الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُلَيْمَى أزمعت بينًا
…
فأين تقولها أينا1
وقد قالت لأترابٍ
…
لها زُهرٍ تلاقينا
تعاليْنَ فقد طاب
…
لنا العيش تعالينا
وكان بعض الشعراء يتعلمون صناعة الغناء حتى يستطيعوا أن يؤلفوا أشعارًا تتفق وألحان المغنين وأصواتهم، وممن عُرف بذلك ابن أذينة فقد كان يصوغ الألحان والغناء على شعره، وحكى له صاحب العقد الفريد صوتين مما يغنِّي فيه الحجازيون2. ولعل ذلك هو السبب في أن موسيقى شعره تمتاز بأنها مصفاة تصفية شديدة كما نرى في قطعته المشهورة3:
إن التي زعمت فؤادك ملَّهَا
…
خُلقتْ هواك كما خُلقْتَ هَوَىً لَهَا
وكما أن الشعراء وجدوا الحاجة ماسة إلى تعلم الغناء، كذلك وجد المغنون نفس الحاجة إزاء تعلم الشعر فاصطنعته جماعة؛ منهم أبو سعيد مولى فائد وكان مغنيًا4 وشاعرًا، وكذلك سَلَّامَة القَسِّ، وكانت مغنية وشاعرة، ومن شعرها الذي غنت فيه قولها ترثي يزيد بن عبد الملك مولاها وتندبه وهو من مجزوء الرَّمَل5:
قد لعمري بتُّ ليلي
…
كأخي الداء الوجيع
ونَجِيُّ الهم مني
…
باتَ أَدْنَى من ضجيعي
1 تقولها هنا: تظنها.
2 العقد الفريد "طبع المطابع الأزهرية" 4/ 96.
3 أغاني "ساسي" 21/ 109.
4 أغاني "دار الكتب" 4/ 330.
5 أغاني "دار الكتب" 8/ 333.
6-
انتقال الغناء من الحجاز إلى الشام:
ووجود سلامة في بلاط يزيد يجعلنا نفكر في هذه الحال الجديدة، وهي انتقال الغناء من الحجاز إلى الشام في أواخر العصر الإسلامي؛ فنحن نجد في بلاط يزيد غير سلامة، حباية وابن سريج ومعبدًا ومالكًا وابن عائشة والبَيْذَق
والأنصاري وابن أبي لهب، كما يوجد في بلاط ابنة الوليد معبد وعَطَرَّد ومالك وابن عائشة ودحمان الأشقر وعمر الوادي وحكم الوادي ويونس الكاتب والهذلي والأبجر وأشعب بن جابر وأبو كامل الغزيل ويحيى قَيْل1، ونجد بجانب هؤلاء كثيرًا من المغنيات.
وكان لهذا أثره في الشعر الشامي؛ فقد شاع الغناء والرقص والطرب وبخاصة في قصور الخلفاء، وأثَّر ذلك في الشعر وخاصة في عصر يزيد بن عبد الملك الذي قال عنه أبو حمزة الخارجي في خطبته إنه: "يشرب الخمر ويلبس الحلة قوِّمت بألف دينار
…
حبابة عن يمينه وسلَّامة عن يساره تغنيانه؛ حتى إذا أخذ الشراب منه كل مأخذ قدَّ ثوبه ثم التفت إلى إحداهما فقال ألا أطير"2.
وروى صاحب الأغاني أن معبدًا غناه صوتًا فاستخفه الطرب حتى وثب، وقال لجواريه: افعلن كما أفعل، وجعل يدور في الدار ويَدُرْنَ معه وهو يقول من الرَّجز:
يا دار دوريني
…
ياقَرْقَرُ امسكيني
آليت منذُ حين
…
حقًّا لتصرميني
ولا تواصليني
…
بالله فارحميني
لم تذكري يميني! 3
وليس من شك في أن هذا "شعر إيقاعي" قيل في أثناء هذا الدوران والرقص. وصنيع الوليد بن يزيد في هذا الباب أوسع من صنيع أبيه، يقول عنه صاحب الأغاني:"وله أصوات صنعها مشهورة وقد كان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشى بالدفّ على مذهب أهل الحجاز"4. وهو إلى ذلك كان شاعرًا يحسن الشعر، وأكثر من نظمه على الأوزان القصيرة التي أشاعها الغناء.
1 H.G. Farmer، History of Arabic Music،pp. 63، 64.
2 البيان والتبيين 2/ 123.
3 أغاني "دار الكتب" 1/ 68.
4 أغاني "دار الكتب" 9/ 274.