.
(4)
في " الجمهرة " ص 50: الزبيري، وذكر في الهامش في (ب) الزبيدي، وفي (ج) الزهري.
ومنهم المسمَّى بالمأمون، وعلي المسمَّى بالناصر تسمَّيا بالخِلافة بالأندلس، ومحمدُ بنُ القاسم صاحبُ الجزيرة (1) تسمَّى بالخلافة، وولي الجزيرة بعدَه ابنُه (2) القاسم، ولم يَتَسمَّ بالخلافةِ، وكان حصوراً لا يَقْرَبُ النساءَ، وأخوه الحسن تَنَسَّكَ، وَلَبِسَ الصوفَ، وحج، وولد الناصر يحيى وإدريس تسمَّيا بالخِلافة بالأندلس، ومحمدُ بنُ إدريس خليفة تسمَّى بالمهدي، وحاربَ ابنَ عمه إِدريسَ بنَ يحيى، وكلاهما تَسَمَّى بالخِلافة، وكان بَدْءُ أمرهم سنةَ أربع مئة، وبقي أمرُهم ثمانيةً وأربعين، ومنهم صاحبُ تَامْدُلْتَ (3)، وصاحبُ صنهاجة الرِّمال، وصاحبُ مِكْنَاسَةَ.
ومِن أولادِ الحُسين عليه السلام عبدُ الله بن علي بن الحسين الأرْقَط، له ولدانِ: إسحاقُ، ومحمدٌ، لهما عَقِبٌ كثير، منهم الكَوْكَبِيُّ اسمُه الحسين، وأحمد بنُ محمد بن إسماعيل كان مِن قُوَّاد الحسن بن زيد بِطَبَرِسْتَان، ومن أولادِ عمر بنِ علي بنِ الحسين محمدُ بنُ القاسم بن علي بنِ عمر، وكان فاضلاً في دينه يميلُ إلى الاعتزال، قام بالطَّالَقَانِ (4)، فلما رأى الأمرَ لا يَتِمُّ له إلا بسفك الدماء، هَرَبَ، واستتر إلى أن مات.
ومنهم زيدٌ، وجعفر، ومحمدُ بنو الحسن الأطروش الذي أسلمَ الدَّيْلَمُ على يديه، وهو ابنُ علي بنِ الحسن بنِ علي بن عمر (5)، وكان
(1) أي: الجزيرة الخضراء بالأندلس.
(2)
في (ب): بعد أبيه.
(3)
انظر " صفة أفريقيا الشمالية " لأبي عبيد البكري طبع الجزائر سنة 1911 ص 163.
(4)
الطالقان: بلدتان، إحداهما بخراسان بين مرو الروذ وبلخ، والأخرى: بلدة وكورة بين قزوين وأبهر " معجم ياقوت " 4/ 6، 7.
(5)
المتوفى سنة 304 هـ، انظر " روضات الجنات " 167 - 168، والتعليق على "الأنساب" 1/ 305.
للحسن الأُطروش من الإِخوة جعفرٌ، ومحمدٌ، وأحمدُ المكنى بأبي هاشم وهو المعروفُ بالصوفي، والحسينُ المحدث يروي عنه ابنُ الأحمر وغيرُه، وكان هذا الأُطروش فاضلاً، حسنَ المذهب، عدلاً في أحكامه، وكان الحسن بنُ محمد بنِ علي -وهو ابن أخي الأُطروش- قد قام بطبَرِستَان، وقتله جيوش بها سنةَ ستَّ عشرةَ وثلاث مئة.
أولادُ الحسين بن علي بن الحسين ستة كُلُّهم أعقب عَقِبَاً عظيماً، منهم عبدُ الله يعرف بالعَقِيْقِيِّ، ومِنْ ولده الذي قتلهُ الحسنُ بنُ زيد صاحب طَبَرِستَانَ، ومنهم جعفرُ بن عُبيد الله بن الحسين بن علي بن علي بن الحسين كانت له شِيعةٌ يُسَمُّونَه حُجَّةَ الله.
ومنهم حمزةُ بنُ الحسن مَلَكَ هان (1) في المغرب، وملك قطيعاً مِن صنهاجة، وإليه يُنسب سوقُ حمزة وَوَلَدُه بها كثيرٌ، وكذلك ولد إخوته في تلك الجهة، وكان عمُّه الحسينُ بنُ سليمان مِن قواد الحسنِ بنِ زيد، وهو الذي غزا له الرَّيَّ، وكان شاعراً.
ومنهم المحدثُ المشهور بمصر، وهو ميمونُ بنُ حمزة بن الحسين ابن محمد بن الحسين بن حمزة.
ومنهم المُلَقَّبُ بمسلم أبو مسلم الذي كان يُرِيدُ مصر أيامَ كافور، واسمُهُ محمد بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى المحدث، وابنُ عمه طاهر ابن الحسين الدي مدحه المتنبي بقوله:
أعيدُوا صَبَاحِي فَهْوَ عِنْدَ الكَوَاعِبِ (2).
(1) في " جمهرة ابن حزم " ص 55: هاز، وانظر " صفة أفريقيا الشمالية " للبكري ص 143.
(2)
وعجزه:
ورُدُّوا رقادي فهو لَحْظُ الحبائب =
وأبو مسلم هذا قام بالشَّام بعدَ كافور، وتسمَّى بالمهدي، واستنصر بالقرامِطَةِ، والحسنُ بنُ محمد بن يحيى المحدث المذكور تجاوز تسعينَ، وكان بالكوفة حُمِلَ عنه العِلْمُ.
ومنهم محمدُ بن عبيد الله [كان له قدر] بالكوفة ومَنْزِلَةٌ بالدَّيالِمَةِ (1) يُعارض بها منزلةَ بني عمر العلويينَ بالكُوفة، وهو الذي مدحه المُتَنَبّي بقوله:
أهْلاً بِدَارٍ سَبَاك أغْيَدُهَا (2)
ومنهم عليُّ بن إبراهيم كان مِن العُبَّادِ بالكوفة حُمِلَ عنه العِلْمُ، كان عالماً بالنسب.
انتهي المختارُ نقلُه من بني الحسن والحسين ولله الحمد (3).
وغيرُ هؤلاء ممن لا يأتي عليه العَدُّ مِن سادات العِترَة الطاهرةِ ممن كان في مرتبة الإمامة في علم الحديثِ وغيرِه من علومِ الاجتهاد، ولو حضرني كتابُ مِن كُتُبِ الرجال وقت كتابة هذا الجواب (4)، لاستكثرتُ من ذِكرهم، فمن استكثر منه، فقد استكثرَ مِن طيِّب، وإنما رغبتُ إلى ذكرهم لجهلِ كثيرٍ من الناسِ لهم، واعتقادِهم أنَّه ليس في أهل البيت عليهم
= انظر " ديوانه " 1/ 147 - 159 بشرح العكبري.
(1)
في " الجمهرة " ص 56: وكان له قدر بالكوفة ومنزلة عند الديالمة.
(2)
وعجزه:
أبعد ما بان عنك خُرَّدُّهَا
ديوانه بشرح العكبري 1/ 294.
(3)
النقول من صفحة 116 إلى هنا تجدها في " جمهرة ابن حزم " من الصفحة 40 إلى الصفحة 56.
(4)
في (ب): الكتاب.
السلامُ أحدٌ مِن أهلِ العلمِ إلا هؤلاءِ الأئمة المشاهير في اليمن والحجاز، والجبل، والكوفة عليهم السلام. فلقد قلَّلُوا كثيراً، وجَهِلُوا كبيراً، وأهلُ البيت عليهم السلام في جميع أقطارِ الإِسلام، وإمصارِه، وأعصارِه، هُمْ سُفُنُ العلم وبحورُه، وشموسُ الهدى وبدورُه، وكلامُ بعضِ أصحاب الشافعيِّ إِذا اقتضى تجهيلَ هؤلاء السادةِ، والدعاة الأئمة من العِترة الطاهرة، وأضعافهم ممن لم يُذكر وأكثر منهم مِن الأئمة السابقين ضربنا به وَجْهَ قائِلِه، وقلنا كما قال أبو الطيب:
وَهَبْك تَقُولُ هذا الصُّبْحُ لَيْلٌ
…
أيَعْمَى العَالِمونَ عَنِ الضِّيَاءِ (1)
وما أقربَ هذا القولَ من قول من زعم أنَّ أهلَ البيتِ عليهم السلام قد ماتوا، ولم يبقَ منهم أحدٌ، بل هذا القولُ أقبحُ، لأنَّ ذلك نَسَب إليهم الموت الذي يجوز على الملائكةِ والأنبياء، والعلماءِ، وهو خروجُ الأرواح من الأبدانِ الذي لا نقصَ فيه على أحد، ولا غضاضةَ فيه على مخلوق، وهذا نسب إليهم الموت الذي هو موْتُ المعارفِ دونَ الأبدان، وعمى البصائر دونَ الأبصار، وكفي شاهداً على أنَّ موتَ الجهلِ أقبحُ من موت الأبدانِ، وعمى البصائر أقبحُ مِن عمى الأبصارِ، قولُ الله تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] فكيف تجاسر السيدُ -أيَّدَهُ الله- على نسبة الجهلِ إِلى جميع العِترة الطاهرة، ونجوم العلم الزاهرة؟. واحتجَّ على ذلِكَ بما لَعلَّهُ لا يَصِحُّ عن بعضِ
(1) ديوانه 1/ 10 من قصيدة مطلعها.
أتنكرُ يا ابن إسحاق إخائي
…
وتحسبُ ماء غيري من إنائي
ورواية الصدر فيه:
وهبني قلتُ: هذا الصُّبْحُ ليلٌ