الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى واحدِ الدنيا إلى ابن محمّدٍ
…
شجاعِ الذي لله ثم له الفضلُ
"شجاع بدل من ابن وحذف منه التنوين على مذهبه"1. ويفسر العُكْبَري هذا المذهب في التعليق على قوله:
وحمدانُ حمدونٌ وحمدونُ حارثٌ
…
وحارثُ لقمانٌ ولقمانُ راشدُ
إذ يقول: "ترك صرف حمدون وحارث ضرورة وهو جائز عندنا غير جائز عند بعض البصريين"2. وفصل ابن الأنباري في كتابه "الإنصاف" القول في هذه المسألة والخلاف فيها بين البصريين والكوفيين3. وهذا الجانب عنده هو الذي أولى شعره عناية خاصة من الشراح والمفسرين؛ فقد وجدوا أنفسهم إزاء شاعر من طراز جديد؛ إذ كان الشعراء قد اتبعوا مذهب البصرة وقلما لجئوا إلى شذوذات الكوفة ومسوغاتها في التعبير.
1 العُكْبَري 3/ 184.
2 العكبري 1/ 277
3 الإنصاف"طبعة أوربا" ص205.
2-
تصنُّعُ المتنبي للثقافاتِ المختلفةِ:
كان المتنبي مثقفًا ثقافة واسعة بكل ما عرف لعصره من معارف وآراء، وقد اتجه بشعره إلى أن يستوعب أساليب هذه المعارف والآراء، وأن يمثِّل عناصرها المتنوعة حتى ينال إعجاب العلماء والمثقفين لعصره، وهذا هو كل ما أصابته حرفة الشعر من تطور في صياغتها عند المتنبي؛ فإن القصيدة لم تعد تعبر فقط عن خواطر وجدانية بل أصبحت تعبر أيضًا عن ثقافة، حتى تظفر بالنجاح في بيئات العلماء والمثقفين.
وإن الإنسان ليخيل إليه أنه لم يكن هناك تعبير غريب أو أسلوب غير مألوف في بيئة مثقفة إلا وتكلّفه المتنبي في شعره؛ فمن ذلك ما لاحظه صاحب الصناعتين من أنه يجمع "الدنيا" على "دنا" صنيع أصحاب الأدوار والتناسخ1، كما في قوله:
تتقاصرُ الأفهامُ عن إدراكِهِ
…
مثل الذي الأفلاكُ فيه والدُّنا
1 الصناعتين ص364.
فقد كثّر من الدنيا على طريقة القائلين بالتناسخ وأن الإنسان له دُنًا مختلفة، ولسنا نؤمن بأنه كان يقول ذلك عن عقيدة إنما هو أسلوب التصنع في القرن الرابع؛ إذ كان الشعراء يحاولون أن يجددوا في المعاني والأساليب فيجدوا السبل كأنها سدت عليهم، فنراهم يلجئون إلى بعض الصيغ يقترضونها من البيئات المذهبية، يحاولون أن يضيفوا بها إلى شعرهم مقدرة فنية غريبة، وهي مقدرة كان يعجب بها الشعراء في هذه العصور، ويعدونها آية مهارتهم وبراعتهم.
قَرْمَطِيّةُ المتنبي وأثرُها في شِعْرِهِ:
يذهب "ماسينيون" القرمطية أثرت في أسلوب المتنبي وصياغته، وإليها يرد كثيرًا من الظواهر الفنية في شعره؛ إذ يحس أثرها في ترفعه وما يشعر به الإنسان عنده من مرارة. وهو يلاحظ أنه كان من شعراء البلاط؛ ولكن قرمطيته جعلته لا يتغزل في الغلمان، ولا يصف جمال الجسد الإنساني، كما ابتعد عن الزهد فهو لا يتخذ طريق أبي نواس ولا طريق أبي العتاهية. وقد زعم أن القسم الأول من القصيدة عند المتنبي الذي يملؤه بخواطره وأفكاره الثائرة ليس إلا استجابة لقرمطيته، كما نرى عند إخوان الصفا وثورتهم ضد السماء والطبيعة والناموس والحكومة ثم ضرورة الطعام والشراب، وإذن المتنبي -في رأيه- يثور في شعره على الدهر ونواميس المادة ثورة قرمطية1.
ولاحظ "ماسينيون" أيضًا أن المتنبي يستعمل بعض الألفاظ التي نجدها عند الإسماعيلية في إخوان الصفا من مثل: قدّس الله روحه، والفلك الدوَّار، وكذلك الثقلان بمعنى: القرآن والعترة؛ إذ يقول في كافور:
فما لك تختار القِسيَ وإنما
…
عن السعدِ يرمي دونَك الثقلانِ
ويلاحظ أيضًا أنه توجد في الديوان كلمات أخرى من مثل المهدي والقائم والخلف؛ ولكن شراح المتنبي لم يلتفتوا إلى هذا الجانب، وهو يضرب مثلًا لذلك أن المتنبي رأي أن الشمس لا يصح أن توضع تحت مرتبة الهلال إذ يقول:
1 MASSIGNON، MUTANABBI DEVANT IE SIECLE ISMAELIEN DE I;ISLAM، P.12.