الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صغار قد أُعدَّت لهن فضربن وغنت عليهن.... وغنى جواريها على غنائها"1 وليس ذلك كل ما أثر عن جميلة في هذا العصر؛ فنحن نرى عندها الغناء المصحوب بالرقص. روى أبو الفرج أنها: "جلست يومًا ولبست برنسًا طويلًا وألبست من كان عندها برانس دون ذلك
…
ثم قامت ورقصت وضربت بالعود، وعلى رأسها البرنس الطويل وعلى عاتقها بردة يمانية، وعلى القوم أمثالها، وقام ابن سُرَيْج يرقص ومعبد والغَريض وابن عائشة ومالك، وفي يد كل منهم عود يضرب به على ضرب جميلة ورقصها؛ فغنت وغنى القوم على غنائها، ثم دعت بثياب مصبَّغة، ودعت للقوم بمثل ذلك فلبسوا، ثم ضربت بالعود، وتمشَّت وتمشى القوم خلفها، وغنت وغنوا بغنائها بصوت واحد"2.
1 أغاني "دار الكتب" 8/ 227.
2 أغاني "دار الكتب" 8/ 226.
5-
تأثير الغناء الإسلامي في موسيقى الشعر الغنائي:
هذه الموجة العنيفة من الغناء والرقص في الحجاز في أثناء العصر الإسلامي هي التي أعدت لما نراه من تطور يحدث في موسيقى الشعر الغنائي؛ فقد قلَّ النظم على الأوزان الطويلة التي عُرفت في العصر الجاهلي من مثل البسيط والطويل والكامل، وحلَّت محلها أوزان أخرى كثر النظم فيها من مثل الوافر والمديد والسريع والخفيف والرمل والمتقارب والهزج، وقد يأتي الشعر على الأوزان الطويلة؛ ولكن بعد أن تحوَّر وتجزَّأ كهذا الغناء المجزأ الذي كان يصحبها والذي أشار إليه إسحاق في نصه السابق.
ونحن نحس إزاء هذا التطور أن المغنين كانوا يلقون كثيرًا من العناء في إحكام أصواتهم ونغماتهم حتى يشاكلوا بينها وبين الأشعار التي يغنونها، وحتى لا يخرجوا بهذه الأشعار التي يلحنونها عن إيقاعاتها الموسيقية الخاصة، وأقبل الشعراء يحاولون التخفيف عنهم باقتراح أوزان لم تكن شائعة في الشعر القديم، أو كانت شائعة ولكنهم رأوا أن يعدلوا فيها حتى تتلائم وهذا الغناء الذي كانت
تدخل فيه نغمات أجنبية كثيرة، كما ذكر أبو الفرج "على نحو ما مر بنا" عن ابن مسجح وابن محرز.
ولعل أهم شاعر قام بجهد وافر في هذا الجانب هو عمر بن أبي ربيعة؛ فقد عرف كيف يُلين الأوزان لهذا الغناء الجديد، ولعله من أجل ذلك كان أقرب شعراء الحجاز إلى ذوق المغنين؛ فقد كانوا يعجبون به وبأشعاره، وروى أبو الفرج كثيرًا من أصواتهم في مقطوعاته، فمن ذلك صوت ابن سُرَيْج وهو من مجزوء الخفيف1.
قل لهندٍ وَتِرْبِهَا
…
قبل شَحْطِ النَّوَى غَدَا
إن تجودي فطالما
…
بِتُّ ليلي مُسَهَّدَا
ومن ذلك أيضًا صوته وهو من مجزوء الوافر2:
أليستْ بالتي قالت
…
لمولاة لها ظُهُرا
أشيري بالسَّلام له
…
إذا هو نحونا خَطَرَا
ومن ذلك أيضًا صوت ابن محرز وهو من مجزوء الرَّمَل3:
أصبح القلب مهيضًا
…
راجع الحبَّ الغَرِيضا
وأجدَّ الشوقَ وَهْنًا
…
أن رأى برقًا وميضا
وعلى هذه الشاكلة أخذ الشعراء الحجازيون من أمثال ابن أبي ربيعة ينظمون على هذه الأوزان القصيرة التي تتفق وألحان الغناء الجديد.
ولعل من الطريف أن نجد في هذا العصر شاعرًا كأعشى همدان يلزم النَّصْبِيَّ المغني يؤلف له قطعًا من الشعر ليغنيها4. وكان المغنون كثيرًا ما يضطرون الشعراء إلى أن يؤلفوا لهم قطعًا من الأوزان القصيرة، كما صنع ابن عائشة بعروة أبن أذينة؛ إذ طلب إليه أن يصنع له قطعة من الهزج فصنع5:
1 أغاني "دار الكتب" 1/ 59.
2 أغاني "دار الكتب" 1/ 92.
3 أغاني "دار الكتب" 1/ 178. مهيضًا: كسيرًا
4 أغاني "دار الكتب" 6/ 65.
5 أغاني "دار الكتب" 2/ 237.