الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشكال التاسع: أن الاحتجاجَ بالقياس من خواصِّ المجتهدين
، والسيد قد نفي الاجتهادَ عن نفسه، وشك في تعذُّره على الخلق.
الإشكال العاشر: احتج السيدُ على أن المنصب هو العلة، لعدم استحقاق المتأوِّلين له
، وليس في هذا حجة، فليس كُلُّ ما لم يستحقه المتأوِّلُ يصلُح أن يكونَ علة، ألا ترى أن المتأوِّل عند السَّيِّد وعند غيره لا يستحقُّ شفاعةَ النبي صلى الله عليه وسلم ولا (1) الاستغفارَ له مع أنَّه لا يَصِحُّ التعليل بذلك، فلا يُقال: إنَّ العدل إنما قبل، لأن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يشفعُ له بدليل أن المتأوِّلَ لا يستحقُّ الشفاعة، هذا كلامٌ نازل جداً.
الإشكال الحادي عشر: أن التعليل بغير هذه العلة التي ذكرها السيد أرجح من التعليل بها وهو ظنُّ الصدق، ومع وجود ما هو أولى بالتعليل لا يَصِحُّ التعلق بها، وبيان رجحانِ التعليلِ به يَحْصُلُ بالكلامِ في أمرينِ:
الأول: أن قولَ السيدِ يَنْتَقِضُ ذلك برهْبَانِ النصارى، ومَنْ يُظَن صدقُه من المصرِّحين والبراهمة غير صحيح ولا قادح في التعليل بالظن، فإنَّ تخصيصَ العِلَلِ الشَّرْعِيَّة جائِزٌ بإجماعِ الأُصوليين، ليسَ بَيْنَهُمْ خلافٌ على التحقيقِ إلا في العبارة، مثال ذلك: قولُهم في العلة في القصاص: إنه قتلُ عمْدٍ عدوان، وهذه العلة قد وُجدت في قتل الوالد لولده، وتخلف الحكم، لأن الوالد لا يقتل بولده فها هنا اختلفوا:
فمنهم مَنْ يقُولُ: بتخصيص العلة، وأنها قد وُجِدَت في الوالد ولم تُؤثِّر لدليل خصها.
ومنهم من يقول: لا تكونُ تلك العلة، ويزيد في العلة قيداً، ويقول: العلة القتلُ العمد العُدوان من غيرِ الأب، وكذلك يقول: العلة هاهنا
(1) لا: ساقطة من (ب).
الظَّنُّ إن قلنا: بتخصيص العِلَّةِ، وإن لم نقل به، قلنا: العلة الظن مِن غير المصرح بالفسق، والخارج مِن الملة، ويبطل ذلك الاشكالُ الذي ذكره السيدُ بالمرة، وقد علل الله سبحانه وتعالى كثيراً من الأحكام الشرعية بحكم غيرِ مُطَّرِدٍ (1) - كالفطر في السفرِ في رمضان، فإن التعليلَ بالتخفيف ظاهر في القرآن في قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] عقيب ذكرِ الفطر في السفر والمرض مع أن ذلك لم يَطرِدْ، فمن وقع في أعظم من مشقةِ السفر من الزُّراع وأهلِ الأعمال الشاقة، وأهلِ الجوع والمسكنة، لَمْ يَحِلَّ له الفطرُ لمجرد المشقة، وكذلك القصرُ، فإنه أُبِيحَ للمسافر تخفيفاً ورفقاً ولا يُباح للمريض مع أنه أحوجُ إلى التخفيف.
وقد اختلف الأصوليون في التعليل بالحكم، وجوَّزه غيرُ واحد من المحققين فلا معنى للاحتجاج بما ذكره السَّيِّد في مسألة زعم أنها قطعية، ومنع الخصم من المنازعة فيها، فمثلُ هذا لا يرفع الخلاف ولا يقتضي القطع.
الثاني في بيانِ الأدلة على أن التعليلَ بظنِّ الصدقِ أرجحُ، والدليل على ذلك وجوه:
الحجة الأولى: قولُه تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] فقوله: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} دليل على أن العلة في التبيُّن (2) خوفُ الخطأ، والرغبة في تحري
(1) في (ش) مطردة.
(2)
في (ب) التبيين.